زبدة كتاب سيكولوجية الجماهير
الكاتب: جوستاف لوبون
يرى جوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية (نفسية) الجماهير أن من أهم خصائص الجماهير هو انطماس شخصية الفرد وانخراطه في شخصية الجمهور… والذي يترتب عليه تخليه عن عقله الواعي ومنطقيته حتى يتماشى معهم…إذ إنه ليس من السهولة السباحة عكس التيار
وعندما تغيب شخصية الأفراد ووعيهم في موجة الجماهير العاطفية يمكن لنا أن نفسر انسياق بعض النخب الواعية والمستقلة (بعيدا عن النخب المأجورة لأداء دور ما) خلف آراء وعواطف الجمهور حتى وإن كانت مخالفة لأبسط قواعد التحاكم العقلي التي عرفت بها تلك النخب…لا سيما وإن كانت مخالفة تلك الجماهير ستجلب لها الانتقاد.. أو على الأقل ستبعدهم عن أداء دور ما في توجيههم
يتميز الجمهور في هذه الحالة بالتفكير اللاواعي نتيجة طغيان العاطفة والحماسة على مشاعره وتفكيره وبالتالي يكون في حالة تلقي وتلقين للأفكار لا إنتاجها… تجذبه الأفكار السهلة والسطحية. لذلك تنتشر فيه بسهولة الاشاعات الغير منطقية والتي لو فكر فيها الفرد على حدة لرأى هشاشتها. كما تعلو في هذه الحالة ظاهرة التحريض والتي تصبح مرضا معديا يسري كالنار في الهشيم في أوساط الجمهور … وقد يأخذ التحريض اشكالا دعائية تستخدمها الحكومات وتروج فيها لشعارات كالامن والامان..ومحاربة الإرهاب.. ولايشوب ذلك تلاعب بالالفاظ لمنع العقل من التفكير… كاستخدام لفظ الاسلاميين بدل مسلمين وجهاديين بدل مجاهدين…وجماعات مسلحة بدل ثوار
من أبرز الخصائص النفسية للجمهور هو سرعة انفعالها “فلا شيء منطقي لدى الجماهير.. فهي تستطيع أن تعيش كل أنواع العواطف وتنتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة البرق … وذلك تحت تأثير المحرضات السائدة… ومن يستطيع التلاعب بالعواطف اكثر… كما يفقد الشعب الحاسة النقدية التي يمكن أن تكون عند آحادهم. بل ويذهب لوبون إلى أبعد من ذلك حين يقرر أن كلام الجماهير يصبح أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقيقة ذلك أنها بنيت على وهم أحدهم ثم عن طريق العدوى وانتقال الشائعات تصبح بفعل العقلية التبسيطية للجماهير بمثابة الحقيقة…
ولأن الجماهير محكومة باللاوعي فتكتشف في مرحلة ما من هيجانها انها تعيش في فوضى… فتميل مرة أخرى بغريزتها إلى العبودية أو إلى من يقمعها بحجج كثيرة كالاستقرار وحماية البلد وغيرها، ويستشهد بنابليون والتي راحت تصفق له مجموعات شعبية كبيرة عندما راح يلغي الحريات ويحكم بيد من حديد.. ورغم أنه جاء بعد ثورة قدمت الكثير من التضحيات… الا انها قبلت ان يحكمها كما كان يحكمها لويس السادس عشر… ويلفت لوبون إلى نقطة مهمة في ثورات الجماهير.. فرغم أنها تثور بغرض تغيير واقعها بمؤسساته وهيكلياته إلا أنها تكتفي من ذلك بتغيير الأسماء والاشخاص وظواهر المؤسسات بينما تبقى تلك المؤسسات بعمقها ومضمونها… كالمؤسسات الأمنية مثلا رغم ما لدى تلك المؤسسات في عمقها من جرائم وفظائع ارتكبت بحقه باسم شخص آخر
ورغم عاطفية الجماهير وقلة أو ضعف استخدامها للمنطق العقلاني وصعوبة إقناعها بالمحاجات العقلية إلا أن هناك وسائل عقلية متدنية يمكن بهما مخاطبة الجماهير وهو تعميم الحالات الفردية والخاصة … عن طريق خطيب يلهب مشاعرها ويضغط على الازرار الصحيحة… لتصبح هذه الحالات حكايا تغذي ثرثرة الجماهير… وهذا مايستخدمه خطباء الجماهير لتحريكهم…
كخطبة مارك انتوني في اهل روما بعد كرههم ليوليوس قيصر واتفاقهم على قتله..فألهبهم بخطبته حتى طالبوا بقتلة قيصر..
وكخطبة سهيل بن عمرو في مكة بعد وفاة الرسول…
أن “معرفة فن التأثير على مخيلة الجماهير تعني معرفة فن حكمها”… فليست الوقائع بحد ذاتها هي التي تؤثر على مخيلة الجماهير وإنما بمعرفة الطريقة التي تعرض بها هذه الوقائع