سلسلة الأسرة المسلمة (1) – أسرنا النواة الأولى للمجتمع المسلم والمشروع الإسلامي

خطبة الجمعة 124

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

سلسلة الأسرة المسلمة (1)
أسرنا النواةُ الأولى للمجتمع المسلم والمشروع الإسلامي

التاريخ: 17/ رجب/1438هـ
الموافق: 14/ نيسان/2017م

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 14 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ انشغال الدعاة بالأحداث الطارئة عن المشاريع الاستراتيجية لبناء المنظومة المسلمة.
2⃣ الأسرةِ المسلمة النواة الصلبة لبناء مجتمعٍ مُسلمٍ.
3⃣ المشروع الإسلامي لا يُقام ولا ينهضُ إلا بمجتمعٍ مُسلم.
4⃣ ما أولته الشريعة الإسلامية من أهمية لموضوع بناء الأسرة.
5⃣ انشغال البعض بالدائرة البعيدة عن بيوتِهم ودائرتهم القريبة.
6⃣ التسلسل الصحيح المنطقيُّ لبدء عملية الإصلاح في المجتمع.
7⃣ فلنراجع سلوكنا مع زوجاتنا وأبنائنا ولنراقب النتائج فالحصادُ من الزرع.

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
8⃣ صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

 

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ ((الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى)) [الأعلى:2-3]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم:3-4]. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الخير والوفا… أما بعد إخوة الإيمان والعقيدة:

حوارٌ دار بيني وبين مجموعة من الشباب المؤمن، تنبهت به إلى ثَغرَةٍ كبيرة نعاني منها في خطابنا الدعوي والتوجيهي، تِلك الثغرة تتجسد في انهماكنا الشديد في دوامة متابعة الأحداث على مستوى ردة الفعل فقط، بشكل شغلنا عن بعض المواضيع الاستراتيجية المُهمَّة … تلك المواضيع التي هي أصلٌ وأساسٌ يُعزِّزُ صمودنا على المدى الطويل، في حربنا الطويلة، حرب الإيمان على أهل الكفرِ والطغيان، ولعلَّ من أخطر تلك المواضيع المُهِمَّة المُهمَلَة مسألة بناء الأسرة المسلمة والأحكام والآداب المتعلقة بذلك.

بناء الأسرةِ المسلمة؛ التي تشكِّل النواة الصلبة لبناء مجتمعٍ مُسلمٍ قويٍّ صابرٍ مجاهد متحضِّر، هذا الموضوع الخطير وهذا المشروع الاستراتيجي الذي أتت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لتتحدث عنه في مختلف مراحله؛ بدءًا من تحضيرات الانطلاق به (عند اختيار الزوج والزوجة) وصولًا إلى نهايته (بموت أحد الزوجين أو انفصالهما) … آيات وأحاديث أتت تتحدث عن مختلف جوانب بناء مشروع الأسرة المسلمة … إنها الأسرة وما أدراك ما الأسرة؟!

إنها الاستجابة السليمة لما أودعه الله في الإنسان من غرائز ورغائب، إنَّها الطريقة الصحيحة التي تُعين الإنسان على تجاوز العقبات التي تظهر أمامه كُلَّما تقدَّمت به السُّنون، إنَّها المدرسة الأساس لبناء شخصية الإنسان المُسلِم، ولهذا أولت الشريعة هذا الاهتمامَ ببناء الأُسَر، بناء الأسر الذي به يصلُح بناء المجتمع.

فالأسرة – أيها السادة- إذا بُنِيت على طاعة الله، وعلى تقوى من الله، وعلى مراقبة الله في السِّر والعلن…

إذا بُنِيت الأسرة على وئام ومودَّةٍ ورحمة، صَلُح المجتمع كله، وأنتجَ ذُرية صالحة، تقوم بأمر الله -تبارك وتعالى- في هذه الأرض.

إذا صَلُحَت الأسرة، صلُحَ المجتمع، وكان مجتمعًا متراحما متآلفا متعاونًا على البرِّ والتقوى، واقفاً سدًّا منيعًا في وجه دعاةِ الإثم والعدوان؛
فالناجحون أيها الأحبَّة فالصالحون المُصلِحون الصابرون المجاهدونَ هم نِتاجُ أسَرٍ صالحة ناجحة، أمَّا الفاشِلون الفاسدون المُفسِدون فهم غالِبًا ما يكونون نتاجَ أُسَرٍ مُهمَلَةٍ فاسدة.

من أجل ذلك كلِّه – أيها الأحبَّة – عنت شريعة الإسلام بالأسرة أتمَّ العناية وأكملها؛ ووضعت لها مِن الأحكام والتشريعات والواجبات والآداب؛ ما يزيدها سعادة وقوة؛ وما يجعل أفرادها متى اتبعوا هذه الإرشادات؛ يعيشون في أمنٍ وأمان، يعيشون في هناءة واطمئنان، يصبرون ويتماسكون رغم ضغوط الحياة من حولهم، لينالوا خير الدنيا والآخرة …

فمن سُنَنِ الله تعالى في خلقه – أيها الإخوة – أنَّ المجتمع الذى تكثر فيه الأسر العاقلة الرشيدة؛ ينتشر فيه الخير والأمان والرخاء، فالأسرة الصالحة هي دعامة المجتمع، ولا سبيل إلى أُمَّةٍ مؤمنة؛ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجاهد في سبيل الله وتقود الجماهير إلى بارئها وتنشر الخير في كلِّ البقاع… لا سبيل إلى كلِّ ذلك إلا بُأسرَة مؤمنة مستقرة، فالمجتمع ما هو في الحقيقة إلّا حصيلة مجموع أسر عديدة؛ فإذا ما صلُحت الأُسر وإذا ما أذعنت كل أسرة على حدة لأوامر الله، كان من السهل أن تلتقي هذه الأسَر وأن يلتقي المجتمع على طاعة الله، فإذا ما اجتمعت أسرُنا على هدفٍ واحد اجتمع مجتمعنا على هدف واحد، ولهذا كلِّه فقد أتت النصوص الشرعية الكثيرة من الآيات القرآنية والأحاديث النبويَّة لتركِّز على صناعة الأسرة، أتت الشريعة الإسلامية لتضع الثوابت الكلية التي من شأنها أنْ تحلَّ أي مشكلة قد تطرأ على علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض – جُلُّ الأسر التي تعاني من المشاكل الأُسَرية، مردُّ مشاكلها إلى مخالفةٍ أصليَّةٍ لتوجيهٍ قرآنيٍ أو لسنَّةٍ نبويَّة؛ يخالفون كتاب الله وسنَّة رسول الله فتبدأ المشاكل ثمَّ تنمو وتتفاقم، ثمَّ تطفوا إلى المجتمع لأنَّهم خالفوا الشريعة الرَبَّانية، التي أتت بالثوابت الكُلِّية التي من شأنها أن تحُلَّ مشاكل أسرنا، الشريعةُ التي أتت لِتُقَنِّنَ المناهج العامة، والأسس الشاملة التي تدعم استقرار الأسرة بل واندماجها في مجتمع مسلم يسعى لأهدافٍ سامية.

وقد لفت القرآن الكريم الأنظار إلى هذا الجانب المهم في حياة المسلمين، في مواضع كثيرةٍ عديدة، فتراه يتحدث مثَلًا عن علاقة الرجل بزوجته وعلاقة المرأة بزوجها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].

أتى القرآن ليحدِّثنا عن علاقة المرء بأخيه وأمِّه وأبيه … كمثل قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ….) (الأحقاف:15)

أتى القرآن الكريم يتحدث عن تنظيم شؤون الأسرة وإدارتها: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء:34)
أتى القرآن الكريم وأتت السنَّة النبوية لتحدثنا عن علاقة المرء ببناته وبنيه، مثالُ ذلك الحديث المتفق عليه إذ يقول رسول الله  : (( كلكم رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) ؛ فأنت في بيتك راعٍ لأسرتِك وسيسألك الله عن الرعيَّةِ التي استرعاك إيَّاها.
آيات قرآنيةٌ كثيرة، وأحاديث نبوية غزيرة، كُلُّها أتت لكي توجه إلى الطريقة المثلى لبناء اللبِنات القوية التي ستحمل مشروع الإسلام.

فالمشروع الإسلامي – أيها الأحبَّة – لا يُقام ولا ينهضُ إلا بمجتمعٍ مُسلم، وهذا المجتمع لا يكون ولا يقوم إلَّا بأسَرٍ مُسلمةٍ متماسكةٍ مقيمةٍ لشرع الله، عندها فقط ينجح المشروع الإسلامي، مشروع الأمَّةِ والدولة، مشروع الحضارة والبِناء، مشروع الصمود والتحدِّي.

ثمَّ بعد كلِّ هذا – أيها السادة – نجد في زماننا من يتناسى هذه المُهمَّة وهذا التكليف العظيم الذي سيسأله الله عنه وينشغل عنه بما هو أقلُّ منه أهمِّيةً، والمصيبة أكبر عندما نرى ذلك من بعض الدعاة والمعلِّمين فضلًا عن غيرهم من الغافلين الجاهلين…
ينشغلون بالنفلِ عن الفريضة، ينشغلون بالخلقِ عن ذويهم وأُسَرِهم، والله تعالى عندما بعث رسوله بالحقِّ خاطبه أوَّل الأمرِ قائلًا: ((وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) [الشعراء:214]

فبدأ النبيُّ – صلى الله عليه وسلَّم – أول الأمر بإنذار عشيرته وإصلاح أسرته …

إنَّه التوجيهُ الربَّاني والمنهج النبوي والتسلسل الصحيح المنطقيُّ لبدء عملية الإصلاح في المجتمع.

ولهذا أيها الأحبة، ولكي لا نُطيل عليكم، فقد عقدنا العزم – بعون الله تعالى ومشيئته إن أحيانا إلى قابل – على أن نكون معكم في سلسلةٍ تتحدث عن بناء الأسرة المسلمة وحسن إدارتها وتجاوز العقبات التي تواجهها والتحذير من المطبَّات والعقبات التي توهن بناءها وتدمِّرها … من مرحلة البداية بالتحضير للزواج إلى النهاية.

ومن هنا حتى لقائنا القادم، وبعد ما وعينا من خطورة دورة الأسرة في بناء المجتمع، فليبدأ كلٌّ منَّا بمراجعة نفسه؛ في سلوكه مع زوجته وبنيه ومن يُعيل، فلنراجع أنفسنا ولنحاسبها قبل أن تُحاسب، ولينظر كلٌّ منا في تربيته لأولاده، وليرقُب ما أحرز من الأهداف حتى الآن، قوِّم النتائج التي وصلت إليها في رعايتك وتربيتك لأولادك، فما حصادك إلا مما تزرع، ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19] … فلنُصلح فيما بقي … وإلى لقاء جديد نتحدث فيه عن بناء الأسرة المسلمة، أقولُ ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين

الخطبة الثانية:
صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ودعاء

0

تقييم المستخدمون: 4.56 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *