لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد – انتخابات بشار 2014

خطبة الجمعة

الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره ومستدرج الكفار بمكرِه. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع، والحاكِم بما يريد فلا يدافع، أحمُده جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى وآل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد:

عباد الله قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) (آل عمران : 196-197)
إخوة الإيمان والعقيدة لعلّ بعض الناس من ذوي النظرة المتشائمة والسوداوية، ينظر ويتأثر بتلك المظاهر الكاذبة الخادعة التي يتظاهر بها أعداؤنا الكفرة أمام أتباعهم وغلمانهم، إذ أنّهم يتظاهرون بالنِّعْمَة والغِبْطَة والسرور – على ما يذوقونه من بأس المجاهدين وشدّتهم- لكي يدّعوا ما ليس لهم من القوّة أو المكانة، ولكي يرفعوا شيئا من معنويات جنودهم المنهارة، ولكنّ الله تعالى يحذّرنا من أن نغترّ بهذه المظاهر الكاذبة التي سرعان ما ينكشف زورها، وينفضح بهتانها، وما هي أمور آنية مرحلية لا تلبث أن تتغير، قال تعالى: (قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا ) (مريم:75)

فعاجلًا سيذوق أولئك وبال أمرهم في الدنيا، ويُعاقبون على اجرامهم ذلًا وهوانًا وتقتيلًا وتشريدًا – كلٌ على حسب جرمه – وفوق هذا كلّه يقفون أمام ربّهم يوم القيامة مُرتَهنين بأعمالهم السيئة، بوجوه مسودّة كالحة ليسربلوا سوء العذاب.

قال تعالى: { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ } [غافر:4] ، إيّاك إيّاك أخا الإسلام إيّاك أخا الإيمان أن تغترّ بتقلب أولئك في البلاد ولكنّها سنّة الله في الكون ولكنّها سنّة الله في التغيير بأنّ له وقتًا وزمنًا ورجالًا.

ولعلّ بعض النّاس من الجهلة أو المنافقين عدّ التمثيلية التافهة التي أسموها (انتخابات رئاسية) شيئا ذا قيمة ولعلّ بعضهم ظنّ أنّ الملعون بن الملعون سينتفع بذلك أو سيزداد نصره ممن وراءه والأمر عندنا سيّان (لا يختلف ما بعده عمّا قبله):
فلكلّ شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ… فلا يغرَّ بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول… منْ سرّه زمنٌ ساءتهُ أزمان
وهذه الدّار لا تبقى على أحد…ولا يدوم على حالٍ لها شان
أين الملوك ذووا التُّيجان من يمن. وأين منهم أكاليلٌ وتيجان
وأين ما شاده شدّاد في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسان
وأين ما حازه قارونُ من ذهب … وأين عادٌ وشدَّاد وقحطان
أتى على الكلّ أمرٌ لا مردَّ له…… حتى قضوا فكأن القومَ ما كانوا

أين الملوك أين الجبابرة أين القياصرة؟ أين الأكاسرة؟ أين من بغوا وطغوا وظنّوا أن لن يقدر عليهم أحد؟!! ذهبوا وهلكوا جميعًا.
هل دام الملك لأحدهم؟ هل دام الملك لذراريهم إلى قيام الساعة؟!

من هؤلاء أمام القياصرة والأكاسرة والملوك؟ من حكام سوريا الآن أمام من حكموا الأرض مئات السنين مئات السنين ثمّ أتى أمر الله فذهب ملكهم بل وقتِّلت ذراريهم

أين الملوك ذووا التُّيجان من يمن. وأين منهم أكاليلٌ وتيجان

ذهب ملكهم واندرس حكمهم. أين منهم من حكم ليبيا وجعل يقلد القياصرة والأكاسرة وجعل لنفسه تاجا من ذهب؟!

وأين ما شاده شدّاد في إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسان

أين حسني أمريكا أين شر مجرمي تونس؟!

إخوة الإيمان والله إن أردنا أن نوصِّف حال ومآل فرعون سورية ومن معه ومن وراءه فيما هم عليه من الإمهال والمد إنّما نصفهم بقول المولى سبحانه وتعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)

[اتخذوا إيران وإسرائيل وأمريكا ودول الكفر قاطبةً ليكونوا لهم عونًا وعزّا]

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا )

[نعم سيكفر أولئك بهم ولن يلبثوا أن يتخلوا عنهم كما تخلّو عن غيرهم من أزلامهم عندما وجدوا الكفّة رجحت عليهم فيذوقوا العذاب بأيديهم وأيدي المؤمنين] (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)(مريم: 77-84)

[فمن حولهم من شياطين الإنس المنتفعين والمتزلفين يحاولون بكلامهم أن يشجعوا الكافر ليزيدوا منفعتهم وليحرزوا أموالهم التي يريدون الهرب بها …. ولكن هيهات هيهات …. هيهات هيهات فالله تعالى يمد لهم مدّا]

قال تعالى: { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا } [الطارق:17] ، أي: أمهلهم قليلاً حتى يذوقوا وبال أمرهم فلن يلبثوا إلّا قليلًا حتى يأتي أمر الله بإهلاك الكفرة والمجرمين.

نعم أمر الله آت وهو قادمٌ لا محالة ولا رادّ لحكمه ومن شاء فل يصرف عن سامعيه إرجاف المرجفين وتخذيل المتخاذلين وليذهب للجبهات ولير بأم عينه جثث الكافرين لا يستطيعون لها سحبا

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21)

أيقظني الله وإيّاكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زُمرة عبادِه الصالحين قال الله تعالى وهو أحكم القائلين (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى:

أمّا بعد إخوة الإيمان العقيدة لابدّ أن نعلم أنّ استعجال النّصر وضيق الذرع بتأخره ليس من صفات المؤمنين في شيء فالخير فيما اختاره الله والإنسان ينظر إلى ظاهر الأمور وعاجلها ولا يعلم المآلات والحِكَم، وقد يَكره أمراً ويجعل الله الخيرَ فيه. قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة: ٢١6]

فإنَّ من عادة الله وسنّته التي لا تتبدل ولا تتغيّر ومع ذلك تخفى على كثيرٍ من النّاس – لاسيَّما أهلُ النِّفاق – تأخيرُ نصرِ الدينِ وأهلِه، وهو على الحقيقة بالرغم من شدَّة وطأته وثِقَل حِمله نصرٌ خفيٌّ موصول بالنصر الجَلي، فلا بدَّ من هذا للمؤمنين إذا قاموا بنصرة شرع الله ودينه.

وكم لله في ذلك من الأسرار العظيمة ومن الهبات الجليَّة، والتي لعلَّ من أهمِّها كشف المنافقين وتمييزهم قال تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال: ٣٧] إن من رحمة الله بعباده تأخر النصر لنعرف المؤمنين وليفضح المنافقين ولينكشف خبث الخبيثين، فلا نصر بلا بلاءٍ وجِهادٍ وصَبر، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: ٢١٤]

فإذا عَظُمَ الكربُ وتفاقم الأمرُ وكاد أن ييأس المؤمنون جاءهم النصر، تخيّل أخ الإسلام عظمة الشدّة والكرب التي مرّ بها الرسل وأتباعُهم وتحمّلوها وقاسوها حتى بلغت من شدتها أنّها دفعت الأنبياء والمرسلين وهم أكمل الناس إيمانًا لأن يستعجلوا النصر من الله (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) فإذا عظم الكرب وازدادت الشدّة وتفاقمت المحنة وكاد أن ييأس المؤمنون، جاء نصر الله وجاء مدد الله وجاء فتح الله لعباده المؤمنين فاشراق الفجر لا يكون إلّا بعد استحكام ظُلمة الليل والأيام دول يوم كرٌّ ويومٌ فر والحرب سجال والعاقبة للمتقين وفي هذا يقول ربّنا سبحانه وتعالى:
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) تخيل أخا الإيمان عظمة الشدة والبلاء التي تدفع نبيًا مؤيّدًا بالوحي والمعجزات لأن يقارب حالة اليأس
(جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ) اللهم اجعلنا منهم

( وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: ١١٠]

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)

اللهم اغفر لنا واكتبنا من عبادك المنصورين وهيِّئ لنا نصرًا وفرجًا عاجلًا غير آجل لعبادك المستضعفين في بلاد الشام ونسألك بأسًا شديدًا لا يغادر أحدًا من مجرميها إنّك وليّ ذلك والقادر على كلّ شيء

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *