بين الخطاب الثوري والخطاب الدبلوماسي أي فرق ؟!

زهير سالم

يتسبب الخلط بين خطاب الدبلوماسي بقواعده وآفاقه وبين خطاب الثائر بتمرده ومطلقاته إلى حالة من الفصام أكثر من يستشعرها ويضيق بها جمهور الثورة و الثوار و أنصارهم . فصام محبط يتسبب به البعض عن غير قصد وأحيانا نتيجة لقلة المراس . فكثيرا ما يستعجل ممثلو الثورة والثوار الثمرة فيتخيل أحدهم نفسه وزيرا أو مسئولا كبيرا ويتكلم على هذا الأساس ، ويلزم نفسه بقواعد وقوانين تقتضيها الصياغات البروتوكولية والقواعد الدبلوماسية ، ويغرق في الحديث المشروط المقيد ، والسير الحذر على قواعد أصحاب الياقات البيض وياقات الثوار دائما حمراء ، ولغتهم مطلقة ، وسقوفهم عالية ؛إن كل أولئك ولا شك يدخل الوهن على لغة الثورة ، ويضعف من لهجة الصدق والمباشرة عند أصحابها ويبدو من يريد أن يقدم نفسه للعالم لطيفا مهذبا في حقيقة أمره ملقا أو منافقا ..

نحن اليوم نسير في ركاب ثورة ونتبنى مطالب الثوار وندافع عنها فلا بد لمن لم يكن في نفسه ثائرا أن يتقمص نفسية الثائر وأن يحشر نفسه في مسلاخه وينطق بلسانه أو يتنحى عن طريقه ..

إن الفروق التي يتم تجاهلها بين خطاب الدبلوماسي وبين خطاب الثائر يربك إلى حد كبير المشهد الثوري ويخلق مشكلات لا حدود لها بين من يرشح نفسه لتمثيل الثوار وبين جمهوره . لا يمكن أن ترضي جمهورا ثائرا خرج عن كل شيء حتى عن حياته لتحقيق أهداف خيّرة في صيغها المثالية المطلقة وأنت تحاول أن تتوازن كالذي يمشي على الحبل المشدود مع متطلبات السياسات الدولية والإقليمية وتوابعها ..

إن الانسجام مع روحية الثورة وتطلعات الثوار هو الشرط الأول في خطاب الثائر في مرحلة الحشد والمد . لا بد من إشعال الجذوة في النفوس ، وغرس الأمل المفتوح على المدى في قلوب أولئك الذين سيضحون بأموالهم وأنفسهم على طريق النصر الطويل ..

لايدرك الدبلوماسي المتحصرم ما يسببه حديثه المتردد والواجف من انعكاسات بل من انتكاسات على نفسية الثائر . وكذا ما تسببه السلوكيات المنحرفة المتطلعة إلى الموقع القريب على مسيرة الثورة . يتساءل الثائر ببساطة مباشرة : هل حقا أنا سأضحي بكل شيء من أجل هذه الصيغة المعروضة ( جنيف ) مثلا . أو من أجل أن يجلس مكان بشار عشار آخر أراه يخفق منذ اليوم في ركاب ( الأوصياء ) و ( المانحين ) ؟!

كما تحتاج الثورة إلى جنود يضحون على الأرض تحتاج إلى نفوس كبيرة بل إلى شموس مستعلية تقودها صوفية ثورية تنعكس على قلب كل ثائر على الأرض فتمده بالنور والدفء والعزيمة والإصرار ..

إن ثورتنا في سورية ليست ترفا وهي بذلك لا يمكن أن تكون هواية مترفين . إنها ضرورة وجودية لبقاء شعب سلب المستبد منه كل قيم الحياة . والعمل على هذه الثورة ولها كالعمل فيها هو كالمرابطة على الثغر . ثغر ينادي كل من يقف عليه على نفسه وعلى كالثوار كل الثوار : استجيبوا لدعوة الحياة . الحياة بكل جمالها وعنفوانها وألقها (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ثوروا لسورية حرة كريمة أبية لا ظلم فيها ولا بغي ولا عدوان ..

ثوروا للعدل وللحرية وللكرامة وللمجد ..

ثوروا لتكونوا أنتم وأبناؤكم وأحفادكم سادة غدكم حيث القرار قراركم والأمر أمركم ..

ثوروا فإن الثورة نفحة من نفحات ربكم قد تجلى بها اليوم على شامكم ..ثوروا واصرفوا أبصاركم عن المشككين والمترددين والمتربصين وإن تنتصروا اليوم على طاغيتكم فهم غدا الأهون عليكم ..

(( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *