الثبات وعلو الهمة

خطبة الجمعة

الحمد لله ثم الحمد لله الحمد لله ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) الحمد لله ثم الحمد لله وأشهد أن لاإله إلاالله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)

ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله (وما أرسلناك إلارحمة للعالمين) أوصيكم عباد الله بتقوى الله (وأن أقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي إليه تحشرون)

وبعد: أيها الإخوة: إن المتأمل في واقع المسلمين اليوم يجد ان معظم المسلمين يفتقر إلى أمرين اثنين
1-علوّ الهمة
2- الثبات على الحق وعلى دين الله عزوجل .

إنه واقع مرّ يستوجب منا وقفات ،
لماذا يدب الوهن في قلوبنا ؟
لماذا تفترعزائمنا سريعًا ؟
لماذا يولي بعضنا الأدبار عند أول صدمة ؟!!
أخي في الله ..هل كنت تحفظ القرآن ثم تركت ؟!
هل كنت تقوم الليل ثم نمت ؟!
هل كنت ممن يطلب العلم ثم فترت ؟!
هل كنت ممن يعمل في الدعوة ثم تكاسلت ؟!

هذا واقع مرير يمر به كثير من شباب الأمة إنني ـ والله ـ أتعجب من أهل الزيغ والفساد كيف يصبرون من أجل باطلهم إنني أتعجّب من العلمانيين كيف يعملون سنين طويلة ويتركون شهواتهم وملذاتهم وقد يسجنون لسنوات طويلة من اجل زيفهم وفسادهم ونفقد نحن هذا الإخلاص وهذه الهمة ونفقد الثبات ونحن أصحاب الحق والعقيدة والقرآن والسنّة إنه أمر عجيب ومثير للدهشة فعلا!!!
ترى ماالسبب أيها الإخوة؟ هناك أسباب وراء فتور الهمة ؟

1- عدم الجدية في أخذ الدين .ضاع الدين لأن كثيرًا من شباب المسلمين حملوا هذا الدين هواية ، كهواية جمع الطوابع ، وهواية المراسلة ، وهواية لعب الكرة ، ونحن نواجه ملحدين محترفين ، نواجه كفارًا محترفين ، ولا يمكن للهواة أن يقفوا في وجه المحترفين .
إننا لم نفقه بعد معنى قول الله تعالى (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) إننا لم نعرف كيف نعيش لله ونعمل لله ونحيا لله ونموت لله ونأكل لله ونشرب لله وننام لله ونقاتل لله ونغضب لله ونرضى لله ونتزوج لله ونزوّج لله وكل شيء في حياتنا لله .هذه هي الحلقة المفقودة في حياتنا.

2- الترف والترف مفسد وأي مفسد ،وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفًا غريبًا عجيبًا دخيلاً علينا فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف ، ولو في بعض الأشياء ، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول ، ويشتري أفخر الأثاث ، والذي يتربّى على الترف يعشِش فيه الخمول والكسل وهذا شيء معروف حتى على مستوى طلب العلم فالعلماء يعرفون أن مقاتلهم في الأكل والشرب والنوم والراحة والكسل.

موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين ، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم : اعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس . كان فقيرًا لا يجد مصباحًا في بيته ، فكانت قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم على مصابيح الحراس في الليل فكان يسير وراءهم يقرأ في الكتاب ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس . قال ياقوت الحموى : فالغني أضيع لطلب العلم من الفقير .

3- رواسب الجاهلية: من أسباب فتور الهمة رواسب الجاهلية ، فإن أكثرنا يدخل طريق الالتزام وفي داخل نفسه رواسب من رواسب الجاهلية مثل : حب الدنيا ،والاعتزاز بالنفس ، والآمال الدنيوية العريضة ، وعدم قبول النصيحة ، وأكل الحرام والخوف والجبن إلى آخر هذه الأمراض قال الله جل جلاله عن قوم موسى الذين لم يستطيعوا أن يدخلوا معه الأرض المقدسة قال عنهم ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ) هؤلاء الذين أسلموا لموسى بعد السحرة ، يخبرنا الله أنهم أسلموا على خوف ، إنهم ربُّوا على القهر والذل والاستعباد، فلما آمنوا ظلت فيهم رواسب من هذا فلم ينجحوا مع موسى عليه السلام ، فاتعبوه ، وبدأت الجاهليات تظهر ، فتارةً قالوا : ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً )، وتارة قالوا : ( لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ ) وتارةً (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) والشاهد أن سبب هذا أنهم آمنوا أصلاً على خوف من فرعون وملأهم ، فإذا اجتمع الالتزام مع رواسب الجاهلية ، تظل الرواسب تشدك للماضي .
هذا هو المرض .فما هوالعلاج ؟
أولا: مخالفة النفس ومجاهدتها قال تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وقد بين لنا ربنا حقيقة النفس فقال ( إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) فالنفس قد تكون طاغوتًا يعبد من دون الله دون أن يدري الإنسان منا ، قال تعالى ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) فاتباع الهوى سبب الضلال ،وفي الصحيح ((تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار تعس عبد القطيفة تعس عبد القطيفة)) أي عبد المال والثياب والمظاهر الفارغة
ثانيا:عدم التسويف . بسيف التسويف قُتل أناس كثيرون ، فالتسويف رأس كل فساد ، فمن أجَّل الطاعات لغد وبعد غد لا يلبث أن يتركها بالكلية ، وفي قصة الثلاثة الذين خلفوا ، يقول كعب بن مالك : (( فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم فأرجع ، ولم أقض شيئا ، فأقول في نفسي : أنا قادر عليه . فلم يزل يتمادى بي حتى اشتد بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، فقلت : أتجهز بعده بيوم أو يومين ثم ألحقهم فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت ، ثم رجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل بي حتى أسرعوا ، وتفارط الغزو ، وهممت أن أرتحل فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أنِّي لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه بالنفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء)) وهكذا في نهاية المطاف وجد نفسه في وسط المنافقين وإن كان ليس منهم ، وهذا من جراء التسويف .

ثالثا : التأمل في حياة السلف الصالح والتأسّي بهم ونحن نؤمن بأنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وإذا تأملت أخي سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، والصحب والتابعين الكرام، فإنك ولاشك سترى الهمة العالية في أبهى صورها، والثبات على المبدأ، كما قال ابن القيم: “لابد للسالك من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه”.وكل ذلك كان موجودا في ذلك الجيل الأول. روى الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال:(كنتُ ساقي القوم في بيتِ أبي طلحة (يعني الخمر) وإني لقائمُ أسقي فلاناً وفلاناً وفلانا، إذ جاء رجلُ فقال هل بلغَكم الخبر، قالوا وما ذاك؟قال لقد حُرمتِ الخمر، وقد أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي آلا إن الخمرَ قد حُرمت، فقالوا أهرق هذه القلال يا انس وما دخلَ داخلٌ ولا خرجَ خارج حتى اهراقوا الشراب وكسرتِ القلال، ثم توضأ بعضهم واغتسل بعضهم ثم أصابوا من طيب أم سليم ثم خرجوا إلى المسجدِ يخوضونَ في الخمر قد جرت بها سكِك المدينة،) فلما قرأت عليهم الآية:( فهل أنتم منتهون )؟ قالوا انتهينا ربنُا انتهينا.
لم يقولوا تعودنا عليه منذ سنين وورثناها عن آبائنا كما يفعل بعض مسلمي زماننا.

روى البخاري عن أمُ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم (هل أتى عليكَ يومُ كان أشدَ من يومِ أحد؟، قال لقد لقيتُ من قومِك ما لقيت، وكان أشدُ ما لقيتُ منهم يوم العقبةِ إذ عرضت نفسي على ابن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فإذا أنا بسحابةٍ قد أظلتني فنظرة فإذا فيها جبريلُ عليه السلام فناداني فقال إن الله قد سمِع قول قومِك وما ردوا عليك، وقد بعث اللهُ إليك ملك الجبالِ لتأمرَه بما شاءت، فناداني ملك الجبالِ فسلمَ علي ثم قالَ يا محمد ذلك فيما شئت، إن شاءتَ أن أطبقَ عليهمُ الأخشبين فقال صلى الله عليه وسلم ، كلا بل أرجو أن يخرجَ اللهُ من أصلابِهم من يعبدُ اللهَ وحدَه لا يشركُ به شيئا).إنه الثبات وعلوّ الهمة. والثبات الحقيقي أن تعلم أنك عبد لله في كل مايأمر وينهى في السراء والضراء في الفقر والغنى في الصحة والعافية وأن لا تنطقَ بكلمةٍ:ولا تتحرك حركةٍ ولا تسكنَ سكوناً إلا وقد أعددتَ لهُ جواباً بين يدي الله يوم القيامة. الثبات الحقيقي أن تعيش لأمتك وقضيتك وشعبك وان تهتم لأمر المسلمين وأن تكون عونا للمظلومين على الظالمين. ثبت عند ابن ماجة في سننه عن جابر قال:( لما رجعت مهاجرة البحر (مهاجر الحبشة) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال فتية منهم بلى يا رسول الله، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه وقالت ” سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الله الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون كيف يكون أمري وأمرك عنده غدا. فقال صلى الله عليه وسلم صدقت، صدقت كيف يقدس الله أمة لا يأخذ لضعيفهم من شديدهم.أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم).

يالله كم يستغيث بنا المستضعفون في فلسطين والعراق وهم قتلى وأسرى فما يهتز إنسان.حرائر بغداد تستصرخ ضمائر المسلمين وتقول لهم شرفي مبذول وعرضي مثلوم نناديكم فهل من مجيب ؟
نناديكم وقد كثر النحيب *** نناديكم ولكن من يجيب
نناديكم وآهات الثكالى *** تحدّثكم بمااقترف الصليب
لنا في أرضنا نهر وماء *** وروض في مرابعنا خصيب
لنا بيت واطفال ولكن *** محت آثار منزلنا الخطوب
بنات المسلمين هنا سبايا *** وشمس المكرمات هنا تغيب
تبيت كريمة ليلى وتصحو *** وقد ألغى كرامتها الغريب
تخبّيء وجهها ياليت شعري *** بماذا ينطق الوجه الكئيب
يموت الطفل في أحضان أم *** تهدهده وقد جف الحليب
بكت حزنا عليه بغير دمع *** واين الدمع والظمأ النصيب

وهاهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رمز الثبات على الهداية وعلوّ الهمّة . يوم عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة ذات الرقاع ونزل المسلمون شعبًا من الشعاب ليقضوا ليلتهم، فلما أناخوا رواحلهم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من يحرسنا الليلة؟ فقام عباد بن بشر وعمار بن ياسر وقد آخى بينهما رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالا: نحن يا رسول الله، خرجا إلى فم الشعب، فقال عبادُ لعمار: أتنام أول الليل أم آخره؟ فقال عمار: بل أنام أوله، اضطجع عمار غير بعيد، وبقي عباد يحرس جند رسول الله، و تاقت نفس عباد للعبادة، واشتاق قلبه للقرآن، فقام يصلي؛ وطفق يقرأ سورة الكهف، ويراه رجل من المشركين يصلي على فم الشعب، فوتر قوسه وتناول سهمًا من كنانته ورماه به فوضعه فيه، فانتزعه عباد من جسده ورمى به، ومضى يتدفق في تلاوته، ورماه بالآخر فانتزعه ومضى يتدفق في تلاوته، ورماه بالثالث فانتزعه، وإذا الدماء تنزف منه، فزحف إلى عمار وأيقظه قائلا: لقد أثخنتني الجراح، عليك بثغر رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. ولَّى المشرك هاربًا، فقال عمار:رحمك الله هلا أيقظتني من عند أول سهم رماك به، فقال عباد كنت في سورة أقرأها، فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها، وأيم الله؛ لولا خوفي أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحفظه لكان قطع نفسي أحب إلي من قطعها.

إنه الثبات وعلوّ الهمة ثم انظر إلى صهيب بن سنان قد أزمع الهجرة للحاق برسول الله -صلى الله عليه وسلم فهب القرشيون فزعين خائفين، حتى أدركوه، فوقف على مكان عال وأخرج سهامه من كنانته وبرى قوسه، وقال: يا معشر قريش، تعلمون أني من أرمى الناس، والله لا تصلون إليَّ حتى أقتل بكل سهم منكم رجلا، ثم أضربكم بسيفي ما بقي منه بيدي شئ، فقال قائلهم: والله لا ندعك تفوز بنفسك ومالك؛ لقد أتيتنا صعلوكًا فقيرًا فاغتنيت وبلغت ما بلغت ،ثم تذهب به كلا واللات، قال: أرأيتم إن تركت لكم مالي أتخلون سبيلي، قالوا: نعم، فدلَّهم على موضع ماله، وأطلقوا سراحه، فانطلق فارًا بدينه غير آسف على مالٍ أنفق زهرة العمر في تحصيله. يستفزُّه ويحدوه الشوق إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلما بلغ قباء رآه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فهشَّ له وبشَّ وقال: (( ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى، )) والله، الدنيا وشهواتها وزخارفها ولذائذها ومتعها لا تساوي ربح البيع أبا يحيى، وأنزل الله قوله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) إنه الثبات وعلوّ الهمة .حبيب بن زيد شاب من شباب الصحابة يكلف بمهمة شاقة؛ ليكون رسولا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب يأخذ الرسالة غير وَانٍ ولا متريث حتى يسلم الرسالة إلى مسيلمة، فلما قرأها انتفخت أوداجه، وبدا شره، ولو علم الله فيه خيرًا لأسمعه. أمر بحبيب أن يقيد، و التفت مسيلمة إليه وقال: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم، أشهد أنه رسول الله فتميز من الغيظ وقال: أتشهد أني رسول الله ؟ فقال حبيب في سخرية: إن في أذني صمما عن سماع ما تقول، فيتغير لونه غيظًا وحنقًا ليقول لجلاده: اقطع قطعة من جسده، فبتر الجلاد قطعة من جسده لتتدحرج على الأرض، ثم أعاد مسيلمة السؤال، أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: إن في أذني صمما عن سماع ما تقول، فأمر بقطع قطعة أخرى من جسده لتتدحرج على الأرض، فشخصت الناس بأبصارها مدهوشة مشدوهة من تصميم هذا الرجل وثباته؛ إنه الثبات من الله، مضى مسيلمة يسأل والجلاد يقطع وحبيب يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، حتى صار قطعًا منثورة على الأرض، ثم فاضت روحه وهو يردد محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، محمد رسول الله، محمد رسول الله. مات رضي الله عنه ولسان حاله يقول
واليوم من عمر اسود الأجم *** بالف عام من حياة الغنم
عش ساعة في لجج البحار *** ومت شهيد الحق في التيّار
الموت في الوغى وفي الميدان *** ولا حياة الأسر والهوان

الفراشة تبذل الحياة رخيصة في لذّة لمحة تطوف بها حول السراج ولسان حالها يقول
أنال بها شرفا في الجهاد *** واصبح من بعدهذا رمادا

أحبّ احتراقي بنار اشتياقي ولاارتضي عيشة الخاملين
ثم يأتي الخبر لأمه فما زادت على أن قالت: من أجل هذا الموقف أعددته، وعند الله احتسبته، لقد بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة صغيرًا، ووفَّى له اليوم كبيرًا، فحمدت الله
فلو كانَ النساءُ كمنْ ذكرنا *** لفُضِّلتِ النساءُ على الرجالِ
وما التأنيثُ لاسمِ الشمسِ عيبٍ *** ولا التذكيرُ فخرٌ للهلالِ

إنه الثبات على دين الله أي عبد الله :إن الحق لايثبت بالدعوى ولكن بالدليل .وإن العبرة بالمسمّيات لابالأسماء فحسب وبالأفعال لابلأقوال فقط ولو أن كلّ من سمّته أمه صالحا كان صالحا فعلا وكلّ من سمّي عادلا كان عادلا فعلا لكنا سعداء بكثرة الصالحين والعدول فينا
ومن يقل الغراب ابن القماري *** يكذّبه إذا نعب الغراب

ذكر أبو الفرج أنّ تأبط شرا الشاعر ثابت بن جابر لقي ذات مرة رجلا من ثقيف يكنى بابي وهب وكان رجلا أهوج أحمق وعليه حلة جميلة فارهة فقال أبو وهب لتأبط شرا بم تغلب الرجال ياثابت وأنت كما أرى ضئيل الجسم دميم المنظر؟ نظر إلى المظاهر وترك الحقائق فقال له تأبط شرا أغلبهم باسمي إنما أقول ساعة ألقى الرجل أنا تأبط شرا فينخلع قلبه هلعا وخوفا وجبنا حتى أنال منه مأريد فقال بهذا فقط ؟قال بهذا فقط قال فهل لك أن تبيعني اسمك؟قال افعل ولكن مالثمن؟قال هذه الحلة الثمينة مع كنيتي قال أفعل ففعلا وعندها قال تأبط شرا يخاطب زوجة الثقفي
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها *** تأبّط شرا واكتنيت أبا وهب

فهبه تسمى اسمي وسمّاني اسمه *** فأين له صبري على معظم الخطب
واين له بأس كبأسي ونجدتي *** وأين له في كل فادحة قلبي
مضى وتركه يعيش باسم بلا مسمى وخيال أشبه بالخبال
لكل داء دواء يستطبّ به *** إلا الحماقة أعيت من يداويها

لكأنك به عند أول لقاء قد هزم وذهبت حلّته وبقي له حمقه وكنيته وحاله
وفي الهيجاء ماجرّبت نفسي *** ولكن في الهزيمة كالغزال

أيها الإخوة :ليس من تزيا بزيّ الشجعان وأخذ ألقابهم وأسماءهم وتحدّث بحديثهم وردّد عباراتهم وشعاراتهم صار واحدا منهم وليس من قرأ حياة الصحابة صار واحدا منهم وليس من حفظ مدارج السالكين سلك الطريق على الحقيقة حتى يعمل بعملهم ويكون على منهاجهم قولا وفعلا
من ادعى وصف الكرام البررة *** فاستشهدوا أخلاقه وسيره

أقول ماتسمعون وأستغفر الله العظيم:
الخطبة الثانية:أيها الإخوة : لابد لنا من العمل وشحذ الهمة من أجل هذا الدين فالوقت يمضي بسرعة وقضايا الأمة تنتظرنا وهذه أمور اوصي بها نفسي وإخواني أولا: اعملوا لدينكم مااستطعتم والقليل أولى من القعود، حتى لو كان حديثًا لأهل، أو كلاما لطفل، أو مسحًا لرأس يتيم، أو تبسمًا لجار، أو نصحًا لرفيق في عمل، أو استماع كلمة أو محاضرة أو قراءة قرآن، حتى لو كان ذلك في السيارة. وداوم فأحب العمل أدومه وإن قل ثانيًا: اقرأ وطالع وابحث وتعلم وصلّ وصم وجاهد وتصدق وحج واعتمرفي غير توان ولا بطالة؛ فإن التواني والبطالة -والله- لا يولدان إلا الخزي والندامة على حد قول القائل:
تزوجت البطالة بالتوانِي *** فأولَدَهَا غُلامًا مع غُلامَة
فأمَّا الابن سَمَوْهُ بفقرٍ *** وأما البنتُ سّموْهَا نَّدَامَة

ثالثا:إياكم والفراغ؛ فإن من مقت الإنسان أن يكون فارغًا ليس في عمل دنيا ولا آخرة، والوقت هو الحياة،
دقات قلب المرء قائلة له *** إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوانِ

رابعا:ليكن لكل واحد منا خبيئة من عمل لا يعلم بها إلا علام الغيوب؛ فلعلها الباقية النافعة.
أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يجمعنا وإياكم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *