أين المفر؟ وكيف النجاة؟

أين المفر؟ وكيف النجاة؟

 

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 1/ صفر/1437هـ
الموافق: 13/ تشرين الثاني/2015م
الجامع: أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 29 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ.
2- وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ.
3- فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا..
4- كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ.
5- معالم طريق الجهاد وخصائصه.
6- فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. هل أعددت جوابا؟

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
7- إِذَا قَالَ الرجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ.
8- يطعن بالمجاهدين ليُبرِّر تخاذُله !!
9- وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا.

 

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

⁠تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham
*ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمَّا بعد عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:

(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (الشوى:30-31)

إخوة الإيمان والعقيدة:
عندما تأتي المصائب ويبتلى الإنسان، لا بدَّ له من وقفة مراجعة يحاسب فيها نفسه ويعيد فيها حساباته، لابدَّ أن ينظر في أخطائه وعثراته، صحيح نَّ الابتلاء للمؤمن رفع درجات وتكفير سيِّئات، ولكنَّ هذا لا يعني أبدا أن نغفل عن سنن الله الكونية في تأديب المقصِّرين وفي معاقبة المخالِفين، الذين لا يأخذون بالأسباب الدنيوية أو يعصون ربهم فلا يأخذون بالتوجيهات الشرعيَّة، ولهذا وجب على المؤمن الحق (فردًا كان أو جماعة) أن يقدِّم الشكَّ بنفسه، ليطمئنَّ من سيره على الصراط القويم، لينظر في تقصيره، لينظر فيما لديه من خلل، ليسارع بالإصلاح والتغيير، عسى الله أن يكشف عنه العذاب ويرفع البلاء، وقد قصَّ الله لنا في القرآن الكريم قِصَّة قوم يونس، فقال عنهم سبحانه وتعالى:
(فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (يونس:98)

[عندما يحلُّ عذاب الله وينزل على المكذِّبين المتكبِّرين المتمرِّدين، ليس له من دون اله كاشفٌ ولا رافع، ولا تنفع بعده توبة، إلّا قوم يونس كشف الله عنهم العذاب ورفعه بعد أن كاد ينزل عليهم، وقد حذرهم نبيُّهم بادئ الأمر، أمرهم أن يتوبوا لربهم، أن يوحدوه ولا يعبدوا غيره، وأن يستجيبوا لما شرع وأمر، وينزجروا عمَّا نهى عنه وزجر، فكذَّبوا وعصوا، وطغوا وبغوا، فأنذرهم عذابا يحلُّ بهم في ثلاثة أيام، فقالوا انظروا إن خرج من بيننا وهم لم يجربوا عليه كذبا قط، إن خرج فهذا يعني صدق اقتراب العذاب، فلما رأوا نبيهم خرج من بين أظهرهم، وجلس خارج المدينة يترقَّب، استشعروا الخطر وعرفوا دنو العذاب، ورأوه آتٍ لا محالة… ماذا فعل القوم؟ ماذا عملوا؟ استمروا في طغيانهم ؟ استهتروا بدينهم؟ قصروا في صلاتهم ؟!

ماذا فعل القوم؟ أعملوا عقولهم فعزموا التوبة، وخرجوا لتلةٍ قرب مدينتهم – وهم أهل نينوى في العراق – وأخرجوا النساء والولدان والبهائم، وفرقوا بين كل أنثى ووليدها، ولبثوا يبكون ويجأرون ويتضرَّعون بصدق توبةٍ وندم حتى رفع الله العذاب عنهم … تكمل الآيات الكريمة]

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) (يونس:99-100)

[على الذين يرون عذاب الله قريبا منهم، فلا يتوبون ولا ينوبون، ولا لبعضهم يرحمون، ولا عن ظلمهم يرجعون، وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، الذين يرون العدو يدنو منهم فلا يتَّحدون، ولا إلى جهادهم يثوبون، يرون عذاب الله عارضًا مستقبلهم، وهم يسمعون الأذان لصلاة فلا يجيبون ويجلسون في الطرقات يتسكَّعون، (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)

فلو كانوا يعقلون لتداركوا أمرهم ولأصلحوا حالهم ولآثروا النجاة بأنفسهم، من قبل أن يحلَّ بهم سخَطُ ربِّهم]

( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) (يونس:101)

[قومٌ لا يؤمنون ولا يتوبون ولا يعودون لربهم وإن اشتدت بهم الخطوب وإن اقتربت منهم المصائب، فماذا ينتظرون؟] … تكمل الآيات الكريمة …

( فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (يونس:102)

[هل ينتظر أولئك الذين لا يتوبون ولا ينوبون ولا يجاهدون ولا للحقِّ ينصرون ولا لإخوانهم يُعينون – ولا حتى بالدعاء والتوبة والتضرع إلى الله – هل ينتظرون مثل أيام من قعد وجَبُن قبلهم في هذه البلاد هل ينتظرون جائحةً تحل بهم كتلك التي أصابتنا يوم قعد الناس عن الجهاد قبل ثلاثين سنة، فذاقوا ذُلًّا وهوانًا وعبودية لغير الله طالت عشرات السنين]

(قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 102-103)

[حقٌ على الله تعالى وعهدٌ منه سبحانه أن يُنجي عباده المؤمنين، حقٌّ على الله تعالى أن ينصر من نَصَر دينه وعظَّم شريعته وأعلى رايته، حقٌّ على الله أن ينجيهم
(قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ )(التوبة:52)

من خرج مجاهدًا في سبيل الله، ومن هبَّ لنصرة المستضعفين وللذود عن أعراض المسلمين، إنّما يرجوا من الله تعالى إحدى الحسنيين، (نصرٌ يعزُّ الله به أولياءه، أو شهادةٌ يُكرم الله بها أصفياءه) عزٌّ في الدارين

إخوة الإيمان:
طريق العزِّ والمجددِ في الدنيا والآخرة، طريق الفلاح والنجاح، نعلم أنَّه طريقٌ وعرٌ، طريقٌ صعبٌ فيه مشقَّة، ولهذا عظُمَ أجر سالكه، وعلا شأن من سار فيه، طريقٌ لابدَّ فيه من امتحانٍ وابتلاء طريقٌ لابدَّ فيه من مكابدة المشقَّة
(الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )

[أيكون عز الدين ونصر الحق ونيل الحرية والكرامة بالأمر الهين السهل؟!!]

(وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3)

[هذا الطريق فيه امتحان، فيه ابتلاء، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ، أفيكون عز الدين ونصر الحق ونيل الحرية والكرامة بالأمر الهين السهل؟!!]

طريقٌ قلَّ فيه النصير من البشر وكثُرَ فيه المُخذِّلون
(وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:103)

طريقٌ تتكالب فيه أمم الكفر على المجاهدين في سبيل الله، يتكالبون على من أيقنوا أنَّ الله كافيهم ومعينهم

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) (الزمر:36-37)

طريقٌ نعلم أننا إن تجاوزنا أخطاءنا فيه، وأصلحنا أمرنا فالله ناصرنا والله مُعيننا والله كافينا

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47)

طريقٌ لابدَّ فيه لكي نُفلح من مراجعة للنفس ومحاسبةٍ لها، لنصلح ما كان منَّا (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)

طريق يُمكن فيه لكلِّ مؤمنٍ ينتمي انتماءً حقيقيًّا لأمَّة الإسلام أن يضع بصمته، فالشاب القويُّ البنية سوي المُرَّة صاحب الشكيمة، يسطِّر البطولات مع إخوانه في ساحات الجهاد، والقاعد، العجوز، المريض، المسنُّ، المرأةُ… كلُّ أولئك ينصرون إخوانهم بالإقلاع عن الذنوب وبالتوبة إلى الله وبالإكثار من التضرُّع والدعاء للمجاهدين

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60)

طريقٌ للقاعد فيه أن يذُبَّ عن إخوانه وأن يخذِّل العدو عنهم، وأن يلجم ألسنة الجهال عن الشائعات، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) . رواه مسلم .

طريقٌ لابدَّ فيه لكلِّ مسلمٍ ينتمي حقًّا لأمَّة الإسلام أن يضع بصمته فيه، والأيام دُول، وسيأتي يومٌ يسألك فيه أبناؤك وأحفادك: ماذا قدمت يوم جاهد الناس؟ ماذا قدمت يا أبتي لنصرة دين الله؟ ماذا قدَّمت يا جدي زودا عن المستضعفين؟ ماذا فعلت لنصرت دينك؟ أجاهدت وأنفقت وعملت ما بوسعك؟ أم قعدتَّ مع القاعدين وتخاذلت مع المتخاذلين؟ سيسألك أبناؤك وأحفادك في الدنيا هذا السؤال سوم يُعِزُّ الله أولياءه وينصُر أصفياءه، ولكنّ الأخطر والأعظم من ذلك، هو أنَّك ستُسأل يوم القيامة (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحِجر: 92-93)

ذاك السؤال الخطير، ذاك السؤال الذي يجب أن نكون قد أعددنا له جوابا، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)،

فهل أعددت لسؤالك جوابا ؟!!
بماذا ستجيب ربَّك عندما تُسأل: ماذا كُنت تعمل يوم كان إخوانك يُجاهدون؟
أكنت تلهو على التلفاز؟!! أم ترابط على الفيس بوك؟؟
ماذا ستجيب ربَّك يوم تُسأل هذا السؤال، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
اللهم اجعلنا ممن يحسنون الجواب، وممَّن تُقبلُ إجابتهم
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.

أما بعد إخوة الإيمان:
فقد روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن أَبي هريرة – رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قَالَ : (( إِذَا قَالَ الرجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ )).

من قال أنَّ كُلَّ الناس سيِّئون، كُلُّهم خاطئون، يقول هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ، أي فهو أشدُّهم سوءا، هو أفجرهم وأقلُّهم دينًا، فمن لا يرى الخير في أمَّة محمد إنَّما عُدمَ رؤيته لغشاوةٍ أصابت قلبه، لمعاصٍ وذنوب غلَّفت قلبه بالسواد، فلم يعد يرى الخير حوله…

وها نحن في هذه الأوقات الحرجة المِفصَلية من تاريخ الشام، وشباب الإسلام يُسطِّرون أروع الملاحم في هذه اللحظات، ملاحِم قلَّ في التاريخ نظيرها، ملاحِمُ لم نقرأ عنها في الكتب، ولم نراها في الأفلام، هذه الملاحِم تُسطَّرُ الآن بدماءٍ زكية، وبرسوخٍ كرسوخِ الجبال الشوامخ أمام الرياح العاصفة..

كنا نحضر المعركة وفيها طائرةٌ أو اثنتين في السماء، واليوم إخوانكم يثبتون وبضع عشرة طائرة فوقهم دفعة واحدة، تحرق الأخضر واليابس، وإخوانكم ثابتون وعلى ربِّهم مُقبِلون، عشراتٌ من الشباب يقبلون على ربهم في كلَّ يوم، لم يُجنَّدوا قهرا، ولم يُؤت بهم عنوة، يخرجون من بيوتهم بملء إرادتهم، بقلوبٍ يملؤها الإيمان، يُقبلون على ربهم ولسان حالهم (اللهم خذ من دمنا حتى ترضى) فهل بعد هذه البطولةِ بطولة؟! وهل بعد هذه التضحية، تضحية ؟! قومٌ يفرون من الزحف وإخوانهم يُقبلون بملء إرادتهم على عدوهم، وبعد كُلِّ هذا نجد من يتتبع عورات المجاهدين، فيضخم زلاتهم، ويتتبع أخطاءهم، ليبرر قعوده وتخاذله،

يُرابطُ في بيته خلف الجوال، وينشر الكلام والشائعات عن المعارك، تسأله عن سبب تخلُّفه عن ركب المؤمنين، وهو شابٌ ذو قوة وبأسٍ!! فيتعذَّر بأخطاء المجاهدين يهوِّلُها ويُضخِّمها ويتعذَّر بها، (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ) (النمل:24)

شباب ذو بأس وقوة يقعدون مع القاعدين !! يقعدون مع النساء في البيوت!
(وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة:46)

لا يعملون في أي بابٍ مِن أبوابِ الثورة والجهاد، لا يسدون ثغرًا للمجاهدين، لا في قتالٍ ولا في إسعافٍ ولا إطعامٍ ولا سقايةٍ ولا تذخيرٍ ولا غيرها ..

بعيدون كلَّ البعد عن الجهاد وأهله، وبدل أن يستحوا من قعودهم بين النساء، وبدل أن يستتروا، تراهم يهمزون ويلمزون بالجهاد وأهله، تراهم يتتبعون الأخطاء ويترصَّدون الزلَّات، وهنا لابدَّ أن أقول لكم شيئا أيُّها الناس:

لم يكن البشر يوما ملائكةً لا يُخطئون، ولا يعصون ربَّهم، أقول لكم: إنَّ المنافقين الذين عادوا بثلث الجيش يوم أحد، كانوا في جيش النبي – صلى الله عليه وسلم – وعادوا بثلث جيشه – صلى الله عليه وسلم – فلا يخلوا جيش من خلل ولا يخلوا بشرٌ بعد النبي من زلل، وأين جيشنا من جيش النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -!!

صحابةٌ زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – زنوا وسرقوا وأقيم عليهم حد، الذين قال في بعضهم، لقد تابوا توبةً لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم، هم صحابة، ومع ذلك لا يُعمِّم مُعمِّم ويطعن بكل الصحابة إلا فاسق جاهل، حتى أولئك، لم يحبط الله كلَّ أعمالهم، فإياك أن تبحث عن المثالية، فقد روى الترمذي بسندٍ حسن: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)

ويكفي المجاهدين أنهم بصدقهم، يُقوِّمُ الله جهادهم ويُصلح حالهم ويُهيِّؤ لهم من يدلهم على الحقّ، والله تعالى يقول (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)

أولئك المحسنون الذين أقبلوا على ربِّهم، مجاهدين في سبيله سيهديهم الله سبيله، والله مع المحسنين، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)،
وما أُشبِّهُ طعن الطاعن في الجهاد وأهلِه لأخطاء بعض المجاهدين إلا بالطعن بالصلاة لأجل أخطاء بعض المصلّين.

أخا الإسلام لا يستزلنَّك الشيطان، فشريعة الله تُعظَّم وأخطاء الناس تُقوَّم، ولا يمنعنَّك خطأ شخصٍ عن ركوب مركب الحق، فلا تدع الشيطان يزيُّن لك ذلك لتبرِّر تخاذُلك، فكما لم تترك الصلاة لأخطاء المُصلِّين، وجب أن لا تترك الجهاد جل أخطاء بعض المجاهدين، فشريعة الله تُعظَّم وأخطاء الناس تُقوَّم، والله يعلَمُ ما في النفوس.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه

إني داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *