عندما يتصدر الرويبضة

  • خطبة الجمعة 108
    خطبة الجمعة 108
  • خطبة الجمعة 108
    خطبة الجمعة 108

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

عندما يتصدَّر الرويبضة

التاريخ: 14/ ذو الحجة/1437هـ
الموافق: 16/ أيلول/2016م

🕌 من أحد مساجد حلب المحررة
⏱ المدة: 21 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:

1⃣ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.
2⃣ الحكم عن الشيء فَرعٌ عن تصوُّره.
3⃣ نوازل الثورة الأخيرة وحالنا معها.
4⃣ كيف نصدر الفتوى والصورة غير واضحة.
5⃣ يتسابقون في مسائل لو كانت في زمن عمر لجمع لها أهل بدر.
6⃣ متصدِّري فيس بوك وتويتر لا يعرفون لكلمة (لا أعلمُ ) سبيلًا.
7⃣ انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ.
8⃣ إياكم والتسرُّع في تبني الآراء وإطلاق الأحكام.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:

9⃣ دعاء

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه… القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، الحاكم بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلِد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحقِّ ليظهره على الدين كُلِّه ولو كره المشركون، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أما بعد إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) (النساء:83)

تنبيهٌ ربَّاني لكي لا يقع المؤمنون فيما يُفسِد دينهم ودنياهم، تنبيهٌ عن فعلٍ يكون من أفعال المنافقين والجهلة، أولئك الذين إذا جاءهم أمر من الأمور المهمَّة المتعلِّقة بمصالح المجتمع المسلم عامة (مما يتعلَّق بأمن المؤمنين، أو يستجلب المصائب عليهم، يتعلَّق بسلمهم وحربهم…) تراهم يسارعون ويستعجلون في إشاعة الأخبار وترويجها، بل وتحليلها بهواهم وتفسيرها حتى مِن قبل أن يتبيَّنوا، فيثيرون القلاقل والفتن والمشاكل بتسرُّعهم، ولعلَّهم لو ردُّا المسألة إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم؛ أي إلى أعيان المسلمين الناصحين مِن أهلِ الرأي والعلم والنُّصح والعقل والرزانة، مِن الذين يعرفون الأمور ويقدِّرون المصالح وأولويَّاتها ويفهمون النوازِلَ وفِقهها، لو ردُّوه لأولئك (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يعالجون الموضوع بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة، فيُعطون الرأي في الموضوع ويبيِّنون الحقَّ من الباطل، ويبيِّنون ما يقبل الخلاف والتنوُّع من القطعي الذي لا يصح الخلاف فيه، وينشرون ما يحتاج الناسُ لِعلمه، ويكتِمون ما ليس للمسلمين مصلحة في نشره بين العوام… ((وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)) إذ لولا فضل الله علينا ببقيَّة الصالحين مِن العلماء الربَّانيين العاملين المجاهدين، لاتبعتم الشيطان، لفسدت دنياكم، ولأضعتم دينكم باتباع من لا يصحُّ اتباعه ممن تجهلون حالهم وعلمهم ومشايخهم … وما خوارج داعش المضلَّلين منكم ببعيد، إذ تبعوا المجاهيل والمغمورين ومن لا يُعلم حالهم من صبيان أجهزة المخابرات العالمية، فوصل حالهم إلى ما رأينا، قطع الله قرنهم، وخلَّص المسلمين مِن شرورهم.

مصيبة المصائب، وبليَّةُ البلايا أيها السادة أن نحكم على الأشياء قبل تصوُّرها تصوُّرًا صحيحًا، والحكم عن الشيء فَرعٌ عن تصوُّره، سألني بعض الإخوة عمَّا يجري ويُحاك من مؤامرات وعمّا يتعلَّق بجرابلس وما حولها وبالهدنة المشؤومة المزعومة وما ينبني عليها… فآثرت أن لا نتكلَّم عنها هذا الأسبوع، آثرت أن لا نتكلَّم عنها حتَّى نستبين الأمر أكثر، وكيف نستبينه ودولٌ كفرنسا لم تعرف بعد ما جرى بين إخوة الصليب من الروس والأمريكان؟! كيف نعرف موقف الفصائل وقادات بعض الفصائل غدوا أكذب من مسيلمةَ وسُجاح؟! يظهرون أمرًا ويبطنون غيره، يتكتمون حتى على مجالس شوراهم، كلٌّ يغني على ليلاه، هذا إن علِم، وغيره كثيرون يسيرون على غير هدى ولا يدرون أصلًا أين يسيرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل …

فكيف نبتُّ بالأمر ونُصدِّرُ الفتاوى، ونحلِّلُ ونحرِّم ولمَّا نتبيَّن الأمر، ولمَّا تتضح عندنا الصورة كاملةً بعد؟؟!

والمصيبة أنَّ بعد هذا الجهل – أيها السادة – وبعد هذا النقص في المعلومات، ورغم عدم وضوح الأدلَّة والبيِّنات، ترى البعض يبثُّ التغريدات، ويروِّج المنشورات، وينشرُ المقالاتِ، ويُصدِّر الفتاوى، ويشقُّ الصفَّ ويكذِّب العلماء العاملين المشهود لهم بالعلم لأجل كلامٍ سمعه من هنا وهناك لم يتبيَّن حقيقته بعد، فتراه يدغدغ عواطف الناس ويلعب على وتر المشاعر، متناسيًا أنَّ العقلَ والقناعات، المصالحَ والمفاسد هي التي تحكم في هكذا مواضيع، فيدفع الناس لتكذيب العقلاء من أهل العلم، يدفع الشباب ليشقوا صفهم وليفرِّقوا جمعهم، وليضعفوا شوكتهم باسم النُّصح والدين، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – – في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه وأحمد- يحذِّرُنا من أمثال هؤلاء قائلًا:
(( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ)) …

التافه، قليل العلم، صغير السن، عديم الخِبرة، فاقدُ الحِكمة، ينطق في أمر العامَّة، يُحَكِّم فهمه ونظره القاصِر، في أمورٍ لو كان عمَر الفاروق حاضِرًا لجمع لها أهل بدر، ذاك الرويبضة لا يعي حجمه الحقيقي فيُحكِّم فهمه القاصر في أمور بلدٍ كامل، في دماء المسلمين وفي أموالهم، في جهادهم وسياستهم، ينطق فيها بجهله، يزاود فيها على إخوانه، لا يعرف لكلمة (لا أعلمُ) سبيلًا، وقد كنَّا – والله – نسمعها من كبار العلماء المشهودِ لهم، يُسألُ أحدهم المسألة لا تطمئنُّ نفسه لما خبر عنها فيقول: (لا أعلم – دعني أراجعها أيامًا)… وصاحبنا اليوم –أيها السادة – من الرويبضة الذين نراهم في زماننا لا يعرف لكلمة (لا أعلمُ) سبيلا، لا يقول لك (دعني أراجع المسألة) وإن فعلها فلثوانٍ معدودة يبحث في جواله عبر الانترنت عن جوابٍ ذكره أحدهم لا يدري من هو !!!

رويبضةُ زماننا – أيها السادة – يفتي في الدماء والأموال والأعراض والجنايات والجهاد والسياسة والثورة لا يعرف لكلمة (( لا أعلم)) سبيلًا في قاموسه… ولعلّ الأشدّ من ذاك الرويبضةِ جهلًا، والأقلَّ منه عقلًا، والأسفه منه حِلمًا، والأضلَّ منه سبيلًا من يتبِعه ويطيعه؛ من يتبع جاهلا لا يعرفه ولا يعرف اسمه، ولا يعرف شيوخه، ولا عمّن تلقى علومه، فيأخذ منه العِلم ويستفتيه!! … ولعلَّ الأخطر من ذلك والأفظع أن بعض الناس ، أنّ بعض الشباب غدوا يأخذون العلم والمعلومات مكفِّرين ومبدِّعين ومفسِّقين طاعنين بإخوانهم المجاهدين ومروِّجين للشائعات، ومفرِّقين للصفوف… يأخذون المعلومات من حسابات تويتر وفيسبوك وقنوات التليغرام التي لا يدرى من خلفها، فكم من صفحاتٍ كانت باسم الشيخ الفلاني والشيخ المذكور منها براء؟!! كم من أمورٍ نُشِرت وروِّجت وهي كذبٌ وزورٌ وافتراء… والبعض أيها الأحبَّة يعتبر تلك الحسابات مصدره الموثوق للمعلومات يجمع منها كلماتٍ من هنا وهناك، ليتصدَّر بها المجالس ويستلم الحوارات والنقاشات، ليتظاهر بأنَّه من أهل العلمِ والاطلاع، يتظاهر بالفهم أمام الناس، يستلم الحوارات والنقاشات وإن راجعته بالمعلومة يقول لك قرأتها على الإنترنت ( والله أعلم من الذي نشرها وروَّجها !! أهم جنود بشار؟! أم جنود الخوارج ؟ أم مخابرات دولةٍ ما؟ …
) ينقل المعلومة من على الانترنت وكأنَّه سمعها من الصادق المصدوق، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – حذَّرنا ونبهنا من خطورة ذلك قائلًا: (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) [رواه مسلم] والعلماء العاملون من بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حذَّرونا ونبهونا، ورحم الله الإمامَ مسلم إذ وضع في مقدِّمة صحيحه القاعدة المهمَّة الخطيرة التي نصَّ عليها علماءُ المسلمين، وهي قول عَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ- رحمه الله -: «الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ»، انظر عمَّن تأخذ من هو؟ ما عِلمه؟ من شيوخه؟ عندما تنقل على ألسنة الناس فتثبَّت قبل أن تنسب الأمر لغير قائله، عندما تأخذ الفتوى في دينك وجهادك وفي النوازل فانظر عمَّن تأخذ دينك، ومسلمٌ نقل أيضًا في مقدمة صحيحه قول ابنِ سيرين – رحمه الله – : «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ»

انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ … إياكم إياكم – إخوة الإيمان – والعجلة في إصدار الأحكام… إياكم إياكم – إخوة الإيمان – والسرعةَ في تبنّي الآراء حتَّى تتبينوا ممن يغلب على الظنِّ صدقهم، حتَّى تتبينوا ممن شهد أهل العلمِ بعلمهم، قدِّموا عقولكم على عواطفِكم فالمرحلة دقيقة خطيرة، لن ننجو منها إلى بتقديم مراد الله على هونا، وبتقديم العقل على العاطفة، لن ننجو من هذه المنعطفات إلا بتقديم فهم العقلاء العلماء لنصوص الشرع على الفهم السطحي البسيط لبعض السذَّجِ من المتصدرين.

أيها الأحبة النصر يكون بتقديم ما وافق شرع الله على ما وافق هوانا، بتقديم فهم العقلاء العلماء الذين شهد لهم أهل العلم بأنَّهم على الخير والهدى لا بشهادة هوانا وميولِنا … فبعض الناس معيار خيريَّة العالِم عندهم أن يوافق كلامُه هواهم وما تشتهيه أنفسهم، والحقُّ أن العالم الرباني هو من وافق كلامه أدلَّة الشرع، فالخير فيما أمرنا الله به لا خير في سواه، الخير في الصبر على مرادِ الله ولو مالت النفوس المريضة إلى سواه، اللهم أرنا الحقَّ حقًا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *