جيشنا الوطني وصناعة الضباط

مقالات - جيشنا الوطني بلا رموز

جيشنا الوطني، وصناعة الضباط

 صرخة نذير وكلامٌ خطير

 

 مقدمةٌ طويلة قليلًا لا غنى عنها ومن بعدها كلامٌ خطير:

أيُّها السادة الكرام، لعلّ من أبرز المشاهد الدالة على ما عناه ويعانيه السوريون من طائفية النظام المجرم، ما شاهده ويشاهده كل الناس، في التركيبة الطائفية الحاقدة المسيطرة على جيش الدولة السورية، وما تسبب به اختلال القوى داخل الجيش من تبِعات انعكست طيلة عقود على كل الدولة السورية ما ساهم في تكريس النظام الطائفي وساعد العصابة القائمة عليه على الثبات والتشبث بالسلطة أكثر… ولئن كان هذا واقعًا قبل الثورة، ثُرنا عليه لنغيره، فالآن نرى أن الأمور تُرسَمُ للأغلبية السنية في سوريا لكي تعود إلى نفس المربَّع ولكي تبقى الأكثرية السنيَّة ضعيفة ذليلة لا قوة لها تحميها، بمؤامرة شارك فيها القريب قبل البعيد.

 

جذور المشكلة:

إذا أردنا أن نرجِع باختصار إلى جذر المشكلة، فسنعود إلى الربع الأول من القرن العشرين، يوم شكَّلت فرنسا في سوريا ما سُمي يومها (جيش الشرق) وكان قوامه من الأقليات القومية والدينية في سوريا، وأغلب ضباطه منها، وكان أغلب الجنود منهم أيضًا ومن بعض مناطق الشرق السوري النامية وأكثرهم من البدو وغيرهم، في حين امتنع أغلب أبناء المدن السنية الكبرى في سوريا عن المشاركة فيه، من منطلق نظرتهم العدائية للمحتل، وانطلاقا من ثوابتهم الدينية وقيمهم، ولعدم رغبة المحتل بوجودهم في المشروع أصلا وعدم استقطابه لهم….

وفي الحقيقة استمر الأمر كذلك إلى ما بعد الاستقلال لأن أبناء المدن الكبرى في سوريا تاريخيًا لا يتحمسون لمثل هذه الأعمال بسبب انشغالهم بتجارتهم وصناعتهم التي تؤمن واردًا ماديًا أكبر…

وعلى كلِّ حال لم يكن يُختار للترقية إلَّا من يناسب الاختبارات النفسية والسلوكية التي أرادها الفرنسيون في جيشٍ سيبقى بعد خروجهم من البلاد، وبالتأكيد سيكون الضباط المتقدِّمون هم الغربال الذي سيتم اختيار الطلاب الضباط عن طريقه، وهم الذين سيربونهم على القيم التي أرادتها فرنسا فيهم، وهذا سلوكٌ معروف من الدول في البلدان التي تحتلها، وما لبث أن تفاقم الأمر وازداد سوءًا بعد سيطرة البعث الطائفي على السلطة وتسريح الجزء الأكبر من الضباط السنة وحجبهم عن المواقع الحساسة والمفصلية، ووضعهم فقط حيث يكونون أداة تنفيذ بيد السلطة.

 

الخطر الداهم:

بعد هذه المقدمة الطويلة أقول: كلنا سمع ويسمع دائمًا أن الحل النهائي في سوريا كما في كل حروب الدنيا سينتهي على طاولة تفاوض، ولعلنا جميعًا سمعنا كيف تصرِّح كل الدول بأنَّ الحل بسورية موحدة لا مُقسَّمة، ولئن كان هذا هو الطرح فهذا يعني في النهاية ضرورة تشكيل جيشٍ لهذه الدولة التي ستقوم بعد الحرب، وهنا تكمنُ الطامَّة والمصيبة؛ فالجيش يتحكم فيه ويقوده ويسيطر عليه الضباط لا الجنود، فمن هم الضباط المؤهَلون لذلك مِمَن يُمثِّلون ثورتنا؟!

هل تعرف أيها القارئ الكريم بأنَّ كل الضباط المنشقين الفاعلين والنشيطين المشاركين في الثورة السورية، لو اجتمعوا جميعًا فربَّما لا يُشكِّلون ملاكَ لواءين في جيشٍ نظامي، تقبل الله الشهداء وبارك في الأحياء المجاهدين.

 

إذن أين ضباطنا؟ ومن سيحسبون علينا؟

هل سيُحسَب علينا الضباط المنشقون ممَّن خرجوا في أول الثورة والتحقوا فورًا بمخيمات الضباط في تركيا، ممن لم يكن لهم مشاركةٌ طيلة فترة الثورة، ممن انشقوا لا عن قناعة بالثورة ولا رغبةً بها بل فقط خوفًا من الموت بين الصفَّين، أهؤلاء يمثِّلون ثورتنا ويحملون قيمها؟! بالتأكيد: (لا).

[معلومة: آخر الإحصائيات تقدِّر عدد كل الضباط الأحياء حاليا منَ المنشقين عن جيش النظام السوري بألفي ضابط، معظمهم من الرتب الدنيا، ومع ذلك فعدد الفاعِلين منهم في الثورة اليوم والمنخرطين فيها يقدر بحدود ستمئة ضابط تقريبًا].

 

إذن أين البديل، وأين المشكلة؟

البديل المنطقي يكون في صناعة ضباط يدرَّبون بشكلٍ احترافي علمي من طلابٍ جدد أو من ثوار ومجاهدين يتعلمون بالتوازي مع مشاركتهم في الثورة التي أكسبتهم صفات الجرأة والشجاعة، ليكونوا رديفا وعونًا للقلة من الضباط المنشقين الثوار المشاركين في فصائل الثورة…

 

ولكن هنا بيت القصيد وهنا الطامَّة:

  • تخيلوا ونحن على أبوب السَّنة العاشرة من الثورة وليس في مناطقنا المحرَّرة مدرسةٌ حربية رسمية ولا كُلِّيةٌ عسكرية!!
  • ونحن على أبوب السنة العاشِرة من الثورة ولم نسمع بطُلابٍ من المناطق المحررة محسوبين على الثورة تمَّ إيفادهم للكليات الحربية عند حلفاء الثورة ليكونوا ضباطًا في المستقبل!

 

أكنتم غافلين عن ذلك كلَّ هذ السنوات؟!

سؤالٌ قد يُسأل، والجواب بالطبع (( لا ))، ولكنه مَكرُ القريب والبعيد.

عشر سنواتٍ ولست أول من يتحدَّث في هذا ولم يكن الجميع غافلًا عن الموضوع، بل قد تمت أكثر من محاولة لإطلاق مشاريع كلياتٍ حربية وكلها تم إفشالها وتخريبها، ولعل أدومَها وأطولها مدة مشروع الكلية الحربية الذي أُطلق بالاستفادة في غوطة دمشق سنة 2015 وخرّج أول دفعة سنة 2017م (دفعة الشهيد زهران علوش) ولم نسمع بعدها بهكذا مشاريع؛ وإنما نسمع فقط عن تخريج مقاتلين وعن معسكراتٍ تقام لذلك.

مقالات - جيشنا الوطني بلا رموز

 

بعض أعداء المشروع

وعندما نتحدث عن إفشالٍ وتخريب للمشروع، فلابد أن نعلم بأنّ محاربته كانت من عدة جهات، أولها -وهي الأقوى تأثيرًا-: الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري وأزلامها المنفِّذون لخططها على الأرض؛ وثانيها: كثيرٌ من الضباط المنشقين الذين تبوأوا مناصب قيادية في الثورة، لما يملكون من تخوفات خشية زيادة أعداد المنافسين لهم على فرصهم الحالية والمستقبلية؛ أما الصنف الثالث: فهم الجماعات الظلامية المرتبطة بالمخابرات العالمية والذين سعوا طيلة الثورة لإفشال أي مشروع يعطي قيمة مضافة لثورتنا.

 

معلوماتٌ خطيرة

  • هل تعلم بأنَّ الكليات الحربية التابعة لنظام الأسد الطائفي لم تتوقف عن تخريج الضباط طيلة السنوات التسع الماضية؟!
  • هل تعلم بأنَّ بعثات الطلاب الموالين للنظام الطائفي إلى الكليات الحربية في إيران وروسيا وكوريا والصين لم تتوقف طيلة السنوات الماضية؟!
  • هل تعلم بأنَّ الأحزاب الإرهابية الانفصالية شرق سورية PYD/PKK لم يتوقف دعمها العسكري وتدريبها وتخريج الضباط بين صفوفها من قبل حلفائها (الأمريكان ومن حالفهم).
  • هل تعلم بأنه في حال حصول أي تسوية سياسية وأي محاصصة فخصومنا لديهم مئات وآلاف الضباط المدربين حديثًا ممن يحملون قيَم وأفكار الجهة التي يمثلونها، إلا نحن!!
  • أمّا نحن الثورة والثوار، نحن الأغلبية السنية، نحن لا لنا حليفٌ ابتعث طلابنا للكليات الحربية ليخرجهم ضباطًا أخصائيين، ولا أتى من يساعدنا على تمويل هكذا مشروع في المناطق المحررة، ولم نجد أصلا من قاداتنا من يتبنى الفكرة ويدافع عنها!

مقالات - جيشنا الوطني بلا رموز

 

الفرق بين مشروع الرُتَب والكليات

طبعا عندما أتحدث عن كلياتٍ حربية فأنا أتحدث عن العِلم العسكري وتخريج ضباطٍ برتبٍ تناسب ما يحملون من عِلم وخبرة؛ فأنا هنا لا أتحدث أبدا عن الرتب الوهمية التي ينالها البعض بدوراتٍ قصيرة تشبه الدورات التي أقيمت للجنود والثوار أول الثورة، ولا أتحدث عن دورات وترقيات ينالها من لم ينل الشهادة الثانوية (وربما شهادة التعليم الأساسي) على حساب تجاهل بعض الجامعيين من المتطوعين في نواة جهازي الشرطة والجيش.

 

حلٌ اسعافيّ وآخر استراتيجي

ولكنَّ حديثنا هذا عن أهمية مشروع الكليات الحربية على المستوى الاستراتيجي الطويل، لا يتعارض وضرورة حلٍّ مرحلي إسعافي موازي يضغط سنوات تلك الكليات لفترة أقل في مقابل ما يتناسب من سنوات الخبرة العملية لمنح رتب تنظيمية للشباب العاملين حاليا في الفصائل الثورية، بما يناسب خبرتهم وكفاءتهم ومستواهم التعليمي، وفق امتحاناتٍ نزيهةٍ صارمة بعد الفترة التدريبية المخصصة لهم، والتي أتوقع أن تكون بحدود عام، (والحديث بالطبع عن الرتب الدنيا)، وبعد ذلك من أراد أن يطور نفسه وارتأت قيادته ذلك فسيكون الباب أمامه مفتوحًا لكي يُكمل.

مقالات - جيشنا الوطني بلا رموز

 

أيها المُخلِصون

أيها الثوار: مؤامرةٍ كبيرة تحاك لأهل هذه البلاد لكي يبقى جيشها المستقبلي جيشَ الأقليات، مؤامرة اشترك فيها القريب قبل البعيد والحليف قبل العدو، وليس لها إلَّا أن تتبناها قيادةٌ ثورية تفرضها بشكلٍ عملي، وتسعى بتأمين مورد دعمٍ لها ولو بالقليل، تكلها لأهل علمٍ عسكري يعشقونه وليسوا مجرَّد حملة رتبٍ لا يعلمون؛ وبالتأكيد لابد من الاعتراف النظري من الحكومة المؤقتة لكي نمنح طلابنا شهاداتٍ تضمن لهم الاعتراف بما بذلوه من جهدٍ في سنين عمرهم، ليكونوا ضباط جيشنا الوطني في المستقبل.

 

ختامًا: أقول لكم متألِّمًا: كل سنتين تقريبا يعود الحديث عن هذا الأمر إلى الواجهة ويتم عرضه على القيادات ويُبدون السرور به ثم يموت المشروع قبل أن يولد!! أسأل الله أن يكون الأمر هذه المرَّة مختلِفًا وأن يلقى أذنًا صاغية.

ألا هل بلَّغت؟ … اللهم فاشهد

0

تقييم المستخدمون: 4.12 ( 11 أصوات)

تعليق واحد

  1. أتمنى أن ينال لقبول لأنه من أهم لمشاريع التي بحاجة لها ثورة سورية نحن شعب أفضل من حارب وجاهد وقاتل وصبر وصمد ..وأن شاءلله صامدون وصابرون ومحتسبون

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *