8 آذار وذكرى انقلاب البعث المشؤوم

خطبة الجمعة - 8 آذار وذكرى انقلاب البعث المشؤوم

 

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

8 آذار
وذكرى انقلاب البعث المشؤوم

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 27 دقيقة.

التاريخ: 1/رجب/1440هـ
الموافق: 8/آذار/2019م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ ازدهار سوريا قبل البعث.
2️⃣ من الحضارة إلى الانحطاط.
3️⃣ أول الإجرام ومحاربة قيم المجتمع.
4️⃣ بداية عصر الإرهاب والإجرام الذي لم ينتهي.
5️⃣ كيف وصل الأسد الأب إلى السلطة وسجل الخيانات.
6️⃣ الخطوات الأساسية لتدمير المجتمع داخليا لكيلا يقوى على مجابهة الطاغوت.
7️⃣ فترة السبعينات والثمانينات، وتدمير النخب والحرب على الإسلام.
8️⃣ التدمير الخارجي للمحيط السني (الفلسطينيون، اللبنانيون).
9️⃣ خلاصة الدرس كيف يسيطر مجهول على بلد عشرات السنين!!!

 

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

  • ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فهو المهتد، ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا، وأشهد ألَّا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا مُحمَّدًا عبدُه ورسوله وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كُلِّه ولو كرِه المشرِكون، فصلوات ربِّي وسلامُه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهُداهم إلى يوم الدين.
أمّا بعد إخوة الإيمان:

يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].

إخوة الإيمان والعقيدة، يومَ لم يعِ المسلمون مَعنى هذه الآيات الكريمة فاتّخذوا بطانة مِن دونهم مِن غير المسلمين، مِن غير المؤمنين الموَحِدين، فكان جيش هذه البلاد في يوم من الأيّام بيد الطائفيين الحاقدين، وفي مثل صبيحة هذا اليوم في الثامن من آذار صبيحة يوم الجمعة سنة 1963م قام أولئك الذين اتّخذهم المسلمون بِطانةً وسلّموهم زمام جيشهم بانقلابهم المشؤوم الأسود، ذلك الانقلاب الذي اختُطِفَت فيه بلادنا وتعطّلت فيها مسيرة التقدم والحداثة، وعلا فيها شأن الإجرام والمجرمين، سنة ثلاثة وستين وتسعمائة وألف دخلت سوريا النفق الأسود الذي لم تخرج منه إلى يومنا هذا، سنة 1963 في الثامن من آذار كان انقلاب البعث الطائفي المشؤوم الذي أوصل البلاد إلى الحال الذي نحن عليه اليوم…

بلادنا التي كانت في تلك الأيام تُسمّى يابان الشرق الأوسط، سوريا في الخمسينات والستينات قبل الوحدة المشؤومة مع العبد الخاسر جمال عبد المناصر وقبل انقلاب البعث الأسود كانت يابان الشرق الأوسط، كانت بضائع سوريا تُصدّر إلى بلجيكا وإلى فرنسا وإلى بريطانيا وإلى سويسرا، سوريا في تلك الأيّام يوم فَتحَت معرض دمشق الدولي استقبلت مليون زائر، الآن عندما تجرى المباريات الضخمة مثلا كأس العالم وما شابه ذلك يستعدّون سنين لاستقبال هكذا عدد من الزوار، سوريا في تلك الأيّام بضائعها تُصدّر لأوروبا، ويأتيها الناس من كُلِّ حَدَبٍ وصَوْب، ومُدُنها (في حلب وفي دمشق…) تضاهي بحضارتها ونظافتها وعمرانها أفضل المدن الأوروبية…كان لابدَّ كما قال الساسة الأمريكيون من تعطيل ذلك، فإسرائيل لم تبق لو بقيت سوريا على تقدّمها، ما كان حلُّهُم؟

الحل كان أن يتسلّط طائفيون حاقدون على هذه البلاد، تسلّط أقليّات طائفية يوم مَسكوا زمام جيش البلاد لأنّ أهل السنّة يحجمون عن إرسال أولادهم إلى الجيش، كان الضباط في ذاك الزمان جلّهم من الأقليات الطائفية الحاقدة، وأهل السنّة لا يرسلون أولادهم ليكونوا ضباطا في الجيش، والله تعالى خاطبنا قائلا: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) [الأنفال: 60]، هؤلاء الآخرين لمّا تركتم جيشكم وترك أجدادكم الجيش بيدهم انقلبوا على السلطة وبدأ التاريخ الأسود الحديث لسوريا، رأى الناس أشياء لم يعهدوها من قبل:

سنةَ 1964 بعد الانقلاب المشؤوم بعام: طالِبٌ في مدرسةٍ بحماة أمسك الطبشورة وكتب على اللوح “بسم الله الرحمن الرحيم، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44] ، صدق الله العظيم،” لم يقل شيئًا ولم يكتب غيرها، فاستدعي إلى المحاكمة وحُكِم عليه بسنة من السجن وغرامة مالية لأنّه كتب هذه الآية الكريمة!!! ضجّ الناس في حماة وثارت ثائرتهم وهم يتذكرون أيّام الاعتصامات السلمية زمن فرنسا، فاعتصم الناس في جامع السلطان في حماة، وفرنسا يوم احتلّت هذه البلاد لم تجرؤ يوما على فض اعتصام حصل في مسجد، ولم يدخل جنودها يومًا إلى مسجدٍ عُنوةً في سوريا، لفض اعتصام فيه، ولكن، كيف تصرّف أولئك الطائفيون الحاقدون

أرسلوا كتيبة دبابات بقيادة سليم حاطوم الدرزي -الذي قتله أصحابه فيما بعد- وحاصروا المسجد، ودكّوه بالدبابات على رؤوس من كانوا فيه معتصمين اعتصاما سلميًا ، ووقعت مئذنة المسجد على من كان فيه ووقع الناس بين قتيل وجريح ومُعتقَلٍ حُكِم عليه بالمؤبّد أو بالإعدام، هكذا بدأ أولئك سياستهم لكي يرهبوا الناس.

أيُّها الأحبَّة- اعتصم الناس في حلب وفي دمشق مؤازرة لأهل حماة فأضربوا وأغلقوا محلّاتهم وفي ذهنهم لا يزال حاضرا الإضراب الستيني؛ يوم أضرب أهل سوريا ستين يومًا بقيت محلات حلب ودمشق مغلقة كانت فرنسا ترسل الدوريات لحماية المحلَّات ولم تتجرأ على كسر المحلات، أولئك البعثيون الطائفيون الحاقدون كيف تصرَّفوا لما أضرب أهل دمشق وأهل حلب!؟ أرسلوا كتائب البعث فكسرت أبواب المحلات وأحلّوا نهبَ المحلات للرفاق البعثية…

هكذا بدأوا حكمهم أيُّها السادة، وهكذا أرهبوا الناس وبدأت سياسة التدمير… وكان لابدَّ أوّلا من التدمير الداخلي

كيف تدمر أي بلد داخليا؟ لابدّ أن تدمّر الاقتصاد والنخب السياسية والاجتماعية والدينية والإعلامية…

بدؤوا بذلك، فأصدروا قرارات التأميم، أمموا الملكية الصناعية والملكية الزراعية فهربت رؤوس الأموال خارج البلاد وانهارت المصانع ببيروقراطية الإدارة العامة، وتحوّلت سوريا من دولة تصدّر إلى أوروبا إلى دولة مستوردة.

تخيلوا -أيُّها السادة- يوم حصل انقلاب البعث كان الدولار بأربع ليرات سورية بل أقل من أربع ليرات سورية…

بدأوا بعد ذلك بتدمير النخب، أوّلها النخب السياسية، أولاد العوائل المحترمة الذين كانوا يمارسون السياسة ويُشهَد لهم بالخبرة السياسية طاردوهم ومنعوهم ومارسوا عليهم العزل السياسي فغدوا بين قتيل وسجين وشريد، توجهوا بعد ذلك إلى الإعلام فلابدّ أن يكون جميع الإعلاميين أبواقا تطبّل للطواغيت، فحاربوا الإعلام ومنعوا الصحف والجرائد وكانت الإذاعات بيدهم وحدهم، ماذا بقي بعد ذلك؟ بقي الدين، بقي المشايخ، حاربوا العلماء والمشايخ والمصلحين، فإمّا أن تكون داعية لهم وأن تكون شيخا مُطبِّلا مُزمِّرا لهم أو أنَّ مصيرك السجن أو الملاحقة أو تهرب خارج البلاد…

وهذه -أيُّها السادة- خلاصة سياسية التدمير الداخلي التي ينتهجها الطواغيت في كلّ زمان ومكان، إن كان طاغوتا سلطانا يحكم سلطنة، أو رئيسا يحكم دويلة، أو ولدًا فتًى يحكُم فصيلا لابدّ أن يمارس السياسية الطاغوتية بهذه المراحل الخمس، أن يمسك الأموال والاقتصاد وأن يحارب النخب السياسية والنخب الاجتماعية والنخب الدينية.

ماذا بعد ذلك؟ لابدّ أن يبدأ التدمير على المستوى الخارجي، فكانت حرب سنة 1967 التي قدّم فيها حافظ الأسد الملعون المقبور قرابين الطاعة وكان يومها وزيرا للدفاع وأثبتَ للصهاينة بجدارة كيف أنّه سيكون عميلا وفيّا، وهو الذي سافر قبلها إلى بريطانيا وغاب ثلاثة أشهر في بريطانيا بحجة العلاج سنة خمسٍ وستين، لا أحد يعرف مع من التقى ومن قابَل وعلى ماذا اتفق، رجع كان آمرا للطيران فتحوّل لوزيرِ دفاع فحصلت حرب سبع وستين (1967م) فأعلن إسقاط الجولان والقنيطرة وما حولها قبل أن تسقط، وقَتَل رفاقه الذين كشفوا لعبته، قالوا له: “أنت أعلنت أنّ المنطقة سقطت واليهود لم يروها بعد”، ليس هذا فحسب بل أعطى أمر انسحاب كَيفي لا يُعطى عادة لأكثر من عشرة أشخاص، أعطاه لجيش كامل، يعني انسحاب كيفي [بتشلح البدلة وترمي سلاحك وتهرُب]، وهربَ الجنود باتجاه دمشق وغدت الطائرات الإسرائيلية تحصدهم، وتركوا السلاح الذي كان له عشرون عاما يُكدّس ويُشترى لأجل تلك المعركة، تركوه غنيمة لليهود، هكذا استفتح مُلكه فاعتبروه أنّه فعلا يستحقّ مُلكَ سوريا، فهو الخادم المطيع والعبد العميل الذي يستحقّ أن نوصله لمُلك سوريا، فسنة 1970 انقلب على رفاقه واستلم السلطة في البلاد وغدا رئيسًا من يومها إلى يوم مات سنة 2000.

إذا أردنا أن نُضيئ قليلا على بعض محطات مُلك ذلك الملعون سنرى أنّه قدّم لليهود ولأمريكا وللغرب ما لم يقدِّمه أحدٌ من رؤساء العرب أو العجم بعد أن استلم السلطة وقد دمّر سوريا، دمّرها اقتصاديا واجتماعيا ونخبويا وغدت دولة متخلّفة وسلّم مرتفعات الجولان الحصينة، أيُّها السادة- الجولان أغنى محافظة في سوريا، أغنى بقعة في سوريا زراعيا واقتصاديا وبما فيها من دفائن أثرية، الجولان فيه بقعة استراتيجية من أعلى القمم قمّة جبل الشيخ، الجولان لا يُوَصل إليه إلا من ثلاث مضائق جبلية تَعثُر على الجيوش ولو كان معها الطيران، مِن الجولان تستطيع بالمدفعية أن تقصف وسط تل أبيب، هل عرفتم ما قيمة ما قدّمه لهم؟!

ثم أتت سنة 1970 انقلب على أصدقائه وعلى من آزره وفُضِح واشتُهِر أمره، فكان لابدّ من تلميعه…

احفظوها عني قاعدة -أيُّها الأحبَّة- : ((العدو يصنع الأبطال)).

العدو يصنع الأبطال، كيف تصنع بطلا لكي يؤدي خدمات في المستقبل؟ تأتي بشخص مجهول وتنسحب أمامه من أرض مُتّفق عليها وتعمل الآلة الإعلامية على تلميعه بأنّه الفاتح الغازي المنتصر، هكذا فعلوا مع أتاتورك وهكذا فعلوا مع حافظ الأسد بحرب 1973 التي نسمع في الأخبار أنّها كانت حرب ضخمة وبقينا عشرين سنة نسدّد ديون ثمن الأسلحة التي دُفِعَت فيها والصواريخ وما شابه ذلك، ولكن في الحقيقة استلمت إسرائيل عشرات القرى السورية التي لم تكن احتلتها من قبل وغدا الطريق أمام إسرائيل مفتوحًا إلى دمشق ولكنّها لم تَرد أن تصل إلى دمشق، فمن أين تأتي بأفضل من هؤلاء الحُكّام لدمشق؟! وخرجوا من مدينة القنيطرة باتفاق السوري ممنوع أن يدخل أي سلاح إلى القنيطرة وممنوع أن نبنيها، إلى الآن مدمّرة بالاتفاقية، فقط لكي يظهر حافظ الأسد وهو يرفع العلم السوري في القنيطرة، ولكي يغدو بالإعلام العربي والعالمي على أنّه البطل الفاتح المنقذ، هذا البطل الذي لا يُعرَف أصله؛ النصيرية العلويون في الجبل عشائر عربية ويعرفون أصولهم وإن اختلفوا مع المسلمين بالدين والمعتقد، أمّا الوحيد فيهم حافظ أسد لا يُعلَم من أبو جده يعرفون جده فقط سليمان الذي وقّع لفرنسا على ورقة يطالبها أن لا تخرج من سوريا لأنّهم لا يأمنون للمسلمين السنّة، لا أحد يعلم من أبوه، تأتي بمجهول النسب وتنسحب أمامه من أرض ويلمّعه الإعلام ثم يبدأ بتنفيذ المهام.

ماذا فعل بعد ذلك؟ بدأ بتنفيذ المهام، بدأت الأعمال الفدائية الفلسطينية على اليهود، قاتل الفدائيين الفلسطينيين وشرّدهم. سيطر الفدائيون الفلسطينيون على لبنان وجعلوا منها مُنطلقا لغاراتهم على إسرائيل، أتى دور العميل الذي يحمي إسرائيل والذي أدخله الأمريكان بقرار من الأمم المتحدة سنة ستٍ وسبعين وتسعمائة وألف (1976م) إلى لبنان، ماذا صنَعَ الجيش السوري في لبنان؟ ثم بعد ذلك يسأل البعض لماذا اللبنانيون حاقدون علينا!؟ ما فعله الجيش السوري في لبنان لم يفعله اليهود، لم تفعله إسرائيل، مِن قتلٍ للناس، واستباحة للأعراض وللدماء وللأموال، وإذا كانوا يستبيحون دماء وأموال أهل بلدهم، فكيف سيفعلون مع بلد آخر؟

دخل الجيش السوري ولم يكن أهل السُّنّة طرفًا في الاقتتال الداخلي، ماذا فعل؟ قتل الفدائيين الفلسطينيين، حاصر مخيم تل الزعتر وقتل فيه 4000 مسلم وأباحه للكتائب المارونية الحاقدة، دخلوا فاستباحوا أعراض المسلمات، وقصفه بعشرات آلاف الصواريخ، هذا الجيش السوري، دخل إلى لبنان فذهب بعد ذلك في نهاية الحرب الأهلية إلى طرابلس عاصمة السنّة، الفصائل السنية في طرابلس لم تشارك أصلا في الحرب الأهلية، حاصر طرابلس سنة 1985 وقصفها بتصريح الصحف الأجنبية وليس العربية بأكثر من مليون قذيفة وصاروخ حتى استسلم أهل طرابلس السنّة، ونزع سلاح المسلمين السنّة الذين لم يشاركوا حتى في الحرب الأهلية، وسلّم لبنان على طبق من ذهب للموارنة الحاقدين وشرّد الفدائيين الفلسطينيين الذين تم إركابهم بالباخرات بمساعي الأمم المتحدة وأرسلوهم إلى قبرص وإلى تونس وإلى كندا، هجّروهم لكي تبقى إسرائيل آمنة.

ماذا فعل أيضًا ذاك العميل؟ رأى أنّ المجتمع سيصحو طالما أنّه مجتمع مسلم متمّسك بإسلامه بدأ سنة 1979 بحرب الإسلام علنا، افتعلت مخابراته أحداثا نسبتها إلى جماعة الإخوان المسلمين التي كانت في ذاك الزمان تمثّل كلّ أطياف الحراك الإسلامي، ثم بدأ حربًا بحجة استئصال جماعة الإخوان المسلمين، فقتل عشرات الآلاف من المسلمين، بدأت المجازر في كلّ مدن سوريا اعتقل عشرات آلاف الشباب الذين كانوا نُخبة المجتمع في ذاك الزمان من الأطباء والمهندسين والمحامين والصحافيين ودكاترة الجامعة، وأعدم الآلاف منهم في السجون بمحاكم شكلية عسكرية، حتى أتت سنة 1982 كانت مجزرة حماة الشهيرة، تخيّلوا أنّ رئيسا يُحاصِر مدينة في بلده بجيشه ويقصفها بالطائرات والصواريخ، ثم يدخل جيشه فيستبيح المدينة فيقتل وينهب ويغتصب، قَتَل 40000 من أهل حماة في بضعة أسابيع، تخيلوا أين سيجد الغرب وإسرائيل خيرا من أولئك؟ هذا ما فعله آل الأسد حتى إذا انتهت الثمانيات كان قد أنهى كلّ أعداء إسرائيل حتى أنّه لمّا اجتاحت إسرائيل لبنان سنة 1982 كان قبلها حاصر الفلسطينيين وقطع الإمدادات عنهم فوصلت إلى بيروت وحاصرتها بسهولة، لم تجد من يقاومها، مَن الذي كان يمهد لها الطريق؟ الجيش السوري العميل، ولكنّه جيش الطائفة، عندما غدا جيش سوريا جيش الطائفة، وغدا أمن سوريا أمن النظام، لم يعد جيش الشعب ولا جيش الوطن ولم يعد الأمن أمن حفظ أمن المواطنين بل غدا جيش الطائفة وأمن النظام لكي يستمر.

انتهت الثمانينات قدّم لإسرائيل ما لم يقدّمه أحد، دمّر سوريا واقتصادها وقتل النخب الإسلامية وسلّمهم مرتفعات الجولان وشرّد الفلسطينيين من لبنان وسلّم لبنان للموارنة الحاقدين الموالين لإسرائيل أصلا، وماذا بعد؟ ثمّ كانت جماعته وطائفته قد سيطرت على كل مفاصل البلاد وغدوت أيُّها السوري تُعامَل في وطنك مواطن درجة عاشرة وليس درجة ثانية، فكلّ أبناء الأقليات الطائفية كان لهم الأولوية في الجيش وفي الوظائف وفي العمل وفي البعثات قبلك…

حتى صاحب الأموال منا حتى قبيل الثورة كان يضطر أن يشارك من ضباط النظام ضباط مخابراته لكي يستطيع أن يفتح معمل أن يطور البلد من غير أن يلقى عراقيل.

أضف إلى كل ذلك أنّه في سوريا منذ ذلك اليوم وحتى يومنا بدأ عصر الرعب، بدأ عصر الظلمات، بدأ عصر قتل الناس في المسالخ البشرية، بدأ عصر قتل عشرات الآلاف في السجون بطرق تعذيب لم يشهدها العالم ولم تعرفها إلا محاكم التفتيش في أوروبا في العصور الوسطى -أيُّها السادة- وبقي الحال على ما هو عليه حتى مات ذاك اللعين سنة 2000 وكان يُمهِّد لوراثة ولده باسل فقتلهُ اللهُ له فورّث ولده هذا، وكانت أمريكا ووزيرة خارجيتها مادلين أولبرايت أوّل من التقت ببشار الأسد ولم يكن له وصف رئيس واختلت معه باجتماع مغلق بضعة ساعات قبل أن تُدفن جثة أبيه وسلّموه هذه البلاد -أيُّها السادة- لكي يكمل مسيرة الإجرام والتدمير.

مات في القرداحة كلب        فاسترحنا من عواه

خلّف الملعون جروا           فاق في النبح أباه

وصلنا إلى ما نحن عليه ثم يأتي بعض الشباب، بعض الجهلة، بعض الصغار، بعض قليلي الاطلاع يمدح تلك الفترة، يمدح أنّه كان يقف ساعة في الطابور لكي يأخذ ربطة خبز ونحن الآن في زمن الحرب تمر بسيارتك دون أن تقف وتأخذ ربطة الخبز بنفس سعرها التي كان يبيعك إياها النظام، إذا حسبت فرق سعر الدولار كانت ربطة الخبز ب 15 ليرة الآن قسّم على عشرة بتشوف أنّه الربطة عنا أرخص، ولكن ماذا؟ شعب تحوّل جلّ همّه إلى مأكَلِه وإلى شهوَته فسلّط الله عليه الطواغيت المجرمين لكي يسوموه سوء العذاب كاليهود الذين حدّثنا الله تعالى عنهم: (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) [البقرة: 96]، المهم أن يعيش ولو كانت عيشة الكِلاب، فسلّط الله علينا الأراذل، وستعاد تلك السنّة وسيتسلّط علينا أراذل آخرون إذا بقينا صامتين لا نأمر بمعروف ولا ننهى عن منكر ولا نقول للظالم يا ظالم.

حافظ الأسد ومن كان معه لم يبلغ ذروة إجرامه سنة 1963 ولا سنة 1970 ولكنّه بدأ بالتدرّج، أوّل ما بدأ بمحاربة مخالفيه سياسيا وعسكريا، ثم بالسيطرة الاقتصادية ثم بتكميم أفواه الإعلام، هذا الأمر استمر عشر سنوات، ثم في العشر الثانية بدأ بمحاربة الدين.

أيُّها السادة- أتاتورك الذي ألغى الخلافة أيضا في آذار سنة أربعةٍ وعشرين وتسعمائة وألف( 1924م) أتاتورك هذا كان له عمامة وجبّة وكان يخرج إلى المنابر يخطب في الناس داعيا للجهاد ضد الحلفاء الذي احتلوا تركيا في ذاك الوقت وكانت بريطانيا اتفقت معه، انسحبوا أمامه من كم مدينة وبدأوا يلمّعونه على أنّه القائد الفاتح المنتصر حتى إذا استتب له الأمر بعد بضع سنوات كشف قناعه وبانت حقيقته وألغى الخلافة الإسلامية ونكّل بالمسلمين.

هذه الدروس -أيُّها السادة- دروس يجب ألا ننساها، دروسٌ يجب أن نتّعظ بها وأن يذكّر فيها الكبيرُ الصغير، وأن يعلّمها الجدُّ للحفيد وألا نكرر الأفخاخ التي وقعنا فيها، وألا نُعيدَ الكرّة.

أسأل الله تعالى أن يجعل قادم أيّامنا خيرا من ماضيها، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

0

تقييم المستخدمون: 4.61 ( 10 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *