إرادة الصمود

  • خطبة الجمعة - إرادة الصمود
    خطبة الجمعة - إرادة الصمود
  • خطبة الجمعة - إرادة الصمود
    خطبة الجمعة - إرادة الصمود
  • خطبة الجمعة - إرادة الصمود
    خطبة الجمعة - إرادة الصمود
  • خطبة الجمعة - إرادة الصمود
    خطبة الجمعة - إرادة الصمود

#‏خطبة_الجمعة‬
‫#‏الشيخ_محمد_أبو_النصر‬
بعنوان: إرادة الصمود
التاريخ: 10/ جمادى الأولى/1437هـ
الموافق: 19/ شباط/2016م
المدة: 37 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى:
1- الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ.
2- وقت الشدة يتميَّز المجاهد الحقيقي ممن ركب موجة الثورة.
3- يا أهل حلب ممَّ تخافون؟!!
4- وَاعْلَمْ: أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ.
5- المؤمن في النكسات لا ييأس بل يبدأ بمراجعة الذات.
6- وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ (جيش الفجّار نموذجًا).

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
7- وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ .. المسألة عندك، مسألة اتخاذِ قرار
8- تجربة الشيخ أحمد ياسين الذي لم ييأس، وتجربة غزَّة المحاصرة.
9- سلاحنا عزُّنا وشرفنا، من أراد الدفاع عنا فليدافع وسلاحنا معنا.
10- موكب الحق انطلق، وشباب الحريَّة لن يعودوا إلى الذل. (شعر)

ربط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:

(وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) ) (آل عِمران:169-171)

آياتٌ كريمة من سورةِ آل عِمران نُكرِّرُها ونسمعها كلَّما ذُكر أمامنا الشهداء المؤمنون المُقبِلون في سبيل الله … آياتٌ تتحدَّث عن مكانة الشهداء ومنزلتهم نعرفها ونسمعها ولكن قلَّما نتدبَّرُ ونتفكَّرُ بما يليها وما بعدها … إذ تتبع الآيات الكريمة تصف لنا نوعًا خاصًّا من المجاهدين، نوعًا من ذوي الرُتب العالية، والمقامات الرفيعة، نوع خاص أعلى الله درجتهم ومكانتهم إذ نالوا أعلى درجات الكرامة فمن هم يا تُرى تتبع الآيات: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)) (آل عِمران:172-173)

الأجر العظيم أيها السادة، للمتقين المحسنين، الأجر العظيم للذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح، استجابوا لأمر الله ورسوله والجراح تُثخِنهم، استجابوا لأمر الله ورسوله والآلام تعمُّهم، استجابوا لأمر الله ورسوله وقد دفنوا من ساعاتٍ أحبابهم وإخوانهم، (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا)، بل استجابوا لأمر الله، أولئك هم المجاهدون الصادقون الذين يثبتون يوم يفِرُّ الناس، أولئك الذين يُقاتلون ساعة ييأسِ اليائسون، أولئك الذين يحمون بيضة الإسلام وشرف المسلمين … (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ) يجاهدون حال الشدَّة وحال البأس، ليس كبعضِ من رأينا مِنَ المزيَّفين المنافِقين، ممن ركِبوا موجة الثورة والجهاد، يوم كانت الثورةُ في انتصارٍ وفي إقبالٍ يوم كانت الفتوحاتُ في ازدياد، فركبوا موجة الثورة لأجل مكاسِب الدنيا، لأجل الرياء والسمعة وحُبِّ الظهور، ولأجل التسلُّطِ على خلق الله، فتأتي الشدَّة ويأتي الكربُ الآن ليفضحهم، ها هم اليوم ساعة الشدَّة في موقِفِ الحسم ينقلبون على أعقابهم، ويولُّون الأدبار، لا يعينون المؤمنين الصادقين، وما ذاك إلّا فضلٌ وخيرٌ أراده الله بهذه الأمَّة؛ لكي تتمايز الصفوف ولكي يظهر المؤمنون الصادقون– جعلنا الله جميعًا منهم- أولئك الصادقون الذين لا يعبؤون بدعايات العِدا ولا بتخذيل المثبِّطين (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)) (آل عِمران:172-173)

قولوا: (حسبنا الله ونعم الوكيل)… (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)

نعم أيُّها السادة عباد الله الصادقون الذين رأوا الشدَّة وسمعوا التخذيل، فما وهنت نفوسهم ولا ضعفت هممهم وعزائمهم، يعلمون أنَّ هذا امتحان للمؤمنين يميز الله به الخبيث من الطيّب، فترى لسان حالهم يقول: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:22)

هذه الآيات أيُّها الإخوة وإن كانت نزلت في أهل أحدٍ الكرام، ولكنَّها درسٌ وعِظةٌ وعِبرةٌ للمؤمنين في كلِّ زمانٍ ومكان … يوم أحد لم يكد المسلمون يضمدوا جراحهم ويدفنوا شهداءهم حتى سمعوا بكرَّة المشركين مرَّة أخرى يريدون أن يستأصلوا شأفتهم فنادى منادي الجهاد في الناس، ونادى رسول الله أن لا يخرج معه إلَّا من شهد أحدًا فخرجوا على ما بهم من جراحاتٍ وآلام، خرج المصابون والجرحى استجابةً لأمر الله ورسوله حتى بلغوا حمراء الأسد فبلغ الخبر مسامِع المشركين، فظنوا أن المسلمين قد أتوا بمدد من المدينة يريدون الانتقام، فقذف الله في قلوب أعدائه الرعب، فولَّوا الأدبار، ولم تحصل معركة … وقد أكملت السورة الكريمة تصف لنا ذلك، إذ قال تعالى واصفا حال المؤمنين يومها: ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)) (آل عمران: 174-175)

شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعضٍ زُخرف القول غرورا، تريد أن تخوِّف المؤمنين وأن تقذف الرعب في قلوبهم …

يا أهل حلب ممَّ تخافون ؟!! والذي تخافون منه حلَّ في أهل الغوطة منذ ثلاث سنوات فما وهنوا ولم يستكينوا وهاهم إلى اليوم صابرون صامدون محتسِبون لم يُجدع لهم أنف… فممّ تخافون؟؟!!

أتخافون من حصارِ مناطق شاسعة فيها كلُّ مقوِّمات الصمود؟! وغيركم حوصِر في مناطق ضيِّقة ليس فيها طعام ولا شراب يكفي وها هو إلى اليوم صامدٌ صابرٌ في سبيل الله (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) …

المؤمن الحق أيُّها السادة لا يخاف إلّا الله..

المؤمن الحق كلُّه ثقةُ بالله، يعلم أنَّه لا يعطي ويمنع ولا يصل ويقطع ولا يخفضُ ويرفع إلا الله، المؤمن الحق أيُّها السادة يعلم أنَّ مكر الأعداء مهما بلغ فالله خيرُ الماكرين، المؤمن الحق أيُّها السادة موقنٌ بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لابن عبَّاس: ( وَاعْلَمْ: أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَاعْلَمْ: أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ). [بعضٌ من حديث رواه أحمد في مسنده]

المؤمن الحق أيُّها السادة عندما يرى شيئا من التراجع أو التخاذلِ أو الضعف أو تقدُّم الأعداء لا تضعف إرادته ولا تلين عزيمته يراجع نفسه، يراجع حاله وحال إخوانِه لينظر فيما كان منهم مِن تقصير؛ ( مِن تقصيرٍ في جنبِ الله، مِن ظُلمٍ للعباد، من تقصيرٍ في الأخذِ بالأسباب الدنيوية إذ أنَّ الأسباب والسنن الكونيَّة لا تُحابي أحدا) (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران: 165).

ما زلنا في سورة آل عِمران، والآيات تصِف لنا حالةً شبيهةً بحالنا اليوم، ففي مقابل أولئك المؤمنين، في مقابل عباد الله الصابرين الذين لا تخوفهم الشياطين، في مقابل أولئك… يكون المنافقون ويكون المرتدُّون، ويكون من يبيع دينه بعرَضٍ من الدنيا قليل ، لذلك أتبعت السورة الكريمة تصف حالهم، إذ قال تعالى: ( وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)) (آل عِمران:176-178)
أولئك الذين يسارعون في الكفر لأجل الدنيا، يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ فيفضحهم في الدنيا، ويُحبط أعمالهم في الآخرة، وَلَهُمْ عَذَابٌ عظيم؛ بأيدي عبد الله المؤمنين الصادقين في هذه الدنيا، ولهم عذاب الخِزي في نار جهنَّم يوم يقوم الناس لربِّ العالمين، أولئك الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ، ما أشبه حالهم بحال من نراهم اليوم من الذين تولَّوا الكفار المُلحدين، وقد أعانوا الكفّار على المسلمين، هؤلاء الذين تسمَّوا باسم سوريا الديموقراطية وباسم جيش الثوار !!! كذبوا والله في ذلك … لهم أحقُّ أن يُسمَّوا جيش الفجَّار، بل جيش الكفَّار، لعنة الله عليهم أجمعين فضحوا عورة المسلمين وغدروا بهم ففضح الله عورتهم وكشف حقيقتهم واستبان للقاصي والداني مكرهم، بعد أن كانوا يحاولون إغراء بعض المقاتلين بالمال ليلتحقوا بهم بحجَّة أنهم يريدون قتال الدواعش، وهاهم نراهم والروس بالطيران يدعمونهم والأمريكان يناصرونهم، تحالفوا مع ال PKK الملحدين، قتلوا المسلمين، وغدروا بالمجاهدين…
هؤلاء المجرمون أيُّها السادة وإن تقدَّموا على الأرض قليلا، وإن لحق بهم بعض أسافل الناس وأراذلهم فوالله ما ذاك إلّا لخيرٍ أراده الله … خيرٌ أراده الله وبيَّنته الآيات الكريمة إذ أتبعت بقوله تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)) (آل عِمران: 179)

ما كان الله ليذرنا على حالٍ واحدة حتى يَميزَ الخبيثَ من الطيِّب، حتى يَخرُج الخبثُ من بين صفوفنا، وحتى تتمايز الصفوف، فصفُّ إيمانٍ لا كُفر فيه وصفُّ كُفرٍ لا إيمان فيه، عندها تكون الملحمة ويكون النصر للمؤمنين من الله ربِّ العالمين…

ورحم الله سيِّد قُطب إذ قال يومًا: ” لو انتصر الدعاة دائمًا لامتلأت صفوفهم بالمنافقين” … ولكن يومٌ ويوم حتى يَميز الله الخبيث من الطيِّب، حتى يميز الله من سيسقط في حُفرة الكفر والردَّة والتنكُّب عن طريق الحق، أولئك الذين باعوا دينهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل، حتَّى يميز الله القاعدين الخانعين الذين يرضون بالذلّ والهوان… مراكب كثيرة قد شُرِّعَت أشرعتها أيُّها السادة فليختر كُلٌّ منكم المركب الذي سيركب فيه، فإمَّا مركب الجهادِ والصبر والثبات حتى يفتح الله لعباده المؤمنين أو مركِب الذلُّ والخنوعِ والهوان، مركِبٌ يذكِّرُنا بيوم تخاذُلِ الناسِ عن نُصرة ثورة الثمانينات في هذا البلد، فذاقوا الذلَّ والهوان وفُتِنوا في دينهم ودنياهم عشراتِ السنين، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ، فاختاروا المركِب الذي تركبون فيه، واختاروا الطريق الذي تريدون، فإمَّا سبيل المجرمين أو سبيل المؤمنين والله تعالى وعد ووعده الحق بأنَّ العاقبة للمتقين.

اللهم اجعلنا من المتقين واكتبنا معهم يا كريم وانصرنا بنصرك يا أرحم الرحمين..

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، أمَّا بعد إخوة الإيمان: فقد مرَّ معنا في الخطبة الأولى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
(( وَاعْلَمْ: أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً )). [بعضٌ من حديث رواه أحمد في مسنده]

وفي حديث آخر رواه البخاري ومسلم يقول – صلوات ربِّي وسلامه عليه – : (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ).

المسألة عندك أيُّها المسلم؛ مسألة اتخاذِ قرار، إن اتخذت القرار بالعفاف أعانك الله على العفاف، إن اتخذت القرار بالصبر والثبات، ثبَّتك الله وأعانك… المسألة مسألة إرادةٍ وثقةٍ بالله، مسألة قلبٍ عامرٍ بالإيمان يأبى أن يَذِلَّ أو أن يهين لغير ربِّ العالمين.

أيُّها الإخوة الكرام:
في الأسبوع الماضي حصلت معي حادثةٌ ذكَّرتني بالشيخ أحمد ياسين رحمه الله، ذاك الشيخ الجليل الذي اغتالته اليد الصهيونية الآثمة سنة (ألفين وأربعة شمسيَّة) ذاك الشيخ الفاضل مؤسِّسُ حركة حماس رحمه الله وتقبَّله.

ذاك الشيخ الذي كلما نظرت في صوره وسيرته عرفت معنى الإرادة القوية، عرفت كيف تكون سيرة من يريد الثبات والصمود، ذاك الشيخ أيُّها السادة شُلَّت جميع أطرافه في حادثٍ وهو ابن ستَّ عشرة من السنين، فلم يعرف معنى الخنوع ولم يهن أو يستكين، ولم يقل أنّي سقط عنِّي التكليف، هذا الشيخ الجليل أيها الإخوة شهد احتلال اليهود لفلسطين سنة ثمانٍ وأربعين وتسعمائة وألف، وكان عمره حينها اثنا عشرة سنة، يصف لنا ما جرى حينها قائلا: «لقد نزعت الجيوش العربية التي جاءت تحارب الكيان الصهيوني السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث»…. فهم هذا وهو ابن اثنا عشرة سنة، فخرج وهو شابٌّ صغير يحرِّض على الجهاد، وشلَّ بحادثِ وهو في السادسة عشر فلم يستسلم ولم ييأس بل كان يُحملُ حملًا – لم يكن عندهُ كُرسيٌّ بدواليب حينها – يُحملُ حملًا من مسجدٍ إلى مسجد ومن منطقةٍ إلى منطقة ومن تجمُّعٍ إلى تجمُّع يدعو للجهاد في سبيل الله ويدعو لنصرة دين الله، وكان هو من أوائل من أسس حركة المقاومة الإسلامية حماس، أسَّس ولم يستعجل قطاف ثماره، زرع وسقى الزرع، فبارك الله في الزرع حتى كان القطاف والحصاد ما رأينا في حرب اسرائيل الأخيرة على قطاع غزَّة، في الحرب الأخيرة… وأين أنتم من قطاع غزَّة، غزة المحاصرة التي لا يدخلها شيء وهاهم بفضل الله بإيمانهم وصبرهم وإرادتهم يقارعون أقوى جيشٍ في المنطقة، جيشٌ هزم جيوش الأنظمة العربية قاطبة، أركعه أبطال غزَّة المحاصرون …

فأين أنتم من ذلك؟!
أين أنتم وأين إرادتكم والسلاح بين أيديكم؟؟ وهنا نُذكِّر، قلنا ونقول دائما:
“سلاحنا عزُّنا وشرفنا وعِرضنا من الآن وحتى يقبض الله أرواحنا شعارنا أنّا لا نسلم سلاحنا لأحد، من أراد معونتنا وحمايتنا فليُعنا وسلاحنا بأيدينا”

فانظروا في حالنا أيُّها الإخوة مقارنةً بحال أهل غزَّة، المسألة مسألة إرادة وإيمان، مسألة قلبٍ يوقن بأنَّ الله خير الناصرين، مسألة قلبٍ مؤمنٍ بأنَّ الله خيرُ معين، فمن اتخذ القرار بالصمود سيصمد وسيُعان بإذن الله، أمَّا المتخاذل القاعد فذاك لا يُرتجى منه خير.
المسألة إذن أيُّها السادة: صبرٌ وصمودٌ وإرادة واتخاذ قرار بذلك.

هذا الموكب الذي سار – موكب العزَّة والكرامة والإيمان، موكب الفتح المبين – لم يعد فيه عندنا شبابٌ ولا أطفال يرضون أن يعودوا للذل والهوان.

قد يتوق بعضُ الكبار للدَعَة وللأمن والأمان لأن يعيشوا عيشة الأذلاء، ولكن شباب اليوم ممن رُبي على نار المحنة وذاق معنى الحريَّة والكرامة، يأبى أن يعود للعبودية لغير الله، يأبى أن يعود للذلِّ والهوان، يأبى أن يرى شرع الله يُهان في بلاد الشام
فلينطلق باسم العقيدة زحفنا **** لنطيح بالأصنام .. والأوثان
لاح السنا يا جاهلية فاركعي **** للنور يسطع واسجدي لأذان
الله أكبر يا هداية أطفئي **** نار المجوس وزخرف الرومان
الله أكبر يا هداية أطفئي **** نار المجوس وزخرف الأمريكان
[من شعر محمد منلا غزيِّل – رحمه الله – توفي بتاريخ /5-1-2016م/]

والله لغير الله لن نركع، والله لغير الله لن نركع… شعبٌ ذاق الكرامة وعرَف معنى الحريَّة يأبى أن يعود للذلِّ والهوان، والأيام دول، والحرب صولات وجولات، كرٌّ وفر، والعاقبة للمتقين، فاختر أخا الإيمان المركب الذي ستكون فيه…

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *