فيتنام تنتقل إلى سوريا: حرب (المؤخرات) بدءاً من حلب

مقالات - حرب المؤخرات

بقلم: محمد سلام

لأول مرة منذ نهاية حرب الهند-الصينية في العام 1975 بعدما إستمرت 10 سنوات، تنتقل تجربة فيتنام إلى سوريا، منذرة بحرب “مؤخرات” طويلة إنطلاقاً من حلب تُنهًك خلالها القوى النظامية … وصولاً إلى تشتتها، ثم إنهيارها.

ما هي حرب “المؤخرات” هذه؟؟؟
التسمية باللغة العربية لا توحي إطلاقاً بما هي هذه الحرب. ووفق الأصل باللغة الإنكليزية هي حرب (smashing rear guards) أي سحق حرس مؤخرات قوات العدو بحيث يتم قضم قواته من الوراء بدلاً من مواجهتها من الأمام.

النظرية التي إبتدعها الجنرال فون نجوين جياب، قائد قوات الثوار الفيتناميين، أنهكت وشتت 550 ألف جندي أميركي على الرغم من تفوقهم الجوي والناري والبحري وأجبرتهم على الإنسحاب من فيتنام …

كيف تعمل حرب “المؤخرات”؟
كل الجيوش النظامية في العالم تقاتل بتشكيل ثلاثي: قلب، ميمنة، ميسرة، وهو التشكيل الذي أسسه القائد العسكري العربي المسلم السني خالد بن الوليد، وما زال معتمداً حتى الآن.

وتعتمد الجيوش النظامية مبدأ قيام الجناحين الأيمن والأيسر بمهام المشاغلة أو الإلتفاف، على أن يتولى القلب الهجوم، أو العكس، أي أن يشاغل القلب ويهاجم الجناحان. الروس عادة يقاتلون بجبهة عريضة، تقدماً وإنسحاباً، أي أن تقاتل التشكيلات الثلاثة دفعة واحدة وبإتجاه واحد، وتحت غطاء ناري جوي، بري، وبحري كثيف في كل الحالات.

حرس المؤخرة (Rear Guards) لا مهمة هجومية له. يقوم بتأمين خطوط الإمداد وطريق الهروب أو الإنسحاب.

نظرية حرب “المؤخرات” عكست القاعدة التقليدية-النظامية للقتال بحيث صارت مهمة قوات الجبهة هي تحديداً “المشاغلة، وتشتيت قوات العدو، والإنسحاب التكتيكي أمامة لتمديد خطوطه وإضعافها، على أن يستهدف زخم الهجوم حرس مؤخرة العدو، بحيث يتم قطع خطوط إمداده، ومن ثم عصره من الخلف والأمام وقضم ميدان سيطرته تدريجياً بعد تشتيت قواته، وتدني مخزون ذخيرته، وتزايد إصاباته في الميدان وعجزه عن إخلائها، فتنهار معنويات جنوده.

ظهرت حرب “المؤخرات” كخيار قتالي لأول مرة في خان طومان حيث هُزِمً الجيش الإيراني، وجيش الأسد، وجيش حزب حسن، وبقيت جثث قتلاهم على الأرض لعدم القدرة على إخلائها، تماماً كما كان يحصل في الميدان الفيتنامي، ما يجبر المهزوم على خوض معركة جديدة لإخلاء جثث قتلاه، وبالتالي دفع خسائر بشرية إضافية في نفس الميدان الذي خسره ولا يحاول إستعادته، بل فقط إخلاء جثثه منه.

تمايز المقاتلون السوريون عن أسلافهم أصحاب نظرية حرب “المؤخرات” بسلاح جديد لم يكن متوفراً للفيتناميين الشماليين: الإنغماسيون. أي التفجير “الإستشهادي” لأقوى مفصل عسكري في خارطة إنتشار العدو ثم الإندفاع … لمهاجمة غيره، لا لمهاجمته.

لماذا مهاجمة غيره، لا مهاجمة ما تم تدميره؟؟؟
لأن العدو يسارع لحشد قواته لتحصين الثغرة المستجدة نتيجة التفجير، وبالتالي فإن مهاجمتها ستكبد الثوار خسائر لا داعي لها، كما أنها تحتاج إلى غطاء ناري كثيف، جوي وبري، غير متوفر للثوار السوريين كما لم يكن متوفراً للفيتناميين الشماليين.

من يتاح له مشاهدة الوقائع الحية لمعركة خان طومان عبر الأقمار الإصطناعية يرى لوحة قتالية رائعة. قمة في الإبداع. أشبه بحركة المنتخب الألماني الذي فاز بكأس العالم في كرة القدم: تفجير-تشتيت-هجوم في إتجاه آخر. لآ أبالغ إذا وصفته بأنه رقصة بالية ولكن على إيقاع السلاح بدلاً من الموسيقي.
صحيح أن الحرب بشعة في كل مفاهيمها ومضامينها، لكن الأداء القتالي يمكن أن يكون جميلاً ومبهراً حقاً إذا كان مبدعاً، ومعركة خان طومان التي أطلقت حرب “المؤخرات” كانت الإبداع بعينه.

كل الإحترام والتقدير لهؤلاء الأشاوس الذين عجز طيران بوتين عن صدهم، كما كان طيران أميركا قد عجز عن صد الفيتكونغ، وعجزت قوات البر الأسدية-الإيرانية-“الحزب حسنية” عن وقف إندفاعتهم، كما كانت قوات أميركا والقوات الأسترالية والكورية الجنوبية قد عجزت عن وقف الفيتكونغ.

ولكن ماذا بعد؟؟؟
قبل معركة خان طومان كان ثوار سوريا قد إرتكبوا 4 أخطاء قتالية إسترتيجية بعدم إقتحامهم نبّل، والزهراء، وكفريا والفوعة، ما أتاح للنظام وحلفائه القدرة على إنقاذ هذه البلدات الأربعة بحيث صار يهدد كامل ريف حلب.

الآن صار لزاماً على الثوار، وتحديداً جيش الفتح، السيطرة كفريا والفوعة كلياً كمساحتين عسكريتين معاديتين، ثم إستدراج من يريد إخلاء جثث قتلاه منهما، وصار لزاماً على جيش الإسلام وأحرار الشام، بعد رفض الأمم المتحدة طلب روسيا إدراجهما على لائحة المنظمات الإرهابية، التحرك بإتجاه الغوطة والقلمون بدلآ من إنتظار فتح جبهة دمشق، وصار لزاماً على فصائل الثورة المقاتلة في الجنوب السوري تجميد أي تقدم بإتجاه دمشق والتحرك لضرب مؤخرات قوى تحالف الأسد-إيران-حسن في محافظة درعا.

لا داعي لتضييع الوقت والجهد ودفع خسائر بشرية وهدر ذخيرة في معركة دمشق. اتلفوا مؤخرات قوات الأسد ومن معه في الشمال والجنوب، يتهاوى الأسد وبوتين في دمشق تلقائياً. وهو ما أدركه حلف الأسد-إيران- حسن وسارع الى حشد قواته على هذه الجبهة.

إنها حرب المؤخرات” على قاعدة أن الرؤوس تتهاوى تلقائياً عندما تفقد مؤخراتها وأذرعها، وليس العكس.

فليدفع بوتين ما يشاء من القوات بإتجاه حلب، وليدفع الأسد وإيران وحسن كل قواتهم بإتجاه الغوطة ودرعا. قواتهم ستتشتت ومؤخراتهم ستضرب، وجثثهم ستبقى مرمية على الأرض السورية تأكلها العقبان والغربان وتنهشها الضباع … ولفترة طويلة … جداً…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *