ضرورة الثورة على العادات الإجتماعية الفاسدة

خطبة الجمعة

رابط الخطبة على صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره ومستدرج الكفار بمكرِه. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع، والحاكِم بما يريد فلا يدافع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد: عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (الرعد:11)

إخوة الإيمان أيام تمرُّ، وسنون تمضي وجهادنا المبارك قائم على مختلف الجبهات، ولكننا إلى الآن لم نستشعر طعم النصر الحقيقي، ولم نعرف المكسب الحقيقي من هذه الثورة، وما ذاك إلّا لأنّ ثورتنا لم تشمل كلّ مناحي الحياة بعد، فكلمة (ثورة) تعني الانتفاضة والتغيير الكامل ولا تعني ترقيع الباطل أوتغيير جزء منه.

ونحن إن أردنا لثورتنا هذه النجاح فلابد لنا من أن ننتفض على كلِّ علائق الجاهلية التي كنّا نعيشها فلا يكفي أن نسعى لإسقاط نظام فاجر كافر أشاع فينا الكثير من العادات السيئة والمفاهيم المغلوطة فنحاربه ونستمر على ما اعتدنا عليه من مفاهيم وعادات لا ترضي الله ولا رسوله، بل وتعين على نشر الفساد في المجتمع، ومن ذلك ما ألفه مجتمعنا من تأخر سنّ الزواج للشباب وللفتيات والابتعاد عن موضوع تعدد الزوجات وما جرّه ذلك على هذا المجتمع من انتشار للفساد نتيجة توق الشباب والشابات لإرواء الغرائز وحيلولة عادات المجتمع الفاسدة دون أن يكون ذلك بما يحلُه الله ويرضاه.

وما ذلك إلّا لكثرة تكاليف الزواج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : “إِذا خَطَبَ إِليكم من تَرضَون دينه وخُلُقَه فزوجّوه، إِلا أن تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض”.

وهل من فساد أكبر من أن يتوق الرجال للنساء، وأن تتوق النساء للرجال وأن يُشغل ذهن الشباب بهذه المسألة حتى يدفعهم ذلك للانسياق وراء وسوسة شياطين الإنس والجن فيما لا تحمد عقباه ولات ساعة مندم.

ولعلّ بعض النّاس يروّج بين الشباب أنّ ظروف الحرب لا تساعد على الزواج وعلى الإنجاب، وها هو مرشد إيران عدو الإسلام والمسلمين يدعو إلى مضاعفة عدد سكان دولته في غضون السنوات العشر القادمة!!

تخيل أخا الإسلام كلّ دول العالم تدعو لتحديد النسل لقلّة الموارد وهو يريد مضاعفة عددِ سكان إيران من خمس وسبعين مليون نسمة حاليًا إلى مئة وخمسين مليون في السنوات القادمة، كيف لا؟ وهو يفكر في احتلال المنطقة من إيران إلى شواطئ البحر المتوسط أمّا نحن فلا نزوِّج الشباب ونحدّ من الإنجاب بدعوى الحرب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما روى الترمذي وأبو داود « تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ ».

فما بالنا وألوف مؤلفة من الشباب نفقِدها في سبيل الله، وألوف أخرى هاجرت وتركت البلاد، وكلُّنا يعلم بأنّ حربنا طويلة وأنّ أعدائنا يريدون مضاعفة أعدادهم، فلماذا لانشجّع على الزواج؟ ولا نيسره للشباب لنعينهم على تقوى الله وعلى طاعته ولنحقق الأمن والتوازن في البنية البشرية لهذه البلاد.

أخا الإسلام مع كلّ ما ذكرنا نرى ثقافة مجتمعنا التي روّج لها المفسدون تنفِّر عن الزواج المبكر وتلوم على تعدد الزوجات وتعتبر ذلك خللًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم: ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالْصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)
والباءة هي أدنى المسكن الساتر وما يملك به أن ينفق على نفسه وعلى زوجته. ولعلّ ما نشهده من كسل بين الشباب ومن تقاعسهم عن العمل إنّما هو نتيجة مباشرة لعدم وجود مسؤولية يتحمله الشاب على عاتقه فيبقى خاملًا كسولًا عالة على أهله.

وأمّا من يمتنع عن الإنجاب فإنّا نقول له قول المولى سبحانه وتعالى:
(وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا * وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الإسراء:31-32)

فهذا الطفل الذي تتحرج من أن تنفق عليه إن أحسنت تربيته وإن أنشأته على ما يرضي الله ورسوله سيغدو بسنين قليلة عنصرًا فاعلًا في المجتمع يعمل ويعينك وتلك البنت التي تربيها ستغدو بسنين قليلة أُمًّا صالحة تنجب الأبطال وتعين زوجها على رضا الله.
اللهم قوي إيماننا بك وزد يقيننا فيك ولا تجعل اعتمادنا إلّا عليك
أقول هذا القول وأستغفر الله فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى:
عباد الله لعل من أخطر التحديات الاجتماعية التي تواجهنا في هذه المرحلة مسألة التغيير الخطير في التركيبة السكانية العددية لمجتمعنا، والخلل العظيم الحاصل نتيجة كثرة أعداد الشهداء والقتلى، وتضاعف أعداد الأيتام والأرامل.

تلك المشكلة التي إن لم نعمل على حلَّها على مستوى المجتمع ككل، ستنقلب نارًا خطيرة تحرق مجتمعنا وتنشر الفساد فيما بيننا في قابل الأيام …

هل تعلم أخا الإسلام أنّ في حلب وحدها يوجد عشرات الآلاف من الآرامل وفق إحصائية الجمعيات الإغاثية أكثرهنّ دون الثلاثين من العمر، وأضعاف ذلك بكثير من الأيتام الذين لا أب لهم يربيهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فيما روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: ( أَنَا وَكَافلُ اليَتِيمِ في الجَنَّةِ هَكَذا ) وَأَشارَ بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا.

وروى الإمام مسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (كَافلُ اليَتيِم لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ في الجَنَّةِ ) وَأَشَارَ الرَّاوِي بالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.
له أو لغيره يعني لو كان اليتيم قريبًا له كالجدّ والعم أم لغيره:أي أجنبي عنه.

فمن هو (كَافلُ اليَتيم) يا ترى؟ ومن سينال هذه المكانة العظيمة؟
قال العلماء: كافل اليتيم هو القَ‍ائِمُ بِأمُوره.
فليست كفالة اليتيم بأن تدفع له ليرات لا تسدُّ الرمق وتترك هذا اليتيم يربى بغير رجل يشرف على تربيته ويكون له سندًا وعونًا وظهرًا حاميًا وكافلًا ومربِّيًا يحسن تربيته، يأمره وينهاه ويمنعه عن المفاسد ليشبّ شبابًا صالحا يرضي الله ورسوله

وهنا قد يقول القائل والله إنّ هذا أمر صعب ويحتاج لجهد ونفقة. ونحن نقرُّ على ذلك ولكنّ (المغنم بالمغرم)
والأجر أن تكون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنة كهاتين.

وإن قلت لي كيف يكون هذا فالأمر لا يحتاج إلى بيان قال تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا) (النساء:3) أي ألّا تجوروا.

فهؤلاء النِّسوة اللواتي ابتلين بفقد أزواجهنّ وهنّ في مقتبل العمُر أحوج ما يكنّ إلى الزواج. وبغض النظر عن التفاصيل فيكفي أن نقول بأنّهنّ أحوج ما يكنّ إلى الزواج لإشباع غرائزهن التي قد تدفع تلك النسوة ليكنّ سببًا خطيرًا من أسباب إفساد المجتمع، كيف لا والفساد للثيّب أهون بكثير منه على البكر؟ عند إذن ينتشر الفساد وتُخرب البيوت العامرة.

فكيف بنا لو نظرنا نظرة أوسع وفكرنا بخطورة أن تبقى بيوت كثير من غير رجل يقوم عليها يحفظ عرضها ويربي أبناءها، هل ستستطيع تلك النساء منفردات أن يقمن بتربية جيل كامل من مئات آلاف الأبناء الذين فقدوا آبائهم.

والله إنه لبلاء عظيم ولفتنة خطيرة ما لم نسارع لحلها كما وجّه الله ورسوله.

ختامًا أعرف مدى الخوف الذي يتملك قلوب كثيرٍ من السامعين من نسائهم ولكن لا مجال للحل إلى بهذا بارك الله بكل من يعين شابًا على الزواج وبارك الله بكل من يعين متزوجًا على الزواج من أرملت شهيد
اللهم اقذف مهابتك في قلوبنا وانزع منها مهابة من سواك حتى لا نهاب أحدا غيرك …

إني داعٍ فأمّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *