توووت… كل هذه التدريبات ولا أثر… لماذا؟
توووت
كل هذه التدريبات ولا أثر
لماذا؟
🎙 يجاوب المهندس محمد أبو النصر
سألنا أخ عزيز السؤال التالي: “هل من تفسير أنه مع كثرة التدريبات لا نرى على أرض الواقع لا إبداع ولا إنتاج ولا حلا لمشاكلنا في مناطقنا المحررة؟!”
فأجبت مستعينا بالله قائلا: الجواب مختصرًا: “برامج سِكبة، وتدريبات بلا طعمة، أو متدربين بلا شغلة، ومدربين هات ايدك والحقني”… والتفصيل في التالي.
في الحقيقة بحكم عملي في هذا المجال ولسنوات عديدة أقول هناك العديد من الأسباب الموضوعية التي تجعل التدريبات المقدمة في بلادنا وفي مناطقنا المحررة غير ذات فاعلية حقيقية أو أثر في التغيير..
- أول هذه الأسباب وأهمها على الإطلاق من وجهة نظري هو أن هذه التدريبات تقدم لغير أصحاب القرار، فمن اهتم بالتدريب في مؤسسته أو جماعته أو منظمته، تراه يخصص التدريبات لشباب الصف الثاني والثالث… من لا يملكون من الأمر شيئا، بينما القرار فعليا عند من لم يحضر (جهل) أو من لا يريد تطبيق ما يتم تعليمه بالدورات (غياب الإرادة لمصالحه)..بل إن معظم الجهات والمؤسسات والمنظمات التي تقدم تدريبات لمستفيدين هي أحوج ما تكون لحضور هذه الدورات بحيث تشمل إداراتها وموظفيها ثم متابعة تطبيقها بينهم…
وهذا الذي نذكره خلق فجوة كبيرة، فصارت التدريبات نظرية لأن متلقيها لا مجال لديه للتطبيق العملي، وهذا ما يجعله لا يستشعر قيمتها وهي اليوم تقدم له مجانًا فيما كنا سابقًا نتعنى السفر وندفع المال لحضوره وتعلمه…
وصاحبنا هذا غالبا ما ينسى ما تعلمه عندما يصل بعد سنوات لمرحلة التطبيق، هذا إن وصل، وفي المقابل من هو صاحب القرار يرى نفسه أكبر من ذلك، ولعلكم شاهدتم الفيديو الذي نشرته منذ أشهر تحت عنوان (كيسنجر زمانه) الذي يرسل من دونه للتدريب وهو يتعزز عن ذلك ثم القرار إليه!!
وليت صاحبنا هذا يسمع أن ستيفن كوفي في مقدمة الطبعة الأخيرة لكتابه العادات السبع للأشخاص ذوي الفعالية العالية، تحدث أن من بين من حضروا تدريباته أربع رؤساء أمريكيين وهم على رأس عملهم، ولا أظنه أكثر انشغالا منهم!
وهنا قبل أن أختم أعرج على موضوع برامج صناعة القادة - أما السبب الثاني والذي لا يقل خطورة على مستوى الشباب والجيل القادم إن سلمنا بأن التدريبات لا تقدم لصاحب قرار هذه المرحلة فهو تفاهة التدريبات التي تستهلك الأموال المخصصة للسوريين (نظريا)، إذ لا أبالغ إن قلت بأن ٩٠% من التدريبات التي تقدمها المنظمات هي وَهْم وحرقٌ لأموال إغاثة السوريين في برامج صممت لذلك… لا تقدم أي قيمة مضافة للمجتمع؛ بل على العكس كثيرٌ منها غايته نشر الفساد والإفساد وتخريب البنية المجتمعية…
ففي السنوات الأخيرة الكتلة المالية العظمى صرفت على ما يسمى دورات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي GBV ودورات الحماية من التحرش الجنسي PSEA
ولقد انعكس الانطباع العام الناتج عن هذا السبب على عموم فكرة التدريب فنتج عنه كسبب يضعف التفاعل مع ما يقدم “عدم الشعور بقيمة ما يقدم ولو كان قيِّما”، إذ تفاهة ما ذكرناه أفرزت ثقافة في مجتمعنا (الآن زمن الحرب) عند كثير من الشباب مفادها النظر إلى الدورات التدريبية على أنها منفعة للجهة المنظِّمة، إذ يحضر المتلقي هذه الدورات التافهة لأجل تعويض مالي تقدمه بعض المنظمات، وهو بالأصل خالي المشاغل، فارغ الوقت. - والسبب الثالث هو طريقة التنفيذ، فحتى الدورات التي من المفترض أن تكون أكثر نفعا يتم تنفيذها بشكل عشوائي مفرق مشتت بعيدا عن دراسة احتياج حقيقي وتقديم تدريب منطقي، يقدم المستفيدون على روابط ويشترط الداعم عدم تكرار اسم المستفيد، في دورات الأصل أن تكون متكاملة متتابعة لتصنع فارقا عند المستفيد، طبعا هم يتعذرون بشمول البرنامج لأكبر عدد من المستفيدين، ولكنه في الحقيقة حجة لا أظنها عن جهل فالجهات المانحة تعرف تماما ما تريد، وهكذا تنفق الأموال دون أثر ملموس…
هذا عدا عن ضغط وقت التدريبات غير المنطقي “الدورات السريعة جدًا”، تخيل في دورة مدتها ٣ أيام يجب أن تحول المستفيد إلى سوبر مان رائد أعمال او مدير … شخص لا علاقة بالإدارة يطلبون منك أن تعطيه دورة إدارة موارد بشرية أو دورة في التحليل السياسي أو….. بيومين مجموع ساعتهما الفعلي ٦ ساعات!!
تخيل أن مجموعة من الفرق التطوعية تقدم لهم منظمة تدريبات للنهوض بهم في مجالات تتعلق بعمل الفرق، كل تدريب بمجاله يومين مجموعه ١٠ ايام كل تدريب يحضره واحد منهم… ماذا ستعطيه بيومين؟! وإذا بنيت على ما أعطيتهم إياه في اليومين السابقين فهو شخص آخر، وبالتالي لا بناء تراكمي يوصلنا إلى شخص فاعل.
إذا عناوين لا تنفع ولا حاجة حقيقية لها، وعدم دراسة احتياج حقيقي، وتنفيذ مشتت يجعل الجهد ضائعا. - أما السبب الرابع فيتعلق بالمدربين، وبطريقة اختيارهم، إذ العمل في مجال التدريب غدا عمل من لا عمل له ولا مؤهلات… وأستغرب من بعض المنظمات كيف تنتقي مدربيها! عجايب غرايب، وبالذات بعد أن مرَّت فترة غدت فيها دورات إعداد المدربين TOT الشغل الشاغل للمنظمات بين عامي 2019 و 2021م… ومازالت مستمرة عند البعض، فغدا كل من لا يفقه شيئا ممن حضر هذه الدورة الشكلية يتخيل نفسه مدربًا، والسؤال مدربًا في ماذا؟ لا أعلم ولا هو يعلم!!
تخيلوا دورة تدريب مدربين التي كان الأصل فيها أن تقدم لمتدرب قد خضع لعدة دورات تدريبية، وعنده معلومات كبيرة عن فن أو علم محدد، يعطى هذه الدورة ليكون بعدها قادراً على إجراء التدريبات وإيصال خبرته إلى الناس… وغالبا ما كانت تتم هذه الدورة سابقا بحدود 70 ساعة تدريبية عدا التطبيقات العملية والمتابعة… اليوم هذه الدورة “دورة تدريب مدربين” يقدمها البعض بخمسة أيام، ويكون الحضور منوعا ممن لم يجتز الإعدادية وصولا إلى حملة الشهادات العليا الجامعية!!
فيخرج هذا البطل ويصدر نفسه المدرب فلان، وربما لا يحمل مؤهلا جامعيا، ومن يحضر عنده لم يحضر عند غيره ليستطيع أن يقيم أداءه، فترى ذلك المدرب المزعوم بحجة زيادة التفاعل والمشاركة من المتدربين يضيع الوقت في طرح أسئلة على المتدربين وقراءة تعليقاتهم ومشاركاتهم والثناء عليها فقط أو يقضي الوقت بأحاديث ثانوية أو ألعاب وأنشطة لا تصب فعليا في خدمة الهدف من عنوان الدورة.. ثم يخرج المتدرب بخفّي حنين.. ولكنه عندما يُسأل عن التدريب يجيب بأنه كان سعيدًا مستمتعا بحصة اللهو التي قضاها. - السبب الخامس: ولعله الأصعب حلًا: افتقادنا لوجود خبراء تخطيط للبرامج التدريبية مطلعين عن قرب على بيئتنا، وعدم تفريغ أناس لهذه المهمة، فترى جُلَّ المنظمات تطلب منك تقديم تدريبات لبرنامج مسكوب من الخارج… وأحسنهم حالا تطلب من مدرب المساهمة بتصميم برنامج في فترة تنفيذه تدريبات معهم وكأن تصميم البرامج أمر ينجز في فضول الأوقات!! في حين أن هذه مهمة كبيرة جدا تحتاج توظيف خبراء، وتخصيص رصيد مالي مناسب لتفريغهم لهذا العمل الذي هو أصعب بكثير من تنفيذ التدريبات، ولا يقدره إلا القلة القليلة من الأشخاص الموسوعيين طويلي التجربة وواسعي الاطلاع والثقافة.. وغياب هذا يجعل البرامج التي تقدم إما بعيدة عن احتياجنا أو لا تناسب ثقافتنا أو لا يناسب تطبيقها واقعنا… أو أنها عشوائية مركبة كيفما اتُّفِق.
لذلك لا أفضل لبناء حقيقي من تكامل مشاريع التدريب مع الفاعلين الحقيقيين على الأرض بحيث تقدم التدريبات لصناع القرار الحقيقيين من رأس الهرم قبل أوسطه وأدناه، وفي صلب ما يحتاجون، بعد استشارة خبراء يعرض الفريق الأول احتياجه، والخبراء ينصحون بالحلول، ولو كنت الأمير لأجبرت من ينفقون أموال السوريين هباءً على تنفيذ التدريبات الحقيقية التي تنفعنا في صلب ما نحتاج، حوكمةً وإدارةً وتنظيما وخدمات، ومهاراتٍ ومعارف تتعلق بهذا على مختلف الأصعدة.
ولعل قائلا يقول: “التدريب لبناء رواحل تحمل المجتمع يحتاج كوادر تخطط وتنفذ ويحتاج قدرات، وأصحاب الفكر لا يملكون القدرات ومن يملك القدرات لا يملك الفكر”… فأقول لعل الحل يكون قريبا عند من يعملون فعلا على حوكمة منظمة مركزية وإداراتٍ قوية حقيقية… نسأل الله أن يعيننا على الخير، وأن ينفع بنا وبكم.