لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ

د. محمود نديم نحاس

ما قاله أبو البقاء الرندي في نونيته يُعدُّ من أجمل المراثي التي قيلت في سقوط الأندلس، وهي التي يقول في مطلعها :

لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ *** فلا يُغرّ بطيبِ العيشِ إنسانُ
هـي الأمـورُ كـما شاهدتها دُوَلٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمـنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهـذه الـدار لا تُـبقي على أحدٍ *** ولا يـدوم عـلى حـالٍ لها شانُ

وعندما نقرأ القصيدة ثم نقرأ أخبار الشام نبكي خوفا من أن تكون النتيجة واحدة. فنحن نسمع عن قصف المساجد ثم نقرأ في القصيدة :

حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ *** حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ

وعندما تسمي الجهات الدولية مأساة السوريين بأنها مأساة القرن الحادي والعشرين إذا بنا نقرأ في القصيدة :

تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمَّها *** وما لها مع طول الدهرِ نسيانُ

ونقرأ أن أصدقاء الشعب السوري اجتمعوا ثم اجتمعوا ثم اجتمعوا ومازالت القضية من سيء إلى أسوأ، فإذا بالشاعر الرندي يقول في قصيدته :

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسانُ

ويفيد تقرير للأمم المتحدة بأن عددا كبيرا من اللاجئات السوريات يواجهن الفقر والاستغلال والتحرش، فإذا بالشاعر يقول فيما يقول :

ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ *** لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ

ونقرأ في الأخبار أن ثمانية آلاف طفل عثر عليهم على حدود دول الجوار بدون رفقة والديهم، فلا نجد فرقاً بين هذا الوصف وبين وصف الشاعر في القصيدة ذاتها :

يا ربّ أمّ وطفل حيلَ بينهما *** كما تفرقَ أرواحٌ وأبدانُ

وعندما نقرأ عن تعرض الأطفال للاختطاف والعنف الجنسي فإذا بشاعرنا يصف في نونيته :

وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعتْ *** كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً *** والعينُ باكيةُ والقلبُ حيرانُ

فلا نجد إلا أن نردد مع الشاعر الرندي :

لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ *** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *