الإسلام وحقوق المرأة

خطبة الجمعة 122

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

الإسلام وحقوق المرأة

التاريخ: 11/ جمادى الآخرة/1438ه
الموافق: 10/ آذار/2017م

🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر
⏱ المدة: 35 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1⃣ اليوم العالمي للمرأة وحال المرأة في المجتمعات غير المسلمة.
2⃣ المخرجات الخطيرة للمؤتمرات الدولية لتحرير المرأة.
3⃣ القرآن والسنَّة النبويَّة أول تشريع عنى بحقوق المرأة بشكل واضح وصريح.
4⃣ القرآن عنى بالمرأة من قبل ولادتها إلى ما بعد موتها.
5⃣ إكرامها واجبٌ بنتًا وأختًا وزوجةً وأبرُّها واجبٌ أمًّا وجدَّة.
6⃣ حقوقها الزوجية.
7⃣ الحمل والإرضاع وحتى الطلاق!

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
8⃣ حال المرأة في تاريخ الأمم الغربية حتى يومنا هذا
9⃣ مساواة المرأة والرجل والعدل بينهما في التشريع الإسلامي
🔟 معاناة المرأة السورية (يتجاهلون المجرم ثم يتحدثون عن الحريَّة!)

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، وصفيِّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودين الحقِّ ليُظهره على الدين كلِّه ولو كرِه المشركون، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)) [آل عمران: 195].

ويقول تعالى في مطلع سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) [النساء:1].

إخوة الإيمان والعقيدة: صادفنا في الأسبوع الماضي مناسبةٌ طبَّل لها البعض وزمَّر، مما سمَّوه: مناسبة اليوم العالمي لتحرير المرأة، هذا اليوم الذي حددوه في الثامن من شهر آذار مِن كلِّ عام، واصطلحوا على تسميته باليوم العالمي للمرأة، ذاك اليوم الذي تبنته منظمة الأمم المتحدة منذ سنة 1977م، دفاعا عن حقوق المرأة كما يدَّعون، وتحقيقًا لما يسمُّونه بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، انطلاقا من سياستهم التي تهدف إلى محاربة الأخلاق والقِيَم، انطلاقا من سياساتهم التي تهدف إلى تدمير الأسرة المسلمة بأخلاقها وقيمِها التي تروم عِفَّة المرأة، وتحوطها بسياج من الآداب والأخلاق التي تكفل طهارة المجتمع، وتقود إلى حياة السعادة والاطمئنان…

لم تكن تلك المؤتمرات ، بل المؤامراتُ، الدولية المتتابعة – أيها السادة – لمناقشة حال المرأة من حيث الوضعية المُزرية التي صارت إليها المرأة الغربية، وقد غدت عندهم منذ عقود سلعةً يُتاجر ببدنها، وقد غدت بضاعةً تُعرضُ رخيصةً مبتذلةً حال شبابها، لترمى بعد ذلك في ملاجئ العَجزةِ وفي دورِ العجزةِ حال شيخوختها، تلك المرأة التي يستغلونها بشكل حيواني منذ صِغرها، تلك المرأة التي جعلوا مساواتها بالرجل تعني أن تعمل بالبناء والعمارة وغير ذلك من المهن الشاقة في الورش والمصانع بما يتعارض وما خلقها الله سبحانه وتعالى عليه …

هكذا حال المرأة في المجتمعات غير الإسلامية أيها السادة، ومع ذلك فإنَّ الذين ينظِّمون تلك المؤتمرات ويدعون إليها، والذين يطبلون لها بعلمٍ أو جهل، لا يريدون أن يرحموا النساء في مجتمعاتهم مما هنَّ عليه من امتهانٍ وإذلال، بل همُّهم تدمير ما تبقى من القِيَم في مجتمعنا المسلم، يريدون لنسائنا – يريدون لنساء المسلمين – أن يتشبهن بنساء الكافرين، وأن يسرن على منوالهن.

ابتداءً من مؤتمر نيروبي سنة 1985م وإلى يومنا هذا، كان القاسم المشترك بين هذه المؤتمرات التي يقيمونها في اليوم العالمي لتحرير المرأة، كان القاسم المشترك بينها الدعوة لأمورٍ؛ أخطرها: الدعوة إلى الحرية الجنسية والإباحية للمراهقين والمراهقات، بل وتوفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس، بل وتعليم الأطفال ما يُسمى بالجنسِ الآمن؛ أي كيف يمارسون الجنس والرذيلة مع توقي حدوث حمْلٍ أو انتقال مرض الإيدز.

نعم أيها السادة؛ هذه الأمور لم تكن مَخفيَّةً أو بالسر، لم تكن ما وراء الكواليس!!
بل كانت هذه هي المخرجات الرسمية لتلك المؤتمرات التي يروِّج لها البعض وتعمل بعض المنظمات الدعايات لها بدعوى مناصرة تحرير المرأة !! وقد كان من مخرجات تلك المؤتمراتِ أيضًا:/ تشجيع جميع أنواع العلاقات الجنسية على اعتبارها حرية شخصية/ تهميش دور الزواج في بناء الأسرة / إباحة الإجهاض وتسهيله للمراهقات ولطالبات المدارس/ تشجيع المرأة على رفض الأعمال المنزلية، بحجة أنها أعمالٌ بغيرِ أجر/ إباحة الشذوذ الجنسي والدعوة إلى مراجعة ونقض القوانين التي تجرِّمُه/ بالإضافة لما ذكرنا مِن محاولة فرض مفهوم المساواة المُطلقة في العمل، بين الرجل والمرأة/ …

هذه هي مخرجات تلك المؤتمرات، التي يطبل لها البعض عن علمٍ أو جهل، ويقيمون لها الندوات والحفلات، لكي يدعي القائمون عليها بأن الشعوب توافق على مخرجاتها وتتبنَّاها وتطالب بها!!

هذه المخرجات التي ذكرناها أيها الأحبَّة ليست اجتهادًا ولا تنبُّؤًا ولا توقُّعًا، هم نشروها على الملأِ هكذا!! ثمَّ يأتي بعض المهزومين نفسيًا، لكي يتحدثوا لنا عن حرية المرأة عند الغرب! لكي يحدثونا عن حرية المرأة عند الغرب، متناسيين أن النساء في المجتمعات الغربية أكثرهن يهربن إلى الملاجئ هربًا من العنف الزوجي، والعنف الأسري، والاعتداء الجنسي، نساءٌ كثيرات يهربن إلى الملاجئ من عنف المجتمع، ينسى أولئك أن من يدعونا للإقتداء بهم مازالت نساؤهم يعانين لأجل لقمة العيش، بينما الغالب على نساء المسلمين أنهنَّ يعشن مُعَزَّزاتٍ مكرَّماتٍ في بيوت أزواجهنّ وأهلِهنَّ، ينسى ذلك الذي يحدثنا عن تحرير المرأة وكأننا نحن من يظلمها ينسى ذلك ما نصت عليها شريعتنا من عظيم التشريعات والقوانين والأنظمة التي سبقت بها الشريعة الإسلامية كلَّ شرائع الأرض…

سبقت الشريعة الإسلامية أيها السادة كل شرائع الأرض في النصوص الصريحة الواضحة المبيِّنةِ لحقوق المرأة، يكفي شرفا ويكفينا عزًّا وفخرًا أنَّنا معاشر المسلمين في قرآننا؛ سورة النساء، سورة الطلاق، سورة المجادلة، سور كاملة تتحدث عن حقوق النساء وعن حفظ حقوقهن قبل أن يأتي ذلك المهزوم نفسيا؛ ذلك الذي يرى الغرب قدوته ليحدثنا عن تحرير المرأة!!

ولعل البعض أيها السادة ينظر إلى التجاوزات التي تصدر عن بعض المسلمين المسرِفينَ المقصِّرينَ العاصِين فيظنُّ أنَّ الإسلام هكذا!!

الإسلام – أيها السادة – عنى بالمرأة من قبل ولادتها إلى بعد وفاتها؛ العرب زمن الجاهلية كانوا يئدون البنت، يدفنونها حيَّةً في التراب وهذا الأمر موجود إلى زماننا، ففي الصين التي تعد أكثر من مليار نسمة، لأن العائلة تُمنع من انجاب أكثر من ولد واحد، أغلب المواليد الإناث يُقتلن ويدفنَّ وهنَّ على قيد الحياة لأن العائلة لا يسمح لها إلا بمولود واحد فيريد الأهل أن يأتوا بمولود ذكر، القرآن الكريم جرّم هذا الفعل من ألفٍ وأربعمئة سنة ((وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9))) [التكوير:8-9]

ليس هذا فحسب بل تحدَّث القرآن العظيم عن سوء فعل من يكفهِرُّ وجهه إذا بشر بالأنثى… نعم، بعض الناس إلى زماننا إذا بشر بالأنثى يكفهرُّ وجهه ويتقطب جبينه يسوؤه أن يبشر بالمولودة الأنثى، فإذا بالله تعالى يقول ذامًّا وعائبا ذلك على الكفار ((وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)) [النحل:58-59]، نعم أيها الأحبَّة، تحدث القرآن عن إكرام المرأة وحمايتها قبل ولادتها، بل تحدث أيضًا عن لزوم الفرح والاستبشار بمجيئ المولودة، ثم تحدثت السنة النبوية والآيات القرآنية عن لزوم رعاية البنات وعن لزوم إكرام الأخوات فكان مما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم: (( مَنِ ابْتُليَ مِنْ هذِهِ البَنَاتِ بِشَيءٍ فَأحْسَنَ إلَيْهِنَّ ، كُنَّ لَهُ سِتراً مِنَ النَّارِ )) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ]. تلك البنات والأخوات اللواتي حرّج النبي صلى الله عليه وسلم حقَّهن قال: (( اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ : اليَتِيم وَالمَرْأةِ )) [حديث حسن رواه النسائي بإسناد جيد]. والمعنى اللهم إنَّي أحرِّج أي: أزْجُرُ زجراً أكيداً شديدًا كلَّ مَنْ ضَيَّعَ حَقَّ يتيمٍ أو مرأة….

نعم أيها السادة، أتت التشريعات تأمر بالإحسان إليهنَّ وبحسن تربيتهن وتأمر بإكرامهن، فإذ ما بلغت البنت مبلغ الشابات اليافعات، إذا ما بلغ جسمها مبلغ النساء أتت التشريعات القرآنية وأتت السنَّة النبوية للتوجيه إلى ما يصونها، إلى ما يحفظها، فقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [ لماذا؟! تُتبِعُ الآية الكريمة موضِّحةً ومبيِّنةً ومعلِّلةً .. ] ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )) [الأحزاب:59]، ذلك أدنى أن يعرفن؛ لكي لا تكون هذه الشابة، هذه المرأة، تعرف بين الناس فينظر إليها، فتكون مطمعا للطامعين، وشهوة للمشتهين، لا بدَّ من الحفاظ على عفتها وعونها على ذلك، فإذا ما شبَّت أكثر وبلغت سنَّ الزواج أُمِر الرجل بحسن اختيار الزوج لابنته، ولمن ملك أمرها، ورحم الله الحسن البصري إذ أتاه رجلٌ فقال للحسن: إن عندي ابنة لي وقد خطبت إلي فمن أزوجها؟ قال: « زوجها من يخاف الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها» [النفقة على العيال لابن أبي الدنيا]، هذا فهم أئمة التابعين لما جاءت به الشريعة الإسلامية، قال: زوِّجها لمن يخاف الله، اختر لابنتك زوجًا صالحًا إنَّه إن أحبَّها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها، ليس هذا فحسب بل أتت الشريعة تجعل مرَدَّ أمر الزواج إلى المرأة، وتعطيها كامل الحق في الاختيار والرفض، وفي هذا الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ» إذنها صمتها فلا يصحُّ أن تُزوَّج امرأة بغير إذنها وبغير رضاها، فقد جعل الله الأمر إليها فإذا ما زوِّجَت وإذا ما اختار لها أبوها زوجا صالحا قبِلَ به، أتت التشريعات القرآنية وأتت السُّنَّة النبوية لكي تأمرَك أيها المسلم بالإحسان إلى امرأتك، ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [الروم:21]، لأنَّ الموَدَّة والرحمة مما يزداد مع العشرة ولا ينقص، أمرك الله بالمودة، أمرك الله بالرحمة، وأمرك الله بالعدل والإحسان في المعاملة مع زوجتك، ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [البقرة:228]، وللرجال عليهن درجة؛ درجة القَوامة بماذا؟ (( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )) [النساء:34]، قوامَتُك أيها الرجل على امرأتك ليست قوامَة تسلط، ولا قوامة عنجهية، ولا قوامة إذلال بل هي قوامة إكرام وإنفاق وعناية ورعاية؛ بما فضَّل الله بعضهم على بعض في البنية الجسدية وبما أنفقوا من أموالِهم، ثم قَالَ الله تَعَالَى: (( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف )) [ النساء :19 ]، ليس هذا فحسب، تخيلوا أن في القرآن الكريم، كلام الله تعالى، تأتي فيه آياتٌ لتنظِّم علاقتك الزوجية إن كان عندك أكثرُ من زوجة، قالَ تَعَالَى: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً )) [النساء : 129]. أتت السنة النبوية لتأكد على ذلك لكي تعرف أيها المسلم قيمة امرأتك، فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: (( الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيرُ مَتَاعِهَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )) والحديث رواه مسلم.

وفي حجَّة الوداع وقد وقف النبي – صلى الله عليه وسلم – بمئة ألف ويزيدون من الصحابة، في هذا الجمع العظيم يُذكِّرُ النبيّ بحقوق النساء قائلا: ((فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ(( [صحيح مسلم]، وكان من شأنه – صلى الله عليه وسلم – أنَّه وهو يموت وروحه تفيض إلى باريها كان من آخر وصيته كما وردَ في مُسند الإمام أحمد عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: “كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم،ْ حَتَّى جَعَلَ نَبِيُّ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُلَجْلِجُهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَفِيصُ بِهَا لِسَانُهُ”، حتى فاضت روحه الكريمة إلى باريها وهو يوصي بالنساء خيرًا، هذه المرأة التي أكرمها الله تعالى بنتًا وأمرك بالإحسان إليها بنتا ثمَّ أمرك بحسن اختيار الزوج لها ثمّ أمر الزوج بإكرامها، إذا ما غدت أُمًّا وحملت وولدت وصَّى الله تعالى من فوق سبع سماوات ببرِّها (( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا…)) [الأحقاف:15]، يُذكِّر الله تعالى كُلَّ رجلٍ بما بذلته أمُّه من تعبٍ في حمله، يُذكِّر الله كلَّ رجلٍ بما بذلته زوجته من تعب حتى تأتيه بالولد فقد وضعهُ شهوةً ووضعته هي كُرها (( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)) [لقمان:14]، هذا الوَهن الذي أضعف جسدها، القرآن يُذّكر به، بهذه المرأة التي تعبت وبذلت أيها الأحبة، أي إكرام هذا أيها الأحبة، وقد أمر الله بإكرامها زوجةً وببرها أمًّا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث حين سأله الرجل، مَنْ أَحَقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ : (( أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أَبَاكَ ، ثُمَّ أدْنَاكَ أدْنَاكَ )) . تعظيمًا لتعبها، وتعظيما لجُهدها.

نعم أيها السادة، عندما نتحدث عن التشريعات التي أتت تتحدث عن مكانة المرأة وحقوقها، إن عددنا تمضي الساعات ولا ننتهي، إن ذكرنا يكفي أن نذكر بأن في القرآن الكريم آيات صريحة تنص على حقوق المطلقات، هذه المرأة التي طُلِّقَت كثيرٌ من الناس يظلمها، فأتت الآيات القرآنية تتحدث عن حقها وعن إكرامها وعن لزوم النفقة على المطلقة إن كانت تُرضِع له، ((وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)) [الطلاق: 6].

كذلك أتت الآيات تتحدث عن إكرام المطلقات وتطييب خاطرهنّ، ((وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) [البقرة:241]، فلا يكفي أن تعطيها مهرها، فالمتقي يدفع لها زيادة عن مهرها نفقةً وإكرامًا.

ليس هذا فحسب بل أتت الآيات الكريمة تتحدث عن عدم جواز حرمانها من الزواج بعد أن طُلِّقت مما يفعله بعض الآباء والإخوة تعنُّتًا يمنعون به المرأة من مراجعة زوجها السابق، فقال تعالى: ((وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ … )) [البقرة:232] تخيلوا معي أبها الأحبة هذا القرآن العظيم، وهذه الشريعة العظيمة التي يتغافل البعض عن عظمتها ويتغافل عن عظمة ما فيها، لينظر بعين من أصيب بالوهن، لينظر بعين من ينظر للغرب على أنهم أسوة وقدوة، لينظر بعين المهزوم نفسيا، فيرى في الغرب وفي تشريعاته وقوانينه حفظًا وحمايةً للمرأة، ويتناسى هذه القوانين وهذه التشريعات الإلهية الربانية التي نصَّت عليها شريعتنا قبل 1400 من السنين!

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وفقها في الدين أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله خير الوصايا وصيّةُ ربِّ البَرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفِتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا إخوة الإيمان أنَّ الله تعالى أنزل لنا في شرعه ما يكون لنا فيه سعادة الدنيا والآخرة، وأن الذين كفروا لا يزالون يجتهدون ويبذلون لكي يردونا عن ديننا إن استطاعوا، والحديث أيها الأحبة مازال مستمرا عما يسمونه تحرير المرأة وعن اليوم العالمي لتحرير المرأة الذي يطبل به البعض، متناسيا ماضي وحاضِر من يدعونا للإقتداء بهم، ينسى أولئك حال المرأة اليوم في الغرب، ينسى تشريعاتهم وقوانينهم!!

هل تعلمون أيها الأحبة أن المرأة عند الإغريق واليونان كانت تعتبر متاعا وبضاعة وكانت تعتبر قاصرا طيلة حياتها؟!

هل تعلمون أيها الأحبَّة أن اليهود في شريعتهم التي حرفوها – ليومنا هذا – يعتبرون المرأة سبب الشرور التي تقع على الأرض ويحملونها مسؤولية أكل آدم من الشجرة؟! وهذا معروف في سفر التكوين عندهم.

هل تعلمون أيها الأحبة أنه ليومنا هذا تطلق المرأة اليهودية لأتفه سبب، بل يجبر زوجها على طلاقها إن ارتكبت معصية وفسقا ولو غفر لها زوجها؟!

هل تعلم أيها الإنسان أن اليهود الذين ينادون بالحضارة والمدنية – إلى يومنا هذا- يجبر الرجل عندهم على تطليق زوجته إن بقيت عنده عشر سنوات ولم يقسم لها الله تعالى أن تنجب؟! أي عدل هذا يتحدثون عنه بل أي إجرام هذا؟! ثم يأتي أولئك ليتحدثوا لنا عن العدل، يتحدث لنا عن كرامة المرأة، اليهود إلى يومنا هذا لا يواكلون المرأة الحائض ولا يجلسون معها في غرفة واحدة، ولا يصح عندهم أن تجلس مع زوجها على متكأ واحد، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قبل ألف وأربعمئة من السنين كان يتكئ على حجر عائشة يقرأ القرآن وتكون زوجته حائض، هل تعلم أيها المسلم أن النصارى أهل الصليب، يعتبرون المرأة في ديانتهم سبب كل انحلال المجتمع، سبب كل منكر في المجتمع، بل ليس هذا وحسب لأن دينهم قائم على الرهبانية تراهم ينزِّهون قساوستهم ورهبانهم من أن يدنسوا أنفسهم بالزواج من امرأة فيدّعون الرهبانية ولا يتزوجون على اعتبار أن ذلك تدنيس للرجل، مع أنهم والعياذ بالله ينسبون لله تعالى المرأة والولد!! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

هل تعلم أيها المسلم أن الفرنسين في القرن السادس الميلادي يوم كانت نساء المسلمين يجلسن في حلقات العلم والتعليم، يوم كانت نساء المسلمين يحضرن المناظرات العلمية ويناظرن العلماء، عقدوا مؤتمرًا في فرنسا ليبحثوا فيه هل المرأة كائن بروح بشرية أم أنها روح حيوانية غير إنسانية!!

هل تعلم أيها المسلم أن القانون المدني الفرنسي الذي يتبجَّح به العَلمانيون – ولأخذ العلم القانون المدَني الوضعي السوري في أكثر موادِّه استمدها من القانون المدني الفرنسي – ذاك القانون المدني الفرنسي اعتبر المرأة طيلة عمرها قاصرًا وسوَّاها بالمجانين حتى عام 1938م ولو بلغت تلك المرأة ثمانين سنة!

هل تعلم أيها المسلم يامن تطبل وتزمر، وتأتي بعض الجمعيات والمنظمات تدفع أموالا لبعض المدارس لكي يصوروا صور بأننا نحتفل بيوم تحرير المرأة، هل تعلم أن الإنكليز حتى مطلع القرن الثامن عشر – أي قبل مأتي عام فقط – كان القانون عندهم يبيح للرجل أن يبيع زوجته بيعًا، ثمَّ أصدروا مرسومًا حدَّدوا به سعرها!!

تخيل أيها المسلم هؤلاء الذين يتبجحون بحقوق المرأة، هل تعلم أن هؤلاء الذين يتحدثون عن حقوق المرأة السياسية ويفرضون علينا فرضا في المؤتمرات السياسية أن تتصدر المرأة الواجهة، وأن تكون في الوفد المفاوض، هل تعلم أنه حتى منتصف القرن العشرين لم يكن يحق للمرأة التصويت في الانتخابات( في أمريكا وفي فرنسا وفي بريطانيا …) ثم يأتوننا ليفرضوا علينا تصدر المرأة في العمل السياسي، في حين أن عبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – يوم وكِّلَ بالمفاضلة بين عثمان وعلي رضي الله عنهما قال سألت كل من في المدينة فما تركت رجلا ولا امرأة، سأل حتى النساء في المفاضلة بين عثمان وعلي في اختيار الخليفة وهم قبل سبعين سنة لم تكن دولهم تعطي حق التصويت للمرأة!

أي هزيمة نفسية يعيشها المسلمون أيها الأحبة، أي هزيمة نفسية يعشها من يظن أن تلك التشريعات تتحدث عن حقوق المرأة وينسى ذلك المسلم مساواة الله تعالى لها بالرجل في (التجريم والحقوق والواجبات) ليس المساواة أيها الأحبة بل العدل فالمساواة بين غير المتساويين ظلم، والله تعالى يقول (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [النحل:97]

عندما نتحدث عن التشريعات الجنائية نرى كي ساوى القرآن بين الرجل والمرأة
(( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [المائدة:38]، عندما نتحدث عن جريمة الزنا يقول تعالى: (( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ)) [النور:2]، لاحظ كيف سوَّى الإسلام بينها وبين الرجل في العقوبات، وكيف جعل العدل بينهما في الميراث والتملك قال تعالى (( لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)) [النساء: 7] تشريعات عظيمة، قوانين ربانية، أتت تكفل حقوق المرأة، ثم يأتي من يتبجح بحقوق المرأة وبيوم المرأة العالمي ليحدثنا عن الأمم المتحدة!! متناسيا أن الأمم المتحدة سكتت عن إجرام دولي تواطأت عليه دول الأرض بحق الشعب السوري، من يتحدث عن المرأة ليته تذكر في المؤتمرات الدولية أن المرأة السورية بذلت في ست سنوات فقط (خلال الثورة السوية) 23 ألف شهيدة و 13 ألف معتقلة تعاني العذيب والاغتصاب في سجون الكفار و 400 ألف أرملة تربي أيتامًا، أكثر من مليون أمٍ فقدت أحد أبنائها على الأقل …

كل هذا بتواطؤ كفار الشرق والغرب ثم بعد ذلك يأتونا لكي يحدثوننا عن حقوق المرأة وعن حرية المرأة، ويأتي بعض الجهلة بيننا ليطبلوا لهم وليزمِّروا!!
نعم أيها الأحبة، يريدون أن يفسدوا علينا ديننا يريدون أن يفسدوا علينا نواة مجتمعنا المسلم ألا وهي الأسرة المسلمة، هذه التي سنتحدث في الخطب القادمة إن شاء الله نسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما قلنا وأن يحفظنا ويحفظ نساءنا ويحفظ أزواجنا وأزواج المسلمين، بناتنا وبنات المسلمين من كلِّ شرِّ ومكروه ….

إني داع فأمنوا

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *