هذه الأصوات المسيحية لماذا فقدناها أم فيها ” إنَّ ” ؟!

زهير سالم

كلما أصاب شرر الثورة السورية بعض مسيحيي سورية بوميضه تتعالى الأصوات المسيحية من شرق العالم وغربه ، بالويل والثبور وعظائم الأمور . من الحبر الأعظم في حاضرة القديس بطرس إلى كنائس الشرق بمطارنتها وبطاركتها إلى مطارنة سورية ولبنان وفلسطين ومصر وأثيوبية تنطلق جوقة موسيقية واحدة تعزف سيمفونية الخوف على المسيحية والمسيحيين ، وجودهم ومصالحهم وحاضرهم ومستقبلهم وإنسانهم وعمرانهم . وينضم إلى هؤلاء مباشرة ساسة وإعلاميون ، يعرفون كيف يوظفون الحدث وينتهزون الفرصة ، ويعبرون عن مكبوتاتهم الفرويدية المتنسكة في مضامير التخوف والرثاء ؛ ليتمايل بعدُ المجرم المبير بشار الأسد وزبانيته على هذه الألحان طربا …

ومهما غُلّفت هذه الأصوات في صورها البلاغية المنمقة على أيدي خبراء التجميل المحترفين بالدعوات الظاهرة إلى السلام وإلى المحبة وإلى الحوار فهي في جوهرها دعم للقاتل ، وتأييد له ، وتعبير عن فرح خفي بما يقع على أبناء الشام من قتل وتدمير وحرب إبادة .

ذلك أن الذي يسوي في خطابه بين الضحية والجلاد ، والذي ينظر إلى ربع مليون إنسان سوري كأنهم لم يكونوا شيئا مذكورا ، والذي يرى أن هذا المجرم المبير بعد كل الذي أوقع في سورية والسوريين ، وبعد كل الذي هدم من العمران والمساجد والمآذن والكنائس ما زال صالحا لصنع سلام أو لاشتراك في حوار هو مجرم قاتل مثله بل يزيد عليه أنه يلقي على كلماته رُواء مما قال الله عن الحب والتسامح والسلام . ياأبناء الأفاعي لم تأتون إليّ صفعهم بها يوحنا المعمدان

ولقد بلغ الأمر ببعض المطارنة السوريين من رجال الدين ورجلاته أن وقفوا أنفسهم على رحلات سياحية مقدسة تجوب عواصم العالم المسيحي القديم منه والجديد على طريقة بطرس الناسك ، وبدون حمارته هذه المرة ، تثير الأحقاد والضغائن ، وتنبه الغافلين ، وتحذر المتساهلين وتطلب النصرة والعون والتأييد للقاتل المبير بشار الأسد وعصابته .

وتجاوز الأمر أكثر لنرى حبلا للشر موصولا يمتد من حاضرة القديس بطرس – الحواري الحق الذي نحب ونوالي – إلى طهران الولي الفقيه ليستأنف الكيد التاريخي دوره في طعن أبناء الشام في أبسط حقوق إنسانيتهم ، وللإيقاع بهم من جديد في فخ القنانة والعبودية حيث امتص الغول الطائفي البشع على مدى نصف قرن كل خير عندهم وطمس كل جميل في حياتهم …

وابتداء نقول ..

إنه لا أحد على الأرض السورية ، وفي ركب الثوار السوريين الصادقين يريد سوء بالمسيحية ولا بالمسيحيين لا في وجودهم ولا في مصالحهم ولا في حاضرهم ولا مستقبلهم . وإن كل قيادات الثورة السورية لا تزال ترمي عن قوس واحدة في الدفاع عنهم وفي إدانة أي عدوان أو بغي أو سوء

يتقصدهم أفرادا أو جماعات أو مؤسسات أو كيانات أو بنى دينية أو حضارية . بل إننا في سورية لنفخر على العالم كله بالنبي العربي وبالمسيح السوري خصوصية لسيدنا المسيح بل لنا لا نتنازل عنها . فنرجو ألا يزاود أحد على الثورة السورية في الحرص على المسيحية ولا على المسيحيين .

ولقد ظل مجتمعنا السوري على مدى وجود المسيحية ، بعد أن أمعن الأباطرة الرومان في حوارييها ورسلها تقتيلا وصلبا وتشريدا ، الحاضن الحقيقي لدعوة المسيح ولحواري المسيح . اختلفت الدول ، وتبدل الساسة ، والأيام دول ، وظل أبناء المجتمع السوري الأصيل الواحد مترابطين متضامنين ، لم يشحن صدورنا بغيظ فرسان جاسوا خلال ديارنا باسم الصليب فارتكبوا كل ما يرتكبه الهمجي بشار الأسد اليوم نسينا صليبهم وسميناهم الفرنجة ، وبرأنا أبناء مجتمعنا من جرائرهم واستأنفنا عيشنا يظلله الإخاء والحب و السلام ويعانق رجع الناقوس فيه صدى الأذان .. ثم نضيف وإنه لا يستنكر لا في شرع ولا في عقل ولا في سياسة أن يظهر أهل ملة ودين قلقهم وتخوفهم على أبناء ملتهم ودينهم بالحق والمعروف الذي جاءت به الأديان ؛ لذلك فنحن لم نكن لنستنكر هذا الضجيج المسيحي من روما إلى موسكو ومن موسكو إلى أنطاكية ومن أنطاكية إلى بيروت لو أنه جاء خالصا للدفاع عن المسيحية والمسيحيين ولكن أليس من حقنا أن نسأل أين كانت هذه الأصوات الحمية يوم كان حافظ الأسد وزبانيته غازي كنعان ورستم غزالة يسومون مسيحيي لبنان كل أنواع الشر والسوء والهوان مما نستحي من ذكره ونعف عنه ؟! أين كانت الأصوات المسيحية هذه يوم لم يبق لمسيحيي واحد في لبنان حرمة بيت لا ظاهرة ولا باطنة ؟!

أين كانت الأصوات المسيحية هذه يوم كان موظف أمني صغير قادر على جرجرة قادة المسيحيين اللبنانيين السياسيين منهم والدينيين إلى مقره في عنجر، دون أن يتمعر دفاعا عنهم في هذا العالم وجه رجل دين أو رجل دنيا …

أين كانت هذه الأصوات ؛ ونحن نسمع صوت ميشيل عون اليوم يجاهر أن سيجهز حملة إلى سورية للدفاع عن المقدسات المسيحية ؛ يوم فر ميشيل عون مثل …إلى السفارة الفرنسية ثم إلى فرنسة ليعيش في المنفى وأنفه راغم في الوحل أكثر من عقد من الزمان دون أن يجرؤ صاحب القداسة الشرقي أو الغربي أن يطالب ولو مجرد طلب بعودة رجل مسيحي إلى وطنه شرده منه علوي سوري قاتل ومأجور ..!!

إذا كانت الغيرة على المسيحية والمسيحيين هي وراء كل هذا الضجيج المسيحي فأين كان هذا الضجيج يوم اكتشف الأمن اللبناني الجريمة الكئيبة الكالحة المنكرة لبشار الأسد وعلي مملوك وبثينة شعبان وميشيل سماحة لاغتيال رموز المسيحية في لبنان البطرك ( صفير ) والبطرك ( الراعي ) ولإحداث أخطر فتنة بين المسلمين والمسحيين في القرن الحادي والعشرين ؟! نتساءل اليوم بكل الجد ما سر الصمت على الجريمة ، ما سر تمويتها في أدراج القضاء ؟ ما معنى أن يشارك مسيحي في مكانة وزير سابق في جريمة ضد رموز المسيحية في لبنان ؟ من كان يقف وراءه من رموز المسيحية العالمية أيضا ، وليس فقط مملوك وبثينة وبشار ؟ ولماذا تم اغتيال ضابط الأمن المسلم السني – والحديث يجب أن يكون على المكشوف – الذي اكتشف الجريمة وحمى رموز المسيحية من القتل فكوفئ على ذلك بالقتل !!!! ولماذا لا يزال البطرك بطرس الراعي يبكي حبا لقاتله بشار الأسد وعلي مملوك وبثينة شعبان أيضا ؟!

هل هذه الأصوات التي نسمعها اليوم حول العالم هي أصوات حقيقية في الدفاع عن المسيحية والمسيحيين أم أنَّ فيها إنَّ ؟!

المسيحية أهل الشام الأحق بها فالمسيح مسيحنا . والمسيحيون نحن أهلهم وهم في خير ما وقيتموهم شروركم وآثامكم . ومن أراد أن يقارب ملف هذه الثورة فليقاربه بخير أو فليدع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *