سلسلة الأسرة المسلمة (4) – معايير اختيار الزوج والزوجة

خطبة الجمعة 128

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

سلسلة الأسرة المسلمة (4)
معايير اختيار الزوج والزوجة

التاريخ: 8/شعبان/1438هـ
الموافق: 5/أيار/2017م

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 33 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ بناء الأسرة ونتائجها تعرف منذ اختيار الزوج والزوجة.
2️⃣ معايير للشاب والفتاة أتت في القرآن والسنة.
3️⃣ مواصفات تحدث الشرع عنها في الزوجة.
4️⃣ الدين أولًا، ومعن التديُّن المقصود بالحديث.
5️⃣ انظر إليها، واختر من تقبل شكلها.
6️⃣ الحسب والنسب المقصود شرعا.
7️⃣ الودود الولود وكيف تُعرف قبل الزواج.
8️⃣ البكر للشاب الذي لم يتزوَّج سابقًا.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
9️⃣ معايير اختيار الزوج والصِّهر مما جاء به الشرع.
🔟 الأخلاق والدين والكفاءة ( في مختلف المجالات مع المرأة) والدين وحده لا يكفي.
1⃣1⃣ تعاطي الناس مع تزويج المجاهدين!!

رابط الخطبة على الفيسبوك لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة
الحمد لله الذي خلق آدمَ من سلاسة من طين، ثم جعل نسْلَه من سلالة من ماء مهين، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وهو المنزَّهُ عن الوالِد والولد وعن الشبيه والنظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق الخلقَ ليعبدوه ويطيعوه ويُوحِّدوه، لا يريد منهم رزقًا ولا يريد منهم أن يُطعِموه، إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيِّدُ الأولين والآخرين، وأكثر الأنبياء أُمَّةً، وأرفعُهم درجة، وأعلاهم رُتبةً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد إخوة الإيمان: لقائنا بكم يتجدَّد مع خُطبة جديدة في سلسة بناءِ الأسرة المسلمة، وقد كان حديثنا في اللقاء الماضي عن العقبات التي تقف في وجه مبتغي العفاف في مُجتمعنا، وحديثنا اليوم – أيها السادة – عن المرحلة التالية وعن اللبنة الأولى في بناء الأسرة المسلمة المؤمنة الصالحة، هذه الأسرة التي نسعى لتكون لبنة قويَّةً في المجتمع المسلِم، هذه الأسرة التي ستخرِّجُ الأبطال والناجحين، هذه الأسرة التي سيقوم أبناؤها بهمِّ الدعوة والجهاد وبناء حضارة المجتمع المسلم.

هذه الأسرة – أيها السادة – مشروعٌ نستطيع أن نعرف نتاجه – غالبًا – قبل أن يبدأ من حُسن اختيار الزوج والزوجة، فتربيتك لأبنائك أيها الشاب تبدأ من حسن اختيارك لزوجتك، وتربيتُكِ لأبنائك يا أختي تبدأ من حسن اختيارك لأبيهم … فحسن اختيار الزوج والزوجة مفتاح يمهِّد للسعادة في الدنيا والآخرة، وعكس ذلك يكون مفتاح شؤمٍ وفشلٍ ونتائجَ اجتماعيةٍ مُخزية، ولهذا فقد أتت الآيات القرآنية والتوجيهات النبويَّة لتدلَّ الشابَّ والفتاةَ على المعاييرِ والشروطِ التي يجب أن تُتبع عند البحث عن شريك الحياة.

أمَّا أنت أيها الشاب، يا من تتوهم السعادة بأمورٍ وملذَّاتٍ آنيَّةٍ سرعان ما ستتغيَّر وتتبدَّل، فلتسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول لك: ” الدُّنيَا مَتَاعٌ، وَخَيرُ مَتَاعِهَا المَرأَةُ الصَّالِحَةُ ” [رواه مسلم] (الدُّنيَا مَتَاعٌ): أي أنَّها وسيلةٌ لبلوغ الآخرة وليست هدفًا مقصودًا بذاته، (وَخَيرُ مَتَاعِهَا المَرأَةُ الصَّالِحَةُ): أي وخير وسيلةٍ يستعين بها الإنسان في دنياه لبلوغ خير الأولى والآخرة هي المرأة الصالحة.

وفيما رواه الإمام مسلمٌ أيضًا قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : ” تُنكَحُ المَرأَةُ لأَربَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظفَرْ بِذَاتِ الدَّينِ تَرِبَت يَدَاكَ ” أي خِبت وخسِرت إن لم تبحث عن ذات الدين والخُلُق.

لماذا المرأة الصالحة؟ ولماذا الدين أوَّلًا؟ لو أردنا أن نتحدَّث عن هذا الحديث أيها السادة بشيءٍ من التفصيل، فالحديث لا يعني أن لا تبحث عن الجمال، ولا يعني أن تتجاهل الحسب والنسب والمال، فنحن بشرٌ لنا أهواءٌ وشهواتٌ وملذَّات، ولكنَّ الحديث ينبِّهك – أخي المُسلم – إلى أن كلَّ ذلك، إلى أنَّ المال والحسب والجمال، لا يُغني عنك شيئا إن فُقد الدين، إن فُقِدَت التقوى، إن فُقِدَت مخافة الله، فكم من جميلةٍ أرداها جمالها لكثرة معجبيها ولقلّةِ دينها، وكم من جميلةٍ كانت تتجمل لغير زوجها ولا تقوم بحقِّه كما ينبغي، وكم من غنيَّةٍ حسيبةٍ نسيبةٍ قليلة الدين دفعتها قلَّة دينها إلى التكبُّر والاستعلاء على زوجها، بل وعلى ازدراءه وإهانته بل وإلى دفعِ ذويها للتطاول عليه!!

وهنا لا بدَّ أن ننبِّه إلى أننا عندما نذكر الدين فلا نقصد كثرة الكلام والقال والقيل، ولا نقصد كثرة الشهادات الشرعية والدراسة العلمية … فالدين سلوكٌ وممارسةٌ وأخلاقٌ منشؤها الخوف من ربِّ البريَّة … فإذا كان القلب بالدين عامرًا، والتقوى حاضرةً، فسيكون التجمُّل للزوج، وسيكون المال لمعونته، وسيكون الحسب الكريم المتواضِع حسبًا لبنيك يُضاف إلى حسبك ونسبك.

” الدُّنيَا مَتَاعٌ ، وَخَيرُ مَتَاعِهَا المَرأَةُ الصَّالِحَةُ ” خير ما يستعين به المؤمن على دينه ودنياه امرأةٌ صَالِحَةٌ، إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عَنْهَا حفظتهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ … هذه هي السعادة أيها السادة، فما نفع المال والجمال إن لم يكن زوجها هو محور اهتمامها، إن كانت لا تتجمل لزوجها ولا تبرُّ يمينه ولا تطيعه، ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]. فالصالحةُ تصون عِرضك وتُحسن تربية ولدك وتحفظ مالك فلا تبذِّره، وتتجمَّل لك عندما تلقاك، لتكون أجمل من جميلةٍ تتجمَّل لغير زوجها وتهملُ نفسها أمامه، ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ﴾ [البقرة: 221]، فالمؤمنة بسعيها لرضى زوجها ستسعى لكي تكون في عينه أجمل من تلك…

وطالما أننا ذكرنا الحديث عن الجمال، فلتعلم أخا الإسلام أن السعي في البحث عن الزوجة الصالحة لا يعني أن تتزوَّج من لم تقبل نفسك شكلها، ومن لم تشعر بالميول تجاهها، ومن لم تقبلها نفسك قد يبحث عنها غيرك بحثًا فالأذواق تختلف، ولهذا ففي الحديث الصحيح الذي رواه الترمِذيُّ وابن ماجه والنسائي عن المغيرةِ بن شعبةَ – رضي الله عنه – أنَّه خطب امرأةً، فقال النَّبي – صلى الله عليه وسلم -: ((انظر إليها؛ فإنَّه أحرى أن يُؤدم بينكما))؛ أي: انظر إليها فإنه أحرى أن تَدوم المودَّة بينكما إن تزوَّجت من مالت إليها نفسك، وهذا لا يعني أبدًا معيارًا واحدا للجمال، فالأذواق والنفوس تختلف، ولكنَّا كثيرًا ما نسمع من بعض الشباب المساكين من يجعل معاييرًا معيّنةً مُحدَّدةً في شكل من يبحثون عنها، يغفل ذلك المسكين عن أنَّ كثيرًا من تلك الشروط التي يبحث عنها ستتغيَّر وستختلف بعد أوَّل ولد، بعد أوّل عامٍ أو الذي يليه غالبا !! فانظر لها لعلَّ أن يؤدَم بينكما… المعيار أن تنظر لها فتقبلها وتميل إليها نفسك لعلَّ أن يؤدَم بينكما.

وإذا انتقلنا – أيها السادة – للحديث عن الحسب والنسب، فهو يعني أن تكون المخطوبة التي تسعى إليها مِن أسرةٍ معروفةٍ بالالتزام والحشمة والأدب والسمعة الطيِّبة المباركة بين الناس، فمن كانت بنتَ هؤلاء يغلب أن تكون حَميدَةَ الطِّباع، ودودةً للزَّوج، رحيمة بالولد، حريصة على صَلاحِ الأسرة وعلى صيانةِ شرف البيت وسمعته، وهذا هو الحسب والنسب، هذا هو الحسب والنسب المرغوب شرعًا، لا كما يتوهم البعض من أن يكون أبوها أو أخوها زعيمًا أو مسؤولًا أو قائدا ما شابه ذلك من ذوي التجاراتِ والمصالح والشركات ….

وفي الحديث الحسن الذي أخرجه ابن ماجه قال – صلى الله عليه وسلم -: ((تخيَّروا لنُطَفكم، وانكَحوا الأكْفاء، وأنكِحوا إليهم))؛ تخيَّر لنطفتك فالزوجة وأهلها سيكونون أرضًا لبذرتك، فإن زرعت في الأرض الطيِّبةِ أتى الزرع مباركًا طيِّبًا، وإن زرعت في الأرض الخبيثة فلا تلومنَّ إلا نفسكَ عندما ترى ما لا يسرُّك من بنيك!

ولأنّ غاية الزرع أيَّها الأحبَّة ليس الاستمتاع فقط بعمليَّة الزرعِ، فالمتعة الجنسيَّة بعد سنواتٍ لا تبقى كما هي في أوَّل الشباب، ولأنَّ السعادة في الدنيا لا تكتمل في هذه الدنيا إلا بالذرِّية الصالحة فقد نبَّه النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – إلى ضرورة البحث عن الزوجةِ الودود الولود، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والنسائي عن معقلِ بن يسارٍ – رضي الله عنه – قال: جاء رجلٌ إلى النَّبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إني أصبت امرأةً ذات حسبٍ وجمالٍ، وإنها لا تلِد، أفأتزوَّجها؟ فقال له : ((لا))، ثمَّ أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((تزوَّجوا الوَدودَ الوَلود؛ فإني مكاثِرٌ بكم الأمم)).

وهنا قد يسأل السائل: كيف أعرف الودود الولود قبل أن أتزوجها؟!

فنقول له: هذا الجواب غالبًا يكون واحدًا من اثنين إن كانت المرأةُ ثيِّبًا فهذا سهلٌ إذ يُعرف من حالها مع زوجها السابق، فيُعرف إن كانت ودودًا وإن كانت ولودًا، أمَّا إن كانت بكرًا فيُعرف ذلك من حال أُمِّها وأخواتها، فالبنت تتطبع بطباع أمِّها وتتأثر بمُحيطِ بيئتها، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بمدى خصوبتها وإنجابها فهذا يُعرف من حال قريباتها (أمِّها وأخواتها) غالبًا.

وهنا لابدَّ من التنبيه لأمرٍ مهم، لكي لا يُسيءُ البعضُ فهم ما نقصده، فتوجيه النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى الزواج من الودود الولود، لا يعني أبدًا والعياذ بالله أن تُسيء أو تُقصِّر في حقِّ امرأتِك إن لم تنجب لك، لا يعني ذلك أبدًا أن تزدريها ومن الظُلم أن تعاملها بسوءٍ أو أن تُطلِّقها لأنَّها لا تنجب، فالله تعالى قدَّر عليها ذلك لحِكمةٍ أرادها، وقد تكون أنت مكانها، تخيَّل لو جعلها الله ممن تنجب وحرمك الذُرِّية فكنت أنت مكانها … تخيَّل هذا الموقف وعامل امرأتك التي لا تلد بناءً على ذلك…

النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما قال له (( لا تزوَّجها )) إنما وجهه لذلك لأنَّه يعرف ذلك من قبل أن ينكِحها ، فوجهه النبيُّ إلى الحكمة قائلا: ((تزوَّجوا الوَدودَ الوَلود؛ فإني مكاثِرٌ بكم الأمم)).

وطالما أننا ذكرنا الثيِّب والبكر – أيها الأحبَّة – فلننتقل للحديث عن أمرٍ مهم وعن صفةٍ أوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الشباب بتحريها عند الزواج؛ ألا وهو أن تكون الزوجة بِكرًا؛ لتكون المحبَّة بين الزوجين أقوى، ولتكون الصِّلة أوثق، فالمرأةُ يتعلَّق قلبها غالبًا بأول زَوجٍ إذا لم تعرف سواه، فيكون وِدُّها منصرفًا إليه إلا إن تركته لبغضٍ، وفي هذا الحديث الحسن الذي أخرجه ابن ماجه وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالأبكار؛ فإنهنَّ أعذب أفواهًا، وأنتق أرحامًا، وأرضى باليسير)).

وفي البخاريِّ ومسلم عن جابرٍ بن عبد الله – رضي الله عنهما – قال: هلك أبي وترَك سبع بناتٍ أو تسع بناتٍ فتزوَّجتُ امرأةً ثيبًا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوَّجتَ يا جابر؟))، فقلتُ: نعم، فقال: ((بكرًا أم ثيبًا؟))، قال: بل ثيبًا، فقال – صلى الله عليه وسلم – : ((فهلَّا جاريةً تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك))، وفي روايةٍ ( أَفَلاَ بِكْرٌ تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ ). والحديث الثاني أيها الأحبة لو فهمناه بمعرفة عمر جابر وحاله حينها وقد كان شابًّا صغيرًا في أول العمر، ولو عرفنا شأنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام، وكثيرٌ من زوجاتهم كنَّ ثُيَّبًا من الأرامل والمطلَّقات، وجلُّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- كنَّ ثيِّبا عدا عائشة الصديقة … لو عرفنا ذلك، لفهمنا توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- بشكلٍ صحيح، فالحديث، للشاب الصغير الذي لم يتزوَّج سابقًا، لألَّى يبقى في نفسه من الأمر شيء، فمتى تزوَّج الأولى بكرًا، لم يعد للأمر قيمةٌ كبيرةٌ عنده، وهذا ليس على إطلاقه، إذ قد يختار الشابُّ الثيِّبَ لأنها أنسَبُ لحاله؛ كما فعل جابر بن عبد الله لما أجاب النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عن سبب زواجه من الثيِّب فقال: إنَّ عبد الله [ يقصد أباه ] هلكَ، وترك بناتٍ، وإنِّي كرهتُ أن أجيئهن بمثلهن، [ ترك لي سبع أو تسع بنات أفأزيدُ البناتِ بنتًا؟!!] فتزوَّجتُ امرأةً تقوم عليهنَّ وتصلِحهن، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((بارك الله لك))…

صفاتٌ لابدَّ أةن تضعها في ذهنك أيها الشاب عند بحثك عن شريكة حياتك، الدين أوَّلا، ولا يعني ذلك تجاهل المال والحسب والنسب والجمال، فلا بدَّ أن تميل إليها نفسك، ولابدَّ أن يكون أهلها كرامًا معروفين بالسمعة الطيِّبة، وإن كنت لم تتزوَّج سابقًا فلتكن الأولى بِكرًا ….. بارك الله لنا ولكم في أزواجنا وأزواجكم، وذرارينا وذراريكم، وجعلنا وإياكم ممن يلتزمون هدي نبينا – صلى الله عليه وسلم -…

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا عباد الله أنَّ من أهمِّ ما يجب تغييره في مجتمعنا هو تلك المفاهيم الخاطئة الجاهلية، والمعايير الفاسدة الخاطئة في اختيار الزوج والزوجة، ولعلَّ جُلُّ ما يصلنا من حالات الطلاق الكثيرة المتفاقمة، ومن المشاكل الأسرية المؤلمة مردُّه في الأصل إلى بدايةٍ خاطئة، مردُّه في الأصل إلى تجاهل الوصايا النبويَّة، وهذا الخطأُ كما يكون من الشابِّ في عدم اتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- عند اختيار من سيخطبها، يكون أيضًا من أولياء البنات والنساء في عدم مراعاة هدي الله ورسوله في حسن اختيار من سيكون صهرًا لهم وزوجًا لبنتهم.

وأوَّل وأفسد ما يكون في هذا الباب، تفضيل الفاسق الغنيِّ على الفقير الكُفءِ المؤمن التقي، والله تعالى يقول في محكم تنزيله: ((وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) (النور:32).

فالغنى والفقر لا يدوم، وكم من فقيرٍ اغتنى، وكم من غنيٍّ افتقر، وفي الحديث الحسن الذي أخرجه الترمذي والنسائي أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة حقّ على الله عَوْنُهم [ إن تعفَّفوا وقصدوا الحلال حقٌّ على الله عونهم ]: المجاهدُ في سبيل الله، والمُكَاتِبُ الذي يريد الأداءَ، والناكحُ الذي يريد العَفَافَ» … [حقٌّ على الله أن يُعينهم وحقٌّ على الله أن يرزقهم] … ولعلَّ من أعجب ما نراه في مجتمعنا في هذا أنهم يزوجون البنت للغني الفاسق متعذِّرين بقولهم ( سيهديه الله ) ولا يزوِّجوناها لتقي كُفءٍ مؤمن إذا كان فقيرًا !! وكأنَّ الهادي ليس هو نفسُه الرزَّاقَ جلَّ وعلا!! …

ذاك الفقير، أقول لك بسعيه للعفاف سيغنيه الله من فضله وقد تعهد جل وعلا بذلك في القرآن وتعهد بذلك نبيُّه – صلى الله عليه وسلَّم – فالهادي هو الزَّاقُ جلَّ وعلا.

أمَّا أنت يا من تكبَّرت على ذلك المؤمن التقيِّ الكُفء، فإنِّي أحذِرك بما رواه البخاري عن رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: (( حَقٌّ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ)) ؛ فمن تكبَّر على الناس بغيرِ حقٍّ فحقٌّ على الله أن يضَعَهُ وأن يُذلَّه … وهنا لابدَّ أن ننبه إلى أمرٍ مهمٍّ جدًا ذكرناه قبل قليل في حديث النبي – صلى الله عليه وسلَّم – عندما قال ((وانكَحوا الأكْفاء، وأنكِحوا إليهم)) فالكفاءة في الزوج والزوجة أمرٌ مطلوب، إذ لابدَّ من التقارب بالوضع الاجتماعي والحسب والنسب والمكانة والعلم والدراسة، فالدين وحده لا يكفي لأننا بشرٌ يعترينا الجهل والهوى، فيكون اختلاف الكفاءة – في كثيرٍ من الأحيان – سببًا لخربان البيت وبالذات إن كانت المرأة أعلا مكانةً ( بعلمها بعملها بنسبها أو بمالها…) إن كانت أعلا مكانةً بكثير من الزوج؛ فغالبًا ما يتسبب ذلك بفتح باب شرٍّ ينتهي بخراب البيت.

ولهذا فقد راعى الشرع ذلك، وجعل حقًّا لوليِّ المرأة أن يرفض من تقدَّم لخِطبة من هو وليُّها إن لم يكن المتقدِّمُ من ذوي الكفاءة المناسِبة لتلك المرأةِ ولعائلتها.

ولكنَّ هذه المقارنة والمقاربة كلُّها تكون بعد مراعاة الشرطين الأساسيين الذَين نبَّه عنهما رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – إذ قال: ” إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفعَلُوا تَكُنْ فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ” … تفسُدُ الأسَر ويفسدُ المجتمع، يتأخرُ التقيُّ في إيجاد من تُعينه على العفاف ويُزوَّج الفاسق قليل الدين فيضرُّ بالبنت ويُسيءُ لأهلها وتبدأ المشاكل وتتفاقم وتشتغل المخافرُ والمحاكم، وعندها يندم وليُّ البنت ولات ساعة مندمِ.

ولو تأملنا الحديث أكثر – أيها السادة – لوجدنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر الدين فقط، بل ذكر الخُلُق الحسن قبل الدين، فما فائدة الصوم والصلاة والجدَل لي كإنسانٍ أعامِلك إن لم تكن صاحب خُلقٍ وأدب؟!

الصلاة والصيام وتلاوة القرآن بين العبد وربِّه، أما الأخلاق والأدب وحسن العِشرة فبها تقوم الأسَر وبها يقوم ويتماسك المجتمع، ولهذا ذكر النبي – صلى الله عليه وسلَّم – الأخلاق قبل الدين فقال – روحي فداه – : ” إِذَا أَتَاكُم مَن تَرضَونَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ …”

فالأخلاق والدين والكفاءة ثلاثة أمورٍ لابد لكل وليِّ أمرٍ أن يجتهد باحثا عنها ليجد صِهرًا مناسبًا يكفيه همَّ ابنته ويصون عِرضه. قال تعالى: ((الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )) [النور:26].

فالطيور على أشكالها تقع، وصهرك الذي تختاره غالبًا ما تختاره على شاكلتك، زوِّج ابنتك لتقيٍّ فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يُهنها.

وهنا وقبل أن أختم حديثي أود أن أنبِّه عن أمرٍ خطيرٍ يحدث كثيرًا في مجتمعنا اليوم، وقد غدا مجتمع حربٍ وجهادٍ وقتال، هذه الفكرة تتلخصُ في امتناع بعض الآباء عن تزويج المجاهدين، بحجَّة خشيته من أن تترمَّل ابنته باكرًا!! …

أي إيمانٍ هذا يا أمَّ’ محمد؟! أي إيمانٍ هذا أيها المسلمون والله تعالى يقول: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف:34) ورسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – يقول: (( لن تَمُوتَ نفس حتى تستكمل رِزْقها وأجَلَها)) [صحيح ابن ماجه] ….

هل القاعد لا يموت؟! هل القاعد الجبان الذي لا يُجاهد يعيش أكثر من عمره المقدور؟! لا والله أبدًا … سيموت في يومه الذي وعده الله إياه
أفتأتمن الجبان القاعد على عرضك، ولا تأمن عليه المجاهد البطل الشجاع الشريف الذي لا تمتدُّ يده إلى ما حرَّم الله … أي إسلامٍ هذا وأي إيمانٍ بما جاءنا عن الله ورسوله، إن كنا نتجاهل ما جاءنا عن الله ورسوله، ونفضِّل العاصي القاعد الجبان، على البطل الشجاع الشريف المجاهد الذي لا تمتدُّ يده إلى ما حرَّم الله …

((إِلاَّ تَفعَلُوا تَكُنْ فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) …

اللهمَّ جنبنا الفساد والزلل، وارزقنا يا ربنا الصدق في النيَّة والقول والعمل، وللحديث عن بناء الأسرة المسلمة بقيَّة نكملها إن شاء الله في لقائنا القابل …

إني داعٍ فأمِّنوا

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *