رمضان شهر القرآن … فمن يتلوه حق تلاوته؟!

اقرؤوا القرآن

#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_لنصر

رمضان شهر القرآن … فمن يتلوه حقَّ تلاوته؟!

التاريخ: 12/ رمضان/1437هـ
الموافق: 17/ حزيران/2016م
المكان: من مساجد حلب المحررة
المدة: 14 دقيقة

الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1- شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ.
2- مراحل نزول القرآن الكريم.
3- حال النبي والصحابة مع القرآن في رمضان.
4- هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.
5- أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ…
6- كن ممن يتلونه حقَّ تلاوته.
7- تفريغ العبادات والطاعات من مضامينها.
8- نختلف على نوافل وننسى أنَّ وحدة الأمَّة فرض واجب.

الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
9- تذكيرٌ ووعظٌ ودعاء

رابط الخطبة على الفيسبوك
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF

لتحميل الخطبة صوتيا بصيغة MP3

الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستهديهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نبيّنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وصفيِّه وخليله، أَرْسَلَهُ الله بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، فصلوات ربِّي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغرِّ المُحجَّلين ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين، أمَّا بعد إخوة الإيمان:
مازلنا مع تدبُّرِ آيات الصيام، يقول اللهُ تعالى وهو أحكم القائلين: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ …) (البقرة:185).

هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، شهر القربات والطاعات، شهر المكرماتِ والحسنات، زاده الله تشريفًا وتعظيمًا بأن أَنزَل القرآن الكريم فيه، فالقرآن الكريم كُتِب في اللوح المحفوظ بأمر الله (كُن) ثمَّ أُنزلَ جملةً واحدةً كاملًا من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة من أعظم ليالي الدهر، في ليلةٍ من ليالي شهر رمضان، في ليلة القدر، في ليلةٍ هي خيرٌ من ألف شهر، ثُمَّ أُنزِل القرآنُ على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مفرَّقًا منجَّمًا على حوادث البعثة النبويَّة الشريفة في بضعٍ وعشرين من السنين…

ولما أسلفنا من خصوصيَّة نزول القرآن الكريم في رمضان، كان رمضان – أيُّها الأحبَّة – عند النبيّ – صلى الله عليه وسلم – وعند الصحب الكرام شهر القرآن، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قَالَ: ” كَانَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدَ مَا يَكُونُ في رَمَضَانَ حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبْريلُ، وَكَانَ جِبْريلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – حِيْنَ يَلْقَاهُ جِبرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِن الرِّيحِ المُرْسَلَةِ”.

كان النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – يراجع مع جبريل في كلِّ رمضان ما أُنزل عليه من القرآن الكريم …

وأخَذَ الصحابة والتابعون ذلك عنه مُتأسِّينَ به – صلوات ربِّي وسلامه عليه – فكانوا يُخصِّصون جلَّ شهر رمضان لكتاب الله، إذ لم يكن شهر رمضان عندهم شهرَ الدَّعة وتضييع الوقت، لم يكن شهر السهر على المعاصي والمحرَّمات والتوافه من الأمور، كان شهرُ رمضان عند سلفنا شهرَ القرآن يخصِّصونه لكتاب الله، يتلونه ويتدارسونه ويتعلَّمونه، ويقومون الطويلَ من الليل به رضي الله عنهم جميعًا وأرضاهم…

وهنا لابدَّ من أن نتنبَّه لأمرٍ مُهمٍّ أيُّها الأحبَّة، وهو أنَّنا عندما نتحدَّث عن تلاوة القرآن عند الصحابة والتابعين، عند أهل العلمِ والعارفين، فنحن نتحدَّث عن تلاوةٍ تُحقِّقُ مقاصِد التنزيل، (أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) … نحن نتحدَّث عن تلاوةٍ تحقِّق مقصد الهداية، وهذا لا يكون إلَّا بتلاوةٍ يعي الإنسانُ فيها ما يقرأ مِن كتاب الله، فيتنبَّه لما أحلَّ اللهُ ولما حرَّم، يتنبَّه لما أمرَ اللهُ به ولما نهى عنه، فيأتَمِرُ بما أمرَ الله به وينزَجِرُ عمَّا نهى الله عنه، ويتعلَّمُ القواعد الأساسيَّة والخطوط العريضة الكُلِّية لأصول الاعتقاد، فيكون ممن يتلون القرآن حقَّ تلاوته، يكون ممَّن يُحقِّقون مقصِدَ التلاوة (هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) هذه التلاوة بالصورة التي ذكرنا هي التي تعين الإنسان على تحقيق مقصِد الهداية، هي التي تعينه ليكون لديه من العِلم فُرقانٌ يُفرِّقُ به بين الحقِّ والباطِل، فهذا القرآن بما فيه من الهداية فرقانٌ يُفرِّق بينهما، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) [الفرقان:1]… أسمعت يامن تشتكي التباس الحقِّ، يامن تريد أن تستبين سبيل الهدى، الحقُّ تعرفه من كتاب الله عندما تتلوه حقَّ تلاوته (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ) … أمَّا ما نراه من هجران كتاب الله طيلة العام ومن ثُمَّ العكوف عليه في رمضان وتلاوتَه تلاوة الهذرمة، تلاوةَ من يقرأ مترقِّبًّا نهاية الجزء ونهاية السورة، تلاوة من يقرأ الأحرف ولا يعي ما يقرأ، ولا يحاول أن يفهم ما يقرأ، ولا يسأل أهل الذِّكر من العلماء عمَّا أشكلَ عليه، فتلك تلاوةٌ لا تحقِّق مقاصد التنزيل ولا ينال الإنسانَ منها إلَّا أجر القراءة لخصوصيَّةِ شرف القرآن الكريم، وهذا ليس لغير القرآن أبدًا، ينال أجر التلاوة فقط في كلِّ حرفٍ حسنة والحسنة بعشر أمثالها، ولكن شتَّان شتَّان بين أجر ونفع من يقرؤونه بألسنتهم فقط وبين أجر ونفع من يتلونه حقَّ تلاوته من يقرؤون ويحاولون أن يفهموا ليكون من المهتدين، ليكون ممن يفرِّقون بين الحقِّ والباطل، ليكون ممن استجابوا لأمر الله تعالى بتدبُّرِ القرآن: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24)

(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء:82) فالآيات الكريمة – أيُّها الأحبَّة – بيَّنت علاقة المسلم الصحيحة بالقرآن علاقةُ التدبُّر والاتباع، علاقة الفهم والعمل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155)، تدبُّرٌ وفهم ثمَّ اتباعٌ وعمل، قيامٌ بما أمر الله واجتنابٌ لما حرَّم الله، تلك التلاوة التي نكسِبُ بها أعلى الدرجات وننالُ بها الهدايةَ المكرُمات

ولعلَّ من أكبرِ مصائبنا في هذا الزمان أيَّها السادة، ما نشهده من تفريغ العبادات والأوامِر الشرعية مِن معانيها ومضامينها، حتى غدت عباداتنا وطاعاتنا وقرُباتنا مجرَّد طقوسٍ وعاداتٍ لا يظهر تأثيرها على فاعلها، شأنُها شأنُ الصلاة التي لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والله تعالى يقول : ((إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)) (العنكبوت:45) شأنُها شأن الصيام الذي قال عنه – روحي فداه : (( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ )) [رواه البخاري وأصحاب السنن]. شأنُ العبادات المفرَّغةِ من مضامينها شأنُ من يقرأ القرآن فيقيم حروفه ويضيعُ حدوده، شأن من بلغ من العمرِ عشراتٍ من السنين أو جاوز الأربعين وهو لا يقرأ القرآن، أو يقرأُ ولا يدري ما يقرأ، ولو أتته رسالةٌ من أدنى خلق الله مقامًا لبحث عمَّن يقرؤها له ويفهمه معانيها، أمَّا رسالة ربِّه، رسالة الله ملك الملوك وربِّ الأرباب، رسالة السميع المجيب القدير سبحانه … فيتجاهلها أو يقرؤها ولا يهتمُّ بفهم مراد الله فيها فلا يفهم ولا يسألُ لكي يتعلَّم ويفهم، عباداتٌ أفرِغت من مضامينها ومعانيها شأنها كشأن ما نرى من صيامٍ هو مجرَّد جعٍ وعطش لا ينهى صاجبه عمَّا حرَّم الله شأنها شأنُ صلوات النوافِل التي جعلها السفهاء سببًا للاختلاف ولزرع الضغينة بين المصلِّين، يوم لم يسعهم فيها ما وسع علماء الأمَّة قرونَ عديدة، فنسي أولئك أنّها نوافل وأنَّ وحدةَ الأمّة وتماسكِ صفِّها فرضٌ وواجب … وما هذا إلَّا لقلَّة العلم والفهم، ولسوء الأدب وضعف التزكية، اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرورِ أنفسنا … أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.

الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عبده الذي اصطفى، عباد الله، خيرُ الوصايا وصيّةُ ربِّ البرايا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله العِصمة من الفتن، والسلامة من المِحَن، واعلموا عباد الله أنَّ الله تعالى أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكة قدسه، وثلَّث بالعالم من جِنِّه وإنسِه، فقال تعالى ولم يزل قائلًا عليمًا وآمرًا حكيما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56] اللهم صلِّ على نبيِّنا محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّك حميدٌ مجيد اللهم إنَّا نسألك…

[الدعاء]

0%

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *