صرامة الثورة الجزائرية وتنازلات الثورة السورية

مقالات - صرامة الثورة الجزائرية

بقلم: خالد حسن – مجلة العصر

تنبه قادة ثوار في حرب الجزائر ضد الاستيطان الفرنسي إلى أن ضباطا في جيش التحرير تأثروا بفكرة الجنرال “ديغول” القاتلة المسمومة، والتي سماها زورا “سلم الشجعان”.
 
اقترح “ديغول” “سلم الشجعان” على الثورة في العام 1958 عندما استلم الحكم في فرنسا، وحصل نوع من التراجع في الثورة، وسماها الثوار سنة الحرب النفسية وانتشر الشك والوهن، وصاحبها هجوم عسكري فرنسي ضخم.
 
وظهر أن بعض شباب الثورة ومثقفيها وبعض قادتها يريد “سلم الشجعان”، لكن ما هو المقابل؟ تسليم المعلومات لفرنسا، وهنا بدأت الخيانة، وفقا لما ينقله قادة تاريخيون للثورة التحريرية الجزائرية.
 
شن الجنرال ديغول هجوما عسكريا شاملا ضد الثورة في فبراير 1959، سماه مخطّط “شال”، واكتشف بعض قادة الثوار اختراقا في صفوفهم، وهذا راجع في جانب مهم منه إلى انهيار معنويات بعض شباب الثورة.
 
حاكم قادة الثورة المتهمين بالاختراق والتعامل مع العدو الفرنسي، وبعض المصادر التاريهية تحدثت عن حوالي 400 متهم، ونُفذ حكم الإعدام في أكثرهم، وكان منهم طلبة. ويُقال إن الثورة الجزائرية أُنقذت بـ”شعرة” لضخامة الاختراق وتأثير “مشروع ديغول” في نفسيات كثير من الثوار، وخصوصا الشباب منهم.
 
وكان الجنود الفرنسيون يرددون أنهم سيحملون الحبال بأيديهم ويصعدون الجبال لتكبيل الثوار وجلبهم للساحات العامة، وكان هذا جزءا من حربهم الدعائية لإحداث الصدمة النفسية، ورد قادة الثورة بتقسيم الثوار إلى مجموعات صغيرة وعدم مواجهة العدو وجها لوجه، ولم تتوقف العمليات العسكرية رغم محاولات الجنرال ديغول الفصل بين الشعب والثوار.
 
تأثر ثوار كثيرون بعملية شال العسكرية، وأدلوا بتصريحات تؤيد مقترح “سلم الشجعان”، ولكن الثورة حاربت هذه المناورات وقضت على أكثر من ثبت تورطه في الخيانة، وفقا لشهادات تاريخية.
 
وقد التقى ثلاثة من ضباط الثورة في يونيو 1960 بديغول في قصر الإيليزي بباريس لمناقشة مشروع “سلم الشجعان”، وحاكم فرنسا لم يكن يهمه في ذلك الوقت سوى توقيف الحرب.
 
لم يقتنع قادة الثورة بصنيع الضباط الثلاثة ومسوغات لقائهم بالجنرال “ديغول” ورأوا فيه خيانة للثورة، وقد حاكمتهم الثورة بعد رجوعهم وأُعدم اثنان منهما وقُتل الثالث في ظروف غامضة.
 
هذا مختصر موجز لتذكير بعض شرفاء الثورة السورية وأوفيائها بصرامة الثورة الجزائرية ومواجهتها للحرب النفسية الصاخبة والمؤثرة وتحدي الاختراق. فالجنرال “ديغول” فتن بعض قادة الثوار ومثقفيها وكثيرا من شبابها، لكن تجاوزت الثورة هذه المحنة بصرامة وسرعة مواجهة الاختراق والعمل على امتصاص الهجوم العسكري الضخم لفرنسا.
 
الصرامة الثورية حمت الثورة الجزائرية من أفكار ونفسيات هشة ولو أنها تساهلت مع الاختراق والمتأثرين بمشروع ديغول لكان البلد اليوم ملحقا بفرنسا.
 
ابتليت الثورة السورية بساسة يسهل ترويضهم واختراقهم وشراؤهم وبعض المثقفين المنظرين وتعاملوا مع الثورة كما لو أنها قضية جدلية فلسفية. تلاعبوا بالساسة وقادة الفصائل في جنيف والقاهرة والرياض وأستانا….ثم يتحدثون اليوم عن “مطالب الثورة”، وماذا أبقيتم من هيبة الثورة وقضيتها وصرامتها؟؟
 
المشكلة أن الثورة يُنظر لها، في حالات كثيرة، أناس متفلسفون مثقفو الكتب، ولكن تجربتهم محدودة في خوض الصراعات والمعارك وما تتطلبه من نفس طويل وجلد وصرامة وتركيز وعقلية تخطيطية.
 
وإلا هل يُعقل أن يؤسس بعض مثقفي الثورة وناشطيها مركزا لمحاربة “التطرف” في وقت تغلب فيه نظام الأسد وبسط سيطرته على كثير من المناطق؟؟ مهازل وترف فكري وتيه وضياع، الثورة تحتضر والقوم مشغولون بمحاربة “التطرف” وهذه صنعة البائس التعيس المتفلسف.
 
للأسف، لم تستفد الثورة السورية من الثورة الجزائرية ولا حتى من الدروس القاسية للثورة العراقية، وتحولت إلى ألعوبة بيد أناس كانوا عبئا عليها، وتنازلاتهم “فاقت كل حد”، وفقا لتعبير أحد المطلعين من ناشطي الثورة.
 
الثورة الجزائرية اختطفها بعض ساستها وعسكرييها بعد نجاحها وانتزاعها لاستقلال الأرض، والثورة العراقية صنعوا لها صحوات فأجهضتها، والثورة السورية عبثوا بها طويلا وحولوها إلى مهازل ثم تركوها تواجه مصيرها.
 
كبار النفوس والعقول لا يُخدعون ولا يستسلمون صارمون عمليون مخططون مهمومون، ولا تُخذل الثورة من داخلها إلا من صغار النفوس والعقول.
 
ولو سمع سكان الأرياف والقرى، وهم صناع المجد في الثورة الجزائرية، كلام بعض ساسة الثورة ومثقفيها لتخلوا عن أرضهم ولجأوا إلى محتشدات فرنسا، وقد هيأتها لهم لفصلهم عن المجاهدين؟ وماذا لو تأثروا، وهم من صانوا الثورة واحتضنوها وحموها، بحديث بعض مثقفي الثورة وقادتها عن “سلم الشجعان” ودعاية ديغول، لكانت قاصمة ظهر الثورة؟

0

تقييم المستخدمون: 3.6 ( 7 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *