ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد

خطبة الجمعة

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 5/ رجب/1436هـ
الموافق: 12/نيسان/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 37 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى
1- وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ
2- أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ
3- َهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا
4- كيفَ أَنْعَمُ وقد التقَمَ صاحبُ القَرنِ القَرنَ
5- نفخة الفَزَع … وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
6- نفخة الصَّعق … (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟؟)

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية
7- نفخة البعث والنُّشور …
8- ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)
9- يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ
10- وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3
* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى:
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكُفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله فاستدرج الكُفَّار بمكرِه، وجعل العاقبة للمتقين بفضلهِ، وأظهر دينه على الدين كُلِّهِ.

القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُمانع، والظاهر عليهم فلا يُنازع، والآمرُ بما يشاء والحاكِم بما يريد فلا يُدافع ولا يُراجع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشِّرك بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغُرِّ المحجَّلين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين أمّا بعد عباد الله:
يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)) (إبراهيم: 42-43)

إخوة الإيمان خاطب ربّاني يخاطب الله به عباده بما ينشرح به صدر المظلومين وتضيق لأجله صدور الظالمين قائلا (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) ، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)(4العنكبوت)

هل ظن أولئك الذين ماتوا قبل أن يُحاسَبوا أنَّهم ناجون بإجرامهم؟ أم حسب أولئك الذين تحدَّثنا عنهم ممن تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ بأنَّهم إن فَروا من عذاب الدنيا أنَّهم ناجون من عذاب الآخرة

(فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) …. أين عدل الله تعالى؟ أين عقابه للمجرمين ؟ ..

يأتي الجواب الربَّاني: (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43))(إبراهيم: 42-43)
في ذلك اليوم، يوم الكرب، يوم الشدَّة، يوم الحساب، يخفض أولئك المجرمون رؤوسهم – أولئك الذين لم يكونوا يحنوا جباههم سيخفضونها ويغطونها خوفًا، يرتعدون من عذاب الله، يوم لا يرتد إليهم طرفهم، يوم تهوي أفئدتهم في صدورهم، ذاك اليوم الحق، إِنَّه اليومُ الموعودُ والعهد المصدوق، ذاك الذي جحده المشركون، وكذَّب به الملحدون فقالوا:( إن هي إلا أرحام تدفع وقبور تبلع) [يظنون أن نهايتهم الفناء والدُّثور]

ذاك النبأ العظيم الذي بعث من أجله رسول الله وبُعِثَ من قبله المرسلون يحذِّرون من يوم المعاد والمآل:
(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)) (النبأ: 1-5)
سيعلم الإنس والجن وسائر الخلائق أن هناك يومًا للحساب آتٍ لا محالة يجازي فيه الله الخلائق ويُحاسِبُ المُكلَّفين أولئك الذين قال الله فيهم (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات

أولئك الذين ينشغلون في حياتهم عن سبب خلقهم فيغفلون عن يوم ميعادهم … ذاك اليوم سيعلمون أن وعد الله حق، وأنَّ كلام نبيِّه صدق.

يومُ الفصلِ بين الخصوم، يوم يتمايز النّاس (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)) (القلم :35-36)

أيُعقل أن يكون في عدل الله تعالى من قضّى حياته في أمنٍ وإيمان وفي طاعةٍ وإحسان ، أيعقل أن تكون نهاية هذا كنهاية ذاك المجرم الذي طغى وبغى وعتى وتجبَّر، حاشا لله أن يكون ذلك يوم الحساب والجزاء، يومَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ، يوم يظهر عدل الله المطلق بينًا لخلقه واضحًا جليًّا، إنَّه يومُ القيامةِ، يومُ الخروجِ، يومُ الوعيدِ، الحاقَّةُ، القارِعةُ، الصَّاخَّةُ، الآزِفةُ، السَّاعةُ، يومُ التَّغابُنِ (يوم التفاوت بين الخلائق فخلق في النعيم وخلق للجحيم)

قال تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) [محمد: 18].

جاءت جلُّ علامات الساعة الصغرى ممّا حدَّث عنه نبيُّنا صلى الله عليه وسلم ولم يبق إلا العلامات الكبرى فذلك يوم
(لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(الأنعام:158)
يوم تأتي العلامات الكبرى للساعة لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ، ذاك يوم العدل ويوم الفصل ذاك اليوم الذي بُعث الأنبياء ليحذِّروا منه،
ذلِكَ اليومُ الذي لا يأتي إلَّا بغته، ذلك اليوم الذي اختصَّهُ اللهُ بعِلمهِ، وحجبَ ميعاده حتَّى عن أَحبِّ خلقِه إليهِ: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الأعراف:187)

تلك الساعة التي لم يطلع الله عليها نبيًا مرسل ولا ملكًا مقرَّبًا ولا غيرهم من خلقه:
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)) (النازعات 42-46)

تلك الساعة التي يقولُ فيهاصلى الله عليه وسلم : ” بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْن”، وَيَقْرُنُ بَيْنَ أصْبَعَيْهِ السَّبَابَةِ وَالْوُسْطَى. [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

تلك التي لم ينعم رسول الله لأجلها وهو القائل – روحي فداه- في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وابن حبَّان “كيفَ أَنْعَمُ وقد التقَمَ صاحبُ القَرنِ القَرنَ ، وحَنى جبهَتَهُ وأَصغَى سَمْعَهُ ينتظرُ أن يُؤمَرَ أن يَنفُخَ، فيَنفخُ ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل توكَّلنا على الله ربِّنا”

إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كيف أنعم وقد التقم صحب القرن القرن (أي صاحب البوق) فأين نحن من ذلك ؟ فأين نحن من ذلك، أين نحن مِنَ الإيمان باليوم الآخر وما يستتبعه ذلك من حسن العمل والاستعداد لذلك اليوم الرهيب المخيف الذي أخبرنا عنه ربُّنا في القرآن تفصيلًا، فبيَّن أحواله مذكِّرا، فكذَّب من كذَّب وآمن من آمن، والله تعالى يقول (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق : 45)

من خاف الله تعالى وآمن أن هناك يومًا آخِر موعودٌ به الخلق جميعًا، من آمن بذلك لابدَّ من أن يستعد لذلك اليوم الرهيب الذي حدَّثنا عنه ربُّنا
ذاك اليوم الرهيب الذي يبدأ بنفخة الفزع
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) [النمل: 87]، [داخِرين: أي أذلةً صاغِرين].

يأمر الله إسرافيل بالنفخ وهي النفخة الأولى نفخة الفزع والرعب، تلك التي تُفزِع من بقي حيا في ذلك اليوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة إلا على شرار النَّاس» [أخرجه مسلم]

فتَرْتَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا، أشبه ما تَكُونُ بسَفِينَةٍ مُوبَقَةٍ فِي البحر تضربها الأمواج وتَكفأ بِأَهْلِهَا فذلك
{ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8) أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)} (النازعات:6-9)
يميد الناس على ظهر الأرض، تذهل المراضع، تضع الحوامل، تشيب الْوِلْدَانُ، تَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ الْفَزَعِ حَتَّى تَأْتِيَ أَقْطَارَ السماء، فَتَلْقَاهَا الْمَلَائِكَةُ تَضْرِبُ وُجُوهَهَا فَتَرْجِعُ، يولِّي الناس مدبرين مالهم مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فذلك وصف الله تعالى:
?
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} (الحج: 1-2)

وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شديد … وَلَكِنَّ عَذَابَ الله شديد … يسمعون صيحة الفزع ويرون ارتجاج الأرض وتزلزلها وارتجافها فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ- تَعَالَى- إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ.

يأمر الله إسرافيل بالنفخ فينفخ النفخة الثانية فيصعق من كان حيًا حينها من خلق الله جميعًا إلا ما شاء الله،
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) [الزمر: 68 ]

صعق من في السماوات والأرض، صعق الإنس، صعق الجن، صعقت الملائكة، صعقت الحيوانات وباقي المخلوقات … ماتوا جميعًا… (لم يبق منهم حي)، ثمَّ يأمر الله ملك الموت أن يقبض أرواح من بقي من الملائكة المقربين ( فيقبض روح جبريل وميكائيل وإسرافيل وغيرهم من المقربين…) حتى إذا لم يبق غير الله إلَّا ملك الموت يقول الله له (مت يا ملك الموت ) فيموت ملك الموت، فلا يبقى في الكون إلا خالقه وبارئه ومصوره، فذاك يوم ينادي الملِك

(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟) (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟) (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟) … لا يجيب أحد…
مات الخلق كلهم وعاد الكون كيومه قبل أن يكن فيه أحدٌ إلا الله، فيجيب الملك الجبَّار نفسه:
(لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (غافر:16)

وقد روى مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يَطوِي اللّه – عز وجل- السمواتِ يوم القيامة، ثم يأخُذُهُنَّ بيده اليُمني، ثم يقول: أَنا الملكُ، أَيْن الجبَّاروُن ؟ أينَ المتَكبِّرون؟ ثم يطوِي الأرض بشِماله، ثم يقول: أنا الملكُ، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟». هذه رواية مسلم.

وفي البخاري قَالَ صلى الله عليه وسلم: ” يَقْبِضُ اللهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: (أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟)”
أين الملوك؟ أين الجبابرة؟ أين الأكاسرة ؟ أين القياصرة ؟ أين الدول؟ أين الطغاة ؟ أين البغاة ؟ أين المجرمون؟ أين من أكلوا من خيري وعبدو غيري؟
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ )
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ )
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ … لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
أقول هذا القول وأستغفر الله

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى
إخوة الإيمان: ونحن نتحدَّث عن يوم القيامة، ونحن نتحدَّث عن يوم الحساب ، وقد ذكرنا النفخة الأولى (نفخة الفزع) ومن ثمَّ النفخة الثانية ( نفخة الصعق ) بعد أن عاد الكون كيوم خلقه ربّه ما فيه إلّا الله يلبث الأمر هكذا ما شاء الله له، حتى يأذن الله بالنفخة الثالثة (نفخةِ البعث والنشور) فيحي اللهُ إسرافيل فينفخ الثالثة
قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) [هذه نفخة الصعق]

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)) [الزمر: 68 – 70].

تقوم المخلوقات لربها يقوم البشر مذهولين خائفين متعجبين، يُقال لهم (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114))(المؤمنون:112-114)

[لماذا يقال للميت قامت قيامته؟ لم يقال قامت قيامة فلان؟
الحق أنه لا يشعر بمضي الزمن (عشرات أو مئات أو حتى ملايين السنين) فهو كالنائم المستغرق في نومه لا يشعر إلا أنه لبث يسيرا (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) فيأتي الجواب الربَّاني: (قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فما الدنيا كلها أمام خلد الآخرة إلا قليل يسير ] ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون:115)

إن كان الإنسان العاقل لا يفعل فعلًأ بغير سبب أفيعقل لربِّ الأرباب ومسبِّب الأسباب أن يكون خلق الخلق عبثًا…..

ذلك اليوم هو يوم البعث والنشور، ذاك اليوم الذي يغفل عنه الغافلون، ( فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44))(المعارج:42-44)

ذلك اليوم الذي عليه مدار التهديد والوعيد، ذاك يوم يقول القائل : مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا؟

يخرج الناسُ مِن قبورهم وتعد الحياة فيهم
( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54))
وقال تعالى: ( فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48)) (إبراهيم: 47-48)
تبدّل الأرض غير الأرض وَالسَّمَاوَاتُ !! ما الذي سيتبدل ؟ ماذا سيحصل؟ يقول ربنا سبحانه عن حال الكون حينها: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)) [طه: 105 – 107].

لا تبقى جبال في ذاك اليوم ، يومَ (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)) [القيامة: 7 – 9].
في ذاك اليوم چ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)) [التكوير: 1 – 6]. في ذاك اليوم تطفأ الشمس ويذهب نورها، وتُجمع الشمس والقمر، وتتساقط النجوم

في ذاك اليوم تشقق السماء ببنائها المحكم…
(إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)) الانشقاق
ذاك البناء المحكم (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (الذاريات:47) سيأتي يوم ويتشقق، وستنهار هذه المنظومة الكونية لينتقل الكون إلى عالم جديد.
فالذي خلق الكون وجعل له نظامًا ، الذي خلق العالم الأول ونظمه ، سيذهب به وسيأخذنا لعالمٍ جديد له نظامه الخاص.

ذاك يوم تتطاير الجبال ويقوم الناس من قبورهم (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)) [الحاقة: 14 – 16].
يتغير الكون ويذهل الخلق ويقوم الناس لرب العالمين
(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)) ( ق:42-44)
ذلك يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم قال فيه صلى الله عليه وسلم عائشة – رضي الله عنها – : قالت : سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يُحْشَر الناسُ حفاة عراة غُرْلا»، قالت عائشةُ ، فقلت : الرجالُ والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض ؟ قال : ” الأمرُ أشد من أن يُهِمَّهم ذلك”.
الأمر أشدُّ من ذلك (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) الأمر أكبر وأعظم من ذلك، فإذا بدأَ الحسابُ وجَمَ الناسُ وجثَوا على رُكَبِهم (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية: 28]،
فتراهم وقد خافوا خوفاً شديداً، فلا تَسمعُ هناك رغمَ هذا الجمعِ العظيمِ إلا همساً.

جمعٌ عظيم فيه الإنس مذ خلق الله آدم وفيه الجن وفيه الملائكة وغيرهم من خلق الله ومع ذلك فلا تسمع إلّا همسًا، لشدَّة الخوف الذي تملَّكهم، فلا يَجرؤ أحدٌ على الكلامِ هناك، لا الملوكُ ولا الجبَّارونَ ولا الذين كانوا يأمُرونَ وينهونَ فيُستمَعُ إليهم، ولا الذين كانوا يقولون ويتجاوزون فلا يُقاطَعون ولا يُردُّ عليهم، لا أحد يجرُؤ هنالك على الكلام، بل حتى جبريلُ والملائكةُ الكرام لا يتكلَّمون هناك إلا بإذنٍ من الله.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النبأ: 38]

(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) [طه: 108] و يُخرِجُ اللهُ يَومئذٍ الكُتبَ للناسِ فليسَ أحدٌ من الناسِ إلا ويُؤتى كتابَه، فإن كان مؤمناً فبيمينِهِ يُؤتاهُ، وإن كان غيرَ ذلكَ فبشِمالِه مِن وراءِ ظهرهِ.
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) [الإسراء: 13].

فذاك يوم توضع الموازين وتنشر الدواوين ويؤتى بالكرام الكاتبين شاهدين ذاك يوم يحاسب الإنسان على كل صغيرة وكبيرة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8) ) (الزلزلة:7-8)

والحديث عن الميزان وعن الحساب والجنَّة والنَّار حديثٌ شيِّقٌ طويل نكون معه إن أحيانا الله إلى قابل

إني داعٍ فأمِّنوا
اللهم ارحمنا يوم توضع الموازين وتنشر الدواوين ويؤتى بالكرام الكاتبين شاهدين ، اللهم اجعلنا ممن يأخذون كتابهم باليمين ويقال لهم ادخلوها بسلام آمنين …

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *