مسؤولية الجند عن قرارات قياداتهم رسالة لأهل حوران وأخرى لأهل حلب

  • خطبة الجمعة 102
    خطبة الجمعة 102
  • خطبة الجمعة 102
    خطبة الجمعة 102
  • خطبة الجمعة 102
    خطبة الجمعة 102

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر

مسؤولية الجند عن قرارات قياداتهم
رسالة لأهل حوران وأخرى لأهل حلب

التاريخ: 10/ شوال/1437هـ
الموافق: 15/ تموز/2016م
من أحد مساجد حلب المحررة
المدة: 24 دقيقة

🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- قالجنود ألا يتحملون تبعات قرارات القيادة التي أعانُوها وارتضُوها وعلى الأقل سكتوا عليها؟؟
2- رسالة لأهل حوران ولفصائل الجنوب.
3- (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).
4- إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ … لم يُبرِّء الله الجند.
5- تحرَّكوا قبل فوات الأوان.

🔴 الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
6- رسالة لأهل حلب: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
7- ما تخافونه في حلب يعيشه أهلكم في الغوطة منذ سنين طويلة فعلام الجذع.
8- الأشْعَرِيِّينَ وكيفية تعاملهم مع الأزمات الاقتصادية.

لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

* ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى
الحمد لله مُعِزِّ الإسلام بنصره، ومذلِّ الكفرِ بقهره ومصرِّف الأمور بأمره، ومُديم النِّعمِ بشكره. الذي قدَّر الأيام دُولًا بعدله، فاستدرج الكفار بمكرِه وجعل العاقبة للمتقين بفضله، وأظهر دينه على الدين كُلِّه… القاهرُ فوق عبادهِ فلا يُدافع، والظاهر عليهم فلا يُمانَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجع ولا يُنازع، أحمَدُه جلَّت قدرته وعزّ سلطانه وأعوذ به مما أحاط به علمه وأحصاه كتابه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، شهادة من طهَّر بالتوحيد قلبه، وأرضى بها ربَّه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله رافِعُ الشكِّ وداحِضُ الشرك، بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّةَ وكشف الله به الغُمّة، وأقام في الناس كلمة التوحيد، مَن آمن بها وعمل بمُقتضاها فقد أفلح وفاز فوزاً عظيماً، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابِه الغُرِّ المحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم وتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد عباد الله، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)

في كلِّ زمان ومكان يشتدُّ فيهما الخطب على أهل الإيمان، عندما يُقَصِّرُ المُقصِّرون ويتخاذل المتخاذِلون، عندما يُجرمُ المجرمون ويُفسدُ العملاء والمنافقون، في مثل هذه الأحوال يحاول البعض أن يُبرِّأ نفسه، يحاول البعض أن يتنصَّلوا من المسؤوليةِ بإلقاء اللوم على الآخرين، فيلقي متنصِّلهم اللوم على قائده الذي ارتضاه مُسيِّرًا له، فيبرِّرُ لنفسه محاولًا أن يُسكِّنَ ضميره، مُلقيًا باللائمة على القيادات وما شابهها، والسؤال الذي يطرح نفسه هُنا: ألا يتحمَّل الجُند المسؤوليَّة؟ ألا يتحملون تبعات قرارات القيادة التي أعانُوها وارتضُوها وعلى الأقل سكتوا عليها؟؟

سجال وجدلٌ طُرح منذ بداية الثورة السورية، من يوم ترك أناسٌ جيش الفجرةِ الكفرة وتحيَّزوا للمسلمين، وبقي غيرُهم مع أولئك الظلمة الكفرة الفجرة بحُجَجٍ ودعاوى شتَّى، سجالٌ يُطرح اليوم ونحن نرى بعض فصائل الجنوب قد ارتضى بعض قاداتها أن يبيعوا دينهم بعرَضٍ من الدنيا قليل، فجمَّدوا جبهاتِ درعا، وحموا النظام في دمشق، وتفرَّجوا على أهلهم المحاصرين في الغوطة وداريَّا يُقصفون ويُقتلون ويجوَّعون، فلم تتحرك نخوتهم ولم تُسمع أصوات بنادقهم، وهاهو اليوم يطرق العدوّ حلب… يطرقها ويستميت مُريدًا حصارها قد أتى بجنوده من مختلف الجبهات التي هدأت، بل التي هُدِّأت بأمرِ من لا يألونكم خبالا، بأمر من يتحكَّمون بأولئك القادَة في الجنوب، ورغم كلِّ هذا فحلبُ صامدة، تجري على مدخلها الملاحم الكبرى، حلب صامدة بعناية الله ومدده، ثمَّ بجهاد رجالٍ علت هممهم حتى غدت كالجبال العوالي تقف للكفرة بالمرصاد، وتقيم الحُجَّة على المتخاذلين القاعدين… تقيم الحُجَّة على من ظنُّوا أن الأمر مسؤوليَّة القادة فقط، ولو كان الأمر كذلك، لو كان الجند لا يتحمَّلون تبعات قرارات القيادة، لو كان الجندُ عبيدًا مأمورون كما يقولون، لما قام الناس بالثورة أصلًا، ومن أتى بهؤلاء القادة، من صدَّرهم ومن سكت عنهم ؟؟ أليسوا هُم الجند وقادة الصفِّ الثاني والثالث، كفاكم تبريرا لأنفسكم …
حديثنا اليومَ – أيها الأحبَّة- عن موضوع مسؤولية الجند، عن موضوع مسؤولية من يبرِّرُ لنفسه ويلوم قياداته فقط، ولا أوضَح عن ذلك مثالاً في القرآن الكريم من قصَّة فرعون وجنده، إذ يصف لنا المولى سبحانه حالهم قائلا: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف:54) [ لو لم يكونوا فاسقين لما تسلَّط عليهم فرعونُ ولما أطاعوا الفاجرين، لو لم يكن الجندُ فاسقين لما سكتوا على عمالة العملاء وخيانة الخائنين، فما كانت نتيجة الجُند والأتباع وما كانت عاقبتَهم، هل أهلك اللهُ فرعونَ وتركهم، هل أهلك الله فرعون وهامان وقياداتِه وبرَّأ جنوده وتجاوز عنهم]

(فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ [فرعون والقادة والجند] (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)) (الزخرف:55-56)

أهلكهم الله جميعًا وجعلهم عبرةً للمعتبرين بمن فيهم ذاك الجندي الذي أجَّر عقله، وأخرسَ ضميره، هكذا كانت عاقبته وهكذا كانت نهايته، وشرُّ الناس من باع دينه بدنيا غيره، وشرُّ الناس من باع جهاده بمنصِب وعمالةِ غيره، خسر الدنيا والآخِرة ذلك هو الخسران المبين…

لعلَّ متفكِّرًا متدبِّرًا يسألُ سؤالًا: ألم ير الجنود انشقاق البحر لموسى؟! ألم يشاهدوا هذه المعجزة العظيمة حيث ضرب موسى البحر (فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء:63) كيف اتبعوا فرعون وأطاعوه؟ كيف لاحقوا موسى ومن معه في البحر؟ والله ما فعلوا ذلك إلا لأنَّهم فاسقون، ما فعلوا ذلك إلا لأنَّهم عظَّموا فرعون في قلوبهم أكثر من تعظيم الله، ما فعلوا ذلك إلّا لأنَّهم ظنُّوا أنَّ فرعون هو من يرزقهم ويطعمهم ويغذوهم، فسلَّموه عقولهم وأسكنوا له ضمائرهم، فما كانت عاقبتهم … (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس :90) جاوزَ الله إلى السلامةِ بالمؤمنين، وأهلَك القومَ المجرمين، اللهم جاوز بأهل الشام إلى برِّ الأمان، وأهلك فرعون الشام وحزبه وجنده وأنصاره يا ربَّ العالمين…

أهلَكَ الله فرعون وأهلَك الجُند معه، وكذلك حالنا اليوم أيها الإخوة، هكذا حالنا أيُّها المجاهدون الصادقون، ها قد بدأت الرايات تتمايز وبدأت الثعابين تمدُّ رؤوسها، وبدأت المشاريعُ المشبوهةُ تُطرحُ جهارًا نهارًا، فانحازوا إلى جمع المؤمنين، انحازوا إلى المجاهدين الصابرين، أمَّا أن تطمعوا بعرض الدنيا ثمَّ تبرِّروا لأنفسكم بأنَّ هذا جهاد وهذا جهاد، فأقول لكم: إنَّ التحيز مع المؤمنين جهاد وصبرٌ في سبيل الله، أمَّا التحيُّز للفسقة فاسم جهادٍ في الظاهر وتعطيلٌ للجهاد ونفاقٌ في الباطن، كن مع الصابرين ولا تكن مع الخاطئين، (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص:8)

لم يبرِّر الله للجند مع أنَّهم كانوا عبيدًا مملوكين لفرعون يأمرهم فيطيعون، لم يُبرِّئ الله الجند بل أهلكهم (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) (الدخان :24)

خسف الله بالجنود لأنَّهم شركاء في الجريمة، خسف الله بالجنود: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)) (القصص:40-42)

ألا لعنة الله تترى إلى يوم الدين على كلِّ من باع دينه وشرفه وناموسه بعرَضٍ من الدنيا قليل، ألا لعنة الله تترى إلى يوم الدين على كلِّ من فرَّق جمع المجاهدين وكان عونًا للكفار على المؤمنين، ألا لعنة الله تترى إلى يوم الدين على كلِّ من ساوم على جهاد المجاهدين فتسلَّط عليهم وأضرَّ بهم وعطَّل جهادهم، ألا لعنة الله تترى إلى يوم الدين على كلِّ من زاود على جهاد إخوانه وغمز ولمز بهم، ألا لعنة الله تترى إلى يوم الدين على كلِّ من خذل أهل داريَّا وحلب لأجل طمعٍ يطمعه في الدنيا (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (القصص:42)

رسالةٌ أوجهها لكلِّ مجاهدٍ شريفٍ في حوران وفي ريف حماة وفي ريف دمشق وفي حلب وغيرها، أقول لهم إنَّ نسبة التقصير للقيادات لا تعني براءتكم، فسكوتكم أيها الجند عليهم، وانتفاعكم بما ينفقونه عليكم، يعني رضاكم بصنيعِهم، يعني تأييدَكُم لفعالِهم، فأنتم معهم ومنهم… فلا يُعقل أن تقاتلوا أعتى دول الأرض، تريدون خلع بشار ومن وراءه من الدول ثمَّ تعجزون عن التخلُّص من بعض من سلَّطتموهم على رقابكم؟ (هذا محالٌ في القياسِ عجيبُ)

[تحرَّكوا قبل فوات الأوان] رسالةٌ نطلقها لكلِّ حُرٍ شريف في حوران وفي ريف حماة، تحرَّكوا قبل فوات الأوان رسالةٌ نطلقها لكلِّ قاعدٍ متفرِّج، تحرَّكوا قبل أن يستبدلكم الله، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد:38)، تحرَّكوا لكي لا تكونوا ممَّن يُكثِّر سواد القاعدين، تحرَّكوا لكي لا تكونوا ممَّن يُكثِّر سواد المُفسدين، ممن توفَّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، ففي البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء:97).

إن لم تُغيِّر حيث أنت فتحيِّز للمؤمنين… إن كان فصيلك ممَّن يقصِّر ويساوم ويزاود فاتركه وتحيَّز للمؤمنين …

اللهم اكشف الغُمَّة عن هذه الأمَّة واجمع كلمتهم على الكتاب والسنَّة يا ذا الفضلِ والمِنَّة، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى عباد الله، خير الوصايا وصيّة رب البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا عباد الله أنَّ الله تعالى يقول وهو أحكم القائلين: (ولَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)) (البقرة:155-157)

رسالةٌ نُرسِلُها إلى أهلنا في حلب الإباء، نقول لهم: والله إن ما يبذله إخوانكم المجاهدون من فصائل حلب كُلِّها – ولا أستثني منها أحدا – لهو بطولةٌ ما بعدها بطولة، وتضحيةٌ ما بعدها تضحية، ولقد سمعتم ورأيتم جميعًا ما قدَّمه المؤمنون من إخوانهم شهداء في الأيام القليلة الماضية؛ عشرات الشباب أقدموا على الله تعالى مقبلين غير مدبرين، يزودون عن أعراض المسلمين في حلب، يبذلون الجُهد والوَسع، يبذلون النفس والنفيس، الغالي والرخيص، زودًا عن أعراض المسلمين في حلب، يُقدِمون على الله ولا ينظرون وراءهم، وحقٌّ على الله أن لا تضيع هذه الدماء الطاهرةُ سُدى، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة:143) فاصبروا وصابروا، واعلموا أن ما تخافونه وما تجزعون منه قد عاشه بل ويعيشه إخوانكم في غوطة الشام وفي داريَّا وفي غيرها منذ سنواتٍ عديدة، وهاهم إلى اليوم صامدون ثابتون إلى اليوم على العهد باقون (فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا).

أهل داريَّا يقيمون الحُجَّة لله على أهل سوريا عموما، وعلى من رهن نفسه للأعداء خصوصًا، فاتقوا الله في أنفسكم يا أهل حلب، وكونوا عونًا لبعضكم على هذه الشدَّة حتى تنقشع، فعلى ماذا الخوف والجزع وأنتم تملكون من مقوِّمات الصمودِ والثبات ما هو أكثرُ بكثير ممّا في الغوطة وداريَّا؟!

إن صمدت الغوطة وداريَّا بحسن التدبير، بضعا من السنين فأنتم على ما معكم وما في مستودعاتكم من مخزونات طعامٍ وعتادٍ وسلاح، تقدرون على أن تصبروا ضعف تلك المدَّة، فلتظهر معادنكم الطيبة يا أهل حلب، ففي مثل هذه الظروف تظهر معادن الرجال، يظهر الكرم والجودُ، يظهر الإيثار من أهل الإيمان الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ويظهر الشحُّ والاحتكار والفسادُ ممَّن ملأ النفاق قلوبَهم السوداء فلا همَّ لهم إلا مصلحتهم، فلتكن لكم يا أهل حلب أسوةٌ بمن قال النبي – صلى الله عليه وسلم – أنَّه منهم وأنَّهم منه، ففي البخاري ومسلم عن أَبي موسى – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (( إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ ))

فلتكونوا كمثل من قال النبيُّ عنهم هم منِّي وأنا منهم، يجوعون معًا ويشبعون معًا، يستقبلون إخوانهم النازحين بصدورٍ رحبةٍ يقاسمونهم الطعام والشراب، ولا يرفعون الإيجارات عليهم ولا يبتزُّونهم بتأمين المأوى والمسكن… فوالله إنَّه لأمرٌ مُخزي أن نرى في مدننا وقرانا من يبتزُّ النازحين في سكناهم، يبتزُّون من خرجوا من تحت القصف ويرفعون عليهم إيجارات المنازل، هذا عوضًا عن أن يستقبلوهم في دورهم ومساكنهم … أعوذ بالله من حال المنافقين… أعوذ بالله من فعال المنافقين …

فلتصبروا إخوة الإيمان ولتعلموا أنَّ فرج الله يأتي بغتة (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110).

يأتي فرج الله بغتة للمؤمنين، ويحلُّ البلاء والبأس بالقوم المجرمين، تحِلُّ نقمة الله بالكفار وبالمتخاذلين، وبالقاعدين، تحِلُّ نقمة الله بالمحتكرين والمفسدين، اللهم عجِّل فرجك عاجلا غير آجل، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين …

إني داع فأمِّنوا

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *