أنقذوا حمص

مجاهد مأمون ديرانية

يا أيها الناس: لقد لبث إخوانكم في حمص تحت النار وفي فم البركان مئة وخمسين يوماً، يدافعون عدواً أثيماً لئيماً ويتصدَّون لهجمة باغية شرسة جبارة، وإنهم ما يزالون صامدين إلى اليوم، فيتقدمون ويتقهقرون ويكسبون ويخسرون، ويفقدون اليوم أرضاً ثم يسترجعون في الغد ما يفقدون. ولكن إلى متى سيصمدون؟

لو ذهب الواحد منكم في رحلة خلوية لتعب بعد خمسة أيام وعاد إلى البيت ليستريح، أما إخوانكم هناك فلا عادوا يعرفون ما البيت بعدما فقدوا البيوت، ولا يجد الواحد منهم متسعاً من الوقت ليستريح، فإنهم في رباط لا ينقطع، يتصل فيه الليل بالنهار، ينامون ويستيقظون تحت النار وتحت الحصار.

يا أيها الناس، يا أيها المسلمون: لقد حشد العدو جيشه وجمع كتائبه وأوشك أن يهجم على حمص الهجمةَ الأخيرة من بعدِ ما أعيته الشهورَ الطوال، فلا تتخلوا عن حمص ولا تتركوا إخوانكم فيها لقمة سائغة يلوكها الأعداء. لو أنك كنت تتخلى عن ابنك أو أخيك ابن أمك وأبيك لجاز لك أن تتخلى عن أهلك في حمص اليوم. لا، بل حتى لو تخليت عن أخيك وبنيك فلا يجوز أن تتخلى عن إخوانك وأهليك هناك.

ومن قال إن الدفاع عن حمص هو مسؤولية أهل حمص وحدهم؟ لا، بل إنه مسؤولية كل سوري حر أبيّ. بل إنه مسؤولية كل عربي، بل كل مسلم يؤمن بأن محمداً رسول الله. يؤمن بمحمد بن عبد الله صلى عليه الله الذي يقول: “المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله”، والذي يقول: “ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن يُنتقَص فيه من عرضه ويُنتهَك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته”.

* * *

يا قارئ هذه المقالة، أستحلفك بالله أن تشاهد هذا المقطع المصوَّر الذي سُجّل في حمص اليوم، مقطع طوله سبع وخمسون ثانية، ربما جفاك النوم -لو شاهدتَه- سبعاً وخمسين ليلة، وربما كرهت بسببه الحياة.

http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=U-oTg_OUGY4

وما عليّ أن تنام أو لا تنام، إنما أرجو أن تصنع شيئاً قبل أن يفوت الأوان. إن في حمص المحاصرة عشرين ألف مسلمة حرّة، فإن تسقط حمص في يد العدو فكل حرة ستغدو سَبْياً في يد الأعداء لا قدّر الله.

لا تقولوا “سندعو لهم” ثم لا أراكم تفعلون شيئاً ولا تتحركون، فإن الدعاء بلا عمل تواكل مذموم. أما الدموع فوفروها على أنفسكم، لا نريد بعد اليوم الدموع.

وشرّ سلاح المرء دمع يُفيضه إذا الحرب شبَّتْ نارُها بالصوارم

وكيف تنام العين ملء جفونها على هبوات أيقظت كل نائم؟

فليتهم إذ لم يذودوا حَميّةً عن الدين ضنّوا غَيرةً بالمحارم

ولا يقل أحد يقرأ هذه المقالة: ماذا أصنع؟ لقد كفاك إخوانك الجهدَ وحملوا عبء الجهاد، وإنهم لا يطلبون منك صدقة ولا معروفاً، ولا يريدون طعاماً، فإنهم ليأكلون أوراق الشجر إن نفد الطعام، بل إنهم لا يطلبون السلاح لأن في أيديهم السلاح. ولكنّ السلاح بلا ذخيرة هياكل من حديد، ولقد أفنى ذخائرَهم طولُ النزال وأكلتها الأيام، فإنهم يطلبون الذخيرة ليستمروا في القتال، والذخائر لا تشترى إلا بالمال.

* * *

لقد استنصر قومٌ من قبلنا إخوانَهم فهتف هاتفهم:

أدرك بخيلك، خيل الله، أندلسا إن السبيل إلى منجاتها درسا

وهب لها من عزيز النصر ما التمست فلم يزل منك عز النصر ملتمَسا

فتأخروا في الاستجابة وتصامَّوا عن الاستغاثة ففاتت فرصة من فرص الزمان. فلا تكرروا المأساة؛ لا تضيّعوا الصرخة كما ضيّعها الأسلاف، لا تصبح حمص أندلساً جديدة تنتحب عليها الأجيال.

يا أيها العلماء، يا قادة الأمة في المدلهمّات وفي الليالي الحالكات: اصنعوا شيئاً، أعلنوا النفير لإنقاذ حمص، أطلقوا حملة لإنقاذ حمص قبل أن تضيع حمص إلى أبد الزمان.

يا أيها المسلمون: إن حمص تستغيث بكم وتستنصركم بعد الله. إن لم تكونوا أوفياء للأحياء من أحيائها فكونوا أوفياء للأموات من أمواتها، لنصف ألف صحابي دُفنوا في ترابها. لا يقل أحد منكم: أنا لا يعنيني. ألا لا يأتينّ على الناس زمان يقول فيه قائلهم: يا ليتنا صنعنا شيئاً قبل فوات الأوان!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *