معركة الساحل – فإذا دخلتموه فإنكم غالبون

خطبة الجمعة

الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره ومستدرج الكفار بمكرِه. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع، والحاكِم بما يريد فلا يدافع، أحمُده جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.
وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى به ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى وآل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين الميامين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد:

قال الله تعالى وهو أحكم القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) [سورة آل عمران: 118].

عباد الله:
الله تعالى يأمرنا بما فيه خيرنا وفلاحنا فينهانا عن أن نتخذ بطانة من غير المسلمين، من غير المؤمنين، ممن لا يريدون أن تعلُوَ كلمة الله في الأرض.

فينهى الله عباده المؤمنين عن إطلاع أولئك على أسرارنا، وما يُضمروه لأعدائنا، لأنّ أولئك الكفرة والمنافقين لا يوفِّرون جهدهم ولا طاقتهم في مخالفة المؤمنين والسعي بما يضرُّهم بكل إمكاناتهم وبكلِّ ما يستطيعونه من المكر والخديعة، يودُّون ما يُعْنتُ المؤمنين ويَشُقُّ عليهم.

فكيف بنا وقد ركنَّا إليهم والله تعالى يقول: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود:113) ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ إذ أنّ الله شرط النصر وربطه بذاته العليَّة فقال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(الأنفال:10)

فكيف بنا وقد ظننا أعداءنا إخوانًا واتخذناهم أعوانًا وأنصارًا بل وعادينا من أجلهم المؤمنين وقد نهى الله عن ذلك فقال عزّ مِن قائل:(لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)[آل عمران: 28]

إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً: أي إلّا ما تتقون به مكرهم من سياسة ومداراة وحكمة فيما لا يخالف شرع الله.

وما ظَنُّ أولئك المنافقين أو أولئك الجهلة إلّا أنّهم يتبعون الحكمة والعقل السديد، فهذا ما تمليه عليهم قلوبهم المريضة بل عقولهم السقيمة، وعقد النقصِ عندهم، فيظنون أنّ العلم والحكمة عند عدوِّهم فقط ولا يستشعرونها عند إخوانهم من المجاهدين المؤمنين الصادقين وفي هذا قال جلّ في عُلاه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) [سورة النساء: 51]

ولعلّ أكبر شاهدٍ ومثالٍ على ما قلنا وما نقول ما نراه اليوم بعد أن فتح المجاهدون المؤمنون الأبرارُ معركة جبهة الساحل لنقل المعركة إلى أرض العدو ليذوق الذين يحاربون معه بعض ما نذوق، ولقد أوصى بذلك الخبراء وأصحاب الفهم من الثقات منذ أول يومٍ في هذه الثورة، ولكنَّ ضَعفنا وتخبُّطنا وعدم اجتماعنا على كلمةٍ سواء، أضِف إلى ما هنالك من خيانة أولئك العملاء، الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء على هذا الشعب وأخذوا يفاوضون الدول باسمه فإذا بهم يوجِّهون السلاح لأناسٍ دون أناس، وياليتهم وجهوه لمن هم أمام العدوِّ على الجبهات بل أرسلوه لأذنابهم من شِرار القوم ممن يُعِدُّونهم للقتال دون مدنيتهم وعَلمانيتهم، وبعد هذا يتعذّرون بأنّهم مغلوبون على أمرهم، وأنّهم إن لم يفعلوا ذلك سيقطع السلاح عن الجميع. وهذا الكلام فيه شكٌ كبير فوالله لو كانت ثورتنا بيد سلاح الغرب لأنهَوْهَا منذ زمن بعيد، ولكنهم من بدايتها أيقنوا زوال أجيرهم وخادمهم، فتراهم يناورون لتحقيقِ مكاسبَ يُطمئنون بها من يعمل معهم، وهاهم ينتفضون الآن قائلين بأنّ الساحل خطٌ أحمر نعم هو خطٌ أحمر لأنّه مِصداق وفائهم لعملائهم، لأنّه إسرائيل الثانية التي يخطِّطون لها لتكون حامية حمى إسرائيلَ الأولى، لأنَّه الدويلة التي يجب أن تبقى سليمة مُنعَّمة موفورة الخيرات في جنب دولة أهل السنّة التي يجب أن تخرج من الحرب وقد أصبحت رُكاما لا تقوم لها قائمةٌ بعشرات السنين فأين عقولنا وأين فهمنا؟؟!!

عباد الله: والله ما على أعدائنا من عتب، بل العتب كلُّ العتب على أبناء جِلدتنا الذين يُطيعونهم، والذين يتخاذلون عن نصر إخوانهم، أولئك الجهلة الذين لا يدرون أن ّما للضعيف من مصدر قوّة على قلَّة عتاده وسلاحه إلّا أن يضرب القوي في عُقر داره ليذوق عدوه بعض ما يذوق فكيف سيفاوضك عدوّك وهو آمنٌ مطمئن معزّز مُنعّم في أهله وأنت تدمَّرُ ليلًا ونهارا وأقصى ما يمكن أن تُهدِّد به بأنّك ستقصف أهلك وأقرباءك الذين هم في مناطق سيطرته لم؟؟؟ لأن دول الكُفر لم تأذن أن نطلق صاروخًا على معاقِل النِّظام في الساحل.

من برأيكم سيخضع لشروط الآخر؟! وما فائدة المفاوضات التي يدعوننا إليها من يتحدثون عن جنيف ثلاثة؟ ألم نتعظ بعشرات السنين التي مضت ولم ترجِع فلسطين بالمفاوضات!، تلك التي زعم الغرب أنَّه كافل لها وأنّه أعطى المواثيق لأجلها فكيف بنا ونحن نُدعى لمفاوضات بلا مواثيق والله تعالى يخبرنا عن مواثيق أولئك:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [سورة آل عمران: 75].

لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ : (فمواثيقهم فيما بينهم وليس مع المسلمين) والمواثيقُ لا تكون أصلًا إلا بين الأقوياء فبعد هذا أنستأمِنُ من خوَّنَهُ الله؟ أنجيب دعوتهم أم نجيب دعوى الله وهو القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ)[آل عمران: 149]

أين نحن من دعوى الله وأين نحن من نصر جبهة الساحِل ومدِّها بما يلزم؟؟ هذا سؤالٌ نضعه في عنُقِ من تصدّر للقيادة!
أيقظني الله وإيّاكم من رقدة الغافلين وحشرني وإياكم في زُمرة عبادِه الصالحين قال الله تعالى وهو أحكم القائلين (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى وصلاة وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله:

يحكي لنا القرآن الكريم قصّة بني اسرائيل عندما أمرهم نبي الله موسى بالجهاد ليدخلوا الأرض المُقدّسة في أكناف بيت المقدِس فخاطبهم:
(يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ) أي لا تتركوا الجهاد وترتدوا مهزومين فتخسروا في الدنيا والآخرة (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) تلك معاقل الكفار ومؤكّدٌ أنّهم متحصنون بشدّة وسوف تأتيهم الإمدادات من البحر فلن ندخلها حتى تأذنَ الدول الغربية ونوقِنَ بأنَّهم لن يؤازَروا من أحد (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) قال لهم من أنعم الله عليهم بالفهم: ادخلوا عليهم معاقلهم فمجرّد دخولكم عليهم سيُفاجِئُهم وسيُزلْزِل أركانهم وسيفقدهم صوابهم فيطيش حجرهم وتتنكس رايتهم وتُنصرون بإذن الله (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) قال المتخاذِلون: نحن لا قدرة لنا بهم لندع إخواننا المهاجرين ومن معهم من المجاهدين يقاتلون فهم يريدون الجنّة ونحن هاهنا قاعدون (قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ * قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (المائدة:21-26) إذن سيطول أمدُ الحرب كثيرا وسيتحمّلون المزيد من الويلات والتبعات حتى يخرج جيل جديد تربّى على معاني الجهاد والتضحية والتقوى يورثه الله الأرض بعد أولئك الظَّلَمة: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128)

جيل جديد يجيب ناصِحيه من أهل الإيمان بمثل ما أجاب به الصحابة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر إذ قالوا: “إذًا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} والذي بعثك بالحق لو ضَرَبْت أكبادها إلى بَرْك الغمَاد لاتبعناك” وقال سعد بن معاذ رضي الله عنه يومها “والذي بعثك بالحق لو اسْتَعرضْتَ بنا هذا البحر فخُضْتَه لخُضناه معك، وما تخلَّف منا رجلٌ واحد، وما نَكْرَه أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبُر في الحرب، صدُق في اللقاء، لعلّ الله يريك منا ما تَقَرُّ به عينك”

اللهم اكتبنا من المُتّقين وأَقِرَّ أعيُننا بإخواننا المجاهدين (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ) إنّك سميعٌ قريب مجيب، اللهم لاتدعنا في غَمرة ولا تأخذنا على غِرَّة واغفِر لنا وللمسلمين.

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *