ما ورد في يوم عاشوراء

الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ومولانا وصاحب شريعتنا أبي القاسم محمد وعلى آله الكرام وأصحابه العظام وعلى التابعين لهم بإحسان، أما بعد: فهذا يوم من أيام الله وهو يوم العاشر من شهر الله المحرم وقد نبأنا بهذا الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه فقال: (إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْم مِنْ أَيَّامِ اللهِ) رواه البخاري ومسلم وأحمد. وإذا نسب النبي صلى الله عليه وسلم مكانًا أو زمانً أو شيئًا لله تعالى فهذا للتعظيم والتشريف، كما نقول مثلًا بيت الله.

فضائل هذا اليوم وسنيّة صيامه:
فيوم عاشوراء له فضيلة عظيمة، وحرمة قديمة، وصومه لفضله كان معروفا بين الأنبياء عليهم السلام، وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام، فقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام: (صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ كَانَت الأَنْبِيَاءُ تَصُومُهُ فَصُومُوهُ) رواه ابن أبي شيبة.

بل كان من حرص النبي صلى الله عليه وسلم على فضل هذا اليوم أن أمر من كان أفطر من المسلمين في عاشوراء أن يُمسك بقية يومه حتى يُدرك من ثواب صيامه، فعن سلمة ابن الأكوع أنه قال: أَمَرَ النَّبِيُّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ – أي يعقد نية الصوم – فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. رواه البخاري.

وقد بشّر الرسول صلى الله عليه وسلم لمن اعتنى بهذا اليوم واهتم به بالمغفرة وتبييض الصحيفة، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) رواه مسلم.

وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِشَهْرٍ أَصُومُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنْ كُنْتَ صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ ، فَصُمِ الْمُحَرَّمَ ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللهِ ، وَفِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيُتَابُ فِيهِ عَلَى آخَرِينَ). رواه أحمد والترمذي وقال عنه: حديثٌ حسن غريب.

ففي هذا الحديث حثٌّ للناس على تجديد التوبة النصوح في يوم عاشوراء، وترجيه لقبول التوبة. وهي فرصة لمن أقلقته ذنوبه وأنقضت ظهره، وأضاقت نفسه.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم لهم محبة لهذا اليوم وطول انتظار له وتحرّي واهتمام بالغ به حتى كانوا يصومونه في السفر. وأيضًا كانوا يعلّمون صبيانهم ويصبّرونهم على مشقة الصيام فيه رغبة في الأجر الكبير، فعن الربيع بنت معوذ قالت: فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. وفي رواية: وَنَصْنَعُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَنَذْهَبُ بِهِ مَعَنَا فَإِذَا سَأَلُونَا الطَّعَامَ أَعْطَيْنَاهُمْ اللُّعْبَةَ تُلْهِيهِمْ حَتَّى يُتِمُّوا صَوْمَهُمْ. متفق عليه.

يا الله ما أجمل ذاك المجتمع الذي تصوم فيه القلوب الصغيرة مع القلوب الكبيرة وترتفع تلك الأكف الصغيرة النقية بالدعاء مع الأكف الكبيرة المجهدة عند الإفطار ليرضى ربنا عنهم ويضحك لهم.

وقد كان صيام هذا اليوم واجبًا في فجر الإسلام قبل أن يُفرض شهر رمضان، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ عَاشُورَاءُ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ صَامَهُ ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ هُوَ الْفَرِيضَةَ، وَتَرَكَ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ. رواه ابن أبي شيبة.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ؟). فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِيهِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ. فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ). فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. رَوَاهُ الْبُخَاري.

ويدل على بقاء استحبابه وتأكيد سنيّته قول ابن عباس رضي الله عنهما: مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَتَحَرَّى فَضْلَهُ عَلَى الأَيَّامِ، غَيْرَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ. رواه وأحمد.

وقول أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما: أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَامَ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. رواه النسائي وأبو داود.

عزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردا بل يضم إليه يوما آخر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يصوم يومًا قبله وذلك بهدف مخالفة اليهود فقال: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ. قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه مسلم. في رواية له: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ). وقال أيضًا: (صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا) كما في رواية أحمد.

وبصيام الأيام الثلاثة متواليةً يتم الاحتياط والتيقن أننا صمنا عاشوراء في حال تعسّر علينا تحديد اليوم بالضبط، وهكذا كان يعلل ابن عباس رضي الله عنه صيام الثلاث بقوله: إنما فعلت ذلك خشية أن يفوتني.

الزيادات والمبالغات والبدع المنكرة فيه:
وكل ما رُوي في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والاغتسال فيه فموضوعٌ لا يصح، وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه: فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما، فكيف بمن دونهم؟!!!

هل ورد شيء في التوسعة على الأهل في هذا اليوم؟
وأما التوسعة فيه على العيال فلم يصح فيه حديث وكل ماورد في ذلك فموضوعٌ مكذوب. ولكن كان بعض السلف يفعله كسفيان بن عيينة وكان يقول: جربناه منذ خمسين سنة أو ستين سنة فما رأينا إلا خيرا. ولعله قصد بذلك مخالفة الرافضة.
تعليق: ذكرنا هذا نقلاً عن كتاب لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى، ولكن نؤكد أنه لم يرد شيئًا من ذلك عن المشرع صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا اجتهادا من بعض السلف، فليس سنة ولا حتى مندوبا. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ.

هل ورد أنه حصل في مثل هذا اليوم أحداث جليلة؟
نعم وردت أخبار منها ما يصح ومنها ما دون ذلك، ولكن نذكر منها للاستئناس والاعتبار: ففيه تاب الله على آدم بعد أن أهبطه من الجنة، ونجّا الله نوحاً ومن معه من الغرق بالسفينة واستوت سفينته على الجودي، وسلَّم الله خليله إبراهيم عليه السلام من الحرق بنار النمروذ، وشق الله البحر لموسى فنجاه وقومه من الكرب العظيم وأهلك فرعون غرقًا، وارتقى فيه سبط رسول الله الحسين شهيدًا بعدما قام إلى حاكم جائرٍ فأمره ونهاه فقتله. وارتفع الحق وعلا، وانطمس الباطل وحسر.

فهذا اليوم حقيقٌ أن يكون يومًا من أيام الله، فاعرفوا له حقه وارغبوا في فضله لا حرمنا الله فضله ونفحاته التي خصّه بها، وغفر لنا فيه ما أسلفنا من الأوزار والذنوب وستر علينا ما أتينا من القبائح والعيوب، وتاب علينا كما تاب على قومٍ أخرين. والحمد لله رب العالمين.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *