استبدال العملة السورية مصلحة راجحة

أحمد الراغب

لقد كثر الحديث عن استبدال العملة السورية في المناطق المحررة، فثمة مؤيد ومعارض وحائر…

فمن هنا سنقوم في هذا المقال بدراسة هذا الموضوع من جوانب مختلفة؛ علّنا نساهم في حلّ لهذا الموضوع الذي لا يُمكن تجاوزه، وذلك لأهميته القصوى.

أولا ـ المقصود باستبدال العملة في المناطق المحررة: نقصد بذلك أن يتمّ استبدال العملة السورية بعملة أكثر استقرارا، وتكون سهلة التداول. وبذلك يتم إخراج العملة السورية من سوق التبادل (المناطق المحررة)، ليحلّ مكانها في التبادل عملة أخرى .

ثانياً ـ الأسباب التي تبرّر استبدال العملة:

هناك العديد من الأسباب التي تجعل استبدال العملة تصل إلى درجة المصلحة الراجحة، ومن أهم هذا الأسباب:
1 ـ الانخفاض المستمر في قيمة العملة السورية: فالعملة السورية في انخفاض مستمر، ففي عام 2011م كان سعر الدولار مقابل الليرة السورية 48، بينما الآن الدولار = 375 ليرة، أي أن معدّل الانخفاض ما يقرب من ثمانية أضعاف.

2 ـ إمكانية انهيار قيمة العملة السورية: وهذا أمر يحصل كثيرا عند وجود الأزمات الاقتصادية الحادة، وعند الحروب…وتجربة انهيار النقد في لبنان والعراق ليست ببعيدة عنّا…

3 ـ تدهور قيمة العملة وشدّة التقلبات في قيمتها له من الآثار السلبية التي تترك أثرها على المدى الطويل:

ولفهم بعض هذه الآثار نقول:

يمكن تقسيم المجتمع السوري من حيث الدخل إلى الأقسام الآتية:

أ ـ الطبقة الغنية: وتضم كبار الصناعيين والتجار، وهؤلاء قسم منهم يستطيع التخلّص من الآثار الضارة، وتحويل هذه الآثار الضارة إلى المستهلك النهائي، وقسم يستفيد من هذه الأزمة ويسخرها اقتصاديا لزيادة أرباحه، وذلك على حساب الطبقات الأخرى في المجتمع، وقسم قد تزداد خسارته…

ب ـ الطبقة المتوسطة: وتضمّ المثقفين والموظفين وأصحاب الحرف والمهن المختلفة، وهؤلاء الأكثرية الساحقة منهم تتأثر كثيرا، فينزل أصحابها إلى خط الفقر…

ج ـ الطبقة العاملة: وهي الأكثر تضرراً، وستنزل إلى ما دون خط الفقر..

وبكلمة دقيقة نقول: إنّ أصحاب الطبقة المتوسطة والعاملة ينخفض دخلهم الحقيقي مع كلّ انخفاض في قيمة العملة السورية، مما يقود إلى العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. ولإدراك خطورة هذا الأمر يجب أن نعلم أنّ نسبة الطبقة المتوسطة والعاملة تزيد عن 90% من سكان سوريا.

وبالنتيجة ستختفي الطبقة المتوسطة في سوريا، ويبقى لدينا طبقتان: طبقة غنية قليلة العدد، وطبقة فقيرة وتمثل الأكثرية الساحقة من الشعب السوري، ومجتمع بهذه الصفات سوف تقتله الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والسياسية…

وكذلك يمكن أن نقسم الاقتصاد من حيث نشاطه إلى الأقسام الآتية:

أ ـ القطاع الصناعي: وهذا القطاع لابدّ له من التأثر السلبي، ويستثنى منه الصناعات التي تسمح بطبيعتها التعامل بالعملة الأجنبية من الإنتاج إلى التسويق.

ب ـ القطاع الزراعي: وهذا القطاع يتضرر بشكل مخيف؛ لأنّه عادة لا يستطيع التهرّب من آثار انخفاض قيمة العملة، وذلك لطبيعة القطاع الزراعي الخاصة.

ج ـ القطاع التجاري: وهذا القطاع على العموم لا يخلو من الأضرار خاصة إذا لم تكن حركة دوران النقود سريعة، وإن كان بعض التجار يستغل هذه الظروف بالمضاربات وتجارة العملات ويستفيد من التقلبات.

لكن كما نلاحظ الأضرار تصيب جميع القطاعات الاقتصادية ولو بنسب متفاوتة، لكن هذا على المدى البعيد له من الآثار السلبية التي تشلّ الحياة الاقتصادية، وشلل الحياة الاقتصادية ينعكس على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ومن البداهة الاقتصادية أن نقول: أي تطور اقتصادي يحتاج إلى الاستقرار، وعلى رأس قائمة الاستقرار هو الثبات النسبي لقيمة النقد.

4 ـ التعامل بالعملة السورية في المناطق المحررة هو عملية إنعاش لاقتصاد الأسد:

ـ فالنظام السوري بدأ خلال الثورة بطبع عملة من دون رصيد (التمويل بالعجز)، ويطرح هذه العملة في المناطق المحررة، وكانت طباعته ترتكز على فئتي 1000 ليرة و 500 ليرة، وطباعة هذه الفئات تكلّفه ما يقرب من 50 ليرة لكل قطعة من العملة الورقية، وعندما تدخل السلع من المناطق المحررة إلى مناطق النظام يدفع لنا قيمة السلع بهذه النقود الورقية المطبوعة، فيكون قد ربح كثيراً، ونحن أصبح بأيدينا نقود لا قيمة لها، وكذلك يدفع الرواتب والأجور من هذه الأوراق غير المغطاة…

ـ وكذلك النظام السوري يسحب الدولار من المناطق المحررة، مقابل العملة السورية التي يَضخُّها في المناطق المحررة، والذي يساعده كثيرا على ذلك هم كبار الصيارفة في المناطق المحررة، نتيجة طمعهم أو جهلهم بآثار ما يقومون به…وهذا الأمر خطير خصوصاً إذا علمنا أنّ كميات الدولار التي تُضخ في المناطق المحررة كبيرة جداً، والنظام مصادره شحيحة جداً للحصول على الدولار، فاقتصاد النظام كان يحصل على الدولار من النفط والسياحة والتصدير وهذه الأنشطة أصبحت شبه متوقفة؛ لذلك بقي له الحصول على العملة الصعبة من المناطق المحررة، فكان لزاماً علينا أن نحرمه من هذا المصدر الكبير…

ـ وكذلك لو توقفنا عن التعامل بالعملة السورية، لأدى ذلك إلى زيادة في سرعة انهيار قيمة الليرة السورية، وهذا يُسَرّع من سقوط النظام…

ثالثاً ـ العملة المقترحة:

نقول بداية: عند الأزمات الاقتصادية، كما هو حاصل في سوريا، من الأفضل للمواطن أن يحتفظ بمدّخراته على شكلين:

ـ الذهب: وهذا يناسب الادخار طويل الأجل.

ـ أحد العملات الصعبة وعلى رأسها الدولار: وهذا يناسب الادخار قصير الأجل.

أما الاحتفاظ بالعملة المحلية يتميز بالأخطار.

ووجهة نظرنا في العملة المقترحة هو الآتي:

نقترح لكل منطقة محرّرة نوعين من العملات، نوع موحّد بين كل المناطق وهو الدولار، ونوع مختلف حسب كل منطقة نظراً لخصوصيتها.

فالمنطقة الشمالية والشرقية والوسطى: الدولار والليرة التركية، نظراً لقربها من تركيا، بحيث تكون التعاملات المتوسطة القيمة والبسيطة واليومية بالليرة التركية التي تحوي أجزاء صغيرة، والادخار والصفقات الكبيرة بالدولار.

المنطقة الجنوبية: بالدولار والدينار الأردني، وما قلناه عن الليرة التركية يقال عن الدينار.

ولكن قد يقول قائل: التعامل بعملتين أمر صعب..!!

جواباً عن هذا التساؤل نقول: نحن الآن على سبيل المثال نتعامل بالدولار والعملة السورية، وأحيانا بالدولار والليرة التركية والسورية، ونحن في هذا الاقتراح سنبقى نتعامل بعملتين فقط، لكن الفارق أنّ العملتين الجديدتين تتميزان بالاستقرار النسبي في قيمتيهما.

وقد يقول قائل أيضاً: لنكتفي بعملة واحدة وليكن الدولار..!!

نقول لا مانع من ذلك، لكن الأفضل عملتين؛ لأنّ تأمين كميات كبيرة من الدولار أمر فيه صعوبة، وقد لا نجد المساعدة الدولية في ذلك، عدا كون الدولار بالتعامل اليومي فيه صعوبة لعدم وجود أجزاء صغيرة منه، بينما الليرة التركية يمكن توفير كميات كبيرة منها، خاصة مع سهولة التعاون مع الجانب التركي، إضافة لسهولة التعامل بالليرة التركية لوجود أجزاء صغيرة…

ويبقى سؤال هام: ماذا سنعمل بالعملة السورية الموجودة الآن في المناطق المحررة!؟

نقول: يمكن تشكيل هيئة مالية، أو عن طريق مكاتب التصريف، يمكن استبدالها بالدولار أو العملة التركية أو الدينار، وقد يحصل الأمر بالتدريج أو خلال فترة زمنية قصيرة حسب الخطة الاقتصادية المتبعة، وهذه الأموال السورية يمكن التصرف فيها بطرق مختلفة، منها التبادل مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام…

رابعاً ـ متطلبات عملية الاستبدال:

1 ـ تكوين هيئة مالية تقوم بمهام تشبه مهام المصرف المركزي، تُفعّل وتشرف على عملية الاستبدال، وهذه الهيئة لها ارتباطات اقتصادية بجهات مختلفة داخلية وخارجية، وذلك بما يخدم عملية الاستبدال والاستقرار النقدي…

2 ـ ضبط وتنظيم عمل مكاتب الصرافة في المناطق المحررة، وهو أحد مهام الهيئة المالية المقترحة…

3 ـ ومن المعروف أنّ أي عملة تحتاج إلى قانون أو قوّة لفرضها، ونظراً لغياب الدولة، لذلك لابدّ أن تتفق الفصائل العسكرية على الالتزام بتطبيق الاستبدال وما يتطلبه، وأن تساعد في نشر تطبيقه…

4 ـ أن تبدأ عمليات دفع الرواتب والأجور في القطاعين العسكري والمدني بالعملة المقترحة، ويفضل أن تكون بالليرة التركية، لأسباب مختلفة، منها أنّ النظام لا يستفيد من العملة التركية كونها ليست عملة دولية وكذلك الدينار الأردني…

5 ـ البدء قبل التطبيق بحملات توعية قويّة ومكثّفة يشارك فيها أكبر عدد ممكن من أصحاب القرار والتأثير في المجتمع: من العلماء والوجهاء والتجار والصناعيين والعسكريين…

6 ـ أن يكون التطبيق تدريجياً، ويفضّل أن تكون المدّة شهرين، وبعد هذه المدة يكون قد تمّ سحب العملة السورية المتآكلة القيمة، وحلّت محلها العملة المقترحة…

خامساً ـ شبهات على عملية استبدال العملة السورية:

يورد بعض الإخوة الشبهات التالية على عملية الاستبدال:
1 ـ الاستبدال يمس بالسيادة الوطنية: فالعملة الوطنية هي عنوان من عناوين السيادة الوطنية.
الرّد على هذه الشبهة: الوطنية الحقيقية هي التي تحفظ الوطن والمواطن، والعملة الحالية هي عملة أصبحت تضر بالوطن والمواطن السوري، وهي عملة تثبت هيبة نظام بشار الأسد، وتقوّي نظام بشار الأسد، فالوطنية الحقيقية أن نحارب هذا النظام المجرم بعملة جديدة. ومن ناحية أخرى قد تكون هذه العملية مؤقتة، وعند سقوط نظام بشار الأسد نعيد العملة، أو يتفق السوريون على عملة جديدة…

2 ـ الاستبدال يساعد على تقسيم سوريا.
الرّد على هذه الشبهة: لو أنّ هذه العملية دائمة لكان الأمر صحيحاً لكنّ هذا أمر مؤقت تقتضيه الضرورة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة، وللضرورة أحكامها.

3 ـ الأمر فيه مصلحة للأتراك أو للأردن وقد يساعد على ضمّ هذه المناطق لتركيا أو الأردن.
الرد على هذه الشبهة: نعم صحيح قد يكون هناك مصلحة لتركيا أو الأردن، لكنه بنفس الوقت فيه مصلحة للسوريين وثورتهم، وتبادل المصالح أمر يقرّه الشرع والعقل، ومسألة ضمّ اقليم لتركيا أو الأردن ليس مقتصرا على هذا الأمر؛ بل هو أكبر من ذلك بكثير…

4 ـ هذه الشبهة تركّز على مصير العملة التركية أو الأردنية في المناطق المحررة بعد نجاح الثورة.
الرد على هذه الشبهة: الحلول كثيرة، ومنها أن نستورد السلع من تركيا بالعملة التركية، ومن الأردن بالعملة الأردنية…

5 ـ عملية استبدال العملة تحتاج إلى وجود دولة، لأن فرض العملة يكون بقوّة القانون.
الرد على هذه الشبهة: هذا الكلام صحيح من حيث المبدأ، فعملية الاستبدال ستواجه صعوبات كثيرة، لغياب السلطة القانونية، لكن لا يعني هذا الأمر استحالة تطبيق عملية الاستبدال، فمع الصدق والتعاون و الحكمة يمكن تذليل الصعوبات، ومن ناحية أخرى يعتبر تطبيق هذا المقترح اختبارا لمن يدّعون أنهم قادرون على إدارة المناطق المحررة، وإذا تمّ النجاح به فنكون قد جمعنا بين النجاح العسكري والنجاحات الاقتصادية والإدارية…

6 ـ هناك عدد من الموظفين في المناطق المحررة يقبضون رواتبهم من النظام، فكيف يتم التعامل معهم!؟
الرّد على هذه الشبهة: بالنسبة إلى هذه الشريحة عندما تقبض رواتبها تقوم بتصريفها فوراً إلى العملة المقترحة، وهذا من مصلحتها، لأنّ هذا المرتب سوف يتخلّص من إمكانية انخفاض قيمته فيما لو بقي بالعملة السورية، ومن ناحية أخرى فإنّ هذه الشريحة تنخفض بسبب استغناء النظام التدريجي عنهم، وبسبب أن فئة منهم لم تعد قادرة على السفر إلى مناطق النظام لأسباب أكثرها أمنية، وبالتالي سنصل إلى يوم يصبح عددهم محدوداً جدّاً…

7 ـ هذه الشبهة تقول: قد يسقط النظام خلال فترة قصيرة؛ لذلك لا ضرورة لهذه الحلول..!!
الرّد على هذه الشبهة: وما أدرانا أنّ الفترة ستكون قصيرة، فالآن نحن بالسنة الخامسة، ومن أوّل الثورة نقول سيسقط النظام ولما يسقط بعد..!!

وما أدرانا أنّ الأمر سيمتد لخمس أو عشر سنين جديدة…فالقضية السورية وقعت تحت خديعة المجتمع الدولي الذي من مصلحته أن تطول الأزمات في سوريا…لذلك علينا أن نعمل ونقدّم الحلول لمشاكلنا، وعندما يسقط النظام فلكلّ حادثة حديث…

وفي النهاية نقول: إنّ استبدال العملة في المناطق المحررة قد لا يُسقط النظام السوري اقتصادياً، لكنّه بالحقيقة يساعد على انهياره، ونحن بمعركة مع النظام السوري، فالواجب أن نستخدم السلاح الاقتصادي في وجه هذه النظام كما نستخدم باقي الأسلحة العسكرية والسياسية…هذا فضلاً عن منع الضرر عن سكان المناطق المحررة، بسبب تدني قيمة العملة السورية المستمر، والذي سيقود بالنتيجة إلى انهيار في العملة السورية على الطريقة اللبنانية أو العراقية، وعندها يدفع المجتمع ثمن هذا الانهيار الاقتصادي، لكنْ وقتها لا ينفع قولنا: لو فعلنا كذا لكان كذا…

اللهم ألهم ثورتنا رشدها، وافتح على أهلها، ووحّد صفوفها، واجعلنا من خدّامها…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *