دعوها فإنها خبيثة

  • خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة
    خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة
  • خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة
    خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة
  • خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة
    خطبة الجمعة - دعوها فإنها خبيثة

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_أبو معاذ زيتون

دعوها فإنها خبيثة

التاريخ: 13/ شعبان/1437هـ
الموافق: 20/ أيار/2016م
المدة: 23 دقيقة

الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ
2- الصحابة سمَّاهُمُ اللهُ المُسلِمينَ فَتخلَّوا عَن جميعِ المُسمَّياتِ الأُخرى.
3- عصبيَّة الجاهليَّة … دَعوها فإِنّها خَبيثة
4- لا تَرجِعوا بَعدي كُفّاراً
5- كيفَ لو خَرَجَ رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -, فَرآنا؟
6- أيُّها القادة: نَحنُ ما صَبَرنا على العيشِ في الخيامِ لِأَجلِ أَنْ تَخذلوا الحقَّ مستخدمينَ أبناءنا وَقودًا لتنافسكم على النفوذ والسلطة.

الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
7- فَكيفَ نَنصُرُهُ ظالِماً؟

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 



* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ثُمَّ الحمدُ للهِ
الحمدُ للهِ الّذي سمَّانا في قُرآنِهِ بالمُسلِمينَ.
وَحرَّمَ دِماءَ المُؤمِنينَ وَأَموالَهم وأَعراضَهُم, فَهي حرامٌ بَينَهم إِلى يومِ الدِّين.
وَأَشهَدُ أَن لا إِلهَ إِلّا اللهُ الواحِدُ الحقُّ المُبين, وأَشهَدُ أَنَّ سيِّدَنا محمّداً سيِّدُ الأَوَّلينَ والآخِرينَ, صلواتُ ربّي وَسلامُهُ عليهِ وَعلى آلِهِ وَأَصحابِهِ وَمَن تَبِعَهُم بإِحسانٍ إِلى يومِ الدِّين, عبادَ اللهِ:

أَوصي نَفسي وَأُصيكُم بِتقوى اللهِ عز وجل .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (102 آل عِمران)

وَأَستَفتِحُ بالّذي هوَ خيرٌ, فَخيرُ الكلامِ كلامُ اللهِ, وَخيرُ الهَديِ هديُ محمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم -.
إِخوةَ الإيمان: موضوعُنا لِهذا اليومِ بِعنوانِ : ” دَعوها فإِنَّها خَبيثة ”

يا معاشِرَ المُسلِمينَ: لَقَد أَرسى الجليلُ جلَّ في عُلاهُ علاقةَ المُسلِمينَ فيما بَينَهم على أَساسِ الأُخوَّةِ الإيمانيَّة, فقال جل جلاله: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ…) ( الحجرات 10 )

بيَّنَ سبحانه وتعالى أَبرَزَ صِفاتِ المؤمِنينَ بقولِه: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ..) ( التوبة 71 )

أَرادَ ربُّنا تبارَكَ وتعالى لِعِبادِهِ المُسلِمينَ أَن يَعيشوا هذِهِ الحياة في مودّةٍ وإِخاءٍ وَمحبَّةٍ وَوِفاق.

يُحبُّ بَعضُهم بَعضاً لأَجلِ الدِّين, وَيُوالي وَيُناصِرُ بَعضُهُم بَعضاً لأَجلِ الدّين.

أرادَ الجليلُ جلَّ في عُلاهُ, أَن يكونَ كُلُّ مسلِمٍ حَريصاً على إِخوانِهِ المُسلِمينَ, يَحمي مَصالِحَهم, يَغارُ على أَعراضِهِم, يُدافِعُ عَنهم ضِدَّ كُلِّ مَن يَعتَدي عليهِم.

وَلِهذا كانَ نبيُّكم – صلى الله عليه وسلم – يُقيمُ دعائِمَ الأُخوَّةِ بينَ المُسلِمينَ, وَيربِطُ بَينَ هذِهِ الدَّعائِم بِحبالِ المَحبَّةِ والمودَّةِ والتَّسامُح.

علَّمَهم – صلى الله عليه وسلم – كيفَ يتَصالَحوا وَيتَسامَحوا وَيتصافَحوا, كُلَّما نَزَغَ الشَّيطانُ بَينَهُم.

بل لِأَجلِ هذا أَنزَلَ اللهُ وَصفَ المُسلِمينَ في قُرآنِهِ, وَجَعلَه مَثلاً يُتلى على مَسامِعِ الكونِ حتى يَرثَ اللهُ الأَرضَ وَمَن عليها:
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ .. ) ( 29 الفَتح )

فَلَو رأَيتُم يا مَعاشِرَ المُؤمِنينَ نبيَّكُم المُصطفى – صلى الله عليه وسلم – وَهوَ يُؤاخي بينَ المُهاجِرينَ والأَنصار, حينَ هاجَرَ مِن مكَّةَ إِلى المَدينة.

لَو سَمِعتموهُ يا مَعاشِرَ المُسلِمينَ, وَهوَ يُعلِنُ على الدُّنيا عَقدَ هذِهِ الأُخوَّةِ, يَقولُ: “وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ “. رواه مسلم

ثُمَّ يَقولُ صلواتُ ربّي وَسلامُهُ عليهِ: ” بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ” رواه مسلم

وَلَو نَظَرتُم يا مَعاشِرَ المُؤمِنين إِلى أَصحابِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَهُم يَقتَسِمونَ أَموالَهم وَطعامَهم فيما بَينَهُم، لَو أَبصَرتُموهُم وَهم يتسابَقونَ لِخِدمةِ بَعضِهِم, وإِغاثَةِ بَعضِهِم, وَنُصرةِ بَعضِهِم بعضًا.

يُخطئُ أَحدُهم في حقِّ أَخيهِ فَيَرجِعُ إِليهِ وَهوَ يبكي وَالنَّدَمُ يَكادُ يأكُلُ فؤادَه, يَعتذِرُ مِن أَخيهِ قائِلاً: لَعلِّي أَغضَبتُك. فَيتلقَّاهُ أَخوهُ مُسامِحاً وَمُصافِحاً والدَّمعُ يَنفِرُ مِن عَينيهِ يقول: لا ــ يَغفِرُ اللهُ لَكَ يا أَخي.

قَدْ جَعلوا ولاءَهم للهِ تعالى فأَسقَطوا كُلَّ الولاءاتِ الأُخرى, لِسانُ حالِهِم يُنادي:
أَبي الإِسلامُ لا أَبَ لي سِواهُ **** إِذا فتَخَروا بِقيسٍ أَو تَميمِ

سمَّاهُمُ اللهُ المُسلِمينَ فَتخلَّوا عَن جميعِ المُسمَّياتِ الأُخرى.

أَنعَمَ اللهُ عَليهِم بِعلاقَةِ الأُخوَّةِ الإيمانيَّة, فَهَجروا كُلَّ العَلائِق إِلَّا علاقَةَ الدّينِ.

يَمُرُّ مُصعَبُ بنُ عُمير, فَيرى أَخاهُ لأُمِّهِ وَأَبيهِ أَسيراُ في يَدِ أَحَدِ المُسلِمينَ, وَكانَ أَخوهُ ما يزالُ على الشِّركِ, فيقولُ مُصعبُ لِلمُسلِم: أَحكِم رباطَه , واشدُدْ وِثاقَه, فإِنَّ أُمَّهُ ذاتُ مالٍ (أَي لَعلَّنا نَفتَديهِ بِمالِ أُمِّه). فيُناديهِ أَخوهُ قائِلاً: يا مُصعَب. يا مُصعَب. أَهذِهِ وِصاتُكَ بأَخيك؟

وَيجيءُ جوابُ المؤمِنِ مدوِّياً في أَرجاءِ الكونِ الرَّحيبِ: إِنَّهُ أَخي دونَك.

إِنَّ هذا المُسلِمَ الّذي يأسِرُكَ وَيَربِطُكَ هوَ أَخي لا أَنت, فأُخوّةُ الإِيمانِ لَم تُبقِ لأُخوَّةِ النَّسَبِ مكاناً.

لا إِلهَ إِلا الله **** لا إِلهَ إِلَّا الله *** أَينَ المُسلِمونَ مِن هذا الذي ربَّاهُم عليهِ نبيُّهُم – صلى الله عليه وسلم – ؟؟

وَأَينَ المُسلِمونَ اليَومَ مِن قولِ اللهِ تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..) ( 54 المائِدة )

أَينَ المُسلِمونَ اليومَ مِن هذ، وَنَحنُ نراهُم كيفَ أَصبَحوا جَماعاتٍ مُتناحِرة, وَصاروا فَصائِلَ مُتدابِرة, وَأَمسَوْا أَحزاباً مُتخاصِمة, وَعادوا تيَّاراتٍ مُتقاتِلةً متناحِرة؟!

كأَنَّهم لَم يَسمَعوا قَطُّ قولَ اللهِ تعالى: ( وَلا تنازعوا فَتَفشلوا وَتَذهَبَ ريحُكُم ..) ( 46 الأنفال )

كأَنَّهم لَم يَسمَعوا وَصيَّةَ نبيِّهم – صلى الله عليه وسلم -: ” لا تَرجِعوا بَعدي كُفّاراً يَضربُ بَعضُكم رِقابَ بَعض ” متفق عليه

مَعاشِرَ المُسلِمينَ: كانَ الصَّحابةُ – رضي الله عنهم – يوماً معَ رسولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – في غَزوة, فَكَسَعَ رجلٌ مِن الأَنصارِ رجلاً مِن المُهاجِرينَ [ كَسَعَه: أَي ضربَه على قَفاهُ بِرِجلِه ] فَغَضِبَ الأَنصاريُّ وَصَرَخَ بأَصحابِهِ مُستنصِراُ يَقولُ: يا لَلأَنصار.

فَفَزِعَ المُهاجِرُ وَصَرَخَ بأَصحابِهِ مُستنصِراً يقولُ: يا لَلمهاجِرينَ.
وَيَسمَعُ الحَبيبُ – صلى الله عليه وسلم – هذهِ الدعوى الخَبيثَة القَبيحة فَيَغضَبُ أَيَّما غَضَب, وَيقولُ: ما بالُ دَعوى الجاهِليَّة؟ ما بالُ دعوى الجاهلية؟
أَخبَرَه القَومُ بِما حَصل, فقالَ – صلى الله عليه وسلم -: ” دَعوها فإِنّها خَبيثة ” دعوا هذِهِ الدعوى, وَهذِهِ الحميَّة, دَعوها فإِنَّها خَبيثة.

لا حولَ ولا قوَّةَ إِلّا باللهِ ــ ماذا نَقول؟ وَأَيَّ شيءٍ نَشتَكي؟

رَجلٌ مِن الأَصحابِ يُنادي: يا لَلأَنصارُ, وآخَرُ يقولُ يا لَلمهاجِرين, وَالأَنصارُ وَالمهاجِرونَ يا عِبادَ اللهِ هم خيرُ جيلٍ طَلَعت عليهِ الشَّمسُ بَعدَ الأَنبياءِ والمُرسَلينَ.

مَعَ ذلِكَ يقولُ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: ” دَعوها فإِنَّها خَبيثة ” وَفي روايةٍ قالَ – صلى الله عليه وسلم -: ” دعوها فإِنَّها مُنتِنة ”

فكيفَ يا تُرى لَو خَرَجَ فينا رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – اليومَ؟ فَسَمِعَ مَن يقولُ: يا أَهلَ حِمصَ قوموا لِقتالِ أَهلَ حماة, وَيا أَهلَ حماة هيَّا للِقاءِ أَهلِ حلب, وَيا أَهلَ حلَبَ هبّوا لِنِزالِ أَهلِ إِدلِب, وَيا أَهلَ إِدلبَ هلُمّوا لِمواجَهة أَهلِ الشام.

بَل كيفَ لو خَرَجَ فينا رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – اليومَ, فرَأى ما يَجري في الغوطةِ مِنِ اقتِتالٍ بينَ الإِخوة, وأَبناءِ العمِّ وَالخال؟

كيفَ لو خَرَجَ فينا رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – اليومَ, لِيَسمَعَ مَن يَصرُخ: يا لَلنُّصرة _ وَيا لَلأَحرار _ وَيالَلفَيلَقِ _ وَيا لَلجيشِ الحُرِّ؟

كيفَ لو خَرَجَ فينا رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – اليومَ, فأَبصَرَ كيفَ تُنصَبُ المَدافِعُ والرَّاجِماتُ على بلداتِ المُسلِمين؟ وَكيفَ تُسيَّرُ الأَرتالُ وَتُحاصَرُ قُرى المُسلِمينَ بالدَّبّاباتِ؟

وَكيفَ يحمِلُ المُسلِمونَ في وجوهِ إِخوانِهمُ البَنادِقَ والرَّشّاشات؟ وَيلبَسونَ بينَهم الأَحزِمةَ النَّاسِفة؟

كيفَ لو خَرَجَ رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -, فَرأى كَيف يُهانُ المُسلِمونَ على الحواجِز وَيُعتَقَلونَ _ على حواجِزِ مَن؟ على حواجِزِ المُسلِمينَ، يُعتَقلونَ على أَساسِ انتِمائِهِم لِلفَصائِلِ عِندَ أَدنى خِلاف.

تُرى ماذا سَيَقولُ – صلى الله عليه وسلم – لَو رأى كيفَ يُسحَبُ المُجاهِدونَ المُرابِطونَ على الثّغور مِن مُواجَهةِ النُّصَيريّة والرَّوافِضِ والرُّوسِ وَالمَجوسِ.
وَيُجاءُ بِهِم وَيُساقونَ لِفضِّ الخِلافاتِ بينَ المُسلِمينَ بقوَّةِ السِّلاح، وَلِيُزجَّ بِهِم في مُناحراتٍ على بَسطِ النُّفوذِ والسَّيطَرةِ على المَناطِقِ بِقوَّةِ السِّلاح؟؟

وَلِيُخاصِموا إِخوانَهم وَيُقاتلوهم وَيَفرِضوا عليهم رأيَهم ومَحاكمَهم بِقوّةِ السِّلاح.

لا إِلهَ إِلا الله _ لا إِلهَ إِلا الله.

ماذا سنقولُ للهِ يا عِبادَ اللهَ؟ ماذا سَنقولُ لَه إذا سألَنا وَسَيسألُنا واللهِ؟ أَما بقيَ لكم حلٌ لِمشاكِلِكم إِلَّا السِّلاح؟

ماذا سَنقولُ للهِ؟ إِذا سألَنا أَلَم أُنزِل عليكم في كِتابي أَن إِذا تنازَعتُم في شيءٍ فردُّوه إِلى اللهِ وَإِلى الرَسولِ إِن كنتم تؤمِنونَ باللهِ واليَومِ الآخِر ذلِك خيرٌ وَأَحسنُ تأويلاً.

هل سَنقولُ يارب. نَعم سمِعنا وَعَصَينا؟

هل سنقولُ يارب. نعم وَلكنَّا رأينا السِّلاحَ خيراً من كتاب اللهِ وَأَحكمَ من سُنّةِ رسولِ ؟

اللهُ أكبر ـــ اللهُ أكبرُ مِمَّا يَجري يا عِبادَ اللهِ.

ماذا سَنقولُ لِلجبّارِ يومَ القيامةِ إِذا قيل: ( وَقِفوهم إِنَّهم مَسئولون ) ( الصافات 24 )

إِذا قالَ لَنا: أَلِهذا خَلَقتُكم ؟ أَبِهذا أَمَرتُكم ؟

وَأَنتَ أَيُّها القائِد: أَنتَ أَيُّها القائد: يا مَن ولّاكَ اللهُ واسترعاك أَمرَ هذِهِ المَجموعة أَو ذلِكَ الفَصيل, وَأَمرَكَ أَن تَقودَهم لِمواجَهةِ أَعداءِ اللهِ, وَإِعلاءِ كلِمةِ اللهِ, وَنُصرةِ دينِ اللهِ, وَرَفعِ الظلمِ عن عِبادِ الله.

ماذا ستَقولُ للهِ؟ إِذا أَوقَفَكَ على الصِّراطِ, أَو جاءَ بِكَ في أَرضِ المَحشَرِ جاثياً على الرُّكَبِ خائِفاً مُرتَعِباً ظَمآنا.

ماذا سَتَقولُ إِذا أَحضَرَكَ للسّؤالِ حافياً عُريانا ؟ لا مالَ مَعَكَ ــ لا سِلاحَ لَديكَ ــ لا جُنودَ حولَكَ ــ لا سَيَّارةَ تركَبًها ــ لا مُرافقة ـــ لا مَنصِب ــ لا جاه ـــ لا نَصير.

ماذا سَتُجيبُ اللهَ تبارَكَ وتعالى يومَ يَغضَبُ الجبَّارُ غَضَباً لَم يَغضَبه مِن قبل.

بِماذا ستردُّ هناك؟ إِن قيلَ لَكَ: على أَيِّ شيءٍ قاتَلتَ عِبادَ اللهِ المُسلِمين؟

لأَجلِ أَيِّ شيءٍ رَفَعتَ السِّلاحَ في وجوهِ المؤمِنين؟

في سبيلِ ماذا هدَرتَ الذّخائِرَ, وَبَذَلت الأَموالَ, وَأَزهقت الأرواح وسفكت الدِّماءَ, وَروَّعتَ الآمِنين؟

ماذا سَتقولُ أَيُّها القائِد إِن قيلَ لكَ: كيفَ طابَتْ نَفسُكَ أَن تَقودَ جُنودَكَ لِقِتالِ إِخوانِكَ المُسلِمين, وَتَجاهَلتَ كُلَّ هذِهِ القَذائِفِ وَالصَّواريخِ وَالبراميلِ الّتي يُلقيها الأَعداءُ عَليكم جَميعاً, فلا يُميِّزُ بينَ طِفلِكَ وَطِفلِ أَخيكَ الّذي تُقاتِلُه, وَلا تُفرِّقُ بَينَ فَصيلِكَ وَالفَصيلِ الّذي تُجابِهُه.

ماذا سَتردُّ أَيُّها القائِد؟ إِن قامَت لَكَ يَومَ الحِسابِ امرأةٌ عَجوز, فقالَت لَكَ: أَنا ما بِعتُ أَساوري, ولا بِعتُ حلَقَ بَناتي, ولا تخلَّيْتُ عَن بَقَراتي, لأَشتَري لكَ البُندُقيَّة حتَّى تُجابِهَ بِها إِخوانَكَ المُسلِمين.

ماذا سَتَقول؟ ماذا سَتَقولُ أَيُّها القائِد؟ إِن قامَ لكَ في أَرضِ المَحشرِ رجلٌ فقال:
أَنا ما أَخرَجتُ وَلَدي مِن المَدرَسة, وَلا جَعَلتُهُ يَترُكُ الكُلِّيَّةَ وَيَنضَمُّ إِليك لِقِتالِ إِخوانِهِ المُسلِمين.

ماذا سَتَقولُ أَيُّها القائِد؟ إِن تَعلَّقَ بِكَ في أَرضِ المَحشَرِ الآلافُ ــ الآلافُ ــ مِن النِّساءِ وَالصَّبايا وَالشُّيوخُ وَالوِلدان, كُلٌّ يقولُ لك: نَحنُ ما صَبَرنا على العيشِ في الخيامِ, ولا رَضينا المَبيتَ في البَردِ والجوعِ على الحُدود, وَلا قَبِلنا الذُّلَّ وَالهوانَ نَتَسوُّلُ في المُخيَّماتِ لِأَجلِ أَنْ تَخذُلَ الحقَّ وَتنصُرَ الباطل.
ماذا سَتُجيبُهُم إِن قالوا لك: قَد أَمَّرناكَ عَلينا, وَعلى أَبنائِنا لِتَقودَهُم في مواجَهةِ الظّالِمينَ وَالطُّغاةِ المُستَبدّين, فَكيفَ سُقتَهُم لِيَكونوا طَحيناً في مَعارِكِكَ مَعَ المُسلِمين؟

فَماذا سَتَقولُ هناكَ أَيُّها المِسكين؟

( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) ( طه111)

أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه يغفر لكم

الخُطبة الثَّانية:
الحمد لله ثمَّ الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد: فأوصِي نفسي وإيّاكم بتقوى الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 102) … معاشر المسلمين … أَيُّها الشَّبابُ المُجاهِدون يا مَن خَرَجتُم نُصرةً لِدينِ الله، وَإِعلاءً لِكلِمةِ الله،ـ وَدِفاعاً عَن حُرُماتِ اللهِ…

إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَيُّها المُجاهِد. إِيَّاكَ أَن تَصيرَ حَطَباً لِجَهنَّم… إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَن تَصيرَ عَوناً على الباطل… إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَن يَستَخِفَّكَ بَعضُ الفاسدين, فَيَجعلوكَ عَبداً لِدولاراتِهِم, أَو شُرطيّاً تَحرُسُ شَهَواتِهِم, أَو مُرتَزِقاً تُنفِّذُ رَغَباتِهِم.

أَخي أَيُّها المجاهد: وَاللهِ إِنّي لَكَ ناصِحٌ مُشفِقٌ.

اِسمَع.
إِنِ استَنفَرَكَ القائِدُ لِقِتالِ الكُفَّارِ وَالشَّبيحة وَالطُّغاةِ وَالبُغاةِ فانفِرْ, فانفِر مَعهُ فإِنَّها واللهِ سَبيلُ الجَنَّة.

أمَّا إِنِ استَنهَضَكَ لِقِتالِ إِخوانِكَ المُسلِمين, وَالاعتِداءِ على الآمِنينَ فاحذَرْ, فإِنَّها واللهِ طَريقُ النَّارِ, وَدَربُ البَوارِ, وَمَسلَكُ الخَسارِ.

تَذكَّرْ أَيُّها المُجاهِدُ الحَبيبُ قَولَ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: ” انصُرْ أَخاكَ ظالِماً أَو مَظلوماً ”

قالوا: يارَسولَ اللهِ نَنصُرُهُ مَظلوماً ــ فَكيفَ نَنصُرُهُ ظالِماً؟ قالَ : ” تَحجُزهُ عَن الظُلمِ ” والحديثُ في الصحيحينِ

بِردِّهِ عَن ظُلمِه, لا تَخرُجْ مَعَ الأَميرِ, إِذا كُنتَ تعلَمُ أَنَّهُ خَرَجَ ظُلماً وَأَشَراً وَبَطراً.

إِذا قالَ لَكَ: توجَّهْ لِقِتالِ أَحدٍ مِنَ المُسلِمين.

قُلْ لَهُ: أَعطِني فتوى مِن المَجامِعِ الفِقهيَّة.

أَعطِني فَتوى مِن رِجالِ العِلمِ الشَّرعيّ (الموثوقين المشهود لهم بالعدالة).

إِيَّاكَ أَيُّها المُجاهِدَ أَن يَضيعَ أَجرُ جِهادِكَ, فَتكونَ مِن الخاسِرين.

إِيّاكَ أَن تأتيَ يومَ القيامة وَأَنتَ تَحملُ شيئاً مِن دِماءِ المُسلمين.

فواللهِ والله لَن يُجيَكَ يومَ القيامةِ فَصيلُك.

وَلَن يَشفَعَ لَكَ عِندَ الجبَّارِ أَميرُك.

وَلَن تُغنيَ عَنكَ عِندَ الحِسابِ عَشيرتُكَ وَقبيلتُك.

وَتَذكَّرْ قولَ الجليلِ جلَّ في عُلاه: ( إِنَّهُ على رَجعِهِ لَقادِرْ * يومَ تُبلى السَّرائِر * فَما لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا ناصِر ) ( الطَّارق 8 _ 10 )

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *