سلسلة الأسرة المسلمة (2) – التشجيع على الزواج المبكر وفوائده على الفرد والمجتمع والدولة

خطبة الجمعة 125

 

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

سلسلة الأسرة المسلمة (2)
التشجيع على الزواج المُبكِّر
وفوائده على الفرد والمجتمع والدولة

التاريخ: 24/ رجب/1438هـ
الموافق: 21/ نيسان/2017م

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 25 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ مفتاح تشكيل الأسرة والباعث على ذلك.
2⃣ معطياتٌ متضافرة مع تأخير الزواج فتحت باب الفساد على مصراعيه.
3⃣ أمر الله للمجتمع بالسعي في تزويج العزَّاب.
4⃣ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ … ما الباءة؟
5⃣ الفوائد الجسميَّة للزواج المبكِّر.
6⃣ الفوائد النفسيَّة للزواج المبكِّر، وما يعانيه شبابنا وبناتنا من فراغ عاطفي.
7⃣ مسكينة، مسكينة، مسكينة امرأةٌ ليس لها زوج.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
8⃣ الفوائد الاجتماعية والدينية للزواج أوَّل الشباب.
9️⃣ الزواج وتكثير النسل وأهمية ذلك لبناء الدولة المسلمة.

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق آدمَ من سلاسة من طين، ثم جعل نسْلَه من سلالة من ماء مهين، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وهو المنزَّهُ عن الوالِد والولد وعن الشبيه والنظير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلَق الخلقَ ليعبدوه ويطيعوه ويُوحِّدوه، لا يريد منهم رزقًا ولا يريد منهم أن يُطعِموه، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، وسيِّدُ الأولين والآخرين، وأكثر الأنبياء أُمَّة، وأرفعهم درجة، وأعلاهم رُتبةً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أما بعد إخوة الإيمان:

لقائنا بكم يتجدَّد مع خطبة جديدة في سلسة بناء الأسرة المسلمة، تلك الأسرة التي تحدثنا في اللقاء الماضي عن أهميتها وعن خطورتها كنواة صَلبة تُشكِّل بمجموعها مع مثيلاتها بُنيةَ المجتمع المسلم الذي تقوم عليه الدولة المسلمة.

واليوم أيَّها الأحبة حديثنا عن مفتاح تشكيل هذه الأسرة، وعن الباعث لتشكيلها والدافع إليها، ذاك الذي يكون بدءًا من اتخاذِ الشابِّ أو الفتاةِ القرارَ بالزواجِ، والسعيِ للبحث عن الشريك الذي سيشارك ببناء المشروع، وسيشاطر شريكه الأفراح والأتراح.

يبدأ بناء الأسرةِ المُسلمة منذُ شعور الشباب والبنات بالحاجة للزواج بعد أن وصلوا إلى سِنِّ البلوغ، وهم الذين رُبُّوا تربيةً صحيحة سليمةً في مُجتمعٍ طاهرٍ مُسلِم؛ تربيةً غرست في ضمائرهم فكرة العفاف الاجتماعي، وضرورة الزواج ليحفَظوا فروجهم عن الحرام، وليغضُّوا أبصارهم عن الحرام، وليعلَموا أنَّه لا سبيل للوصول إلى تلك الشهوةِ – التي وضعها الله في المخلوقاتِ لحكمةٍ عظيمةٍ أرادها – لا سبيل للوصول إلى تلك الشهوةِ واللَّذَّةِ إلا بما بيّنه الشرع إذ قال تعالى يصفُ سبيل عباده المؤمنين في هذا الباب: (( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)) [المعارِج : 29-31].

((إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ)) هذا هو السبيل الوحيد لوصول الإنسان إلى شهوته الجنسية، وليس وراء ذلك الحلال إلَّا الخبائثُ التي حرَّمها الله تعالى مِن كلِّ وطئٍ مُحَرَّم، قال تعالى: (( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا )) [الإسراء:32] … وما تحريمُ هذا الحرام وتحليل الزواج الحلال إلَّا لحكمٍ عظيمةٍ أرادها الله، إلا لحِكَمٍ دفع اللهُ الناسَ إليها دفعًا ليتزوَّجوا وليشكِّلوا أسرًا ولو لم يَعوا الحِكمة من وراء ذلك.

ففي مجتمعٍ مُسلِمٍ مؤمن يُحرَّم فيه التواصل الجنسي إلا بالزواج، تكون الشهوة باعثًا يدفع الإنسان إلى الزواج وإلى ما فيه من خير ومنافع ولو لم يعقل الإنسانُ الحِكمة من ذلك.

ولأنَّ هذه الشهوة – أيها الأحبَّة – تكون في أوجِ فورتها وأعتى هيجانها أوَّل الشباب، كان من شأن الشريعة الغرَّاء، كان من شأن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أنَّ يُشجِّع الشباب على الزواج في أوَّل شبابهم متى استطاعوا إلى ذلك سبيلا، كان من شأنه -صلى الله عليه وسلم- أن يشجع الشباب على الزواج المبكِّر وأن يشجِّع الأهل على الدفع بهذا الاتجاه، بخلاف ما نراه اليوم من تعسير الزواج وتأخير سنِّ الزواج بين الشباب والشابّات الذين بدأ يفشوا فيهم داء تأخُّر الزواج بما يحمله ذلك من تبعاتٍ خطيرة على المجتمع تُهدِّدُ كيانه وترومُ أخلاقه؛ إذا تأخر الشباب في الزواج وانتشرت العنوسة بين النساء انتشَر الفساد في المجتمع… يضاف إلى ذلك ما ابتلينا به في هذه الحرب من عشرات الآلاف من الأرامل الشابات …

أين سيذهب الناس بشهواتهم؛ أين سيذهب الشباب والبناتُ بشهواتهم وقد أججتها شياطين الإنس والجنّ، أججتها المسلسلات الخليعة، والسفور الشائن، والاختلاطُ المحرم بين العوائل وفي الأعمال والجامعاتِ والمدارِس، مع تأخُّر سنِّ الزواج!! …

كلُّ هذه المعطيات – أيها السادة – فتحت بابًا عريضًا للفساد، لا يعلمُ عظيم شرِّه إلا الله.
مسلسلاتٌ خليعة، وسفور شائن واختلاطٌ محرَّم وغيرُ ذلك … معطياتٌ كثيرةٌ تضافرت لفتح بابِ فسادٍ عظيم لا عاصِم منه إلا العودة لتوجيهات كتاب الله ولسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد كان من سنته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يشجع الشباب على الزواج المُبكِّر، ويُشجِّع أولياء البنات على تيسير تزويجهنَّ وسَترِهنَّ، بل ويشجِّع أولياء الشباب على السعي الماديِّ والمعنوي لإعانة أولادهم على الزواج، ليس هذا فحسب بل كان – روحي فداه – يشجِّعُ المجتمع ككل على تقديم المعونة لمبتغي العفاف بالنِّكاح، وعلى السعي بتزويج كلِّ من لا زوجة له أو لا زوج لها وهذا أمر الله – سبحانه – من فوق سبع سماوات، إذ قال تعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾ [النور: 32] ، هذا الخطاب للأهالي والمجتمع لتزويج كلِّ من لا زوج له من الرجال والنساء.

أمَّا خطابُ الشباب؛ ففي الحديث المُتَّفَقِ عليه وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخطابَ إليهم قائلًا: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»، والخطاب وإن كان للشباب ظاهرًا لوفورِ شهوتهم وهيجانها غالبًا، فهو خطابٌ بالمعنى لكلِّ مُحتاجٍ لذلك ولو كان كهلًا مُسِنًّا.

(مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ)؛ والباءة أدنى الاستطاعة المُعينة على الزواج بالبدن والمال، مما يلزم من بسيط المسكن ونفقة الأسرة، لا كما يتوهمه البعض من لزوم تأخُّرِ الزواج حتى يشتري الشاب المنزل الواسع والمركب المريح ويحقق الدخل الماديَّ الوافر… لا أبدًا فليس هذا المقصودَ من الباءة، بل المقصود مقدار ما يلزمه لستر نفسه هو وبنت الناس معه، (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)، أي إنَّه له وقايةٌ وحفظٌ من أن يعتدي إلى ما حرَّم الله، فالصوم مع غضِّ البصر يُهدِّئُ النفس ويكبح جماح الشهوة عند الرجل والمرأة؛ وهذا ليس للرجال فقط بل هو للنساء أيضًا وهو مما يجب أن نُعلِّمه لبناتنا، فغض البصر مطلوبٌ من النساء كما الرجال وهو مع الصوم معينٌ على كبح جماح الشهوة، وهذا في حال عدم القدرة اليسيرة المُيسِّرةِ للزواج، أمَّا الأصل فتشجيع الشباب والبنات ومعونتهم على الزواجِ المبكِّر، لما يجلبه ذلك من منافع عظيمةٍ للفرد المسلم وللمجتمع المسلمِ بل وللدولة المسلمة، ولما يدفعه ذلك عنهم جميعًا من مفاسد.

وهنا قد يسأل السائل ما الحكمة العظيمة وراء تحريم الحرام وتحليل الزواج والتشجيعِ عليه بل والتشجيع على تبكيره للشباب؟!

وهنا يكون جوابنا: بأنَّ الشريعة الغراء قد استثمرت هذه الغريزة والشهوة والرغبة والميول إلى الجنس الآخر التي جعلها الله عند الجنسين لاستمرار الحياة، استثمرتها الشريعة لتكرِّم البشر، ولترتقي بهم من درك الحيوانية الغريزية إلى تحقيق حكمٍ عظيمةٍ بالزواج الذي حثَّت عليه الشريعة؛ معونةً لغضِّ البصر، وإحصان الفرج عن الحرام، وما في ذلك من فوائد جسميَّةٍ ونفسيَّةٍ واجتماعية.

أمَّا الجسم فبالحفاظ على صحته وعافيته وتجديد نشاطه من جانب، ومن جانبٍ آخر صيانة البدن عمَّا يكون من انتقال الأمراض الجنسية الخطيرة إليه؛ كالإيدز وغيره من الأمراض التي أجمعت كُلُّ المجامع الصحية العالمية بأن ظهورَها وانتشارها في هذا الزمان إنما هو نتيجةٌ لانتشار الرذيلة والفساد في المجتمعات التي تأخر فيها سنُّ الزواج، ثمَّ انتقلت من تأخير سنِّ الزواج إلى عدم الاكتراث بالزواج وإلى إباحة العلاقات المحرَّمة، حتَّى فشا فيهم هذا الطاعون الذي حذَّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- … وهذه الفوائد الجسمية للزواج

أمَّا الفوائد النفسية للزواج – وبالذاتِ للشباب والشابات – فهو تحقيق راحة البال وسكينة النفس بهدوء الشهوة وانضباط العواطف، قال تعالى: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [الروم:21]، هذه السكينة وهذا الاستقرار العاطفي والنفسي، مطلبٌ مهمٌ عند الإنسان.

السكينة النفسية، استقرار المشاعر، وهدوء العواطِف، لا تكون إلَّا بالزواج، ولئن بحثت اليوم في مجتمعنا بين الشباب والشابَّات، لوجدت النسبة الأكبر منهم تعاني من اضطراباتٍ نفسية وعاطفية، ولئن بحثت في أسبابها لوجدت مردَّ أغلبها إلى تأخُّر سنِّ الزواج، لوجدت النسبة الأكبر من شبابنا وشابَّاتِنا تعاني من الفراغ العاطفي، ولهذا ففي الحديث المرسَل الذي أخرجه الطبراني في الأوسط رويَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( مسكين مسكين رجل ليست له امرأة)). قالوا: يا رسول الله وإن كان له كثير المال؟ قال: وإن كان كثير المال. [ ثمَّ قال روحي فداه: ] ((مسكينة، مسكينة، مسكينة -ثلاث مرات- امرأةٌ ليس لها زوج)). قالوا: يا رسول الله وإن كانت كثيرة المال؟ قال: ((وإن كانت كثيرة المال)).

فما يُغني المال والعلمُ عن الفراغ العاطفي وما يحمله من تبعاتٍ نفسيةٍ وجسميةٍ، بل وأخلاقيَّةٍ قد تكون سببًا لانزلاق المجتمع كلِّه إلى الهاوية – والعياذُ بالله
أمراضٌ اجتماعيةٌ كثيرةٌ وبلايا في مجتمعنا غدونا نراها لتأخرِ سنِّ الزواج، ولتعسير الزواج على الشباب والشابات، ولمخالفة هدي النبي – صلى الله عليه وسلَّم – في ذلك.
والله أيها الأحبَّة جلُّ الأمراض الإجتماعية، والمشاكلِ الحياتية، مردُّها في الأصل لمخالفة الأوامر الشرعية، لمخالفة الآيات القرآنية والتوجيهات النبوية، اللهم تُب علينا حتى نتوب، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه … أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا إخوة الإيمان أنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، ولهذا وجب أن نسعى بتغييرِ العادات السلبية الخطيرة التي غزت مجتمعنا المسلم، ومازال حديثنا عن تشجيع الزواج المبكِّر وعن أهميَّة تسهيل ذلك للشباب والشابَّات، وبعد أن تحدَّثنا عن فوائد ذلك الجسدية والنفسية، فلابدَّ أن نتحدَّث الآن عن الفوائد الإجتماعية للتشجيع على الزواج المبكِّر، فمتى تحققت السكينة النفسية للشباب والبنات يكون ذلك سببًا وعونًا لإشاعة الفضيلة والحدِّ من الرذيلة في المجتمع، ولعل من أخطرِ الرذائل ما يكون من الاتصال المُحرَّم بين الذكور والإناث، ولو لم يصل ذلك لمرحلة الوطء بالزنا، فكثير من الناس له خليلاتٌ وصاحبات يجاملهنَّ ويخرج معهنَّ ويُصاحبهنَّ بالحرام، وصولًا والعياذ بالله إلى ما يُغضبُ الله من الفواحشِ والرذائل وما يترتب على تلك الرذائل من اختلاط الأنساب وضياع الحقوق وفساد المجتمع، ولهذا كان الزواج عونًا أساسيًا للإنسان يعينه على الالتزام بدينه وعلى السموِّ بأخلاقه وفي هذا الحديث الحسن الذي أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ((من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان، فليتق الله في النصف الباقي)).

من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان؛ لأنَّ هذا الزواج سيكون عونًا له على أن يغُضَّ بصره وعلى أن يُحصِّنَ فرجه، وعلى أن يشعر بالسكينة والطُمأنينة، سيكون عونًا له على الفضيلة وحاجبًا له عن الرذيلة … ((من تزوج فقد استكمل نصف الإيمان، فليتق الله في النصف الباقي))، فأعظم الفتن أيها الأحبَّة، أعظم فتنة الدين على الرجل ما يكون في الشهوة الجنسية، وفي الحديث المتَّفق عليه يقول -صلى الله عليه وسلم- :
(( مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء )) ولا عاصم من هذه الفتنة – أيها الأحبَّة – إلا تيسير الزواج في المجتمع، ليكون عونًا على انتشار الفضيلة وعلى صدِّ دعوات الفساد التي تروِّجُ للرذيلة.

ويضاف إلى ما ذكرنا – أيها السادة – من الفوائد الإجتماعية للزواج وللتشجيع عليه وعلى الإكثارِ منه، تمتين بناء المجتمع المسلم وتحقيق تماسك هذا المجتمع ببناء المصاهرات والقرابات وربط الأسر ببعضها ببعض بتزاوج أبنائها وبناتها لتغدوا الأسر المتعددة البارحة أسرةً واحدةً اليومَ بالُمصاهرة، وليكون غُرباء الأمس أرحام اليوم، بتزاوج أبنائهم، بزواجٍ شرعيٍ يحفظُ الأنساب والحقوق، ويمتِّنُ بناء المجتمع، ويقوي الدولة المسلمة.

نعم أيها الأحبَّة، عندما يكون المُجتمع متماسِكًا تكون الدولة متماسكة.

عندما يكون المُجتمع متماسِكًا فنحن نسير بخطًى صحيحةٍ ثابتةٍ واثقةٍ نحو بناء دولة قويَّة، فعندما يكثر الزواج في المجتمع ستزيد الولادات في هذه الدولة وسيكثر عددها وسيزيدُ جنودها وبالذات في زمن الحرب حيث يكثر القتل وتعظم الحاجة لزيادة أعداد المقاتلين.

ولهذا كان لا بُدَّ مِن أن نذكِّرَ هنا بأنَّ مِن فوائد الزواج تكثير سوادِ أُمَّة محمد – صلى الله عليه وسلم – بزيادة النسل، ولهذا كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً، (أي يأمر بالزواج وينهى عن العزوبية بغير سبب) وفي هذا الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والنَّسائي إذ يقول – صلى الله عليه وسلم – : ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ))”.

وللحديث بقيَّة ، نُكمِلهُ إن أحيانا الله في الأسبوع القادم …

اللهم أصلِح أمَّة نبيِّك محمد، اللهم كثِّر سوادهم وأظهرهم على من عاداهم وردَّهم إلى دينك ردًّا جميلًا …

إنِّي داعٍ فأمِّنوا

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *