مجدد كل قرن – إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها

التوعية النوعية - يجدد لها دينها

مجدد كل قرن
إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل سنة من يجدد لها دينها

من موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد بتصرُّف يسير.

(إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، هل صحَّ هذا الحديث؟ وما هو معناه ؟ وهل المُجَدِّد واحدٌ في كلِّ قرن؟
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أمَّا بعد:
فهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة، يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ) رواه أبو داود (رقم/4291) وصححه السخاوي في “المقاصد الحسنة” (149)، والألباني في “السلسلة الصحيحة” (رقم/599)

والواجب على المسلم أن يؤمن بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، ويُسلِّم بها، ولا يتردَّد بما جاء فيها، فذلك من مقتضيات الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [النساء:59]. قال مجاهد وغير واحد من السلف: ” ( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) أي : إلى كتاب الله وسنة رسوله ” [مِن تفسير القرآن العظيم (2/345)]

وقد فسَّر أهلُ العلم هذا الحديث التفسير الصحيح، فقالوا:
إنَّ كلمة ( مَن ) ههنا اسم موصول تفيد الإطلاق، فيحتمل أن يكون المجدِّدُ فردًا، ويحتمل أن يكون طائفةً من الناس، وبناء عليه فلا يلزم تتبُّع أسماء أفرادٍ مِنَ العلماء في كلِّ قرن والمفاضلةُ بينهم لتمييز المجدِّد فيهم، فقد يكون كلُّهم ساهم في تجديد هذا الدين وبعثه في الأمة.

يقول الحافظ الذهبي – رحمه الله – :
” الذي أعتقده من الحديث أن لفظ (مَن يُجَدِّدُ) للجمع لا للمفرد ” انتهى من ” تاريخ الإسلام ” (23/180)

ويقول ابن كثير رحمه الله :
” قال طائفة من العلماء : الصحيح أن الحديث يشمل كل فرد من آحاد العلماء من هذه الأعصار ممَّن يقوم بفرض الكفاية في أداء العلم عمَّن أدرك من السلف إلى من يُدرِكه من الخلف، كما جاء في الحديث من طرق مرسلةٍ وغير مرسلة (( يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عُدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين )) وهذا موجودٌ ولله الحمد والمِنَّة إلى زماننا هذا ونحن في القرن الثامن ” انتهى من “البداية والنهاية” (6/256)

وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – :
” لا يلزم أن يكون في رأس كل مائة سنة واحد فقط، بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة ( يعني قد تكون جماعة ) وهو متجه، فإنَّ اجتماع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوع من أنواع الخير، ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخص واحد، إلا أن يُدَّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنَّه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثم أَطلَقَ أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه، وأما من جاء بعده فالشافعي – وإن كان متصفا بالصفات الجميلة – إلا أنه لم يكن القائم بأمر الجهاد والحكم بالعدل، فعلى هذا كلّ من كان متصفا بشيء من ذلك عند رأس المائة هو المراد، سواء تعدَّد أم لا” انتهى من “فتح الباري” (13/295)

وفي شرح هذا الحديث قالت اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية:
” معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( يجدد لها دينها ) أنه كلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينًا – بعث إليهم علماء أو عالمًا بصيرًا بالإسلام، وداعيةً رشيدًا، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذرهم محدثات الأمور، ويردّهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فسُمِّيَ ذلك: تجديدًا بالنسبة للأمة، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله، فإنَّ التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبيِّنة له، قال تعالى: ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ” انتهى. ” فتاوى اللجنة الدائمة ” (2/247-248)

وختامًا لابدَّ أن نعلم بأنَّه لا يلزم لانطباق وصف التجديد على شخص معين أن ينتصر الإسلام في زمانه، وأن تكون الدائرة للدولة الإسلامية، فقد يكون المجدد في مجال العلم وليس في مجال القيادة والسياسة، بل قد يكون التجديد في جوانب دعوية أو تربوية ونحو ذلك، فهذا هو مفهوم إطلاق قوله صلى الله عليه وسلم : ( يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )

وبهذا الفهم لا يبقى – في ظنِّنا – إشكال لدى السائل في فهم الحديث. والله أعلم.

0%

تقييم المستخدمون: 3.57 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *