بركة المال… يا تجار الحروب

  • خطبة الجمعة - تجار الحروب
    خطبة الجمعة - تجار الحروب
  • خطبة الجمعة - تجار الحروب
    خطبة الجمعة - تجار الحروب
  • خطبة الجمعة - تجار الحروب
    خطبة الجمعة - تجار الحروب

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 5/ ربيع الثاني/1437هـ
الموافق: 15/ كانون الثاني/2016م
الجامع: أحد مساجد حلب المحررة
مدة الخطبة: 21 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
2- البركة أمر مادِّي حقيقي.
3- معنى البركة ونعيمها.
4- بعضُ سُبُل تحصيل بركة المال وموانعها.
5- عُفُّوا عن إخوانكم المجاهدين يا صنَّاع السوء و يا تجَّار الحروب.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
6- تذكيرٌ ودعاء

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

تابعوا كل مميز عبر قناتنا على التليغرام على الرابط التالي
https://telegram.me/do3atalsham

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله عزَّ في عُلاه وتقدَّس رحمن رحيم، وعد من سار على شريعته من الأفراد والأمم بالبركات والخير العميم، أحمده جلَّ شأنه وعزَّ سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ ولا معين، وأشهد أنَّ نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد عباد الله: اتقوا الله حقَّ تقواه تفوزوا بخيري الدنيا والآخرة، واسمعوا لوعد من لا يخلف الميعاد وهو أحكم القائلين: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (الأعراف:96).

وعدٌ ربَّاني أيُّها السادة لعباده المؤمنين المتقين، بمكافأةٍ في الدنيا قبل الآخرة، تلك المكافأةُ، وتلك المِنَّة هي البركةُ مِن الله ربِّ العالمين، تلك البركة التي يجهلها الكثيرون، ويغفَل عنها الغافلون، تلك البركة التي حُرِمها المَحْرومون، جهلوا حقيقتها ومعناها، وما ذاقوا حلاوتها ولا لذَّتها..

تلك البركة أيُّها السادة في أصل اللغة: تعني الزيادة والنَّماء، تلك البركةُ إذا حلَّت في الرزقِ كثُر بإذن الله، إذا حلَّت في الطعام القليل أشبَع خلقًا كثيرا بإذن الله… البركة أيُّها الإخوة ليست مجرَّد أمرٍ معنوي، بل هي أمرٌ مادِّيٌ حِسِّي؛ يشعر به من ذاقه وجرَّبه، يُنعم الله به على من شاء من عباده، هذه البركة أيهَّا السادة إذا حلَّت في الوقت أنجزتَ الكثير في وقتٍ يسير، وإذا حلَّت في الأهل والولد، حفظهم الله من المكارِه والشرور وأراك فيهم ومنهم الخير العميم.

البركة أيَّها الإخوة من أعظم نعمِ الله على المؤمنين المتقين، ولكي نتعرَّف على معنى البركة حقًّا، أذكِّر نفسي وإيَّاكم بما رواه البخاري ومسلم عن جابرٍ- رضي الله عنه – قال: إنَّا كُنَّا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، [صخرةٌ عظيمة، مكانٌ صلب] فَجَاؤُوا إِلَى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : هذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ في الخَنْدَقِ. فَقَالَ: (( أنَا نَازِلٌ )) ثُمَّ قَامَ، وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ- صلى الله عليه وسلم -، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَة أيّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقاً، فَأخَذَ النبي – صلى الله عليه وسلم – المِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ كَثيباً أهْيَلَ، فقلت: يَا رسول الله [والكلام لجابر]، ائْذَنْ لي إِلَى البَيْتِ، فقلتُ لامْرَأتِي: رَأيْتُ بالنَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – شَيئاً، مَا في ذَلِكَ صَبْرٌ فَعِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ [أي هل عندك شيء يؤكل] فقالت: عِنْدي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ [ماعِزٌ لم تبلغ عامها الأول] ، فَذَبَحْتُ العَنَاقَ وَطَحَنْتُ الشَّعِيرَ حَتَّى جَعَلْنَا اللَّحْمَ في البُرْمَةِ [أي القِدر]، ثُمَّ جِئْتُ النبي – صلى الله عليه وسلم – وَالعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ، وَالبُرْمَةُ بَيْنَ الأثَافِيِّ [على النار] قَدْ كَادَتْ تَنْضِجُ، فقلتُ: طُعَيْمٌ لي، فَقُمْ أنْتَ يَا رسول اللهِ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ، قَالَ : (( كَمْ هُوَ )) ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: ((كثيرٌ طَيِّبٌ قُل لَهَا لاَ تَنْزَع البُرْمَةَ، وَلاَ الخبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حتى آتِي)) فَقَالَ : (( قُومُوا ))، فقام المُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا فقلتُ: وَيْحَكِ قَدْ جَاءَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – وَالمُهَاجِرُونَ وَالأنْصَارُ ومن مَعَهُمْ ! قالت: هَلْ سَألَكَ [النبي – صلى الله عليه وسلم -]؟ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ: (( ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا)) فَجَعَلَ يَكْسرُ الخُبْزَ، وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ [أي يُغطِّي القِدر] وَالتَّنُّور إِذَا أخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزعُ، فَلَمْ يَزَلْ يِكْسِرُ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا، وَبَقِيَ مِنْهُ، [وهم ألفٌ أو يزيدون] فَقَالَ: ((كُلِي هَذَا وَأهِدي، فَإنَّ النَّاسَ أصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ)).

طعامٌ قليل لا يكفي بضعة أشخاص أشبع ألفًا أو يزيدون، هذه البركة أيُّها السادة وإن كانت ظاهرةً جليّةً في بركة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بما قد لا يكون عند غيره، ولكنَّها معروفةٌ مشهودةٌ عند أهل الإيمان والتقوى، يكفي قليل طعامهم كثيرَهم، يكفي قليلُ ذخيرتهم معاركَهم فينتصرون ويغنمون، يكفيهم الله بالبركة من الأمراض والأوجاع، فيذوقون طعم السعادة ولو ملكوا القليل، وغيرهم يكنِز الكثير ويتقلَّب بين المصائب أو لا يشعر بالسعادة، هذه البركة أيُّها الإخوة لها سُبلٌ لتحصيلها، ولها موانعُ تمنعها وتحجبها، كم نسمع من إخوانا ومن تجارنا اليوم من يشتكي قلَّة البركة في ماله، وإن كان مُنعَمًا، وهذا حال كثيرٍ من التجَّار وأرباب المصالِح والصنعات اليوم، يجمعون ولا يُبارك لهم ولا يهنؤون، وما حالهم إلَّا مِصداق حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي رواه البخاري ومسلم عن حكيم بن حزامٍ – رضي الله عنه -قَالَ: سألتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فَأعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ – صلى الله عليه وسلم -: (( يَا حَكِيم، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ
[أي تميل النفس له وتشتهيه]، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ …))

مَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ [أي بسخاوة نفس من يعطيه ورضاها] بُورِكَ لَهُ فِيهِ، ومن أخذه بإشرافِ نفسٍ [بشحٍّ وجشع، وطمعٍ] كان كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، وشتَّان شتَّان بين هذا الطمّاع الجَشِع، وبين من يبيع بضاعته للنّاس بربحٍ معقولٍ، بربحٍ مقبولٍ عقلًا وعُرفا فيُبارك الله له في تجارته، ويدفع الناس له بسخاوة نفسٍ وطيب خاطر وهم يدعون له بالخير، لما يقدِّمه من خِدمةٍ لهم يقضي بها حوائجهم، ويربح بها فيما يُرضي الله، شتَّان شتَّان بين هؤلاء الصالحين يكون أولئك الفجَّار، أولئك الذين يأكلون ولا يشبعون، ممن يستكثرون ولا يهنؤون، فرقٌ كبيرٌ بين الصالحين وبين أولئك الصُنَّاع الذين يغِشُّون ويُخرِّبون أكثر ممَّا يُصلِحون، ويطلبون أجر ما لم يعملوا، فيكذبون ولا يصدقون، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – _ فيما رواه البخاري ومسلم _ يقول لنا مُعلِّما: (( البَيِّعَانِ بالخِيَار، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإنْ صَدَقا وَبيَّنَا بُوركَ لَهُمَا في بيعِهمَا، وإنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بركَةُ بَيعِهِما)).

فإن صدقا في وعودهما وبيَّنا العيوب وكشفا الحقائق، بارك الله لهما، بارك للمشتري فيما اشترى، وبارك للبائع فيما قبض، أمَّا إن كتما وكذبا، مُحقت بركة بيعهما.

فلا المشتري يبارَكُ له فيما اشترى، ولا البائع يهنأ فيما قبض.

فما بالكم أيُّها الإخوة بمن يكذب ويَغِش ويتحايل على النَّاس عامَّة وعلى إخوانه المجاهدين خاصَّة؟!! اذهبوا إلى مراكز تصليح الآليات لتروا العجب العجاب، لتروا من يبتزون المجاهدين في تصليح آلياتهم وعتادهم، يُغالون عليهم ويبتزُّون حاجتهم، لا بارك الله لهم، أما سمِع أولئك ما رواه التِّرمذيُّ وحسَّنه، أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال:
“إنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يوم القيامة فُجَّارًا إلا مَنِ اتَّقَى اللهَ وبَرَّ وصَدَقَ” أولئك الفجَّار أولئك المراوغون الذين إن سألتهم أكثروا لك الحلِفَ كذبًا وزورًا، وقد روى البخاري عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: “الْحَلِفُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ” من يكثِرُ الحلِف في البيع والشراء، من يحلفُ كذِبًا وزورًا لتنفُق بضائعه، قد تنفُق بضائعه ولكن مُحِقت بركة ماله… ثمَّ بعد ذلك يشتكون قلَّة البركة!! وحسبنا الله ونعم الوكيل، وقد غدت كثيرٌ من هذه الأحاديث تصحُّ على الكثير من فجَّار زماننا.

أيها الإخوة الكرام فيما مضى تحدَّثنا كيف يمكن لكلِّ مسلمٍ أن يكون جُزءًا من منظومة الجهاد المتكاملة، يُعين إخوانه ويسدِّ ثَغرًا عنهم، ولو أتاه منه نفعٌ يعينه على أمر دنياه، أمَّا اليوم فقد غدونا نقول لأولئك عُفُّوا عن إخوانكم المجاهدين، لا نبغي منكم عونًا، إن كنتم لا تعطونهم فعلى الأقل ارحموهم فيما تربحونه من أرباحٍ فاحشةٍ، ألا لا بارك الله في كلِّ من لا يرحم إخوانه، ألا أخسر الله تجارة كُلَّ من يبتزُّ حاجة إخوانه، وأيُّ أخوَّةٍ تلك وأيُّ إيمان؟! ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – _ فيما رواه البخاري ومسلم _ يقول: ((لاَ يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لنَفْسِهِ)) ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنا مُعلِّمًا:(الرَّاحِمُونَ يرحمهم الرحمن، ارحَمُوا مَن في الأرض، يرحمْكم من في السماءِ) [حديث صحيح رواه أبو داود والترمِذي]

ألم يسمع أولئك هذه الأحاديث؟! كيف سيرحمنا الله ونحن لا نرحم بعضنا؟!

ألا أخسرَ الله تجارة كُلَّ من لا يرحمُ إخوانَه ولا يرأف بحالهم…

والله أيُّها الإخوة إنَّ هذه الأفعال لهي عين جحود نِعم الله ونكرانها وكفرانِها، كم من الناس استفادوا وكم من القرى انتعشت بعد الثورة على حساب مصيبةِ غيرها؟ رزقٌ آتاهم الله إيَّاه وساقه إليهم، فإن أحسنوا فلأنفسهم، وإن شكروا زيدوا نعيمًا إلى نعيمهم (لئن شكرتم لأزيدنَّكم)، وإن كفروا إنَّ عذاب الله لشديد، إن اقتنعوا بالربح المعقول واحتسبوا ذلك عند الله ذاقوا حلاوة البركة في الدنيا وكانت لهم الحياة الطيِّبة، وجزاهم الله خير الجزاء في الآخرة، وإن أفسدوا فبئس عاقبة المفسدين (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)

اللهم اجعلنا منهم يا رحيم … وللحديث عن البركة بقيَّة

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *