الإنسانوية… النسخة الجديدة لحروب الأخلاق والقيم

مقالات - الإنسانوية .. النسخة الجديدة لحروب الأخلاق والقيم

✍️ ساجد تركماني (باحث وناشط سياسي)

الإنسانوية هي حركة اجتماعية فكرية ظهرت خلال العقود الماضية كرد فعل طبيعي على الحروب الدموية التي خاضتها البشرية مطلع القرن الماضي والنعرات العنصرية والعرقية التي راجت في تلك المرحلة، وقد قويت هذه الحركة بشدة خلال العقد الأخير مستغلة الحراك التحرري للشعوب في ربيعها العربي والتواقة للحرية السياسية فركبوا موجتها مطلقين الحبل على غاربه لمفهوم الحرية ومتجاوزين به كل الضوابط والأعراف والقيم التي كانت تضبطه سابقاً

لم تكتفِ الإنسانوية الجديدة بعناوين حرّية الإنسان وإعلاء القيمة الإنسانية (وهو مانتفق معها عليه) لكنّها تابعت نحو محاولة تحريره أيضاً من أي نظام أخلاقي أو قيمي خارج عن نوازعه ورغباته ..

التيّارات الفكرية الإنسانوية الجديدة التي تنتشر اليوم بين الشباب العربي تبدو آثارها واضحة في خطاباتهم التي تقدّس الإنسان بصورة تكاد ترفعه لمصاف الإله وتسبغ عليه حرية منفلتة من كل القيم والضوابط وقبلهما من تعاليم الأديان.. وعند كل خطاب أخلاقي توعوي أو توجيهي يحاول كبح جماح شططها وانطلاقها تتم الإحالة إلى حرّية الإنسان ولزوم احترامها والمحاججة بها وتوجيه التهم الغزيرة للناصحين والموجهين بالتسلط والاستبداد والرغبة باستبدال مستبد وطني بآخر ديني أو كهنوتي لكون الإنسانوية والإنسانويون يريدون أن يصبح الحكم الأخلاقي في أي مسألة هو قرار الإنسان نفسه.. فإن أراد فعل الشيء فلا بأس به.. وإن رفضه فلا تثريب عليه ..و دون التحاكم لأي مرجعية أخلاقية خارجية.

أي أنّ الحركات الإنسانوية لم تكتفِ بطلب حرّية الإنسان التي ضمنها له الإسلام مثلاً وجعلها شرطاً لتكليفه
مع إلزامه وجدانياً بنظام أخلاقي دنيوي وعواقب أخروية.

بل هي تسعى لتحريره من سلطة العقل و العرف والمجتمع ومن سلطة أي نظام أخلاقي أو دين .. أي أنّ مفهوم (الله) شبه مغيّب هنا إلا في أضيق الحدود وضمن بعض الممارسات المحدودة والمقصورة زمانياً (كرمضان وصلاة الجمعة للمسلم ويومي السبت والأحد لغير المسلم) ومكانياً (كالمسجد والكنيسة) الإنسان هنا هو ربّ نفسه، وهو من يحلّل ويحرّم لنفسه وعليها ما شاء.

باختصار : فكر “إلهه هواه” الذي ينتشر الآن وبقوّة ستكون له عواقب وخيمة على الإنسان والمجتمع، فالمحاججة بالحرية والقيم الإنسانية ستراها بوضوح خلف أي نقاش اجتماعي يدور اليوم من حولنا أيّاً كان موضوعه.

العقبة الأكبر أمام الوصول لحلول وسط مع هذه الشريحة هي صعوبة محاججتهم، لأنهم لا يستندون لمنطق ولا يعترفون بمصدر ثابت يمكن التوافق عليه سوى نزواتهم المتخفية بشعار (الحرية الشخصية) وقد أشار الله سبحانه لهذا المسلك المضطرب فقال : {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، أفأنت تكون عليه وكيلاً } .

0

تقييم المستخدمون: 1.32 ( 2 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *