النخب والهزيمة النفسية

النخب والهزيمة النفسية

النخب والهزيمة النفسية

عند كُل استحقاق أو حدث على مستوى أمّتنا الجريحة المكلومة، من الطبيعي أن يعبر شبابنا المؤمنون عن تفاعلهم مع قضايا أمتهم، وهم المَحزونون لضعفها ووهنها… ولكن غير الطبيعي (في مجتمعنا سابقًا) هو أننا غدونا فورًا نسمع أصواتًا تتعالى من أناس يفترض أنهم نخب مثقفة تسخر وتستهزئ وتعترض على أولئك الشباب بردات فعل سلبية لا تتناسب وفعل الشباب… (وحديثنا عن شباب ليسوا في موضع المسؤولية والقرار… وعن تعبير من قبيل الصورة والنشيد والتظاهر السلمي وما شابه…)

#حافظ_مش_فاهم

وآخرها ما كان من تفاعل مع قضية القدس، التي هي قضية كل مؤمن، من قبل أن يزاود بها تجار محور المقاولة والمماتعة…

ومع ذلك نرى بعض أولئك من مدعي النخبوية والثقافة يتكلمون منطلقين من تشبيه عفوية الشباب البسيطة الذين يتفاعلون مع قضية القدس، بدعاوى بعض التنظيمات التي فتحت جبهات عالمية يومًا ما من أرض سوريا…

وكأن أخطاء تلك التنظيمات يجب أن تكون سببًا لنُبتَر عن أحداث أمتنا وعن انتمائنا وهويتنا؟!!… (ومتى فعلنا ذلك فقد هزمنا واستسلمنا فعليًا).

وبالنسبة لمثالِنا الحالي عن #القدس ربما لا يدري أولئك أن قضية فلسطين هي قضيةٌ مجمع عليها سياسيًا وإعلاميًا حتى عند الأنظمة العلمانية العربية وغير العربية…

#حقيقة_القضية

وفي الحقيقة بغض النظر عن التوضيح السابق والمثال، فإن مَرَدّ ما يصدر من البعض ليس الجهل بمعلومةٍ، لا أبدا، بل هزيمةٌ نفسية فظيعة ألمَّت بالكثيرين من مثقفينا، ممن يتوهمون أنهم نخبة، ويُصدِّرون أنفسهم كمؤثرين (نظريًا) مستعدين لأن يتوظفوا في مشروع ما!!

#ملكية_أكثر_من_الملك

فالمعظم -ولا أقول الكل- لما عجزوا عن إقامة مشروع قوي ذاتي، غدو يسعون جاهدين لتسويق أنفسهم، وهذا قد يكون له تأويل طبيعي حال الضعف، ولكن أن يصل ذلك إلى مستوى التسويق الرخيص، فهو ما تعانيه الثورة على اختلاف مؤسساتها السياسية والعسكرية، حيث غدا المتصدرون يوافقون على تنازلات تتعلق بقيمنا ومبادئنا وتوجهاتنا لم نكن نرضى بها زمن الأسد قبل الثورة…

والمصيبة الأكبر أن من يتطلع الناس إليهم للإصلاح وينادون به، هم أيضا مستعدون للتنازلات، فإن كان الأول يتنازل مدعيا بأنه يحافظ على شيء، فالبعض الآخر يتنازل وهو لايملك شيئًا بَعد، إنما فقط ليسوِّق نفسه!

#فقد_المرونة و #المتغيرات_الدولية

وفي الحقيقة فإن رأيي الشخصي في هذا هو أننا نعاني من مشكلة في فهم طبيعة الصراع وشكله، يضاف إلى ذلك أنّ معظم من يتحدث اليوم لايأخذ بعين الإعتبار المتغيرات الدولية الكبيرة جدا التي حصلت بعد استعار الحرب الأوكرانية الروسية… علمًا أنّ المتغيرات الحاصلة تحمل في طياتها الكثير للنُخَب المتفائلة من القوى الفاعلة المبادِرة.

ولكن التفاعل السريع يحتاج مرونةً في التفاعل، ربما يفتقدها الكثيرون فعدد كبيرٌ من نُخبنا الثورية شأنهم شأن كل السوريين الذين نشؤوا في بيئة القمع لا يمتلكون أي تجربة أو خبرة سياسية عملية سابقة، بل حتى أن كثيرًا منهم تثقفوا فقط أثناء الثورة، وبعضهم استفاد من تجاربها، والكثيرون البعيدون تعقدوا من بعض منعطفاتها التي لم يكن صوت العقل فيها مسموعًا…

والخشية أن هذه العُقَد تفاقمت حتى غدت حاجزا يحول دون استيعاب المتغيرات المستجدة، ودون بناء جسور تواصل وشراكة حقيقية مع باقي فئات المجتمع الثوري؛ حتى ولو كانوا فاعلين رئيسيين في المشهد… ما زاد عطالة أولئك النخب وجعلهم عبئا على المشروع، بدل أن يكونوا روافع الحل.

وليت ما قدمناه للخارج ولصف الأعداء من تنازلات وحسن ظن قدمنا بعضه لبعضنا حتى نتقارب ونتعاون.

#دور_النخب

وسابقا أخبرونا في التاريخ بأنه عندما تعيش الأمم جو الهزيمة والإنكسار، فالأصل أن تنبري نُخبها الواعية لتبث فيها روح الحماس المتطلع إلى مستقبل أفضل دون التفريط بثوابت هويتها لتنبعث الأمة من جديد وتكرر النهوض وتجد مفتاح النصر…

على كُلٍ، أسأل الله أن لايدوم هذا الحال…

وللحديث عن طبيعة الصراع والمتغيرات الدولية… بقيَّة أكملها في التالي إن شاء الله.

0

تقييم المستخدمون: 3.97 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *