أسهل وأعمق وأدوم طرق التغيير في الجماعات والمنظمات والشعوب

القيمة المحورية:
التغيير الحقيقي العميق والطويل المدى في جماعة أو شعب ليس تغييرًا في بعض الخطط والإجراءات والقرارات أبدًا بل هو في تغيُّر الثقافة.
فثقافة الجماعة هي أعمق وأقوى ما فيها، وهي جملة السلوكيات المشتركة التي يقوم بها أبناء الجماعة فلو استطعنا خلق ثقافة جديدة مفيدة في الجماعة لكان هذا أعمق وأدوم تغيير يمكن أن يحدث فيها.
ولكن كيف نستطيع تغيير الثقافة!!؟
يمكننا أن نعتبر أن ثقافة الجماعة هي النظير المقابل لعادات الفرد فهما متشابهان في أمور كثيرة جدًّا…
فثقافة الجماعة وعادات الفرد هما أهم ما يحدد مستقبلهما، وكلاهما متجذران عميقًا وراء السلوك، وكلاهما يصعب جدًّا تغييرهما ، وكلاهما نتجا عن ظروف خارجية استمرت لفترة طويلة، ومن المفيد هنا أن كليهما أيضًا تنطبق عليهما نفس القواعد في التغيير.
لنبدأ بعادات الفرد …
أفضل طرق تغييرها هو تغيير عادة محورية واحدة فقط بتغييرها تتغير الكثير من الأمور (وقد وضحت ذلك في مقطع فيديو سابق بعنوان “العادة المحورية” موجود على اليوتيوب).
السؤال الأهم الآن:
هل يمكن أن ينطبق هذا الكلام على الجماعات.
أي: هل يمكن أن تقوم قيادة جماعة ما بتبني قيمة محورية واحدة فقط تبنِّيًا حقيقيًّا جديًّا فتغير كل شيء تقريبًا في الجماعة بهذه القيمة.
الكثير من القصص في المنظمات المعاصرة وفي تجارب الشعوب في التاريخ تقول نعم ولولا خشية الإطالة لعددت بعضها ولعلي أفعل في أماكن أخرى.
فبدل أن تستلم قيادة الجماعة ملفات عديدة جدًّا للمشاكل وتبدأ بوضع الخطط والحلول لها وتواجهها الكثير من العقبات في مراحل التنفيذ وتشتت طاقاتها وتركيزها، بدل ذلك يمكن أن تستلم القيادة قيمة محورية واحدة فقط لو نجحت في غرسها وتحويلها إلى واقع فإن هذه القيمة ستخلق واقعًا جديدًا تمامًا مختلفًا عن سابقه وسيكون هذا الواقع عميقًا عصيًّا على الانتكاس بعد فترة معتبرة من الزمن.
كيف نختار القيمة المحورية:
– المعيار الأول: لا بد أن تكون القيمة من القيم الأخلاقية العليا التي لا يختلف أحد عليها ويصعب تفسيرها تفسيرات أخرى حتى يتم قبولها من أكبر عدد ممكن من القيادات داخل الجماعة ففي سورية مثلًا لو تبنت جماعة ما قيمة الحرية لوجدت خلافًا على هذه القيمة في تفسيرها وكذلك الحال مع قيمة الشورى.
– المعيار الثاني: أن تكون القيمة على علاقة بالكثير من النشاطات والأعمال التي تتم في الجماعة بحيث لو تغيرت سينعكس تغيرها على كل شيء.
وفي واقع كواقع ثورتنا من المفيد جدًّا أن نجد قيمة تحمل معيارًا إضافيًّا وهو أن تصلح هذه القيمة لكل الجماعات والمنظمات والشعب ككل.
لأن التركيز على قيمة واحدة وتجسيدها في كل مكان سينعكس على الأماكن الأخرى ولن يبقى الأمر داخليًّا محصورًا في جماعة بل سيتحول إلى ثقافة شعب ثائر على طريق النهوض.
القيمة المحورية التي تستوفي كل هذه الشروط هي قيمة العدل.
فقيمة العدل قيمة مطلقة يصعب تفسيرها تفسيرات تفرغها من معناها، وهي كذلك قيمة محورية في كل جماعة ومنظمة وفي الشعب ككل.
لنسقط هذا الكلام على جماعة في سورية ونفترض أنها طبقته:
لو رفع الظلم وأقيم العدل سترجع الكثير من الكوادر التي هجرت الجماعة وعبرت الحدود بسبب الظلم الواقع عليها.
لو رفع الظلم وأقيم العدل لتولى أصحاب الكفاءات المناصب التي يستحقونها.
لو رفع الظلم وأقيم العدل لوزعت العطايا داخل الجماعة بالعدل.
لو رفع الظلم وأقيم العدل لرأينا محاكم يحاكم فيها القوي والضعيف سواء بسواء.
لو رفع الظلم وأقيم العدل لتخلصنا من تجاوزات الأجهزة الأمنية.
لو رفع الظلم وأقيم العدل لعادت للجماعات المجاهدة جاذبيتها وحاضنتها الشعبية وأقبلت عليها الكوادر من المدنيين لدعمها ومساعدتها وأصبحا نسيجًا واحدًا لا يمكن أن ينفصلا.
عندها ستصبح الجماعة قويةً متماسكةً، وعندها سيزيد ولاء عناصر الجماعة لقيادتها وعندها ستتخلص الجماعة من كثير من أمراء الحرب داخلها؛ لأنهم ظَلَمَة، وعندها ستصبح هذه الجماعات مؤهلة لأن تتوحد.
بل أقول: عندها سنكون قطعنا شوطًا كبيرًا على طريق استحقاق النصر من الله سبحانه وتعالى.
سؤال أخير لا بد أنه يتبادر إلى الذهن: كيف سنفعل ذلك؟
حتى لو تبنت قيادة جماعتنا قيمة العدل كيف ستحولها إلى واقع؟
في المقالات القادمة في سلسلة #‏على_خطى_التغيير سأضع -إن شاء الله- الإجراءات العملية التي تحوّل القيمة النظرية في الجماعة إلى واقع.
أما على مستوى الشعب ككل فإن حملة #‏فلا_تظالموا ، تسير في هذا المسار
وقريبًا جدًّا ستأخذ أشكالًا جديدة مهمة إن شاء الله.
فأين المشمرون!