إلى المعارضة السورية اللينة لماذا جنيف ؟!

زهير سالم

أولا أحب أن أبين أن مصطلح المعارضة اللينة لا يراد منه وصف سلبي ، ولا غمز ولا لمز ولا تقليل قيمة . ومصطلح المعارضة اللينة الذي أقترحه هنا ، مع الاحترام لمن أطلقه عليهم ، هو مقابل مصطلح المعارضة ( الرخوة ) الذي كان سارتر قد اخترعه لنفسه ولزملائه المثقفين أيام المقاومة الفرنسية ضد النازية ، وما أشبه اليوم بالبارحة في مشروع مقاومة النازي الجديد المسيطر على سورية بين نوعين من المعارضة الصلبة والرخوة أو اللينة التي اختارت طريقها عن رؤية ووعي وتصميم .

استمدت المعارضة اللينة رؤيتها من مجموعة معطيات تتمحور كلها حول إمكانية تحقيق شيء ما من هذا ( النظام ) حسب تعبيرها أو من هذه ( العصابة ) حسب تعبير المعارضة الصلبة ، بالإبساس كما تقول العرب . والإبساس في أصله ما يقوم به الحالب من تدليك وترطيب وطبطبة ودغدغة لضرع الناقة أو البقرة أو الشاة لتدر . يقول الحطئية في سينيته المشهورة ..

ولقد مدحتكم لو أن درتكم .. يجيء بها مدحي وإبساسي

فرؤية هؤلاء المعارضين ، بغض النظر عن طوايا النفوس ، أنه كان بإمكان المعارضة السورية بقليل مما سبق من الترطيب والتطريب والدغدغة والكركرة أن يحصّلوا من بشار الأسد بعض المطالب الإصلاحية ، وأن يحققوا مكاسب ثورية مقنعة ، وبالتالي فقد ظلوا جميعا يحتلون مواقع قريبة من ( ضرع الثور ) حسب رأي البعض على أمل أن يدر عليهم بما يشتهون ..

وعلى أساس هذه القاعدة غمس بعض هؤلاء لقمته في قصعة بشار فأتدموا . وحفر آخرون خندقهم في موقع ( بين بين ) ورفعوا عليه لاءاتهم الشهيرة التي غدت أكثر قداسة من كل مقدس كانوا في أساس أمرهم يطالبون بالحق في نقده أو نقضه أو التحرر منه ..!!!

وحسب رؤية هؤلاء ورأيهم وقناعتهم وما يقترحونه على شعبهم وما يرونه الطريق المثمر الوحيد لثورته فإن المخرج الوحيد مما الناس فيه اليوم هو في فتح قنوات الحوار مع من ما زالوا يسمونه ( النظام ) ، وتحت مظلة ما يعتقدون أنه ( الدولة ) . وعلى هذا الأساس فهؤلاء المعارضون الهينون اللينون لا ينبغي لهم حسب قواعد رؤيتهم أن يتطلعوا إلى حوار في جنيف ، حيث العاصمة الأجنبية والدعوة الأممية والإشراف الدولي الخارجي . وهي الأمور التي فاصلوا بقية قوى المعارضة على أساسها ، فأربكوا المشهد الثوري ، وأظهروا بتمسكهم بعذريتهم أو ببتولتهم وطهريتهم الصف الوطني وجعلوه ( عضين ) لا يمكن التجسير بين خندقيه.

من حق بل من واجب هؤلاء المعارضين أن يحاوروا وأن يجادلوا في دمشق وتحت راية ( الدولة ) التي يحترمون ،ومع الأشخاص الذين طالما دعوا إلى الاعتراف بهم والجلوس معهم . إن مكان حوار هؤلاء المعارضين هو على نفس المائدة التي طالما تغنوا بالدعوة إلى الحوار حولها . وطالما كنا نتمنى عليهم لو أنهم حققوا لشعبهم ولمواطنيهم شيئا نشكرهم عليه ..

إن قبول جميع( زمر ) المعارضة ( اللينة ) أو حتى ( الرخوة ) الذهاب إلى جنيف يعني أول ما يعني أنهم يشهدون على أنفسهم وعلى رؤيتهم وعلى منهجهم أنهم كانوا فيما يرون يتخبطون أو في ضلالهم يعمهون . وإنه ليس من السهل أن ينخلع المرء من رؤاه وأفكاره وشعاراته دفعة واحدة وكأنها شبيهة الكلمات المثقوبة التي نعاها نزار القباني منذ السابعة والستين ..

أيها الأصدقاء المعارضون ..

تجلسون جميعا في دمشق وتتحاورون مع من دعوة إلى الحوار معه كفريقين أو كفرقاء متفاهمين أو متشاكسين . وتحصلوا من المكاسب لأنفسكم ولشعبكم ما تستطيعون مشكورين ، ثم إذا لكم أن تحضروا جنيف ( اللعين ) فتحضروها فريقا واحدا مع الجهة التي حاورتم وناضلتم ..

هذا أو تعلنون أنكم قد بدا لكم في كل ما كنتم تدّعون وتزخرفون بداءُ ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *