ستندمون!! – سلامة الصدر تجاه المسلمين

خطبة الجمعة 134

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

ستندمون!!
سلامة الصدر تجاه المسلمين

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 27 دقيقة.

التاريخ: 20/ شوال/1438هـ
الموافق: 14/ تموز/2017م

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ.
2⃣ سلامة الصدر تجاه المؤمنين.
3⃣ أفضل الناس: مخموم القلب صدوق اللِّسان.
4⃣ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ.
5⃣ والله ستندمون أيُّها المُتَعصِّبون.
6⃣ لن يعرِف الأمان من أبغض الناس وأبغضوه.
7⃣ الموالاة غدت على الجماعة بدل كلمة التوحيد!!

🔴 الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
8⃣ سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ.
9⃣ لا يُبلِّغني أحدٌ عن أصحابي ما أكره.

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي ألَّف بين قلوب عباده المؤمنين, وقد جعل أرواح البشرِ جنودًا مُجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو القائل -سبحانه – : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” [الحُجُرات:10], وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صاحبُ الخلقِ العظيم, والنُّبل القويم, امتدحه الحقُّ سبحانه فقال تعالى: ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ” [القلم:4], صلى الله عليه وعلى آله الطيِّبين الطاهرين وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين … أمَّا بعد إخوة الإيمان يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108))) [آل عمران: 103-108]

وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ، ولكنَّ الناس كانوا أنفسهم يظلِمون، ولكنَّ الناس كانوا يظلِمون باتباع الضَّالين المُضلِّين، الذين أرادوا أن يحرِفوا الناس عن سبيل الله ، عن سبيل الخير والسعادة والنَّجاةِ في الدنيا والآخِرة، يريدون أن يحرِفوا الناس عن سبيل الله وقد جمع الله قلوب المؤمنين، وجعل اللُّحمة بينهم رابطة الإيمان وكلمةَ التوحيدِ والإسلام، فعاشوا بأمنٍ وأمان وهناءةٍ وسلام؛ لمَّا عاشوا كما رضي الله لهم وكما وجههم رسوله -صلى الله عليه وسلم- إذ قال روحي فداه ((وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً)) [متَّفقٌ عليه] فكانوا صفًّا واحداً، يعطف بعضهم على بعض، يرحم بعضهم بعضاً ويحب بعضهم بعضاً.

والله أيُّها السادة، لن يهنأ الناس ولن يعرفوا طعم السعادة في المجتمع حتى يعرفوا معنى الأخوَّة الإيمانية، وحتَّى يلتزموا لوازِمها ولعلَّ مِن أهمِّ لوازِمها سلامة الصدر تجاه المسلمين.

نعم أيَّها الأحبَّة، سلامةُ الصدر، بها تُنال المنازِل العالية والمراتب الرفيعة، سلامة الصدر تلك التي امتدح الله الأنصار – رضي الله عنهم – عليها، فقال تعالى: ﴿وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾, أي يؤثِرون إخوانهم بما تشتهي أنفسهم حبًّا في الله، ولأجل الله وتقديمًا للمصلحة العامَّة على المصلحة الخاصَّة.

امتدح الله الأنصار، امتدحهم على سلامة الصدر!!

سلامة الصدرِ أيُّها الأحبَّة؛ سلامة الصدر تجاه المؤمنين؛ تلك التي كان يتفاضل بها الصحبُ الكرام، ففي مُصنَّفِ ابن أبي شيبة عن إياس بن معاوية بن قُرَّة عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كَانَ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُمْ ، يَعْنِي الْمَاضِينَ أَسْلَمَهُمْ صَدْرًا وَأَقَلَّهُمْ غِيبَةً)). وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجه في سننه ((أنه قِيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ [ أهو أحسنهم صلاةً، أهو أكثرهم صدقةً وزكاةً، أهو أشدُّهم بأسًا وجهادًا؟! قالوا يا رسول: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ ] قَالَ: «كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ»، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» )).

صَدُوقُ اللِّسَانِ، نَعْرِفُهُ فمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ يا رسول الله ؟ ما هي سلامة القلب ونظافة القلب يا رسول الله؟

قال (هو التقيُّ النقي)؛ تقيٌّ امتلأ قلبه إيمانًا بالله فيتَّقي ما حرَّم الله يلتزم أوامره ويجتنب نواهيه، يراقب الله في كلِّ حالٍ، إذا اختلى بمحارِم الله لم ينتهِكها، إذا اختلى بمحارم الله حيث لا يعرفه الناس؛ في غير بلدته وقريته، أو من تحت لِثامه، لا ينتهِكُ حُرُماتِ الله، عرَف أنَّ الله سميعٌ بصير عليمٌ شاهد فانتهى عما حرَّم الله.

قال: (هو التقيُّ النقي)؛ نقيُّ القلب من الشرك يرجو السلامة ((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) [الشُعراء:88-89].

قال (هو التقيُّ النقي لا إثم فيه)؛ وذلك أنه محفوظٌ بحفظ الله تعالى، فهو عامل بطاعة الله مجانب لمعصية الله، إذا وقعت منه معصيةٌ (كبيرةً كانت أو صغيرة) بادر إلى التوبة، عاجَلَ بالتوبة ولم يُصِرَّ على ما فعل، فتاب وأناب فتاب الله عليه، فهو بين ذنب قد عُصِم منه وذنبٍ قد تِيب عليه منه.

نعم أيها السادة، مخموم القلب: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ»؛
عَلِم خطَر البغي والظُّلم والعدوان فصان يده عن دماء الناس وأبشارهم، وصان بطنه عن أموالهم وأرزاقهم، صان فرجه ولسانه عن أعراض الناس، صان لسانه عن الغيبة والنميمة والكذِب والبهتان…

شأنه شأن المسلم الحقِّ الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ)) [متَّفقٌ عليه] … شأنه شأن المؤمن الحق الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)) [صحيح أخرجه الترمِذي وابن ماجه]

هذا هو أفضل النَّاس أيها الأحبَّة، هذا هو « مَخْمُومُ الْقَلْبِ، صَدُوقُ اللِّسَانِ» ؛ تقيٌّ نقيٌ لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلَّ ولا حسد؛ قلبه سليمٌ من الغِلٍّ والحسد، سليمٌ من الحقدِ والبغضِ وحملِ الأضغانِ للمؤمنين.

فما بالنا اليوم – أيها السادة – وقد انتكست مفاهيمنا وانحرَفَت بوصلة كثيرٍ منَّا، نراهم وقد امتلأت صدورهم غِلًّا وحقدًا وبغضًا على إخوانهم المسلمين، يُبغضون المسلمين ويُضمِرُون نيَّة البغي عليهم، لا شُغل لهم إلا تتبع عورات المسلمين، ومفاقمة الخلافات معهم، يُحلِّون ما حرَّم الله بتأويلاتٍ ما أنزل الله بها من سُلطان، ((وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)) [النحل:116]

والله لن يُفلح من انشغل بإخوانه المسلمين عن الكافرين ، والله لن يُفلح من امتلأ قلبه غيظًا وحقدًا على الموحِّدين، والله لن يُفلح من يُفاقم المشاكل التي تندرج في إطار الاجتهاد والمصلحة ويجعلها سببا لزرع الشقاق بين المؤمنين، والله لن يُفلح من يتشاكل مع روَّاد المساجد لخلافٍ في الاجتهاد متناسيًا أنَّ ألوفا مؤلَّفة من أعداء الله ممَّن يكرهون المساجِد وأهلها يتربَّصون به وبإخوانه الذين خسرهم وباغضهم وعاداهم لأجلِ مسألةٍ خلافيَّة، والله لن يُفلح ووالله سيندم من ينسى ويتجاهل أنَّ جميع المجاهدين في هذه البلاد في مركبٍ واحدٍ، ونحن بحاجةِ كلِّ واحدٍ منهم فكلٌّ منهم على ثَغرٍ، متى كُشِفَ ثُغر من هذه الثغور غرق المركب بكلِّ من فيه ولاتَ ساعةَ مندمِ.

والله ستندمون يوم لا ينفع الندم، يا من انشغلتم بالمسلمين عن الكافرين، ستندمون يوم لا ينفع الندم، يا من بعتم دينكم وأطعتم ساداتكم وكبراءكم الذين زيَّنوا لكم الباطل، ستندمون يوم لا ينفع الندم، يا أمن أطعتم شياطين الإنس التي تُحرِّش بين المؤمنين وتزرع العداوة والبغضاء بينهم، ستندمون يوم لا ينفع الندم يا من أطعتم أولئك الأبالسة الذين أخبرنا عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مُسلم، إذ يقول روحي فداه: (( إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)).

وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ؛ يُغيِّر قلوبهم على بعضٍ، يتقاطعون ويتدابرون ويتشاجرون، فيفشلون وتذهب ريحهم ويظهر عليهم عدوُّهم، تَذهَبُ أموالهم وتُنتَهَك أعراضهم وتُسفَك دماؤهم، بما جرَّته خلافاتهم عليهم من فشل، عندها سيندمون على كلِّ أخٍ خسروه، وعلى كلِّ قلبٍ كسروه ونفَّروه وعلى كلِّ مسلمٍ أضرُّوا به … والله سيندمون والله سيندمون إن لم يستدركوا فيما بقي.

والله سيندم كلُ من أضرَّ بإخوانه المسلمين، والله سيندم مَن تجاهل الوصايا النبوية، وانقاد إلى دعاوى التحريش الشيطانية، سيندم كلَّ من اغترَّ بكلام قائده وشيخه الذي باع ضميره وغسل دماغه، وغدا شيطانًا يُحرِّش بين المسلمين، ليدفعهم إلى ما حرَّم الله لكي يبقى هو القائد الأوَّل والزعيم الأوحد … شياطينُ إنسٍ تزيَّت بأزياء النَّاصحين، تحرِّض المؤمنين على المؤمنين، تحرِّض المسلمين على المسلمين … حتى إذا امتلأت القلوب غيظًا وغِلًا كانت المشاكل لأتفه الأسباب، وكان الخلاف والاختلاف، والانشغال عن العدو، كانت خسارةُ الدنيا وغضبُ الله في الدنيا والآخرة.

وأنَّا لمن حُرم المغفرة والهداية أن ينصره الله!! أنَّا لمن حُرم المغفرة والهداية أن يُعينه الله!! ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً ، إِلاَّ امْرَءاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيقُولُ: اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )). [رواه مسلم].

والله أيها الأحبَّة لو نظرنا لحقيقة الخلافات بين المسلمين بعين الفاحص المدقِّق الناقِد لوجدنا أنَّ جُلَّها يُردُّ إلى التعصُّب لغير الحق، جُلّها يُردُّ إلى التعصُّب لمذهب، أو قبيلة، أو حزب، أو جماعة، أو شيخ، أو قائدٍ، تقليدًا أو حمية، وهذا التعصُّب – أيها السادة – من أعظم الأسباب التي تورث الضغائن بين المسلمين، هذا التعصُّب الأعمى، تعصُّب الجاهلين سببٌ في مُعظم ما نرى من خلافاتٍ ونِزاعات…

تنافُس القادةِ والزعماء على الدُنيا، وتعصُّب الجهال من الأتباع لمن يستثمرهم أصل مُعظم ما يجري من خلافاتٍ بين من لا يعي معنى الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، فتراه يوالي ويُعادي على الانتساب لجماعته وعلى رضا متبوعِه وزعيمه، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيميّة إذ قال: ” ومن نصب شخصًا كائنًا من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} ” [مجموع الفتاوى ص8 ج20]

قال تعالى: (( … وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32))) [الروم]

كلُّ حزبٍ وكلُّ جماعةٍ فرحون بمنهجهم بتوجههم بزعيمهم بمرشدهم، والله قد ضلُّوا وأضلُّوا، كلُّ من زرع الحقد في قلب مسلمٍ على مُسلم؛ ضلَّ وأضلَّ، كلُّ مَن جرَّأ مسلما على مسلم؛ ضلَّ وأضلَّ، كلُّ من وجَّه شابًا جاهِلا غِرًّا صغيرًا لكي يبغي على المُسلمين بحُجَّة المصلحة وما مرادُهم إلا مصالحهم الشخصيَّة؛ ضلَّ وأضلَّ ، كلُّ والدٍ، كلُّ أبٍ ترك ولده يخرج بسلاحه لا ليُجاهد الكفَّار بل ليشارك بالبغي على مسلم، فهو مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. لا شُغل لهم إلا تتبع زلَّات مخالفهم مِن المسلمين، وكأنَّهم همُ المبرَّؤون من كلِّ عيب؟؟!!

أنَّا لمثل أولئك أن يشعروا بالأمن والأمان وقد امتلأت قلوبهم على إخوانهم وقد امتلأت قلوب الناس عليهم، يرى أحدهم عيوب إخوانه فيتشاغل بها عن عيوبه وعيوب من معه، ينسى ذلِك نصيحةُ القائل:

وإن عينك أبدت إليك معايبًا *** فصنها وقل يا عين للناس أعينُ
لسانك لا تذكر به عورة مُسلمٍ *** فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ

جعلني الله وإياكم من المسلمين المؤمنين حقاً وصدقاً، وممن قدَّم الآخرة على الأولى فالآخرة خير وأبقى.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عبادَ الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامةُ مِنَ المِحَن، أما بعد إخوة الإيمان فنحن عندما نتحدَّث عن سلامة الصدر إنما نتحدَّث عن أمرٍ خطيرٍ يستتبع ما بعده، يبدأُ أمرًا نفسيًّا وينتهي فِعلًا على مستوى الفرد والمجتمع.

يبدأ في النفس ثمَّ يستتبع ما بعده؛ يستتبع ضيقًا وكُرها، يستتبِعُ شحناءً وبغضاءً، بل يستتبعُ شِجارًا وقتالًا وفسوقًا وكفرًا، ففي الحديث المُتَّفق عليه يقول – صلواتُ ربِّي وسلامه عليه – : (( سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ )).

ولهذا كان من شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو المحفوظ بحفظ الله ظاهرا وباطنًا، كان من شأنِه أنه كان يتحرى أن يبقى صدره سليمًا على إخوانه، وهذا – أيها الأحبَّة -لا يكون إلا بالتشاغل بالنفس عن الغير، وبالتغافل عن زلَّات المؤمنين، وبتطهير السمع عن سماع المُحرِّشين والمُغتابين.

وفي سنن أبي داود والترمِذي عن ابن مسعودٍ – رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – : (( لا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئاً ، فإنِّي أُحِبُّ أنْ أخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنَا سَليمُ الصَّدْرِ )) فكيف بمن يتتبع الزلات، وينشر الفتن، ويُحرِّش بين المؤمنين، ولا شُغل له في مجلِسه إلا الحديث عن هذا وذاك، لا شغل له في مجلسِه إلا الحديث عمَّن خالف جماعته وحزبه وفصيله ؟؟!!

فلنعلم إخوة الإيمان أنَّ من الأمور المهمَّة التي تُعين على سلامة الصدر ، التماس الأعذار، وإقالة العثرات، والتغاضي عن الزلات، فكلُّ من يعملُ ويجتهِدُ يُخطئ، وهناك أخطاءٌ لابدَّ من التغاضي عنها، وهناك زلَّاتٌ يُمكن تجاهلها والتغافُل عنها، يقول ابن سيرين – رحمه الله -: إذا بلغك عن أخيك شيء، فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد، فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.
ورحم الله من قال: إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه

لا معصوم بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا عصمة لأحدٍ بعده ، لا فردَ ولا جماعة معصومون بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وتتبع الزلَّاتِ والخِلافات وكلامُ المُحرِّشين يملأُ الصدورَ حِقدًا وغيظًا ويُمهِّدُ لما لا يُرضي الله سبحانه.

اللهم استر عوراتِنا وآمن روعاتنا وتجاوز عن زلَّاتنا …

عباد الله، أصلحوا قلوبكم، وطهِّروا سرائركم، وتفقدوا بواطِنكم؛ فإن مَن صلحت سريرته صلَحت علانيته، ومن طَهُر قلبه حَسُن عمله، ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) … ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( اللهم وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً)) [النسائي عن شداد بن أوس]

جعلني الله وإياكم ممن يستمعون فيتعظون ويرون فيعتبرون …
إني داعٍ فأمِّنوا

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *