النذالة مع الثورة والثوار … وموروثنا الثقافي

التوعية التوعية - النذالة مع الثورة والثوار

بقلم: محمد وائل الحنبلي

📌من الصِّعاب على امرئٍ أنْ يكونَ عندَه مخبوءُ كلامٍ لا يُبوح به، ليس لخوفٍ ونحوِه فقط، بل قد يكون لعدم وجودِ مهتمٍّ به ومستفيدٍ منه، أو لخلوِّ مَن يَعرف عِظمَ قدرِه ومكانتِه.

📌أفادني شيخنا العلامةُ القاضي المعمَّر (محمَّد مرشد عابدين ت1428) رحمه الله تعالى أشياءَ كثيرةً عن تاريخ سوريةَ المعاصر.
بعضُه مدهشٌ عجيبٌ، وبعضُه غريبٌ يكاد لا يُصدَّق ‼️

فمِن ذلك:

📌فترةُ الاحتلالِ الفرنسيّ 🇫🇷 لسورية، وماذا جرى فيها مِن الآلام والمحن.

📌حدَّثني رحمه الله كيف كان حالُ المتبلِّدينَ مِن التجار والعلماء والعامَّة، وكيف كانوا لا يُبالون بالبلدِ وحالها، ولا بالمعاركِ التي كانت تدور فيها …
أجل لا تتعجَّب ! الأمر كان كذلك !

📌بل الأدهى والأمر: أنَّ بعضَ الناس في دمشقَ وغيرِها كانوا يُدخلون أولادَهم في الجيش الفرنسي، يُقاتلون مع أعداءِ بلدهم صفًّا إلى صف، ويساعدونه بأعماله جنبًا إلى جنب !

📌وبعضُهم أيضًا كان ينتسب للدراسة في الكليَّة الحربيَّة الفرنسيَّة، بل يتباهون بذلك، ويتبجَّحون به ويَعدُّونه فخارًا.

📌حدَّثني عن ثوار الغوطةِ ومجاهديها، الذين نذروا أنفسَهم لله تعالى، وعاهدوا ربَّهم على الجهاد لإخراج ذاك الاحتلالِ الأثيم، وكيف كانوا في حاجةٍ وعالةٍ وفاقةٍ شديدة.
ليس ذلك فحسب، بل كانوا يعيشون في ذُلٍّ وصَغار.

📌هنا تعجبتُ وسُقط في يدي ولم أتمالك نفسي عندَ شيخنا رحمه الله، وقلتُ له وبصوتٍ مرتفع: الثَّوارُ كانوا في دمشقَ أذلَّةً صاغرين، ونحن نتغنَّى الآنَ بهم، ويَفتخِر أحدُنا إذا كان جدُّه أو قريبُه واحدٌ منهم ❗️
فقال لي بعدَ تفكُّرٍ ونفسٍ عميق: (يا ابني انتو ما بتعرفو شي).
فقلت له: وكيف يكون هذا يا سيدي؟
قال يا بُني: بعدَ تحريرِ سوريةَ وخروجِ المستعمِر منها، نعم الناسُ كلُّهم افتخروا بثوار الغوطةَ ومجاهدِيها، والناسُ جلُّهم صاروا يَذكرون قِصصَهم وكأنهم منهم ❗️
وحدَّثني عن بعضِ دعاةِ العلم الذين وقفوا مع الفرنسيين، وليس لهم موقِفٌ مشرِّفٌ إلا مع المحتلِّ المستعمِر.

⚠️كم نحن نعيش في فسادٍ عجيب⁉️ ليس فسادَ أخلاقٍ وودينٍ فحسب، بل فسادَ فكرٍ وعلمٍ وثقافة …

⛔️قف معي أخي القارئ، وتخيَّل احتلالًا فرنسيًّا أثيمًا يحكم البلد، وبعضُ أهلِ البلد يَدرسون عندَه، ويَعملون تحتَ رايته، بل منهم مَن يندرِج في صفِّ عسكرته.

📌كان ثوارُ الغوطة في ذلك الزَّمن لشدِّة حاجتِهم وجوعِهم وقلَّةِ عتادِهم، يَضطرون ـ غيرَ معتادِين ـ إلى أخذ ما يَقتاتون به، أو يَخطفون أولادَ بعضِ التُّجار والوجهاء والعلماء المتخاذِلين، ويطلبوا منهم الفديةَ حتى يأكلوا ويشتروا سلاحًا كي يُحرِّروا به البلد، وقد حصل هذا مع شيخنا نفسِه رحمه الله.
خُطف شيخنا عندما كان صغيرًا من بعض الثوار، ولكن عندَما علِم المجاهدون أنَّ الطفلَ المخطوفَ هو ابنُ المفتي (أبي الخير عابدين ت1343هـ)، وشقيقَ المخطوف هو المفتي (أبي اليسر ت1401هـ) خجِلوا مِن أنفسِهم، وأعادوه إلى بيته؛ لأنَّ والدَ الطِّفل وأخاه كانا يُقدِّمانِ يدَ العون للثوارِ بكلِّ ما يَستطيعونه، مالًا، عتادًا، طعامًا، وتوجيهًا.
وبعدَ أنْ رجع الطِّفلُ لبيت أبيه، جاء الأبَ زائرٌ ينتسِب للعلم، وبدأ يَهذي أمامَه، مُتكلِّمًا على ثوارِ الغوطة ومُسيئًا لهم، فغضب الشيخُ غضبةً لله تعالى وقال له: (سكوت وسد نيعك، قبل ما تتكلم عليهم اسأل نفسَك ماذا قدَّمت لهم).

📌حدَّثني شيخنا رحمه الله عن أخيه الطبيب المفتي (أبي اليسر) كيف كان يَستخدم منزلَتَه العلميةَ والاجتماعيةَ لدعم ثوار الغوطة، وكيف كان يتزيى بزيِّ النساء أحيانًا حتى يدخل متخفيًّا للغوطة، ويُدرِّسَ المجاهدين.

📌هل البلدُ للثوار والمجاهدين فقط⁉️ وهم وحدَهم يجب عليهم أنْ يَبذلوا لها، ويُقدِّموا أروحَهم لأجلها، وما تبقى من أفراد المجتمع منشغلون بحِلَقِهم ومساجدِهم ودنياهم !

📌كان الشيخ (أبو اليسر عابدين) رحمه الله يغضب على بعض المشايخ ويقول لهم: البلد في حربٍ وجهادٍ وأنتم في الموالد والختمات؟!
فيتعلَّلون ويقولون: نفعل هذا على نيَّة أنْ يرفعَ الله البلاء عن البلاد !

📌فيقول لهم: هذا عملُ النساءِ والمقعدين والعجائز، أعطوني ما تُنفقونه في هذه المجالس لنشتريَ سلاحًا وطعامًا للثوار في الغوطة، ولكنْ ـ مع الأسف ـ قلَّ المجيب !

📌عندي كلامٌ كثير أنشره فيما بعد، فشِدَّة الألم أحيانًا تُلجِمك عن الكلام !
🌱🌿🌱🌿🌱

* العنوان من إضافتنا … والقصة وإن لم أتأكد من تفاصيلها الجزئية ولكنها بعمومها صحيحة سمعنا مثلها كثيرا من مشايخنا وآبائنا … 🖊 أبو النصر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *