الثورات بين الواقعية و المزاودات من البوسنة إلى أرض الشام

مقالات - الثورات بين الواقعية و المزاودات

بقلم: د جهاد أبو حمزة
مسؤول مكتب العلاقات العامة – حركة أحرار الشام الإسلامية
إن توصيف الواقع و تشخيص المشاكل ليس بصعوبة طرح الحلول الواقعية التي تناسب المرحلة و تناسب كذلك حالة الوهن التي تمر بها فصائل الثورة.
من السهولة بمكان لآحاد الناس أن يتمسكوا بالثوابت حتى يصلوا إلى الأخدود ظافرين بالشهادة، لكن من غير الممكن و لا المقبول أن نقود الأمة في كل تجربة جهادية بذات العقلية لنزج بها وبالثورة في أخاديد أوهام التمكين و المبادئ!!
صحيح أنه ما زال بأيدينا الكثير من الأوراق لاستثمارها
صحيح أن لدينا الكثير من مقومات المواجهة و الاستمرار
صحيح أن إحدى أهم مشاكلنا ليست
//عوزا في// الموارد البشرية و المادية و إنما //إدارة// ما نمتلك من إمكانيات و موارد وتوجيهها بموازاة بوصلة الثورة، بدل تضييعها في خلافات داخلية ومعارك على النفوذ والسلطة ضمن الفصائل وفيما بينها …
إلا أن علينا في كل مرحلة – وقبل أن نستعير سقوف المراحل الماضية –
علينا أن نقرأ الظرف الداخلي والإقليمي والدولي ، و واقع التحالفات وتغيراتها ، والأهم هو التقدير الصحيح – والمحدث باستمرار ” up-to-date ” لقوى أعدائنا و لقوتنا (أقصد قوانا الفعلية المؤثرة على الأرض وليس المقدرات والإمكانيات ، فثمة فارق شاسع !!) ….
علينا أن نقدر كل ذلك قبل أن نتحدث عن الطموح التي نرتجيها والآمال التي نتعلق ونعلق قلوب المقاتلين وحاضنة الثورة بها ..
والمثال الذي سأطرحه الآن أريد به الاستشهاد بطريقة التفكير لإدارة المعركة
وليس للاقتداء بمخرجاته
فيرجى التنبه
في أواخر أيام الجهاد البوسنوي كان لواء المجاهدين قد وصل أوج قوته، وبالتنسيق مع الجيش البوسنوي (الذي كان اللواء يتبع له)
تمكن المجاهدون من تحقيق فتوحات واسعة (راجعوا فيلم بدر البوسنة)
و وصلوا إلى بودوي بالقرب من بانيالوكا عاصمة صرب البوسنة، وبدؤوا بالمناوشات مع الصرب البوسنيين في عقر دارهم …
ثم ما الذي حصل ؟!!!
خلال فترة وجيزة صادق علي عزت بيجوفيتش على وقف إطلاق النار
وتم توقيع اتفاقية دايتون !!!
فما السبب الذي دفعه إلى خطوة من هذا القبيل في أوج انتصارات المسلمين العسكرية؟!!
و هل ” باع .. ” بيجوفيتش دماء شهداء البوسنة؟؟
و ” استنكف … ” عن الانتصار لأعراض حرائرها؟؟
و ” ميع … ” قضية تهجير المسلمين القسري والتغيير الديمغرافي؟؟
أسئلة كثيرة، وشبهات أكثر كانت لتواجه بيجوفيتش رحمه الله لو أن تجربته كانت في أرض الشام .. !!
لقد كان رحمه الله وأحسن إليه بعيد النظر واسع الأفق عميق الفكر، متفهما لأبعاد اللعبة الدولية، ومدركا لحقيقة إمكانيات المسلمين الهزيلة في (البوسنة)
ولضعف وتخاذل (أمة الإسلام)
و كان يعلم تماما أن ما تحقق للمسلمين من تفوق عسكري إنما كان تسخيرا من الله [[ وفق سنة التدافع (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين ) ]] للقوى الغربية التي كان يهمها كسر النفوذ الروسي المتمثل في تقوية الصرب السلاف أبناء عمومة الروس،
و لقد قرأ بوعي و خبرة التغير السلبي في الموقف الغربي في الأشهر التي سبقت الاتفاقية.
فلقد حوصرت البوسنة عمليا بعد التسهيلات النسبية التي كانت تقدم للمجاهدين للوصول إلى أرض البوسنة
(للعلم، فالبوسنة دولة داخلية تقريبا ومنفذها البحري الضيق كان محتلا من قبل كرواتيا)
فقد كان المشايخ و الدعاة في أوربة الغربية يثيرون الهمم و يدعون للجهاد و يجمعون الأموال للجهاد البوسني، و كان المجاهدون الأوربيون يتجهزون من ألمانية مثلا ثم يطيرون إلى أقرب نقطة ثم يدخلون البوسنة ويباشرون التدريب في معسكرات اللواء.
كل تلك التسهيلات أوقفت بل و بدأت الملاحقات الأمنية!!
كما جاءت كذلك مجزرة سربرينيتشا (8000 آلاف مسلم في ملاذ آمن على أعين القبعات الزرق!!) في المناطق ذات النفوذ الضعيف للمسلمين لتزيد من الضغط على بيجوفيتش،
ناهيك عن الضغوط الأوربية عليه في الأيام التي تلت وصول المجاهدين قرب بانيالوكا،
حيث شهدت أروقة الدبلوماسية الأوربية نشاطا محموما مؤذنا بتغير في الموقف الأوربي تجاه المسلمين، وبضرورة إعادة تقييم الموقف من قبلهم …
و هنا كان القائد بيجوفيتش أمام مفترق طرق يجعل الحليم حيران …
لكنه في آخر المطاف عزم أمره على المضي قدما للاستفادة من الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش البوسني ورأس حربته (لواء المجاهدين) ليحقق بها ما يستطيع من مكاسب على طاولة المفاوضات، متجاوزا مزاودات منظري الوهم القابعين في لندن آنذاك وغيرهم ممن يحرق مشاريع الشعوب المسلمة لأجل الانتصار لمشاريعه الطوباوية.. !!
وذلك بدل أن يضيعها لهاثا وراء طموحات خيالية و سقوف عالية‼️
فلقد كان من الواضح أن المرحلة التالية ستكون مرحلة ضغط على المسلمين وستشهد تراجعاعسكريا في الميدان؛ واستقرأ من هذه التغيرات أن التسخير الرباني للأوربيين قد شارف على الانتهاء وذلك تماشيا مع السنن الكونية التي تراعي موازين القوة والضعف في مرحلة الاستضعاف التي تمر بها الأمة ..
فالتسخير الرباني للأعداء حسب سنن التدافع لا يكون مصادما للنواميس الكونية ولا يحقق للمسلمين معجزات بقيام دولة الخلافة في زمن الاستضعاف!!
و إنما بـ //إتاحة المجال// للمسلمين الثائرين المعزولين عن الأمة النائمة لتحقيق أفضل مكاسب ممكنة؛
فالمعركة لم تنته بعد
وإنما هي جولة ستتبعها – عاجلا أو آجلا – صولات و جولات وعلينا القبول باستراتيجية المكاسب المتراكمة دون القيام بمحاولة خطيرة بالقفز إلى الهدف النهائي مباشرة، ما كان سيؤدي إلى خسارة ما يمكن تحصيله آنيا، بالكلية) كما رأينا لاحقا في عدد من الثورات)
و هذا تماما ما فعله بيجوفيتش رحمه الله
فلقد تمكن من انتزاع اعتراف دولي ب
//كيان مسلم سني //
في قلب أوربة
في البلقان .. وما أدراكم ما البلقان
البلقان التي تمثل قنبلة سنية موقوتة في قلب أوربة لطالما عمل الأوربيون على نزع فتيلها و سكتوا عن طغاة الشيوعيين الذين حكموها و ساموا أهلها سوء العذاب.
فما الذي سنحققه في الشام .. ؟؟!!
في قلب الشرق الأوسط .. محط الاهتمام العالمي .. وبؤرة صراعات النفوذ منذ نشأت اول تجمعات بشرية في العالم فيها، و حتى ساعتنا هذه ؟؟!!
علينا أن نتوقع تماما ماذا تعني هذه المنطقة بالنسبة لكل قوة عالمية ذات مصالح في المنطقة
علينا أن نتذكر أن الرقعة الخضراء في إدلب و ما حولها و تلك التي تلون غوطة دمشق والوعر وريف حمص الشمالي – هذي المناطق التي تعتبر إلى حد كبير مشروعا ثوريا محلي القرار – ؛ علينا أن نتذكر أن هذه الرقع ما زالت في انكماش مستمر منذ أكثر من عام و نصف، بعدما شهدته من خسارات استراتيجية أليمة في حلب والساحل والريف الشمالي والجنوبي لحلب، وفي القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية وكذلك مناطق الصمود الأسطوري في الغوطة الغربية والوعر ….
علينا أن نتذكر أن الفصائل العسكرية التي تحكم المنطقة لم تستطع التوصل إلى وثيقة تعايش سلمية مشتركة ناهيك عن ميثاق شرف ثوري ينسق جهودها لمواجهة أعدائها … !!
و بالتالي …..
علينا ألا ننساق وراء أوهام المشاريع الطوباوية ..
لا سيما أن المزاودين أنفسهم أصحاب الثوابت والسقوف العالية والمشاريع العالمية، وجدناهم قد تجاوزوا كثيرا من العقبات التي كانوا يضعونها على طريق المشاريع الواقعية (المحلية)، و أن منهم من سقط سقوطا مدويا لدى أول تجربة سياسية صمم على تصدرها واستحواذ القرار بشأنها … !!
علينا أن نكون من الجرأة بمكان لنجمع أمرنا ونرسم حلولا سياسية مستوحاة من مطالب الثورة، وكذلك من واقعها على حد سواء
علينا أن نجبذ زمام المبادرة من معارضات الخارج، ومن المشاريع الخارجية ، ومن الطروحات الخارجية وأن نجتمع لوضع مشروع محلي يراعي التضحيات كما يراعي تغيرات المواقف الدولية وموازين القوى …
وكلما تأخرنا في طرح مشروع كهذا، كلما قمت مناطقنا، وتراجعت سقوفنا، وضاعت تضحيات شعبنا ..
تذكروا إخواني
إنما معركتنا اليوم //جولة// على طريق التمكين ..
فالحذر الحذر من أن نحمل الشعب والثوار مطامح أهداف الجولة النهائية
فنكرر بذلك أخطاء بعض التجارب الجهادية التي لا ظهرا أبقت ولا أرضا قطعت؛
وندفع بالشعب وتضحياته وبالثورة ….. إلى الأخدود!!!

0

تقييم المستخدمون: 4.87 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *