وجوب حسن الظن بالمؤمنين

خطبة الجمعة

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 8/ جمادى الأولى/1436هـ
الموافق: 27/2/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 25 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ.
2- الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ.
3- سوء الظن من أهم أسباب ضعف الجبهة الداخلية.
4- جحد المعروف وإضعاف المعنويات.
5- سعي الأنظمة المجرمة لإضعاف ثقة الناس ببعضهم.
6- فَهُوَ أهْلَكُهُمْ.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
7- ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا.
8- لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ… لينفضح المنافقون.
9- وجوب معاملة المؤمنين بظاهرهم.
10- حُسن الظنِّ بالمسلمين لا يتنافى وضرورة الكتمان والسرِّيَّة.

رابط الخطبة صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله:

يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات: 12)
توجيه إلهي ونداءٌ ربَّاني للعصبة المؤمنة ليجتنب المؤمنون سوء الظنِّ ببعضهم بعضا، فسوء الظنِّ بالمسلمين أكبر دليل على فساد السريرة وعدم سلامة الصدر تجاه أهل الإيمان…

سوء الظنِّ بالمسلمين إثمٌ يدفع للمعصية
إثمٌ يدفع للتجسس وتتبع العورات
إثمٌ يدفع للغيبة والنميمة، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.
إخوة الإيمان والعقيدة:
ونحن في هذه الأحوال… ونحن في هذه الشدَّة…
ونحن نعاين الهجمة الشرسة على أهل لا إله إلا الله…
ونحن في حالٍ ما بعده حالٌ يوجب رصَّ الصفوف وتعاون الجميع وتكاتفها…

ونحن في هذه الحال ما زلنا نرى بعض المؤمنين الموحدين ينساقون خلف دعايات العدو وإرجافِ عملائه، فيسمعون وينشرون ويضخِّمون ويهوِّلون وما ذاك إلَّا لقابليتهم لذلك بسبب ما وقر في صدرهم من سوء الظنِّ بكل مسلمٍ عامل مجتهد.

فينشرون ظنونهم، ويقولون على المؤمنين عامَّة وعلى العاملين خاصَّة ما لا يعلمون (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم: 28)
فلا يدعون فئةً من شرِّ ألسنتهم ومن سوء ظنِّهم فيتحدثون عن الجهاد والمجاهدين فإن رأوا حسنة كتموها وإن رأوا سيئةٍ من فردٍ عمموها ونشروها … إن ذُكر من يوصل لهم الإغاثة والمعونة سَلَقُوهمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ …. يحبِّطون همم العاملين ويضعفون معنوياتهم دافعين بعضهم لترك ما هم عليه، عِوضًا عن شكرهم وتشجيعهم.

أولئك الذين يسيئون الظنَّ بإخوانهم، أولئك الكَذَبة الذين يتحدثون بالظنون…
وقد روى البخاري ومسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: “إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ”
أولئك الذين يحبِّطون هِمم العاملين بجحد معروفهم وعدمِ شكرهم …
أولئك الذين لا يعلمون أنَّ المؤمن الحقَّ يعمل لله ربِّ العالمين فلا يلتفت لكلامهم ولا لتشكيكاتهم..
أولئك الذين يظنون السوء حتّى بأزواجهم وأولادهم فيتتبعون عوراتهم…
أولئك الذين يظنون السوء بشباب أمَّة محمدّ، ظانين أنَّ الشباب قد تركوا ثورتهم وعدلوا عن التغيير إلى الرضا بواقعهم السيء…
أولئك الذين رأينا جميعًا كيف كذَّب الله ظنهم وأكبتهم عندما رأوا إقبال المُقبلين وفزعةَ الصادقين الذين إذا نودوا لبُّوا فأقبلوا على ربِّهم محسنين الظنَّ به وبإخوانهم المجاهدين.

إخوة الإيمان: متى نتخلَّص من داء سوء الظنِّ ببعضنا؟
متى نتعلّم ونعرف أنّ سوء الظنِّ أحد أهم أسباب ضعف جماعة المسلمين، سوء الظنِّ بالإخوة المرابطين وسوء الظنِّ بالقادة وسوء الظنِّ بالخبراء الحكماء سوء الظنِّ بالمجتمع وأفراده هذا ما يدفع للتناحر ويبعدنا عن التطاوع والتعاون..

هذا ما أراد الكفرة الفجرة أن يكون بيننا فزرعوه في عقلياتنا مذ كنَّا صغارًا في المدارس لا تثق بأصدقائك ولا بمعلِّمك ولا بشيخك ولا حتى بأخيك فوصلنا لمجتمعٍ مهلهلٍ مفكَّك سهل عليهم السيطرة عليه عشرات السنين لا يجرؤ فيه رجلٌ على قول الحقِّ ولا يجرؤ على دعوة أحدٍ لعملٍ جماعِي حتى غدا ديدن النّاس أن يسيئوا الظنَّ بالجميع.

ولكنّ ما يحزن القلب ويدمع العين بقاء البعض على هذه الحال حتى يومنا هذا وفي مناطقنا المحرّرة مما يحول دون نجاح الأعمال الجماعية ويمهِّد لظهور العقليَّات الديكتاتورية ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( إِذَا قَالَ الرجُلُ : هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ )). رواه مسلم.
أي هو أفسدهم وأشرُّهم، إذ لولا ما يعرفه من فساد نفسه ما ظنَّ بإخوانه تلك الظنون، ولما توهَّم فيهم تلك الأوهام…

اللهم أصلح ظاهرنا وباطننا سرنا وعلانيتنا
اللهم أحسن ظنّنا بإخواننا واجعلهم عند حسن ظننا بهم واجعلنا عند حسن ظنِّهم بنا
نبهني الله وإياكم من غفلة الغافلين وكتبني وإياكم في زمرة عباده المُخلصين.

قال الله تعالى وهو أحكم القائلين:(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية: 15) أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].
فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن.

أمّا بعد إخوة الإيمان:
ونحن نتحدث عن حسن الظن بالمسلمين نستذكر قصَّة ذكرها أصحاب السير توضِّح حال المؤمنين والمؤمنات في حسن ظنِّهم بإخوانهم وأخواتهم (يوم حادثةِ الإفك) يومَ طعن المنافقون وخاضوا في عِرض رسول وجاراهم في ذلك بعض من ضعُفَ إيمانه يومها، فتكلَّموا بالسوء عن زوج رسول الله أمِّ المؤمنين عائشة الصديقة – رضي الله عنها – وعن أبيها.

فقد روي أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ [يومها]: يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ بَلَى وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ يَا أُمَّ أَيُّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَفْعَلُهُ، قَالَ: فَعَائِشَةُ خَيْرٌ مِنْكِ، قَالَتْ: فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ، وَمِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ فَقَالَ:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمُ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، أولئك الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12] ، أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ قال هو الكذِب من غير أن يرى ومن غير أن يشهد كذَّب الخبر الذي فيه طعن وغمزٌ ولمزٌ بالمؤمنين من غير دليل ولا تثبُّت.

(ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا) ولم يقل الله تعالى (بإخوانهِم) بل قال (بأنفسهم)
إشارةً للُحمَةِ بين المسلمين، وكونِهم كالجسدِ الواحد، فمن يطعن في أخيه فكأنَّما يطعن خِنجره في جسده ويطعن في نفسه].

ونحن اليوم نقول للمؤمنين الصادقين الذين يتاضايقون من غمز ولمز وطعن المنافقين بالمجاهدين الصادقين (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمُ) نعم هو خير لكم لينكشف زيفهم، ولينفضح نفاقهم، ولتهتك أستار خيانتهم وعمالتهم

فالأصل إخوة الإيمان أن نأخذ المسلمين بظاهر ما بدا منهم، إن خيرا فخير وإن شرًّا فشر ( والكلام بالطبع عن المؤمنين) وليس عن الكافرين الذين لا يألونكم خبالا
فقد روى البخاري عن عبدِ اللهِ بنِ عُتبة بنِ مسعودٍ قَالَ: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولُ: “إنَّ نَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْراً أمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْء، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أظْهَرَ لَنَا سُوءاً لَمْ نَأمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ”.

فالأصلُ إخوة الإيمان أن نعامل المسلمين بما ظهر منهم، ولكن هنا ونحن في زمن الحرب لابدَّ من أن ننبه لأمرٍ خطير مفادُه أنّ حسن الظنِّ بالمسلمين لا يتنافى وضرورة أخذِ الحِيطَةِ والحَذَر والتثبُّتِ من أقوالِ النّاس قبل تصديقها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: ٦]، وإن كان هذا يُطلب في الأوقات العاديّة، فهو زمن الحرب آكدُ وأهمُّ وأوجَب كما هو الحال مع واجبِ الكِتْمانِ والسرِّية فلا يُطْلَعُ ولا يَطَّلِعُ على المعلومَةِ إلّا من يحتاجُها وبقدر حاجته – ولا عِبرة لأي اعتبار آخر- وليس هذا من سوء الظنِّ بل هو من الواجبات الشرعية.

اللهم أحسن سريرتنا وعلانيتنا واكتبنا ممن يحسنون الظنّ بربِّهم وبإخوانهم

إنِّي داع فأمنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *