حول جدل: أيهما أكثر خطورة، إيران أم إسرائيل؟
حول جدل
أيهما أكثر خطورة
إيران أم إسرائيل؟
بقلم: نواف القديمي
باختصار، نحن أمام سؤال مُخاتل، لأنه يمكن أن يوجّه لأهل بلدة أو مدينة أو دولة، لكن لا يمكن أن يوجّه لعالم عربي أو إسلامي فيه كثيرٌ من التنوع في القضايا والصِراعات والأزمات.. ويمكن أن يتضح وجه المُخاتلة عبر الأسئلة التالية:
لو سألت أهل غزة: من أخطر عليكم إسرائيل أم إيران؟ سيبدو سؤالاً أقرب للسخرية، لأن إيران لا تمثل عداوة لمعظمهم إن لم يكن لجميعهم، بل ويعتبرها كثيرون داعمة لقضيتهم. فيما عدوهم الذي يقتهلم ويُهِّجرهم ويحتل أرضهم هو الاحتلال الإسرائيلي.. ونفس الأمر فيما لو وجهت ذات السؤال لسكان الضفة الغربية والقرى الجنوبية في لبنان مثلاً.
في المقابل، لو سألت نفس السؤال للمُهجَّرين من “جُرف الصَّخر” جنوب بغداد، سيجيُبونك: إسرائيل عدو كانت وستبقى، ولكن من ارتكب فينا المجازر وهجَّرنا منذ سنين ويرفض عودتنا إلى أرضنا وبيوتنا هي إيران والميليشيات الموالية لها، فبالتأكيد أن إيران أخطر علينا.
ولو سألت الأريتري المسلم الذي ظل لسنين يقاوم الاحتلال الإثيوبي، لأجابك إجابة مشابهة: إسرائيل عدو، ولكن أثيوبيا أخطر علينا.. ولو سألت البوسني والكوسوفي في وقت حروبهم مع الصرب، لردوا بنفس الأجابة: إسرائيل عدو، ولكن الصرب أخطر على أرضنا ووجودنا وهويتنا.. وذات الأمر لو سألت الشيشاني في زمن صراعهم مع الروس، والإيغوري مع الصين، وأهل “تعِز” الذين يحاصرهم الحوثي منذ سنين ويقصفهم ويرتكب المجازر، وسلسلة طويلة لا تنتهي من النماذج والتجارب والصراعات.
ماذا يعني ذلك؟
يعني وجوب التفريق بين “جذرية العداء” و”درجة الخطورة”، فلا يوجد للعرب والمسلمين عدو جذري مثل إسرائيل، لأن الصراع مع بقائها صراع “وجود” لا مجرد “نفوذ”. ولأنها تمثل احتلالاً إحلالياً يهدف إلى تهجير الفلسطينيين والسيطرة الكاملة على الأرض، في تجربةٍ تُشبه ما قام به الأوروبيون المُهاجرون في أمريكا مع السكان الأصليين.. في المقابل لا مشكلة للإرتيري مع وجود إثيوبيا، ولا للبوسني مع وجود صربيا، ولا للإيغوري مع وجود الصين، ومشكلتهم تنحصر في أنهم مُعتدون مُحتلون، لذا يبدو طبيعياً لمن قتلتهم إيران وميليشياتها وهجَّرتهم واحتلت بلداتهم وقراهم في العراق وسوريا واليمن أن يعتبروها أكثر خطورة عليهم.
وحتى حزب الله، الذي نشأ على عقيدة العداء للاحتلال الإسرائيلي – ولا ينفي هذا كونه إيراني التأسيس والولاء والمشروع – وخاض صِراعات طويلة مع هذا العدو، نقل معظم قواته إلى سوريا بعد قيام الثورة فيها لمُقاتلة الفصائل السورية، وبقيت معظم قواته هناك لأكثر من عشرة أعوام، لأنه شعر – في لحظة زمنية ما – أن الثورة تمثل خطورة أكبر عليه حالياً.
وفي لقطة ساخرة، قال لي صديق مصري أنه سأل مرة عمّه الفلاح العجوز في قريتهم: أنت شايف مين أخطر عليك إسرائيل وإلا إثيوبيا “التي تهدد مياه النيل”، فأجابني وهو يشير بيده ناحية أرضٍ كبيرة مجاورة: أخطر حد عليا هو جاري الحاج عبدالعاطي اللي عاوز ياخذ أرضي بالقوة.
إسرائيل ليست مجرد دولة احتلال، بل تمثل قاعدة مُتقدمة للمشروع الغربي المتفوق عسكرياً واقتصادياً، والساعي للهيمنة على المنطقة؛ لذا يتعاملون معها باعتبارها جزءً بنيوياً من حضارتهم وحدودهم الجغرافية، ويدافعون عنها مهما ارتكبت من جرائم وانتهاكات، ومعنيون بتفوّقها العسكري على المنطقة. وأحسبُ أن هذا الأمر واضحٌ للشعوب العربية والإسلامية ولكل المعنيين بقضايا العدل والحرية في العالم.. لكن يجب أن نضع في الاعتبار أيضاً أن لكل المجتمعات والدول والشعوب قضاياها الضاغطة والمُلحة، ومخاطر تُهدد وجودها وأمنها، ومحاولة تفصيل جدول عداوات واحد ومُحدد فيه كثيرٌ من الشعور بالمركزية الذاتية وتهميشٌ لقضايا الشعوب الأخرى وأزماتها.