فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى

خطبة الجمعة

الكاتب: محمد أبو النصر
المكان: أحد مساجد حلب المحررة
مدّة الخطبة: 30 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
2- خشية الله أوّل ثمرات معرفة الله.
3- فلِمَ لَم نخشع؟ ولِمَ لَم نتصدّع عند سماع كلام الله؟
4- من عرف عظمة المرسل عرف عظمة الرسالة وأعطاها حقّها.
5- الله يعرِّفنا بنفسه لنعرِف قدر كلامِه.
6- وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا.
7- بعض أهمُّ الضوابط في علاقتنا بكتاب ربِّنا (الصراط المستقيم، الفرقان، ليدّبّروا آياته….)

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
8- يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ
9- تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
10- بيان القرآن في مسألتين خطيرتين
11- الأولى: حكم بقاء الرجال والشباب في مناطق سيطرة النظام
12- الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ
13- الثانية: موضوع الجبهة الشامية واتحاد الفصائل
14- وجوب الاعتصام بحبل الله (بكتاب الله) ولا يأكل الذئب من الغنم إلّا القاصية

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله:

يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21))(الحشر:19-21)

إشارةٌ ربانيّة، وتوجيهاتٌ إلهيّة لك أيها الإنسان، يا من تفكّرت في عظمةِ الله، يا من آمنت بالله ربًّا إلهًا واحدًا أحدًا، يامن آمنت بما وصف الله به نفسه.

لو كنت كذلك حقّا لعزَّزت الصلة بينك وبين ربّك ولعلِمت عظمة وخطورة شأن كلام الله، فالجبال التي عرَفت عظمة خالقها وبارئها لو كان لها عواقل تعقل ولو كلِّفت بما كُلِّفَ به المكلَّفون لخرّت خاشِعةً متصدِّعةً عند سماع كلام الله.

فلِمَ لَم نخشع؟ ولِمَ لَم نتصدّع عند سماع كلام الله؟
السبب أيُّها السادة أنّ الجبال كانت ستخرّ خاشعةً من خشية الله فمن عرف عظمة المرسل عرف عظمة الرسالة وأعطى الرسالة حقّها، فالرسالة التي تأتيك من عظيم يأمرك أو من حبيب تعلّق به قلبك أو من قوي تخشاه هي رسالة مُهِمّة لا تغفل عنها، بخلاف لو كانت رسالةَ تافهٍ سفيه لا قيمةَ له ولا لِكلامه وهذا بين البشر معلومٌ معروف، فكيف برسالة ربِّ الأرباب ملك الملوك!! من بيده مقادير السماوات والأرض، من أمرُه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، من وَجَب تعظيمُه وخشيته ومحبّته …

لذلك تُتبعُ الآيات الكريمة لتعرِّفَ النّاس بربِّهم ليعرفوا لم خشعت الجبال ولم يخشعوا:
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24))(الحشر:19-24)

فهل يعقل لمن أيقن حقًا بربِّه على ما وصف الله تعالى بهِ نفسه أن يُعرض عن رحمة الله وهدايته
ربنا الرحمن الرحيم الذي رحِمَ عبادهُ فلم يتركهم في هذه الحياة الدنيا تائهين ضائعين بل كان من رحمته سبحانه أن أنزل عليهم هدايته وأرسل لهم رسله وأنبياءه ليعيشوا سعداء في الدنيا وليسلموا في الآخرة، فخاطب آدم وزوجته وذريّته من بعده بقوله سبحانه وتعالى:
(قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) …[يقول ابن عباس من اتبع القرآن لا يضلُّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة] …. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127))(طه:123-127)

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) من أعرض عن كلام الله فإنّ له معيشة الضيق والنَّكدِ والكدَرِ، وقد يكون ذلك بضيق ذاتِ اليد وبالبلاء وبغير ذلك، فكم ممَّن أسرف على نفسه ممَّن آتاه الله مالًا وجمالًا وذرّية، تراه ضائقَ الصدرِ نكِد الخُلُقِ، وما ذاك إلّا لإعراضه عن مفتاح سعادته، وما ذاك إلّا لإعراضه عن كلام ربِّه وأوامرِه.

(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) أعمى البصر البصيرة، لا يرى طريقه ولا يُدركُ حُجَّته، وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا.

(قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)) أي كذلك اليوم تُترك في العذاب المُهين (وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ) كذلك يكون عقاب من تجاوز الحدود التي أمر الله بها ( وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) وهذا تأكيدٌ من الله أنّ العذاب الأول من الضيق والكدر والشدّة سيكون في الدنيا قبل الآخرة، سيكون لمن غفل عن كلام ربِّه، سيكون لمن شغلته الدنيا عن التفكُّر بعظمة خالقها، وعن تتبع أوامره والتزام كلامه.

ذاك الذي لم يُدرك: أنّ القرآن الكريم هو الصراط المستقيم الذي يجب التزامه والسير على هداه في الدنيا: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153)

ذاك الذي لم يُدرِك بأنّ كلام الله هو الفرقان المُفرِّق بين الحقِّ والباطل (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (الفرقان:1)
كلام ربّنا الذي لم يُنزله لنا للقراءة وللترديد فقط بل للتدبر والفهم والعمل إذ قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29)

وقال عزّ مِن قائل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155)

إن أردنا رحمة ربِّنا وإن أردنا كشف الضُرِّ عنّا وإن أردنا التخلُّص من المعيشة الضنك فلنعد لكتاب ربِّنا نتلوه ونتدبَّرُ آياتِهِ ونتَّبِع ما فيه.
ولنعلم أنّ قراءة صفحة في اليوم مع تدبرها وفهما خيرٌ من قراءة كمٍّ كبير من موسِمٍ إلى موسم كمن يقرأ القرآن في رمضان ويهجره سائر العام، وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أمِّ المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ”.

اللهم زدنا يقينًا بك وافتح علينا في فهم كتابك وزِدنا علمًا وفقهًا في الدين، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]

فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن. أمّا بعد:
إخوة الإيمان: يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) المائدة

فمن أراد السلامةَ في الدنيا والنجاة في الآخرة، فليلزم دليلَ السلامةِ والهداية والفلاحِ، فليلزم ما أمر الله به في كتابِه، فليلزم ما أنزل الله سبحانه، قال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل:89)

تبيانٌ لمسائل الكون العظمى التي لا تدركها العقول بمفردها، وتبيانٌ لتوجيهاتٍ خطيرة تتعلق بالقرارات المصيرية لك أيُّها الإنسان لذلك أيضًا فقد أوجب الله تعالى في حقِّ أهل العلم أن يبيِّنوا أحكام الله لعباده

(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)(آل عمران:187)

واليومَ إخوة الإيمان تُعرض علينا مسألتان مُهمّتان وجب تبيين أمر الله تعالى فيها:
أمّا الأولى: فهي مسألة البقاء في مناطق سيطرة النظام.
وقد كنّا بيّنا ذلك سابقا واليوم وبعد قيام أولئك الكفرة المُجرمين بسحب الشباب وسوقهم ليكونوا دروعًا بشرية يضعونهم على خطوط القتال الأولى ليُحاموا عن الكُفر والكافرين، فلأولئك جميعًا ولمن لم يخرج بعد مِن الشباب والرجال مِن تلك المناطق، نقول لهم ما قاله الله سبحانه:
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) …[أولئك الذين ظلموا أنفسهم ببقائهم تحت سُلطة الكفَرَةِ الفجَرة، والحديث عن الشباب والرجال أصحابِ القوّة والقدرة، أولئك الذين يُسحبون للجندية في جيش الكفر والطاغوت، أولئك وكلُّ مقتدرٍ على الخروج من غيرهم، قد ظلموا أنفسهم ببقائهم هناك على ما يعرفون من إمكانية سحبهم للجندية … أولئك هم الظالمون… ولكن في كلّ زمانٍ ومكان هناك أناسٌ ضعفاء، المساكين، كبار السنِّ، العجزة أصحاب عيال ولا يُتوقّع في حقِّهم أن يؤخذوا للقتال لكِبَرِ سنِّهم ولضعف قوَّتهم فأولئك خفّف الله عنهم بقوله سبحانه مُتبعا لما سبق من الآيات الكريمة:] (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) …. [أولئك الذين لا يستطيعون حيلةً، لا يعرفون إلى أين يذهبون ولا عند من ينزلون، فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا، ثمّ تتبع الآيات تَردُّ على من يتمسّك بالبقاء عند الكفرة خوفًا على رزقه]…. (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ) …[ يجد سعةً وأبواب كثيرة للرزق، أما من قتل أو مات وهو يحاول الفِرار من مناطق سلطة الكفار إلى مناطق سيطرة المسلمين ففي حقِّ أولئك تتبع الآيات الكريمة]… (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (100) النساء

هذه هداية الله لنا جوابًا على مثل هذه المسألة، أما المسألة الثانية التي أودّ أن أخبركم بها، فهي
بشارة بقرار اتخذه المخلصون الصادقون استجابة لهداية الله تعالى في قوله سبحانه:
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) آل عمران
أوّل عذاب أولئك المتفرقون المشرذمون عبَدةُ المصالح والجاه أن تسقط هيبتهم وأن تضعف شوكتهم وأن يجعل الله بأسهم بينهم.

وأول البشارة للمؤمنين المُتحِدين المُعتصمين بحبل الله (ألا وهو كتاب الله فهو حبل الله المتين) فأوّل البشارة لهم: فتحٌ ونصرٌ ومهابةٌ، ورعبٌ يجعله الله في قلوب أعدائهم لذلك أحببت أن أبشِّركم بما سمعه البعض منكم من اتحادٍ حصل بين كبرى الفصائل في مدينة حلب تحت مسمّى (الجبهة الشامية) والتي ضمّت حتى الآن (الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين وتجمع فاستقم وحركة نور الدين زنكي وتجمع الأصالة والتنمية)

فنسأل الله لهم أن يُمدَّهم بباقي إخوانهم من باقي الجماعات والتنظيمات والفصائل، فلا يأكل الذئب من الغنم إلّا القاصية وأسأل الله لهم أن يكون اجتماعهم على طاعة الله وعلى نصرة دينه ولتحكيم شريعته.

اللهم سدِّدهُم ووفقهم وأتمّ الأمر عليهم على ما تحبُّ وترضى، واجعلهم سيفًا مُسلّطًا على رقاب الكفّار والمفسدين، أولئك المفسدون الذين بدأ الإخوة بحمد الله حملةً لتطهير الريف الشمالي من أكابر مجرميهم – وقريبا بعون الله يشمل ذلك كل المناطق المحرّرة – لكي لا يكونوا من الهالكين الذين إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.

اللهم اجمع كلمتنا على ما تحبُّ وترضى، اللهمّ ولِّي علينا خيارنا ولا تُسلِّط علينا شِرارنا

إنّي داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *