إنا كفيناك المستهزئين

خطبة الجمعة
خطبة الجمعة

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 25/ ربيع الأول/1436هـ
الموافق: 16/1/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 25 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- رسول الله يجهر بالدعوة …. والكفّار يعجزون عن الرد.
2- انطلاقُ دعاةُ الإصلاح … وغيظُ دُعاةِ الباطل.
3- الاستهزاء والسخرية وسيلةُ المُفلسين العاجزين.
4- إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
5- فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
6- أين المُفلِحون؟ أين الذين آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ؟
7- قصيدة (أبناء أمتنا الكرام إلى متى ؟)
8- كيف غدت أفعالنا ردَّاتِ فعل آنية يستثمرها العدو.
9- تحليل للأسباب الحقيقية والنتائج المتوقعة لأحداث باريس.
10- مخابرات الغرب تكتب وتخرِجُ المسرحية …
وبعض شبابنا يكونون الكومبارس من غيرِ أن يدرون.
11- البعض يريدون نصرة النبي ولو نظرت إلى أشكالهم وأفعالهم لما عرفتهم مُسلمين أم كفرَة!!
12- حكم من يشتِمُ النبيِّ ويستهزئ به.

رابط الخطبة صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)) (الزُخرف:6-8)

إخوة الإيمان ونحن نتحدّث عن خاتَم الأنبياء وإمام المرسلين، مرّ بنا في سيرته الطاهرة الشريفة كيف أنَّه صلى الله عليه وسلم بعد أن أُرسِل للنّاس بدأ يدعو إلى الله سرًّا، يدعوا من حوله ومن يلوذ به، حتى أتى أمر الله تعالى: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحِجر:94)

فأخذ يدعو لدين الله جهرًا وعلانية ليلاً ونهارًا، يدعوا النَّاس لتوحيد الله وتعظيمه، يدعوا الناس إلى البراءة عن الشِّرك والأصنام، يدعو الناس إلى مكارم الأخلاق، إلى العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، إلى صِلَة الرَّحِمِ وإلى برِّ الوالدين، إلى إكرام الضعفاء والإحسان للمساكين.

أخذ صلى الله عليه وسلم يدعوا لدين الله الذي أمر بهذه الخيرات، وينهى عمّا دون ذلك من الشرك والخرافات والمفاسد، ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ينهى عن الظلم وعن كلِّ شرٍ نهى الله عنه.

عندها وكما هو الحال في كلِّ زمانٍ ومكان، فما إن ينطلِقَ دعاةُ الإصلاح دعاةُ الخيرِ والحقِّ والإحسان حتى يغتاظ شياطين الإنس من دعاة الفساد، حتى يغتاظ الكفرةُ الظلمة الفجرة، حتى يغتاظ من سيفقد تجَبُّره على خلق الله بغير حقّ، حتى يغتاظ الذين يعلمون أنّ دعوة الحقِّ ستفضح عُيوبهم وستهتك أستارهم وسيتضِح للناس كذِبُهم وزورُهم ودَجَلُهم ..

….عندها سرعان ما يبدأ أولئك بحربِهم على الدعاةِ إلى الله، يبدؤون حربهم على دعاة الحقِّ والإصلاح، يريدون أن يصدّوا الناس عن دينِ الله، فلا يجدون حجّةً ولا برهانًا يعينهم ويصمدُ معهم في وجهِ أهل الحق، أهل الحجَّةِ والبيان، أهل الجِدالِ بالتي هي أحسن، مَن شِعارُهُم في نقاشهم: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (النمل:64)

فيحتار الظلمة فلا يجدون بُدًا من أن يسخروا بأهل الصلاح وأن يستهزئوا بهم لينفِّروا الناس عنهم.

نعم … تبدأ الحرب النفسية الكلامية، تبدأ السخرية ، يبدأ الاستهزاء، وتبدأ وسائل الإضلال الإعلامية تسخر وتستهزأ من دعاة الخير، ويبدأ المنهزمون نفسيًا بالتأثِّر بهذا، أمّا أصحاب دعوة الحق فالله كافيهم وحافظهم …. وهذا الذي نقوله موجودٌ في كلِّ زمان …

فما إن بدأ رسول الله يدعو إلى الحقِّ حتى بدأ مجرمو قريشٍ يسخرون من رسول الله ويستهزئون به، ويُسلِّطونَ عليه السفهاء والمجانين…. والله متمُّ نورِه ولو كره الكافرون
فأتت البشارة من الله تعالى لنبيِّه لتعينهُ على الثبات وعلى الصدعِ بالحق وعلى تجاوز ما يضيقُ به صدره من أولئك فقال تعالى:
(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) ) (الحِجر:94-96)

فالله كفى نبيّه المستهزئين وتوعَدَهُم فسوف يعلمون ما ينتظرهم من عقاب الله ونقمته في الدنيا وفي الآخِرة.

أمّا رسول الله فما يضيرُه الكلام وقد أعلى الله شأنهُ وزاد اللهُ في رِفعته حتى جعل الشهادة برسالته بعد شهادة التوحيد شرطًا للإسلام (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
ما يضير رسول الله الكلام وقد كفاه الله المستهزئين وتعلَّقت بمحبَّتِه قلوب مئات المليارات من المسلمين.

ما يضير رسول الله – ومن تبِعَهُ مِن دعاة الحقِّ – همجية أولئك المبطلين وافتراءاتهم أولئك الذين يعجزون عن ردِّ الحقِّ فيشتمون دعاته ويفترون عليهم … (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) هذا حال من لا حُجَّةَ له مِن قديم الزمان:
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (26) فصلت.

شوِّشوا عليه لكي لا يسمعَهُ الناس.. وأنّى لهم…

بلغ بهم المبلغ بأن وصف أحد المشركين رسول الله بأنّه أبتر، أي: لا عقِب له ولا ذرِّية فسيندثر ذِكرُه بعد موته. وذلكَ بعد موت ابنه القاسم، فأنزل الله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) )(الكوثر:1-3) إن من قال عنك هذا يا محمد هو الأبتر ..

وكيف تكون أبترًا وذكرك باقٍ ما بقي القرآن والمسلمون يا خير خلقِ الله؟؟
فليسخروا وليستهزؤوا (إنّا كفيناك المستهزئين)، وليرتقبوا إنا مرتقبون، قال تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)) (الأنعام:10-11)

كيف كان عاقِبةُ من كذّبوا الرسل؟ كيف كان عاقِبة من خالفوا أمر الله؟ أين عاد وثمود؟ أين كسرى وقيصر؟ أين ملوك العرب والعجم؟ أين دولهم وممالكهم التي حكمت الأرض؟ حتى أوربا اليوم لا يتجاوز عمر دولها عشرات السنين؟ … أين عقِب أولئك (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)

قال تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)

[أين الأمم السابقة ؟ أين من كانوا أكثر عددا وأعظم آثارًا ؟ أين من بنوا الأهرامات؟ أين من بنوا حدائق بابل المعلّقة ؟ أين من عمّروا أهرامات أمريكا اللاتينية؟ أين من بنوا سور الصين العظيم؟ أين سلالة ملوكِ تلك الدول؟ أين عقِبهم ومن خلفَهُم؟ كيف اختفوا من على البسيطة ؟فلا عقِبَ لهم يُعرَفُ بين النّاس!! … أين الذين انبهروا بما فتحه الله لهم من العلوم الدنيوية فازدادوا كفرًا بدل أن يزدادوا يقينًا بعظمة الله وقدرته، أين من انشغلوا بالنِّعمة عن المُنعِم وبالفضلِ عن طاعةِ المُتفضِّل … حتى أتاهم عقاب الله وبطشه … أتى على الكلِّ أمرٌ لا مردَّ له حتى كأن القوم ما كانوا …تتبع الآيات الكريمة] …. ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) (غافِر:82-85)

اللهم أرنا ذلكَ عاجِلًا غير آجل، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]

فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن. أمّا بعد:
إخوة الإيمان:
• عندما نتحدّث عن الاستهزاء برسول الله فإنا نعلمُ أنّ الله قد كفا نبيّه المستهزئين (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)

• وعندما نتحدّث عن نُصرةِ رسول الله، فإنا موقنون بأنّ الله ناصِرُه ومنتقمٌ له: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).

• إخوة الإيمان عندما نتحدّث عن نُصرةِ رسول الله وعن الاستهزاء به فإنّنا يجب أن نقول أين المسلمون أين المليار والنصف مليار؟

• أين أهل (لا إله إلا الله محمّد رسول الله) ؟ أين هم من نُصرةِ دينهم ؟ أين هم وقد غَفِلُوا عن كتابِهم وعن سنّة نبيِّهم؟ أين المفلحون الذين قال الله فيهم (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).

المفلحون الذين آمنوا برسول الله، وعزَّروه: أي: نصروه وأيّدوه ومنعوه مِن كلِّ ما يؤذيه.

وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ: واتبعوا كتاب الله الذي نزل عليه ..أين المفلحون؟ ..أين المفلحون؟

أبناءَ أمتنا الكرامُ إلى متى يقضي على عَزْمِ الأبيِّ سُباَتُ؟

أبناءَ أمَّتنا الكرَامُ إلىَ مَتى تَمتَدُّ فيكم هذه السَّكَراتُ ؟!

الأمرُ أمرُ الكفرُ أعلنَ حربَه فمتى تَهُزُّ الغافلين عِظَاتُ؟!

كفرٌ وإسلامٌ وليلُ حضارةٍ غربيَّةٍ، تَشْقَى بها الظُّلُماتُ

أين جيوش المسلمين فهل قَضَتْ نَحْباً فلا جندٌ ولا أَدَواتُ؟!

الأمر أكبرُ يا رجالُ وإِنَّمـا ذهبتْ بوعي الأُمَّةِ الصَّدَماتُ..

تلك الأمّة التي ذهبت الصدمات بوعيها حتى غدت أفعالها – إن وجِدَت- ردّات فعلٍ آنية يستثمرها العدو كيف شاء ويستثيرها متى أراد.

ولعلّنا إن أردنا أن نُحلِّل ما يجري في هذه الأيام من تعدٍ على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تبعه ذلك من أحداث فرنسا وغيرها، فإن ذلك يدفعنا للقول بأنّ رؤوس الكفر في دول الغربِ قد راعهم ما يحصلُ في صفوفِهم من انتشار كبير للإسلام من بعد أن ابتعد النّاس عن الكنيسة وخرافاتها وافتراءاتها على الله ورسله، فراعهم أنّ يدخل النّاس في دين الله أفواجا، وراعهم ازدياد أعداد المسلمين المهاجرين إلى تلك البلاد من بعد ما خرّب عليهم الكفّار معيشتهم في ديارهم، فانقلبوا إلى بلاد الغرب يعيشون فيها ويتكاثرون.

لقد راع الكفّار وأثار خوفهم هذا ومن قبله عدم قدرتهم على صدّ الناس عن الحق المبين، الذي تشهد عليه كتبهم حتى بعد تحريفها.

فتراهم كلّ فينةٍ وأخرى يخترعون تمثيليةً يحيكون دسائسها في ظلمات أقبية الاستخبارات لينفِّروا الناس عن شرع الله وليبرِّروا اعتداءاتهم بحقِّ المسلمين وليكسبوا تأييد شعوبهم على جرائمهم اللاحقة التي لم يقوموا بها بعد، مستثمرين وسائل إعلامهم المُضلِّل، فيحبكون القِّصَّةَ ويخرجون المسرحية، مستثمرين جهل وفورة بعضِ الشباب المتحمِّسين من بني الإسلام فيجعلون منهم ممثلين في تلك المسرحية من حيث لا يشعرون، حتى يصل أولئك الكفرة لمآرب أكبر.

وقد رأينا في العقد الماضي مسرحية أحداث الحادي عشر من ايلول وما تبعها من اسقاطٍ لمشروع إمارة أفغانستان الإسلامية واحتلال لأرضها وما تلا ذلك من احتلال للعراق وسيطرةٍ على بحره النفطي

والآن كلنّا يرى مسرحية باريس ويعلم الله ما سيستتبعها من جرائم بحقِّ المسلمين…

أولئك المسلمون الذين وقعوا بين تفريطٍ بحقِّ دينهم ونبيِّهم فلا ينصرونه ولا يجاهدون في سبيل ذلك، بل ولعلّ بعضهم قد تأخذه فورة نخوةٍ غضبًا لرسول الله لئن نظرت إليه ما استطعت تمييزه أمسلمٌ أم كافِرٌ هو، وإن بحثت عنه في المسجد ما وجدته، وإن طلبته في ساح الوغى لوجدتّه مع القواعد في البيوت….. وإن نظرنا للجانب الآخرِ من المسلمين لوجدنا المُفرِطين المتجاوزين للحدود التي حدَّها كتابُ الله وسنّة رسول الله فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة :8)

فإن تجاوزوا الحد وإن طعنوا في ديننا رددنا عليهم بما يرضي الله ورسوله ولن يدفعنا تجاوزهم على أن لا نعدِل فيهم ومن ذلك قولهُ تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 108)

فإن سبّوا ديننا وشتموا رسولنا فنحن لا نشتم دينهم ولا معبودهم، وليس ذلك إكرامً لهم بل إكرامًا لله ولرسوله لكي لا يسبَّهم أولئك بغير علم … وشأن وحكمُ من يسبُّ رسول الله في ديننا واضح:
فالكفَّارُ ممن هم معنا في حال حرب فالأصل بيننا وبينهم الحرب، ومن كانوا في دولةٍ معادية بيننا وبينهم معاهد سلم مؤقَّت أتممنا لهم عهدهم إلى مُدَّتِهم -لأنّ هذا شأنهم في كل زمان ومكان-، ومن كان مُعاهدًا أو مِن أهلِ الذِّمة أعلمناهم بانتقاض عهدهم وذِمَّتِهم فلا ذِمَّة ولا عهد لهم عندنا، ومن كان مُسلِمًا وتعدَّى بالسبِّ على مقامِ رسولِ الله فحدُّه القتل
ولنعلم إخوة الإسلام أنّ أولئك الكفرة الذين ما كانوا ليجترؤا على الله ورسوله لوكان في هذه الأمّة من يجاهدهم في الله حقَّ جهاده.

فوالله يصحُّ فيهم وصف الواصف: (واستأسدَ البغلُ لمّا خبت رؤوس الضياغم)

اللهم هيِّئ لدينِك ضياغمَ ينصرونه ويدافعون عنه ويزودون عن حِماه.

اللهم استعملنا في ذلك ولا تستبدلنا …

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *