ضوابط وآداب حمل السلاح

خطبة الجمعة

التاريخ: 28/ محرّم/1436هـ
المكان: أحد مساجد حلب.
الخطيب: محمد أبو النصر.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً.
2- الذي شرع لنا تملُّك السلاح شرع لنا وأوجب علينا ضوابط في ذلك.
3- مَنْ شَهَرَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا.
4- لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ.
5- خطورة ترك الأسلحة بين أيدي الأولاد والسفهاء.

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
6- خطورة الاستهتار بحمل الأسلحة والمتفجِّرات.
7- لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا.
8- التشنيع على من يحملون المتفجرات (كالأحزمة الناسفة) بين أظهر المسلمين وفي مراكز تجمعهم.
9- حكم إطلاق النار في الأفراح أو الأتراح، والمفاسد التي في ذلك.

رابط الخطبة على صفحة الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذكر الدليل.

الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكفار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.

أمّا بعد عباد الله: قال الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) (النساء:102)

عباد الله هذا خطابٌ ربّاني وتوجيه إلهي لعباده المؤمنين المجاهدين في سبيله لكي لا يغفلوا عن أسلحتهم ولا حتى في أوقات الصلاة وليأخذوا حذرهم لكي لا يميل عليهم الكفّار وهم غافلون، وهذا الخطاب كما هو للمجاهدين في ساحات المعارك وعلى جبهات القتال فهو أيضًا للمؤمنين في أي مكانٍ يغلب على الظن فيه احتمال تحرُّك العدو وقرب لقائه أو غدر أزلامه وجواسيسه ومن كان على شاكلتهم.

وهنا إخوة الإيمان فكما نؤكِّد حقّ المسلم في امتلاك السلاح ووجوبَ عدم الغفلةِ عنه حيث يتوقّع لقاء العدو فإنّنا يجب ألّا ننسى أن الذي شرع لنا هذا قد شرع لنا وأوجب علينا ضوابط في حمل السلاح ولعلّ من الشرور التي ابتلينا بها في ثورتنا تداخل الجبهات وقربها من دور المسلمين، وانتشار الشبيحة ومحبّيهم فيما بيننا لطيبة قلبنا ولقلّةِ حزمنا في التعامل معهم مما اضطر كثيرًا من المجاهدين لحمل أسلحتهم معهم دائمًا خوفًا من الغدر ومن الخيانة.

ولكن يا للأسف فإن كثيرًا من المجاهدين الشباب لا يلتزمون بآداب حمل السلاح التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ولا ينزجرون عمّا زجر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في التعامل مع السلاح، ولعلّ أخطر ما في هذا الباب رفع السلاح في وجه المسلمين عند أوَّلِ مشكلة أو خلاف لا يدرون أنّ ذلك ذنبٌ عظيم وإثمٌ كبير بل وجرمٌ وجب فيه التعزير. – حتى في التعامل مع أعقد مشكلة أو خلاف- ففي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجه عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ شَهَرَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا”

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:” إذا أشارَ المسلمُ إلى أَخيهِ بحديدةٍ لعنَتْهُ الملائكةُ، وإِنْ كانَ أَخاهُ لأَبيهِ وأُمِّه”.

بحديدة!!… فما بالك بالإشارة بالسلاح الناريّ وما كان على مثلِه.

فالإشارة بالسلاح في وجه المسلم فيها الافاضة إِلَى الْمَحْذُور وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَقَّقًا، وما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإِنْ كانَ أَخاهُ لأَبيهِ وأُمِّه) إلّا لنعلم أنّ اللعنة لفاعل ذلك سواءٌ فِي جَدّ أَوْ هَزْل.

إذ أنّ بعض السفهاء قد يمازح إخوانه بالإشارة بالسلاح فإذا زُجِرَ أجاب: هذا أخي أو صديقي. ورسول الله يقول (لعنَتْهُ الملائكةُ، وإِنْ كانَ أَخاهُ لأَبيهِ وأُمِّه) وكم شهدنا في ثورتنا من أخٍ قتل أخاه ومن صديقٍ قتل صديقه بهكذا أخطاء، وما ذاك إلّا بسبب خِفّة العقل وقلّةِ الوعي والجهل بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”لا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ في يدِهِ، فَيَقَعُ في حفرة من النّار”

قال الامام النووي رحمه الله: وَمَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَده، وَيُحَقِّق ضَرْبَته وَرَمْيَته.
وهذا الكلام يوم لم يكن هناك أسلحة نارية ولا مواد متفجِّرة فكيف بنا ونحن نرى السفهاء يلعبون بالأسلحة النارية التي كثيرا ما حدث خطأ فيها فخرجت منها الرصاصات تقتل وتجرح في المسلمين.

كيف بنا ونحن نرى بعض الآباء المستهترين يتركون أسلحتهم وجعبهم بين يدي أطفالهم ومن ثَمّ إذا وقعت المصيبة ندموا، ولاتَ ساعةَ مندمِ.
أيقظني الله وإيّاكم من غفلة الغافلين وحشرني وإيّاكم في زمرة عباده المؤمنين قال الله تعالى وهو أحكم القائلين
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية:15)
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131].

فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن. أمّا بعد.

إخوة الإيمان: في هذا الباب يُطالعنا الحديث الصحيح الذي رواه أبو داوود والترمذي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ “نَهَى عَنْ أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا”

وعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ فِي مَجْلِس يَسُلُّونَ سَيْفًا يَتَعَاطَوْنَهُ بَيْنَهُمْ غَيْر مَغْمُود فَقَالَ: “أَلَمْ أَزْجُرْ عَنْ هَذَا؟ إِذَا سَلَّ أَحَدكُمْ السَّيْف فَلْيُغْمِدْهُ ثُمَّ لِيُعْطِهِ أَخَاهُ” والحديث إسناده صحيح على شرط مسلم، رواه أحمد وابن حبان. [وفي زماننا إذا لقّم أحدكم سلاحه فليحرره وليؤمِّنه ثمّ ليُعطه أخاه]

لنلاحظ إخوة الإيمان مدى اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم -إمامِ المجاهدين وقائدِ القادات- بتعليم أصحابه، خيرُ مجاهدين عرفتهم الأرض وجوب التزام آداب حمل السلاح وعدم الاستهتار به حتى أنّه صلى الله عليه وسلم نهاهم عن تداول السيف بغير غِمده لألّى يُجرَح أحدٌ من المسلمين بالخطأ، فكيف بنا ونحن نرى من يتداول السلاح الناري من غير أن يؤمِّنه، بل وكيف بنا ونحن نرى بعض الجهلة يحملون المتفجِّرات والأحزمة الناسفة ويسيرون بها في أماكن تجمُّع المسلمين وازدحامهم وقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا. أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بَكَفّهِ. أَنْ يُصِيبَ أَحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ”

تخيّل أخا الإسلام أن الأسهم التي كانت ترمى بالقوس والنشّاب يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملها في سوق المسلمين أو في مسجدهم: بأن يقبض على نصالها لكي لا يجرح مسلمًا بالخطأ، فهلّا سمع ذلك من يحملون أسلحتهم باستهتار أو من غير تأمين.

وفي هذا أذكِّر نفسي وإياكم حال حملنا البنادق إذا مررنا في الأماكن المزدحمة وفي المساجد لابدّ أن تكون بنادقنا مؤمّنة ولابدّ من أن نقبض على بندقيتنا من فتحة سبطانتها نحملها للأسفل لا أن نعلِّقها على كتفنا فنتحرّك أو ننحني لِلُبس الحذاء فنصيب كتف هذا أوعين ذاك.

أمّا أولئك الذين يحملون المتفجِّرات بين المسلمين متباهين ومُرائين بلبس الأحزمة الناسفة وبتعليق القنابل التي غدت في فترةٍ من الفترات موضةً تُتَّبع، وبحمد الله صرف الله شبابنا عنها، لأولئك ولكلِّ من يحمل سلاحًا عاديًا ولكن بشكلٍ مُريب يثير حفيظة النّاس، ولكلِّ من يُطلق النّار بشكلٍ عشوائي ولكلّ من يُطلق النّار في الأفراح والأتراح، نقول لهم جميعًا: (هذا لا يجوز) ونذكرهم جميعًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا” (كرّرها الخطيب ثلاث مرّات) [صحيح رواه أبو داود وابن ماجه]

نعم إخوة الإيمان إطلاق النار في الأفراح أو الأتراح لا يحل.

ففي الأفراح في ترويع للجيران ولمن يسمع الصوت من المسلمين، وفي الجنائز فيه جملةٌ من المخالفات الشرعية، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن (أن تُتبع الجنائز بصوت أو بنار) وإطلاق الرصاص فيه هدرٌ لأموال المسلمين وفيه هدرٌ لعدّةِ جهادهم، وفيه الصوت وفيه النار وفي ذلك نهيٌ صريحٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفوق هذا وذاك ما فيه من إثم ترويع المؤمنين وإخافتهم

وكفا بالمرء إثمًا أن يروِّع المؤمنين الآمنين، وكفا بالمرء ذنبًا أن يروِّع المؤمنين الآمنين.

اللهم آمن المؤمنين وسلِّم المسلمين، اللهم إنّا نسألك أن تقذف الإيمان والصِّدق في قلوب المجاهدين، وأن ترزق عقولهم الفهم والوعي إنّك أنت السميع العليم.

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *