إن الكذب يهدي إلى الفجور

خطبة الجمعة - إن الكذب يهدي إلى الفجور

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

إن الكذب يهدي إلى الفجور

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 39 دقيقة.

التاريخ: 16/جمادى الأولى/1439هـ
الموافق: 2/كانون الثاني/2018م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ الكذب والإيمان والشجاعة والرجولة.
2⃣ شرّ الكذب الكذِب على الله… لا تزكوا أنفسكم.
3⃣ إنَّ الذين يفترون على الله الكذِب لا يُفلحون.
4⃣ الكذِب على رسول الله وما أكثره في زماننا بفضل الجوال.
5⃣ كذِب القادة والمتصدرين للمشهد الثوري.
6⃣ للمرقِّعين أصحاب الخطب الحماسيَّة (مللناكم).
7⃣ أنترك الجهاد وقد تصدَّر المنافقون الكاذِبون؟
8⃣ من أين يبدأ الحل.

🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
9️⃣ الكذب في البيع والشراء والمزاح وعلى الصبيان.
🔟 الكذب على العدو وللإصلاح وعلى الزوجات!!

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الحمد لله مستحق الحمدِ، وأهله, يجزي الصادقين بصدقِهم من رحمته وفضله, ويجازي الكاذبين فيُعاقِبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حُكمه, وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله أفضل خلقه، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه… أمَّا بعد إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:70-71]. ويقول عزَّ مِن قائل: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) [النحل:105].

حديثنا اليوم أيها السادة عن داءٍ خطير وشرٍّ مُستطير، حديثنا اليوم أيَّها السادة عن ذنبٍ كبير وفعلٍ مَعِير، حديثنا اليوم عن الكذِب، وما أدراك ما الكذِب، خصلةٌ خبيثة لا تجدها عند الشجعان ولا عِند المؤمنين، وفي هذا أخرج الإمام مالك في الموطأ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ؛ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ – صلّى الله عليه وسلم- : أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَاناً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ». فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلاً؟ فَقَالَ: «نَعَمْ». فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّاباً؟ فَقَالَ: «لاَ»… كيف يكون المؤمن كذَّابًا والله تعالى يقول: ((إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)) [النحل:105]!!!

الكاذبون أيَّها السادة مراتب عديدة والكذِب على مستوياتٍ مختلفة، أشنعها ما كانَ كذِبًا على الله ورسولِه، فشرُّ الكذِبِ ما أحلَّ حرامًا، وحرَّم حلالًا، ونسب إلى الله تعالى ما لا يرضاه، كمن يُفتي الناس بغير علمٍ ولا بيِّنة، ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة الأعراف: 33].

شرُّ الكذب أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ، شرُّ الكذب ما يكون بليِّ أعناقِ النصوص الشرعية، وإخراجها عن سياقها ومعانيها مرضاةً للبشر، وحشدًا للتأييد، واستكثارًا من الأتباع، وإطفاءً للقُدسيَّة على الهوى، والله تعالى يقول وقوله الحق: ((وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]. لَا يُفْلِحُونَ ولا يُصيبون ولا يهتدون بل يَضِلُّون ويُضِلُّون وهذا من شرِّ الظُلم، أن يكذِب الإنسان ويفتري على الله إضلالا للخلقِ عن الحق، ((فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) [آل عمران:94].

ومِن أولئك الظالمين – أيها السادة – مِن أولئك المفترين على الله نرى الكاذبين الذين يمدحون أنفسهم ويُزكُّون أنفسهم، ولا يرون الحقَّ إلا في ذاتهم وفي جماعتهم وفي أتباعهم، نرى من يُزاودون على أقرانهم بلسانهم وتكذِّبُهم أفعالهم، نرى من قال الله فيهم: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا)) [النساء: 49-50].

كَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا، أن يمدح المرءُ نفسه وأن يُزكِّيَ نفسه وجماعته، كذِبًا وافتراءً على الله، والله يعلم الحقيقة، يعلَمُ السرَّ وأخفى سبحانه وتعالى.

هذه الأربعة التي ذكرناها – أيُّها الأحبَّة – : الفتوى من الجاهلين، واخراج النصوص عن سياقها حشدا للمؤيِّدين، إضلال الناس والتابعين، المزاودة على المؤمنين، كُلَّها تندرج في إطار أشنع الكذِب ألا وهو الكذِب على الله ربِّ العالمين…

وبعد الكذب على الله في الشناعة، يكون الكذِب على رسول الله الصادِق الوعد الأمين، وفي هذا روى البخاري ومسلم أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال:

«إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» … الكذِب على رسول الله ليس ككذِبٍ على أحدٍ من الخلق، فمن كذَب عليه فليتبوَّأ مقعده من النار.

ومن الكذِب على رسول الله ترويج ونشر الأحاديث المكذوبة عليه روحي فداه، ولكم ابتلي الناس بذلك في زماننا مع ثورة وسائل التواصل الاجتماعي فتراهم ينشرون ما يصلهم؛ يروِّجون الكذِب على رسول الله، وبعضهم يستحلفك أن تنشر الرسالة لأصحابك، وفيها الكذِب الموضوع على رسول الله، وهم يحسَبون أنهم يُحسنون صُنعا… ينشرون ويروِّجون ما لم يصل مِن مصدرٍ موثوق، وقد روى الإمام مُسلم في صحيح أنَّ رَسُولَ الله – صلَّى الله عليه وسلم – قال: (( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يُرى أَنَّهُ كَذِبٌ [أي يراه أهل العِلم والاختصاص موضوعًا لا تصح نسبته لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم] فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ )). فهو أحدُ الكاذِبين على رسول الله، فلن تشفع له نيَّته ولنتشفع له إرادته الخير، ففي ديننا أيَّها السادة، الغاية لا تبرِّرُ الوسيلة، في ديننا لا يُنال ما عند الله بمعصيته، في ديننا لا يُنال ما عند الله إلا بطاعته، في ديننا وعدٌ من الله أن من افترى على الله ورسوله لن يُفلِح، ولن يُحقِّق أهدافه، ولو ادعى أنَّ هدفَه نُصرة الأمَّة والدين، لأنَّ الله تعالى قال وقوله الحق: (( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)) [يونس:69]…. الكاذِب لا يُفلِح، الكاذِب لا يوفَّق، الكاذِب لا يصِل إلى هدفه.

ومن أصناف أولئك الكاذبين، ومن أصناف أولئك الضالِّين المضلِّين -أيها الأحبَّة- ذكر لنا القرآن الكريم، قومًا تولّوا الكفار ولاءً تامًا حتى سلَّموا لكلِّ ما يعدِهم الكفار به، فتراهم يحلفون على ما وُعِدوا جازمين، وكأنَّ أولئك الكفَّار على كلِّ شيء قادرين، وفيهم وفي أمثالهم قول ربِّ العالمين: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)))
[المجادِلة].

أولئك الذين يحلِفون على الكذِب، أولئك الذين تولَّوا الكفَّار، أولئك الذين يُكثرون الحلِف، أولئك الذين اتخذوا أيمانهم جُنَّةً لكي تحميهم مِن الخلق، ولكي يحشدوا التأييد، أولئك الذين توهموا أن أموالهم وأتباعهم وعتادهم وسلاحهم سيقيهم من عذاب الله شيئا، أولئك الذين ظنُّوا أن الغاية تبرِّر الوسيلة، أولئك الذين زيَّن لهم الشيطان أعمالهم فاستحلُّوا الكذب والنفاق والرياء والجدل بالباطل أولئك أيّها السادة: ((اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) [المجادِلة:19].

يكفي أيَّها السادة الكرام، لكي نعلم عظيم شرِّ من يحلف على الكذِب، ويشهد شهادة الزور، ويتكلَّم بما لم يعلم، ويُري عينيه ما لم تريا، يكفي لنعلم عظيم إثمه وذنبهِ وقُبحَ نهايته وشناعتها، يكفي أن نعرف أن الله تعالى قرن بين رجس الأوثان وبين قول الزور، إذ قال تعالى، ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ))
[الحـج: 30]. فقول الزور مفتاح البلايا والشرور…

وفي هذا روى البخاري ومسلم، عن أَبي بَكْرَة – رضي الله عنه -، أنَّ  رَسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟)) – أعادها ثلاثاً روحي فِداه – قُلْنَا: بَلَى، يَا رَسُول الله، قَالَ: ((الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ))، وكان مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، فَقَالَ: ((ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ.

قَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ؛ لاحظ أخا الإسلام كيف ذكر النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم –  قول الزور وشهادة الزور مبيِّنًا وموضِّحًا، فالبعض عندما نتحدَّث عن الكذِب وعظيم إثمه وشرِّه ينصرِفُ ذِهنه إلى ما يكون من شهادة الزور في المحاكِم وبين يدي القضاة ومِن الشهودِ وما شابه ذلك … وذلك فإنَّ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – بيَّن نوعين وعطف بينهما فقال: “ألا وقولَ الزور وشهادةَ الزور”، فشهادة الزور يغلب على الظن أن الناس تعرف عظيم إثمها وقبيح فعلها، ولكنَّ البعض يستحل في مقابِلها ما يجري على الألسن من كذِبٍ في الحياة اليومية، ولكم كان الكذِبُ سببا للتباغضٍ وسببا لقطيعةٍ وعداوةٍ وظُلمٍ، بل كم أفضى إلى جريمةٍ ومصيبةٍ وبليَّةٍ والعياذ بالله.

ولذلك نبَّه النبي لشهادة الزور ولقول الزور، وشهادة الزور التي لا يختلف في عظيم ذنبها وفي فجورِ فاعلها اثنان، فبشهادة الزور تُستحلُّ دماءٌ معصومة وأموالٌ محرَّمة وأعراضٌ مُصانة… ومع ذلك فقول الزور لا يقلُّ خطورة ، وبالذات في مِثل زماننا، فبه ضيُّعت انتصاراتٌ، ودمُّرت ثوراتٌ، وهُدِرت تضحياتٌ، بقول الزور، وبتصدُّر ذوي الوجوه المتعدِّدة، وفي الحديث ما معناه ((ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها))؛ فكيف بمن كان بمئة وجه، كيف بمن يستحلُّ قول الزور؟! كيف بمن يتصدَّرُ ويُخفي عن الناس حقيقة ما يجري وما يُحاك لهم، ورسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((والإثم ما حاك في صدرِك وكرِهت أن يطَّلع عليه الناس)) [رواه مسلم]، لو كان ما يُخفى نزيهًا شريفًا لا يُستعرُّ منه لكانوا قالوه للناس، أمَّا أن تخرب البلاد وتُستَحلَّ دماءُ العباد، ولا يخرُج واحدٍ منهم، ولا يخرج واحدٌ من أولئك القادة ليضع الناس بصورة حقيقة ما يجري، ففيهم وفي أمثالهم وأضرابهم حديث رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – : ((والإثم ما حاك في صدرِك وكرِهت أن يطَّلع عليه الناس)) … الآثام والمخازي هي التي لن تجرؤ على إخبار الناس بها..

أي استحقارٍ للناس هذا؟! أي استحقارٍ للمسلمين هذا؟! أي استخفاف بخلقِ الله هذا؟! بل أي فسادٍ وأي فجور أن لا يخرُج أحدٌ من المتصدِّرين ليُخبِر الناس حقيقة ما يجري؟!

والله أيها السادة هذا الذي نراه وحالنا الذي نعيشه اليوم، إنَّما يرتبط بشكلٍ أو بآخر بما نهانا الله عنه ورسولُه من الكذِب.

كلُّ ما نرى ونعيش من المصائب هذه الأيام لو أردنا أن نرُدَّه لمسائل أساسيَّة لكان أحد أهمِّها ((الكذِب)) …لو صدق القوم مع الله لصدَقهم، ولو صدقوا مع الشعب لوقف معهم وأعانهم وعذَرهم…

ابتلينا بقادةٍ يستَحلُّون الكذِب على الناس بحجَّة المصلحة، يستحلُّون الكذب على أتباعهم بحجَّة المصلحة، يستحلون الكذِب على الإعلام بحُجَّة المصلحة، لهم مُرقِّعون يستحلون الكذِب على الله بحجَّة المصلحة…

وي كأنَّ دينهم غدا دينَ المصلحة ولم يعد دين الإسلام!! ويا ليتها كانت مصلحة الشعب المسكين، يا ليتها كانت مصلحة المسلمين، يا ليتها كانت مصلحة المجاهد الذي يقف مرابطًا في سبيل الله في هذا البرد الشديد، ولا يجد كفاف يومه ولا يوجد في بيته ما يستر به عياله… يا ليتها كانت مصلَحة الشعب أو مصلَحة الجهاد والمجاهدين، إنَّما هي والله مصالحهم الدنيوية وأهدافهم الشخصية ونزاعاتهم النفسية.

والله أيها الأحبَّة، تحدث في اليومين الماضيين مع الكثيرين ممن هم في الداخل والخارج ، والكل يُجمع على أنَّ المرحلة تحتاج قرارًا جريئا شجاعًا سريعا حاسمًا، ولكن لا أحد منهم يجرؤ على اتخاذ القرار!

كيف لا وكلٌّ منهم يخشى ممن يزاود عليه من الطرف المقابل، يحسبون حساب مزاوداتهم على بعضهم أكثر مما يحسبون من مصالِح الثورة والبلد، كلٌّ منهم همّه أن يحافظ على صورته التي زكَّى بها نفسه، همُّه أن يُزاود على أقرانه، ولو بخياراتٍ غير منطقيَّة ولا ممكنة، المهم مقامه المُصطنع وما كذبه على أتباعه، فهذا أهمُّ عنده من ضياع البلاد وتشرُّد العباد.

والله أيها السادة، والله بالله وتالله وايم الله إنّ هذا الفجور الذي بلغه أولئك إنَّما هو مصداق حديث النبي r الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابنِ مسعود – رضي الله عنه – ، أنَّ رسولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قال: (( إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً. وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً )).

الصدق يهدي إلى البِر، إلى الخير، إلى الصواب، إلى الاجتماع، إلى التعاون، ولو صدق أولئك القادة مع بعضهم، ولو أخبروا الناس بحقيقة ما يجري على الأرض وما يحاك وراء الكواليس في غُرف السياسة، لقدَّر الناس موقفهم، ولأعانوهم في خياراتهم، ولوقفوا على الحقِّ معهم، فالصِدق يهدي إلى البِر، والبر يهدي إلى الجنَّة، أما لما استمرؤوا الكذِب، أما لما استمرؤوا إخفاء الحقائق على الناس، وتركوا الناس ألعوبةً بيد مروّجي الإشاعات… لمّا استحل بعضهم الكذب على الله حشدا للتأييد وتزكيةً للنفس، كانت النتيجة ما نرى وما نسمعُ أيها الأحبَّة، ((وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً))، وهل هناك أفجَرُ من تضييع البلاد، من تضييع تضحيات العباد، مِنَ المتاجرة بدماء المجاهدين والشهداء؟!

البارحة – أيها الأحبَّة – سألني أخ على إحدى الغرف: عن ماذا ستخطُب؟؟
فقلت له: ” بعد طول حيرةً وتفكير، وبعد كثرةِ تواصُلٍ واتصالات، سأخطب عن شهادةِ الزور وقولِ الزور، سأخطب عن الكاذِبين المتصدِّرين” فقال لي: “أوليس الوقت وقت الخطبة عن النفير وأن ندعو وأن نُخرِج الناس للنفير؟؟!!”

فأجبته: قلت له يا أخي الحبيب، أن أخطُب الجُمعة، يعني أن أتكلّم مع الناس بكلامٍ يلامِس واقِعهم، أن أخطب بالناسِ عن النفير، أحمِّس الرجال والشباب دقائق معدودة، ليخرجوا من المسجد يمدحون الشيخ يقولون: ” ما شاء الله الشيخ خطبته حماسية” دقائق معدودة ثُمَّ يُصدمون بواقِعهم،

كيف أخطب عن النفير وأنتم لم تبدؤوا بعملٍ بعد؟! كيف أخطب عن النفير ونصف تعداد العناصِر موجود في المقرَّات؟! كيف أخطب عن النفير وهناك من سرق سلاح الناس ولا نعرف أين طمره؟! أنقول للناس انفِروا قاتِلوا بالعِصي والحِجارة؟! كفانا كذبا على الناس، كفاكم ترقيعا لأولئك الفاسدين..

شهدنا المعارك وبين صفِّنا وبين العدو كيلومترات، لا تنفع فيها البندقية، يُرسلون الشباب، ويمدحون أنفسهم بما ارتقى مِن شهداء، والسلاح الثقيل مخبأ ومدفون ومطمور أهم من دماء الشهداء، كفى كذبا ونفاقا ودجَلا على الناس، إن أردنا أن نتكلَّم فلابدَّ أن نتكلَّم بكلام يُلامس الواقع …

إن أردنا الآن حلًا، فأول حلٍّ أن يرتدَّ أولئك عن نفاقِهم وأن يَخرجوا وأن يقولوا للناس حقيقة ما يجري، أن يضعوا الناس بصورة الموقف، أما إن استمروا على كذبهم فبئس الحال وبئس الخاتِمة ورحم الله ابن مسعودٍ -رضي الله عنه– إذ قال::” الكذب جِماع صفات المنافقين.… صفات المنافقين التي عدَّها رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم – يوم قال : (( أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا أؤْتُمِنَ خانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)). [مُتَّفق عَلَيْهِ].

القاسم المشترك بين هذه الصفات هو الكذِب؛ فمن حدَّث بغيرِ الحقيقة، كذَّاب، من عاهد وأعطى أمانًا فغدَر، كذَّاب، ومن إذا خاصم فجَر في خصومته وافترى على خصمِه، كذَّاب، فالكذِب جِماع صفات المنافقين.

ولعلَّ سائلا يسأل: ما نفعل والكذابون والمنافقون يسوسون هذه الجموع؟!

أقول لك أخا الإسلام: لا ندع الجهاد، فالدفع يكون مع البرِّ والفاجِر، لا ندع الجهاد، فنحن نتاجر مع الله وليس مع القادة، لا ندع الجهاد، فسلاح الصادقين أصلا موجَّهٌ على عدونا النصيري الكافر ولا شأن لنا بغير ذلك، لا ندع الجهاد ولا نتشاءم، بل نتفاءل لأن أرض الشام المباركة المحفوظة بحفظ الله، فضحت الكاذبين ،وعرَّت المنافقين، وستطحنُ الكافرين وسيستبدل الله عليها المُقَصِّرين، أملنا كبير وثقتنا بالله تعالى كبيرة بأنه عاجلًا أم آجلا سيستبدلهم بقومٍ صادقين، ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)) [التوبة:119].

اللهم اكتبنا مع الصادقين واحشرنا مع الصادقين وولي علينا الصادقين أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جَحد به وكفر، وأشهد أن نبيَّنا محمداً عبد الله ورسوله، سيد الخلق والبشر، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آل بيته وأصحابه الميامين الغُرَر، ما اتصلت عين بنظَر، أو وعَت أذن بخبر… أمَّا بعد إخوة الإيمان يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَولٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) [ق:18].

ولهذا كان التوجيه النبوي لأن نراقب ألسنتنا وأن نحاسب أنفسنا، ولما كان الكذِب أشنع ما يجري على اللسان، وهو مفتاح الشرور والآثام، فقد نهى النبي – صلَّى الله عليه وسلم –  عن الكذِب على كلِّ حال، فنهى وشدد النهي على من يكذِب في بيعه وشراءه ويغشُّ الناس، وفي صحيح الإمام مسلم أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم –  قال: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا»… هذا في البيع والشراء، كذلك أيها السادة شدَّد النبي في موضوع نقل الأخبار، فنهى النبي عن نقل الأخبار من غير تثبُّتٍ ولا تأكُّدٍ ولا توثُّق، وفي ذلك أخرج الإمام مسلم أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم –  قال: (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)). يا من تأخذ الرسائل المجهولة وتنشرها على الغرف والمجموعات، يا من تأتيك الرسائل الصوتية لا تدري مِمَّن وتنشرها على عشرات المجموعات، اتق الله فيما تنشر، (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)). الله تعالى يقول لك: ((وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)) [الإسراء:36]

لذلك نهى النبي – صلَّى الله عليه وسلم – عن الكذب حتى ولو على سبيل المزاح والتندُّر؛ لقُبح الكذِب، ولشؤم الكذِب ولكي يعتاد المسلم على أن يُنزِّه لسانه من الكذِب، ولكي لا يعتادَ الناس الكذِب، نهى النبي – صلَّى الله عليه وسلم – عن الكذِب حتى على سبيل المُزاح، نهى النبي – صلَّى الله عليه وسلم – عن الكذِب على الولدان والصبيان ولو على سبيل اللعب، وفي هذا أخرج أبو داود والترمذي أن رسول الله – صلَّى الله عليه وسلم –  قال: «ويلٌ للذِي يُحدِّثُ بالحديث ليُضْحِكَ به القوم، فيَكذِبُ، ويلٌ له، ويلٌ له». وفي مسند الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فِي بَيْتِنَا وَأَنَا صَبِيٌّ، قَالَ: فَذَهَبْتُ أَخْرُجُ لِأَلْعَبَ. فَقَالَتْ أُمِّي: يَا عَبْدَ اللَّهِ تَعَالَ أُعْطِكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيَهُ”. قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تَفْعَلِي كُتِبَتْ عَلَيْكِ كذْبَةٌ“… وفي البخاري ومسلم عن أسماء -رَضِيَ اللهُ عنها-: أنَّ امْرأةً قالت: يَا رسولَ الله ، إنَّ لِي ضَرَّةً فهل عَلَيَّ جُنَاحٌ إنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِيني؟ [أي ادعيت أن زوجي يُعطيني كذا وكذا لأظهر أمام الناس وأفتخر بأشياء لم يعطني إيها حقيقةً لتظهر أمام الناس أن زوجَها يُحبها كما يُحبُّ ضرَّتها … أدعي مكانةً ليست لي، أدعي منصبًا ليس لي، أدعي القدرة على مالا أقدر]  فَقَالَ النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلم –: ((المُتَشَبِّعُ بِما لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)). كمن يرتدي ثوبا ليس له ويركب مركوبا ليس له ويدعي منصبا ليس له متظاهرا أمام الناس مدَّعيا القدرة على ما لا يستطيعه، ليقصده الناس فإذا قصدوه خذلَهم… فهو ممن قال النبي فيهم، ((المُتَشَبِّعُ بِما لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ)). كمن يرتدي أثوابا فخمةً استعارها ليتوهم الناس به خلاف مكانته.

لاحظ أخا الإسلام، لما ضربنا هذه الأمثلة، النهي عن الكذِب في البيع والشراء، النهي عن الكذِب حتى في المزاح، النهي عن الكذِب على الصِّبيان والوِلدان، النهي عن الكذِب ولو بشيء عندك مدَّعيا أن أحدا أعطاك إياه…. كلُّ هذا مردُّه إلى أن النبي – صلَّى الله عليه وسلم – يريد أن يبني أمَّة تقوم على الصِدق، هذه الأمَّة لا تنتصِر ولن يفتح الله لها، إلا إن بُني مجتمعها ودولتها على الصِّدق…

الآن في الدول التي تحترم شعوبها كِذبةٌ واحدة تثبت على أي مسؤول تجاه شعبه قد تضطره إلى الاستقالة أو الإقالة، كِذبة واحدة على شعوبهم، علينا يكذِبون كثيرًا، ((ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )) [آل عِمران:75]… أما على شعوبهم فكذبة واحدة تضطرهم للاستقالة أو الإقالة.

تخيلوا معي أيها السادة، أن أبا سفيان يوم كان مشركا كافرا عابدا للأوثان، وكان عدوًّا محاربًا لله ولرسوله، كان يُنزِّه نفسه عن أن يكذِب كِذبةٍ واحدة، لذلك لمَّا سأله عاملُ الروم عن النبي – صلَّى الله عليه وسلم – صدق ولم يكذِب، وهو المشرِك عابدُ الوثن، كان يُنزِّه نفسه مِن أن تُعرف عليه كِذبة في حياته، لذلك صدق مع كل من سأله عن النبي – صلَّى الله عليه وسلم – …

أولسنا أحرى بذلك ونحن أمَّة الإسلام… أولسنا أحرى بأن نتحرَّى الصدق في حياتنا، لامخرج لنا من الضيق الذي نحن فيه إلا بأن نصدُق أوَّلا مع أنفسنا ومع خالقنا وأن نصدُق فيما بيننا، أن نفهم حقيقة ما يجري ثمَّ نُحكِّمَ عقولنا ولا نضعُ عواطِفنا أمامها، فهذا مخرجٌ نسأل الله تعالى أن يُعيننا عليه.

وقبل أن أختم أيها السادة، ولأنَّ الحديث عن الكذِب، فكثيرًا ما يسألني البعض عما ورد في باب جواز الكذِب على الرجلين بنيَّة الإصلاح بينهما، أو الكذِب على الزوجة أو الكذِب على العدو فنقول أيها الأحبَّة بأنَّ هذه الثلاثة لها ضوابط دقيقة.

أما الكذِب للإصلاح بين الرجلين، فتكون بالكلام العام، كأن تقول فلانٌ يذكرك بخير، فلانٌ ما شهدناه يريدك بسوء، كلامٌ عام تسعى به في الإصلاح…

وكذلك الكذِب على العدو يكون بالكلام العام وبما لا عهد فيه، لأنَّ النبي حدثنا عن ثلاثةٍ اللهُ خصمهم يوم القيامة، ومنهم، ((رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ)) [رواه البخاري]. رجلٌ أعطى عهدا بالله أو أمانًا ثُمَّ غدر، فليس من الكذِب الجائز على العدو أن تعاهد العدوَّ أو تؤمِّنه، ثمَّ تغدُر به؛ تقول له سلِّم نفسك وأنت آمِن، ثمَّ تقتُله!! أعوذ بالله، فهذا لا يكون مِن مسلمٍ فهِم دينه.

الكذِب على العدو يكون بأن لا نريهم حقيقة قوتنا نوعَ تسليحنا، المواربة والكذِب العام على العدو… أمَّا أن نُعطي عهدا ونغدر فليس ذلك من صِفاتِ المسلمين ولا يجوز في دينهم.

والثالثة، الكذِب على الزوجة، وهذا يكون في باب المشاعر والعواطِف، (أنا بحبك، أنت حبيبتي، …) ولعلها يبغضها أو لا يحبها، ولكنَّ البيوت لا تُبنى على الحب، تُبنى عالمودة والرحمة والعطف على الأولاد، فيقول: (إني أحبك، أنت حبيبتي …) هذا ما يكون في باب الكذِب الجائز، أما أن تُطالِبَك بنفقة، فتقولَ لها: “ليس معي!” وجيبك مليء أو أنك أخفيت المال في دُكَّانِك، فهذا لا يجوز، أن تقول لك: “أين كُنت” فتقولَ لها: “كُنتُ في المسجِد” وأنت عند ضَرَّتِها فهذا مِن الكذِب الذي لا يجوز… الكذِب على الزوجة يكون بالكلام عن المشاعِر والعواطِف.

نكرر ختامًا بأن المجتمع الذي بني على الصِدق هو المجتمع الذي سيُكتب له النصر وهو الذي يُهيّئ الله له سُبُل التمكين، فلنبدأ بالصدق مع أنفسنا ومع ربِّنا، فلنبدأ بالصِدق من بيوتنا ومع نسائنا وأولادنا ولندفع القادة والمتصدرين دفعا إلى الصدق والصراحة ولنسقط الكاذبين والمنافقين، ولنُعمِل عقولنا.

اللهم ألهمنا مراشِد أمورنا ولا تُمكِّن الأعداء فينا ولا تُسلِّطهم علينا بذنوبنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين… إني داع فأمِّنوا.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *