سلسلة تغيير العادات (2) – أشباه الرجال والكاسيات العاريات

  • خطبة الجمعة
    خطبة الجمعة
  • خطبة الجمعة 67
    خطبة الجمعة 67

الشيخ: محمد أبو النصر
التاريخ: 15/ شوال/1436هـ
الموافق: 31/ تموز/2015م
في أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 32 دقيقة

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الأولى:
1- يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا
2- جاهليةُ اليوم التي فاقت الجاهليّة الأولى
3- الكاسيات العاريات وأصنافهنَّ في بيئتنا
4- عندما تكون المنقَّبات من الكاسيات العاريات
5- كل شي (عادي)

الأفكار الأساسية الواردة في الخطبة الثانية:
6- أشباه الرجال هم أصل الداء
7- كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فما هي الرعاية ؟
8- قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
9- “العنوهن فإنهن ملعونات”
10- العمومٌ لا يُخصّص إلّا بضوابط

رابط الخطبة على الفيسبوك

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.

الخطبة الأولى
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومِن سيئاتِ أعمالنا، من يهْدِ اللهُ فهو المهتد ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشدًا، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، بعثه اللهُ رحمةً للعالمين شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فبلّغ الرسالة وأدّى الامانة ونصحَ الأمّةَ وكشف الله به الغُمَّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد من آمن بها وعمل بمقتضاها فقد أفلح وفاز فوزًا عظيما، فصلواتُ ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم واقتدى بهم إلى يوم الدين، أمَّا بعدُ عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين:

(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28))( الأعراف: 27-28)

إخوة الإيمان والعقيدة في لقائنا الثاني معكم مِن سلسلة التغيير والبناء، نريد أن نتحدَّث اليوم عن مُشكِلةٍ خطيرة، عن بابٍ من أعرضِ أبوابِ الفسادِ والإفساد، بدأ به الشيطان من زمن آدم (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا) تلك المُعضلة التي انتشرت في بلادنا زمن حكم الجاهلية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) تلك المُشكلة هي مشكلةُ العُريِّ والتعرِّي، مشكلة نزعِ الحُجبِ وهتكِ الأستار، مشكلةُ قِلَّة الحياء وتعوُّدِ الفجور، مشكلة تبرُّجِ الجاهلية، الذي حذَّر الله منه نساء النبيِّ وهنَّ أطهر المسلمات قلبًا، وأمَّهات المسلمين جميعًا ومع ذلك فقد قال الله لهنَّ: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب:33)

تلك الجاهلية الأولى التي كانت فيها النساء ترتدي ثوبًا فضفاضا طويلا أشبه بثوب الرجال في زماننا ولكنها كانت تكشف وجهها ونحرها وأعلى صدرها وتغطي رأسها ولكن تخرج شعرها من أطراف ذلك ومن خلفه، تلك الجاهلية التي عُيِّرت فيها امرأتٌ حرَّة اضطرت للهروب في معركة فكشفت شيئا عن ساقيها لتركض وتهرب فعُيِّرت بكشف ساقيها حتى ماتت كمدًا …

أين جاهلية ما قبل الإسلام من تلك الجاهليَّة التي كانت في مدننا قبل هذا الجهاد المبارك بصورةٍ لم يعرفها أهل الجاهلية الأولى، فكانت مُدننا تعجُّ بالنساء السافرات المتبرِّجات، حاسرات الرأس مظهرات الجسد، عارضات اللحم في سوق النخاسة، ومنهنَّ من كانت تدَّعي الإيمان والتقى تصوم وتصلِّي ولكنَّها تسمع قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب : 59)

غفورًا عمَّا مضى وسلَف، فأين نحن الآن؟ أين نحن وقد أعزَّنا الله بالجهاد وأكرمنا بالتحرُّر ؟

ما موقفنا من هذا وقد أكرمنا الله بانطلاق مركب التغيير؟ وبانطلاق سفينة النجاة التي تبحر بنا من ظلمات الجاهلية إلى أن ترسو بنا على شواطئ النجاة – إن شاء الله-.

إن نظرنا في حالنا إخوة الإسلام لعلمنا بأنَّنا رغم ما نزَّه الله به مناطقنا المحرَّرة إذ طهرها من مظاهر السفور والتعرِّي ولكنّنا مازلنا نعاني مُشكلةً خطيرة في هذا حدَّثنا عنها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – – فيما رواه الإمام مسلم عنه- إذ قال روحي فداه: (( صِنْفَانِ مِنْ أهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكذَا )). وفي رواية (وريحُها يوجد من مسيرة خمسمائة عام)

أمَّا الصنف الأول فسنتحدَّث عنه في لقائنا القادم لكي لا نطيل عليكم اليوم، ولكنَّ الصنف الثاني هو محور حديثنا وموضوع لقائنا الكَاسِيَاتٌ العَارِيَاتٌ المُمِيلاَتٌ المَائِلاَتٌ، هذه المُشكلة التي لم نثُر عليها كما يجِب ولم تتغيَّر بعدُ في مجتمعنا، إذ مازلنا نرى النساء اللواتي يكتسين ثيابًا هي في حقيقتها ضربٌ من ضروب العُري وبابٌ من أبواب الفتنة، يرتدين الملابس الضيِّقة التي تظهر تقاطيع الجسد ومفاتنه، يرتدين العباءات الصفيقة الرقيقة الشفافة المُخصْوَرَة والمُطرَّزة بما يَبرُق ويلمع ليلفت النظر إليها فإذا نظر الناس إليها كانت العباءة رقيقة شفَّافة تشفُّ حتى الملابِس الداخلية… هذا في مجتمعنا … هذا فيما بيننا …

نجد كاسيات عاريات، بعضهنَّ ترتدي النقاب وتنزله حتى تخرج عينيها وما حولها وقد صبغتهما بمختلف أنواع الكُحلِ والأصبغة والألوان لتفتن الشباب والرجال.

مازلنا نرى في مجتمعنا كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ يرتدين البناطيل ويتشبَّهن بالرجال وفي البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بالنِّسَاءِ، والمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بالرِّجَالِ .

وروى أبو داود [بسند صحيح] عن أَبي هريرة – رضي الله عنه – قَالَ : لَعَنَ رسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ المَرْأَةِ، والمَرْأَةَ تَلْبِسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ.

فكيف وقد غدا البنطال في زماننا – والحديث عن النساء – ضيقا إلى درجة تشبه العري التام..

كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ يرتدين الحجاب فإذا وصلنا لعرسٍ أو لاجتماعٍ للنساء لمناسبة، ترى بعضهنَّ يخلعن الحجاب فيخرجن بين النساء وقد ارتدين تحته ما هو دون ستر العورة يرتدين الثياب القصيرة، يبدين أفخاذهنَّ بين النساء لا يعلمن أنَّ عورة المرأة على المرأة ما بين السرَّة والركبة كما عورة الرجل على الرجل وفي الحديث الحسن الذي رواه الترمذي وأبو داود أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ –رضي الله عنها – فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ نِسَاؤُكُنَّ الحَمَّامَاتِ؟ [أي حمَّامات السوق التي كانت منتشرة فيما مضى] سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: «مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا»

فقد نهى رسول الله عن دخول الحمَّامات الجماعية ثمَّ رخَّص به للرجال فقط بشر ارتداء الإزار ما بين السرَّة والركبة … اسمع يا من تجتمعون في المسابح للسباحة وبعضكم يظنُّ أنَّ الرجل غير مخاطبٍ بهذا …

فما بالنا وكثيرٌ من نساء بلدنا يذهبن الأعراس فيخلعن الحجب ويكشفن العورات وكلُّ هذا ونحن في زمانٍ انتشرت فيه الكاميرات والجوالات وما جرَّه ذلك من بلاء على المسلمين ومع ذلك كثيرٌ منَّا لا يتعظ ولا يرتدع..

كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، مائلاتٌ عن الحقِّ والهدى والحِشمة والأدب والتهذيب، مميلاتٌ لقلوب الرجال والشباب، داعياتٌ للحرام فاتِناتٌ في الدين، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، وكم من بنات بلدتنا تضع الحجاب لتغطي رأسها فترفع شعرها من تحته كأنه سنام الجمل لتري الناس طول شعرها أو لتغشَّهم بما حشت به رأسها
كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وإنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خمسمئة عام…

كيف لا وهنَّ يحملن أوزارهنَّ ومِثل أوزار من فتَنَّ ومن أضلَلنَ من الرجال والشباب فكم من بيتٍ خُرِب؟ وكم من أسرةٍ تفكَّكت؟ وكم مِن رجُلٍ لم تعد تعجبه زوجته ؟ وكم من بلاءٍ حل وكم مِن مصيبةٍ أتت مردُّها ما حذَّر رسول الله منه إذ قال: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ، مِنَ النِّسَاءِ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ…… ثمَّ بعد هذا نرى البعض يتساهل في هذا الموضوع ولا يشعُر بأهمِّيته (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)، بل ولعلَّ بعض الحاضرين يقول الآن ما بال الشيخ عدل عن مواضيع الثورة والجهاد ليحدِّثنا عن هذا … نقول لكم جميعًا إخوة الإيمان إنَّ الله تعالى قال في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

فوالله إن لم نتخلص من عادات الجاهلية، وإن لم نُسقط مفاهيمها التي انتشرت في مجتمعنا حتى غدت عادةً من العادات – والعياذُ بالله –
تنصح الرجل أو المرأة وتنهاه عن منكرٍ اعتاده فيُجيبك (عادي) … تقول له لا يصح أن تسبح بما يكشف فخذيك … يقول: (عادي) … تنصح الصالحة أخواتها في العرس وقد أتين بتنُّورةٍ لا تطول شِبرا … فيقولون لها: (عادي) …

أصبح الفجور وقلَّة الأدب وقلَّة الحياء ضربً من ضروب العادات في مجتمعنا !!! حتى رأيناه دخل بيوت المتديِّنين المُلتزمين

والله إخوة الإيمان إن ما نتحدَّث عنه اليوم لهو شرطٌ من شروط النصر (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ بالتخلُّص عن عادات الجاهلية يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ أمام أهل الكفر والطغيان

… اللهم اجعلنا من المنصورين ولا تكتبنا في المُستبدلين أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المُستغفرين
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفا وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن.

أمَّا بعدُ إخوة الإيمان:
ونحن نتحدَّث عن مشكلةٍ ابتلي بها مجتمعنا ابتليت بها البنات والزوجات والأخوات والأمَّهات، عندما نتحدَّث عن هذا بين الحضور الكرام من الرجال فما ذاك إلّا لأنَّنا نعلم أنَّ الناس على دين ملوكهم، وغالبا ما تكون النساء على دين رجالها فالمرأة لا تخلوا أن تكون بنتا أو زوجتًا أو أختا …

فأين الأب وأين الزوج وأين الأخ، أين أشباه الرجال الذين لا يأمرون أهلهم بمعروفٍ ولا ينهون عن منكر … أشباه الرجال الذين وصفهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بوصف (أشباه الرجال) فقد روى أحمد في مسنده وابن حِبَّان في صحيحه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو – رضي الله عنه – يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: “سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ، نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُؤوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدِمْنَكُمْ نِسَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ”

فلنسمع ولنعي هذا الحديث الخطير الذي يخبر عنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من ذاك الزمان عن رجال يركبون المراكيب الفخمة – يتفاخرون بالسيارات والسلاح – ينزلون على أبواب المساجِد يُصلُّون بل وقد يجاهدون أيضًا … ينعتهم النبي بأشباه الرجال …

لِمَ يا رسول الله ؟؟ لِمَ تصفُهم بأشباه الرجال ؟؟

يأتي الجواب: نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُؤوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ.

لذلك كان أولئك أشباه رجال يرى أحدهم نساءَه ومن له القَوامة عليهم على غير هدى، يخرجن فيما وصفنا من حال الكاسيات العاريات من ذوات البناطيل والعباءات الشفَّفات فلا ينهى ولا يزجُر ولا يُغيِّرُ ذلك فلو شاء لحزم أمره، وستر أهله، وحفِظ عرضه، ولكنَّ ذلك ليس في إطار اهتماماته، قد ينشغل ويهتم ببيعة أو تجرةٍ، قد يقيم مشكِلةً في البيت إذا أضاع له الأولاد شيئا أو إذا كُسر غرضٌ من الأغراض، أمَّا أن يرى من له عليهنَّ القوامة كاسياتٍ عاريات فهذا ليس في إطار اهتماماته، يسمع هذا الكلام فلا يُبلِّغُ أهل بيته ولا يُرشد ولا ينصح … فكيف ستتعلم النساء إذن؟؟

إذا كان أحدنا يأتي المسجد فلا يُبلِّغ من وراءه فكيف ستتعلم النساء؟؟ من أين سيسمعن؟ من أين سيتعلَّمن ؟ أنسينا أنَّ الله تعالى قال لنا: ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (النساء :34)

أنسينا أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنا – والحديثُ في مُسلِم – : “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”.

يموت وهو غاشٌّ لرعيته … هذه الرعية التي استُرعيت عليها: الزوجةُ والأولاد وكم لك عليهم يدٌ وقوامة … تموت وأنت غاشٌّ لهم، لا تنصحهم ولا تأمرهم بمعروفٍ ولا تنهاهم عن المُنكر … من مات على هذا إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ

أليس من رأى من تلبس هذه الألبسة المحرمة من زوجاته وبناته وأخواته، ثم لا ينكر عليهن، ولا ينصحهُن: قد غش رعيته وخان أمانته.

أين هو مما استرعاه الله عليه ؟ ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ” كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها…. ” [متفق عليه].

ستُسأل عن رعيَّتِك، إذ ليست الرعاية فقط أن تأتي بالطعامِ والشراب، أن تأتي بالأكل والشرب، أين رعاية التربية، أين رعاية التهذيب، أين رعاية التأديب، أين نحن من أمانتنا ومن رعايتها؟

إلى أين وصلنا وقد غدت الأمَّهات المُتستِّرات لا يتنبهن لحجاب بناتهن، بل ويتغافلن عنه قصدا بحجَّة البحث عن عريس تعرِض ابنتها في الشوارع ..

إلى أين وصلنا ونحن نسمع من يشتكي من إيذاء فلانٍ لبناته دون أن ينظرَ في حالهن وليته سمِع وعلَّم بناته قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:59)

عندما تلتزم النساء بالحجاب الشرعي الصحيح لا تُعرفُ واحِدةٌ مِن واحدة، لا تُعرَفُ صبيّةٌ من عجوز، لا تُعرَفُ كبيرة من صغيرة، لا تعرف قبيحةٌ من جميلة، فلا تتعرض النساء للأذى بمعاكسات الفُسَّاقِ والأراذِل.

أمَّا وقد خرجت ابنته كاشفتًا وجهها صبَّغته بالألوان قد ارتدت عباءةً شفَّافةً رقيقة، ثمَ يشتكي من مضايقات بعض الشباب لها… فهذا وأمثاله لابدَّ من أن نقول له انظر في حال ابنتك قبل أن تشتكي من أولادِ النّاس !!

هذِّبوا بناتكم وانظروا في حال رعيَّتكم

إلى أين وصلنا ونحن نرى بعض الجهلة يرى بناته الشابّات – الصبايا – في البيت وقد خرجن كاشفات العورات يرتدين الملابس الضيِّق والقصيرة أمام إخوانهن الشباب فلا تنبههنَّ الأم ولا يزجر الأبُ ولا ينهى …

ثمَّ نسمعُ – والعياذُ بالله – من القصص ما يشيب لهولها الولدان …

أما علِم ذلك الأب وتِلك الأمُّ بأنّهما سيقفان أما الجبَّار ويُسألان: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) [الصافات: 24].

ستقفُ وتُسأل عمّن لك عليه يدٌ ورِعاية وقوامة، ستُسأل عن الأمانة التي حُمِّلتها، وعن الرعية التي استُرعيت عليها

فمن أعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، فما أدق الحساب، وما أشد العقاب، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم، يومَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

فيا من لا تطيق هذا الحر هلا أنقذت نفسك وأهل بيتك (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم:6)

هلا أنقذت نفسك وأهل بيتك من نارٍ؛ نار الدنيا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا منها…

أنقذ نفسك ولا يكن أهل بيتك من الملعونين.. وهنا لابدّ أن أنبِّه عند قوله – صلى الله عليه وسلم – : “العنوهن فإنهن ملعونات” مبيِّنًا قاعدة أصولية في غاية الدقة ألا وهي الفرق بين الحكم على الإطلاق، والحكم على التعيين.

فما يكون حُكمًا على العموم لا يُخصَّص على آحاد النَّاس إلّا بتحقُّقِ الشروطِ وانتفاءِ الموانع، فنقول على العموم: الكاسيات العاريات ملعوناتٌ على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن لا ينبغي أن تأتي لامرأة متبرجة بعينها وتقول: أنت ملعونة . لا . لا يجوز ذلك، بل يجب أن تبين لها الحق بالحكمة والرحمة والأدب والتواضع، فتعلٍّمها وتعظها وتقيم عليها الحجة فقد تظُنُّ نفسها على خيرٍ وهدى.

لم يُعلِّموها في المدارِس ! ولم تعلِّمها أمُها ! ولم يؤدِّبها أبوها ! ثمَّ غدت في بيت زوجها، فإذا بزوجها يسمع الكلام فلا يُعلِّمُ زوجته وأهل بيته !!
فمن أين ستتعلم المسكينة؟ كيف ستتعلم البنات والزوجات؟؟

اللهم اجعلنا صالحين مصلحين هادين مهديين، راضين مرضيين، غير ضالِّين ولا مُضلِّين.

اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا واحفظنا وأهلنا وذرارينا بخير ما تحفظ به عبادك الصالحين.

إني داعٍ فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 4.78 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *