مؤتمر الرياض (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)

  • خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
    خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
  • خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
    خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
  • خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
    خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
  • خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين
    خطبة الجمعة - لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرَّتين

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 7/ ربيع الأول/1437هـ
الموافق: 18/ كانون الأول/2015م
الجامع: أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 40 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- خطورة التعجل في إطلاق الأحكام
2- كيف يخوض المؤمن غمار السياسة
3- ليس كلُّ ما نَقبَلُ به نرضى عنه
4- إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ
5- إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
6- دروس الماضي ( سوريا الأب – الحرب الأهلية في لبنان – البوسنة)
7- لا تنازل عن الثوابت

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
8- ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ
9- شرح سورة محمد ودروس في فن الحرب والسياسة وتحذير من مكر الماكرين
10- بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا * فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) (النساء:83-84)

أيُّها السادة الكرام، أيُّها الإخوة الأفاضل:
أحداثٌ كثيرةٌ متسارعة حصلت في الأسبوعين الماضيين، تباينت مواقف الناس منها بين مُتسرِّعٍ في إطلاق الأحكام ومتأنٍّ فيها، بين مناورٍ حكيم وبين مخوِّنٍ طاعن، بين ثابتٍ على القيم والمبادئ وبين متنازلٍ عنها متهاونٍ فيها.

أحداثٌ تجعل الحليم حيران، يتسرَّع فيها السفيه الذي لا يعلم، ويتأنَّى فيها المتبصِّر محاولًا أن يعقِلَ ويفهم.

هذه الأحداث التي نتحدَّث عنها أيُّها السادة هي مؤتمر الرياض، وما تلاه في الأيام الماضية من إعلاناتٍ وبياناتٍ، مِن مؤامراتٍ واتفاقيَّات، ذاك المؤتمر الذي حضره من حضَر وهم يعلمون ما سيُطرح فيه، وكانوا فيه – عدا أزلامِ النظام – أنواعًا ثلاثا. نوعٌ عميلٌ دنيء مطيَّة كلِّ من يَعِدُه بمنصبٍ أو جاه، ونوعٌ صادقٌ مخلص ظنَّ أن يكون هذ المؤتمر سببًا لتخفيف آلام هذا الشعب المكلوم ولتسريع خلاصه، ونوعٌ ثالثٌ مؤمنٌ ثابتٌ راسخٌ في العلم، غلب على ظنِّه ما سيُطرح في المؤتمر فذهب ليُقيمَ الحُجَّة وليكشِف المستور.

فالعاقِل أيُّها السادة يعلم أنَّ خوض السياسة لا يقلُّ خطورةً عن خوض ساحات المعارِك، ولكم كسِب المسلمون في ساحات الوغى، ثمَّ ضيَّعوا مكاسبهم على طاولة المفاوضات، ولَكَم حضر السياسيون مؤتمرًا ليُفشِلوه، ولَكم ذهب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى زعماء القبائل المشركة فحاورهم وحاوروه، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ، ولم يكن حوار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفاوضه معهم مطعنًا فيه صلوات ربّي وسلامه عليه، وهل كلُّ من جلسَ مجلسًا وافق على كلِّ ما جاء فيه؟! فلكم تحرَّك السياسيون في مؤتمرٍ ليقطعوا الطريق على أعدائهم أو ليعلموا ما يُحاكُ لهم وما يُضمَرُ تِجاههم، ولكم أضاع نفسه وأضلَّ جماعته من أراد أن ينظر للحوادِث المهمَّة من منظورٍ واحِد ومِن جهةٍ واحدة، ولكم وقع الناس بين ناري نوعين من المفاوِضين، أمَّا النوع الأوَّلُ فقاعدٌ ولَّى الأدبار، منهزِمٌ نفسيًا يظن الناس مثله، والنوع الثاني، مجاهدٌ شهم بطلٍ مغوارٍ ثابت صابر يظنُّ الناسَ مثله ولا يراعي ضعف بعضهم، وقلَّة حيلتهم وعدم صبرهم، لا يراعي خطورةَ استثمار العدوِّ لضجر العوام ولنفاد صبرهم، والحقيقة أنَّ الناس بين هؤلاء وهؤلاء على مراتب مختلفة يعلمُها ويَعيها السياسي المؤمن، صاحبِ الحكمةِ والحِنكة، ذاك الذي يناور في المتغيِّرات ويستميتُ في التمسُّك بالثوابت، ويفهم معنى قولنا (ليس كلُّ ما نَقبَلُ به نرضى عنه)، فلَكم اضطرتنا الظروف على أن نقبل بما لا نرضى عنه، لكم اضطرنا جوع الجائعين وعطش العطشانين وبرد اللاجئين وخنوع الخانعين وتخاذل المتخاذلين، لَكم اضطرنا ذلك لنقبل بما لا نرضى عنه، والله تعالى يقول في مُحكمِ تنزيله: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ) (الأنعام:119)،

نعم أيُّها السادة إِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فيطعنون فيمن خالفهم في وقتٍ نحن أحوج ما نكونُ فيه إلى توحيد الكلِمة ورصِّ الصفِّ في وجهِ عدوٍّ متنمردٍ عاتٍ باغٍ يريد استئصال شأفة أهل السنَّةِ في بلاد الشام…

لذلك أيُّها السادة الكرام، تشتدُّ حاجتنا في مثل هذه الخطوب إلى ذاك السياسي الحكيم المؤمن، ذاك الذي يُنير القرآنُ دربَه، وتشدُّ تجاربُ السنَّةِ النبويَّة رأيه وعزمه، ذاك الذي لا يغترُّ بكلام الكفّار المعسول، فهو الذي سمع قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)) (آل عمران)

أيّها الإخوة الكرام رسالةٌ ربانية وتوجيهاتٍ إلهيّة تحذِّر عباد الله المؤمنين مِن مكر أولئك المجرمين الماكرين، تحذِّر المؤمنين من كيد الكائدين وفجور الفاجرين

(إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)

إن تطيعوا الذين كفروا كما أطاعهم أجدادكم مِن قبلكم فارتدوا على أدبارهم خاسرين، أطاعهم أجدادكم وأجداد أجدادك من يوم تعاون الشريف حسين مع الإنكليز لتقسيم أرض دولة الخلافة، إن تطيعوهم في الثانية فالنتيجة كما كانت الأولى ذلٌّ وهوانٌ وصَغار، وكيف تطيعون من أتى لكم بالمجرمين يحكموكم ويسومونكم سوء العذاب، من أتى لكم بالمجرم الأب يومها، مَن أنفق عليه وعزَّز سلطته فسلَّمهم الجولان وما حولها ودخل لبنان فقاتل الفصائل الفلسطينيَّة، وقاتل كُلَّ من عادى اسرائيل يومها، ثمَّ أعان بشكلٍ أو بآخر يوم ضُربت العراق، ثمَّ لمّا مات ذاك الكلب نصَّبوا علينا جروه وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية (مادلين أولبرايت) على رأس من بارك ذلك التنصيب، أفترجون الخير من أولئك؟!!! أترجون الخير منهم أين عقولكم ؟! بل أين دينكم ؟! (إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)

ألم تتعظوا أيُّها المسلمون بما فعله بكم أعداؤكم؟ ألم نحفظ درسنا بعد؟ كلَّما هبَّ المسلمون في مكانٍ ما مُطالبين بحرِّيتهم، مطالبين بكرامتهم مُطالبين بنصرة دينهم، تركوهم حتى يُستنزفوا ودعموا أعداءهم ثمَّ إذا ثبت أهل الإيمان وصبر حُماةُ العقيدة عقدوا لهم المؤتمرات ليسرقوا ثوراتِهم، وليسلبوا آمالهم وطموحاتِهم، ولم يُوفُّوا لهم بالتزاماتهم، وأيُّ التزاماتٍ تلك والله تعالى بيَّن لنا منهج الكفَّار في اتفاقياتهم مَعَنا قائلًا سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عِمران:75). فاتفاقاتهم والتزاماتهم لا قيمة لها مع المسلمين، عهودهم فيما بينهم، أمَّا أنتم الأميون، أنتم المسلمون كما يكنُّوكم فلا قيمة للعهود والمواثيق معكم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)

أيُّها السادة الكرام لا أريد أن أطيل الحديث عليكم، ولا أريد أن آتيكم بأمثلةٍ من القرون الوسطى يوم غدروا بالمسلمين في الأندلس، تلك التي سقطت بيد الصليبيين لتنازُع أمرائها، ووقع أمراء الفرنج معهم معاهدة يوم استلموا الأندلس منهم بعد استسلامهم ووقَّعوا لهم بعدم التعرض للمسلمين ولا أذيَّتِهم، ثمَّ بعد ذلك غدروا بهم ونكَّلوا فيهم وفعلوا فيهم ما لم تعرفه البشريَّة من جرائم… تلك أحداثٌ قديمة لن أسهب في الحديث عنها ولكنِّي سأضرب لكم مثالًا مما قَرُبَ عهده وشهدتموه، أضرب لكم مثالًا الحرب الأهليَّة في لبنان تلك الحرب التي استمرَّت خمس عشرةَ سنةً استغلَّتها معظم الأطراف لدعم طوائفها وجماعاتها، إلَّا أهل السنَّة، إلَّا أهل السنَّة فأولئك لا بواكي لهم، ومن سيبكي عليهم وجُلُّ من يحكمهم حكومات عميلةٌ خبيثةٌ نصَّبها الكفَّارُ عليهم.

كيف انتهت الحرب؟؟
انتهت باتفاق الطائف سنة تسعٍ وثمانين وتسعمائة وألف، ذاك الاتفاق الذي سلَّم لبنان للشيعة الذين دربتهم إيران ومولتهم إيران، سلَّم لبنان للموارنة الصليبيين الحاقدين، وجُعِلَ أهل السنَّة أذلَّاء وتركوا ضُعفاء، أين أقيم هذا الاتفاق؟ أين عُقد؟ …

هل عُقِد في الفاتيكان راعية الصليب؟ هل أقيم في قمّ بإيران؟ هذا الاتفاق الذي أذلَّ أهل السنَّة وسلَّم لبنان لأعدائهم عُقِدَ أيُّها السادة في المملكة السعوديَّة، عُقِدَ برعاية سدنة الكعبةِ وحرّاس العقيدة!! أذلوا أهل السنَّة وأضعفوهم وسلَّموا لبنان للصليبيين وللرافضة الحاقدين… ذاك سنة تسعٍ وثمانين.

وبعدها ببضع سنوات اشتعل جُرحٌ آخر في جسد هذه الأمَّة التي لا ترقأ جراحها، اشتعلت الحرب في البوسنة والهرسك، اشتعلت الحرب في دولةٍ صوَّت فيها الناس بدمقراطيَّة الغرب وبطريقتهم على استقلالهم، ووافقت الأمم المتحدة على ذلك، وتوهم المساكين أنَّ الأمم المتحدة سترسل لهم قوات حِفظ سلامٍ تحميهم … ولكن ماذا حصل عندما اشتعلت الحرب؟ ولكنَّهم قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، أهل البوسنة مسلمون، لا قيمة لهم عند الكفّار ولا اعتبار لإنسانيتهم ولا قيمة لوجودهم، بدأت الحرب سنة اثنين وتسعين وتسعمائة وألف، ثلاثمئة ألفٍ من المسلمين ذبحوا، ستون ألف امرأةٍ مُسلمة اغتُصِبت أعراضهن أولئك اللواتي وصلنا خبَرُهنَّ وغيرُهُنَّ كثير لا يعلم بهنَّ إلا الله، ثلاث سنوات والمسلمون يُذَبَّحون، ما فعلت الدول الإسلامية، ما فعل حكَّام المسلمين الخونة، ما فعلت قوات حفظ السلام الدولية التي كانت شاهدةً على المجازِر التي حصلت أمامها ولم تتدخل، تلك القوات التي ساهم جنودها الحاقدون بقتل المسلمين واغتصاب أعراضهم، ولعلّ أحسنهم حالا من كان يهتك عِرض المرأةِ المسلمة برضاها مقابلَ كسرةِ خبزٍ تسدُّ بها رمقها أو رمق أبنائها، هذه قوات حفظ السلام الدوليّة التي يتحدَّثون عنها عربيَّةً كانت أم أعجميَّة.

أيُّها المسلمون، نحن مسلمون، لا قيمة للاتفاقيَّات معنا، فمتى تفهمون ؟!

(ما حكَّ جِلدَك مِثلَ ظُفرِك فتولَّ أنت جميع أمرِك)، ما حصل بعدها؟ توالت الأيام والشهور، والمسلمون يُذبحون، فتنادى الصادقون للجهاد، ونفر المجاهدون إلى تلك الأرض، وبدأ آحاد المسلمين يتبرَّعون بثمن السلاح، وبدأت المؤامرات تُحاك بعقولٍ صليبية وتنفِّذها أيادٍ عربية، فاستثمرت الأموال في شقِّ الصفِّ وتفريقِ الكلمة، وزرعِ النزاع، ومع ذلك ما إن بدأت الكفَّة ترجح لصالح المسلمين قليلًا، وبعد إنهاكٍ طويل عقدوا لهم مؤتمر، وفرضوا وقف إطلاق النار، كعادتهم ما إن يبدأ المسلمون بالتقدم، يجبرونهم على التوقف ويُثبِّتون كُلًّا في مكانه، فعقد اتفاق دايتون للسلام سنة خمسٍ وتسعين، سرقوا آمالهم ودمَّروا أحلامهم وقسّموا بلدهم، وأحسن دول الخليج حالًا من عرضت أنها ستسعى من خلال الجمعيَّات الأهلية بتزويج البنات المُغتصبات، وها هي الكتب والتسجيلات تنطق بالحق، أفعلى هؤلاء تعتمدون؟! وبهم تتأمَّلون؟ أما شهدتم نتائج مؤتمراتهم من يوم فلسطين وما بعدها؟ أما شهدتموها في العراق وفي أفغانستان وفي الصومال وفي السودان؟ أما رأيتم تآمرهم لإسقاط ثورة مِصر ولإسقاط ثورةِ تونس ولإسقاط ثورةِ اليمن، ذاك اليمن الذي أتوا له الآن بقواتٍ مأجورة سودانيَّةٍ ومِصرية وإماراتية لتقاتل على أرضه، لم هذا؟ أَخَلَت أرض اليمن من الرجال، وهم الأبطال الأشاوس الذين وقفوا في وجه كلِّ من طلب أرضهم بسوء، أم أنَّ حريتهم وكرامتهم وتمسُّكهم بإسلامهم يشكِّل خطرًا على من حولهم ؟!! أما سمعتم أيُّها المسلمون ما رواه البخاري ومسلم مِن حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ قال: (( لاَ يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )). يريدون منَّا أن نُلدغ من نفس الجُحر مرَّتين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)) (آل عمران)

بل الله مولاكم وهو خير الناصرين، هو خير الناصرين إن استمسكنا بشرعه والتزمنا هدي نبيِّه، هو خير النّاصرين، عزَّ أهل الشام بما مكنهم منه وجعله بين أيديهم ولم يجعلهم كغيرهم يبحثون عن السلاح فلا يجدون، عزَّ أهل الشام بمن أتى من المهاجرين المجاهدين ممن أتى ينصرُ إخوانه ويُعينهم ولا يريد أن يتكبَّر عليهم ولا يريدُ العلوَّ في الأرض، ثمَّ بعد هذا يأتي من يريد أن يفرض علينا ما نتنكَّب به عن طريق الحقِّ ما نتنكَّب به عن دربِ الرشاد ، ما نتنكَّب به عن الصراطِ المستقيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) (آل عمران: 100)

قلنا ونقول دائمًا أنَّ الظروف الصعبة وقلَّة صبر النَّاس قد تفرض علينا القبول بما لا نرضى، ولكنَّ هذا لا يكون بالتنازل عن الثوابت، لا يكون بأن نعبدَ آلهتهم يومًا ويعبدون إلهنا يوما، إنْ بلغنا هذا المبلغ فما نفع ثورتنا؟ وما نفع جهادنا؟ ولم قدّمنا كلَّ هذه التضحيات؟!

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد:33)

اللهم لا تجعلنا ممن يبطلون أعمالهم، ألهمنا رُشدنا وأعِذنا مِن شرور أنفُسنا، أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، أمَّا بعد عباد الله يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)) (محمد)

ارتدوا على أدبارهم وسوَّل لهم الشيطان أعمالهم، دعاة الحرّية الذين لا يفهمونها معناها إلّا معاداةً لله ولرسوله إلّا تحلُّلًا من الأخلاق والآداب، دُعاة الحرِّية الذين لم يرضوا أن يتركوا لهذا الشعب المسلم حرِّيته في اختيار إسلامه منهجًا وحكما، ينادون بالحرية ويُنادون بإرادة الشعب والشعب يُريد الإسلام، وهم يريدون أن يمنعوه إسلامه وأن يفرضوا عليه شكل دولتهم الذي يريدون، أرادوا أن يفرضوا على هذا الشعب المسكين الذي بذل مئات آلاف الشهداء، أن يفرضوا عليه أزلامهم، أزلام النظام البعثيِّ وعملاءه، يريدون أن نرتدَّ على أدبارنا وأن ننقلب خاسرين، في مؤتمرٍ رعاه سَدَنَةُ الكعبة وخدم الحرمين، يريدُ بعض الناس من بني جلدتنا – من أهل بلدنا -أن يفرضوا علينا ما لا نرضى، والله يعلم إسرارهم، الله يعلم ما تُكُلِّم فيه في الغُرفِ المُغلقة، وما أسرَّه البعض عن إخوانهم.

( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28))(محمد)
اسمعها أيُّها المُخلِص، اسمعها أيُّها الصادق، يا مَن قاتلت ويا مَن جاهدت في سبيل الله، يا مَن نستأمِنُكَ على حضور المؤتمرات والمفاوضات ونحن نعرف الواقع والظرف ونعرِفُ الضغط – الدولي والضغط الداخلي – ولا نزاودُ ولا نُحبُّ المزاودين، إيّاك إيّاك أن يكون تنازلك فيما يُسخط الله سبحانه إياك أن تتنازل عن الثوابت فتُحبِطَ عملك وجِهادك.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ) (محمد:29)

أم حسب أولئك الذين ركبوا موجة الثورة، أم حسِب، أولئك الذين يَبغضون الإسلام وأهله، أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:30) سبحان الله!! سورة محمَّد تحذِّرنا وتنبِّهنا من المكائد والكائدين، تحذِّرنا مِن أولئك الذين كانوا زمن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – كانوا يُعرفون بلحن القول، أمَّا في زماننا فقد غدو يُطالبون بالباطل ويجهرون به ولا يهابون، فيفاوضون على ما لا يملكون، ويتعهدون بما لا يستطيعون، ويتصدَّرون المجالِس وعلى إضعاف المُجاهدين يُراهنون ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)) (محمد) وهذا أملنا وهذه ثقتنا بالله أن سيحبط الله للكافرين أعمالَهم ومؤامراتهم

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33))(محمد)

أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ، يا أهل الشام، يا عُمدة الإسلام، يا من قدمتم الغالي والرخيص، يامن بذلتم النفس والنفيس لنيل كرامتكم ولنصرة دينكم أذكِر نفسي وإيَّاكم بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [حديث صحيح رواه أحمد في مسنده].

اللهم بدِّل عُسرنا يُسرًا يا ربَّ العالمين

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35))(محمد:33-35)

(فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) رسالةٌ حمَّلناها لكلِّ شريفٍ صادق، ليبلِّغَها لمن ظنَّ فيهم خيرا، بأنَّا والله لا نريد مؤتمرات سلام، بل نريد مزيدَ مدد وعون ممن يَصدِقُ معنا، نريد سلاحا يعيننا لنستمرَّ في الجهاد، وليستمرَّ الحزمُ حتى يكون الحسم حلًا جذريًا لا اضطراب فيه، وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ، الله معنا ما نصرنا دينه، الله معنا ما اعتصمنا بحبله، الله معنا ما وحدنا صفوفنا، الله معنا ما تكاتفنا جميعًا مجاهدين وقاعدين، مُقاتلين ومنفقين، عسكريين وسياسيين، الله معنا إذا كنَّا مع بعضِنا على الحق، الله معنا ولن يُضيع جُهدنا…

ثمَّ تتبع الآيات الكريمة واعِظةً لنا جميعا: ( إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38) ) (محمد)

أيها المجاهدون أيُّها القادة أيُّها المتصدِّرون: إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ، واللعبُ قصيرٌ يُتعِب، واللهو يُملّ، وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ، بغير الإيمان والتقوى لا قيمة لجهادك ولا قيمة لتعبك، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا وإن تتنكَّبوا عن نُصرةِ دين الله، يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ، إن تتولوا أيُّها القادة، يا من فرقتم كلمة المجاهدين، إن تتولوا يا من رهنتم أنفسكم لأعدائكم، إن تتولوا يا من عجزتم عن الالتقاء على أرض وطنكم، وكفّار الأرض جميعًا اتحدوا على قتالكم، إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ، فأرض الشام أرضٌ تهوي إليها أفئدة المجاهدين المؤمنين الصادقين، أرضٌ ولَّادةٌ سيخرجُ فيها مِن رحم هذا الجهاد جيلٌ جديد سيصنع التغيير، والخيار لكم أيُّها القادة فإمَّا الاجتماع على مرضاة الله وإمَّا الاستبدال (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) (المُدَّثِر:31)، (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)

فليس لها إلا السيف حلًّا وليس لها مِن دون الله كاشفة وصدق من قال:

السَّيْفُ أَصْدَقُ إِنْبَاءً مِنَ الكُتُبِ *** في حدهِ الحدُّ بينَ الجدِّ واللَّعبِ
بيضُ الصَّفائحِ لاَ سودُ الصَّحائفِ في *** مُتُونِهنَّ جلاءُ الشَّك والريَبِ

اللهم اجلُ عنَّا ما حلَّ بنا بقدرتك يا قدير واكشف غمَّنا وفرج كربنا..

إنِّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *