انتحار ملحد عربي

تصوّر أنك داعية للشذوذ الجنسي، وملحد لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، لا تخشى عقابا ولا ترجو ثوابا، وأن الطبيعة ( كون أنك لا تؤمن بالله والقدر ) أوجدتك كمواطن عربي في زمان علوّ وتمكن بن سلمان وبن زايد والسيسي وحفتر وبشار وخامنئي وبوتين…. إلى آخر شلّة الأنس تلك التي ابتُلي بها كوكب الأرض!!!

لا شك أن الانتحار سيكون قرارا طبيعيا تأخذه بدون تردد….

الإلحاد أسهل الطرق للانتحار وأقصرها، خاصة لو كنت ملحدا عربيا من بيئة مسلمة، عرف الإسلام ثم جحده، وأكثر تخصيصا لو كنت مكابرا مجاهرا بإلحادك وشذوذك الجنسي، وتدعو إليهما، لأن المحلد يرى الدين قيودا وأعباء ثقالا تنهاه عن شهواته التي يلهث وراءه، وتفرض عليه من الواجبات ما لا يهواه، فلا حل إلا بالتحلل من كل ذلك بجحده.

يُصَادم الملحد الفطرة السوية، والمنطق السليم، بشعارات عقلانية وفكرية يرفعها، لينال شهوات حسية ومعنوية، يتفاجئ أنها تزول بسرعة، ويبقى صراعه المرير مع النفس والحياة، الذي لن يقوده إلا لثلاث طرق إما العودة والإيمان، أو الجنون، أو الانتحار…..

غياب مفهوم الإيمان بالغيب من حياة الإنسان ينسف أهم جزء من إنسانيته ألا وهو الروح، خاصة أن الإنسان لا يستطيع تحصيل ملذات الحياة إلا أقلها، وإن نال منها شيء فعلى كدر، وإن فرضا صفت له فلن تدوم، ناهيك عن الاكتئاب واليأس اللذان سيفتكان به من رؤية تسلط الأشرار على الضعفاء، وعلو المجرمين، وغياب العدالة، وانعدام ما يحفّز النفس على فعل الخير، أو اجتناب الشر، كل ذلك يدفعه بلا هوادة للانتحار.

انتحار ملحد عربي شاذ جنسيا ليس بسبب ما يقال أنه “تنمّر المجتمع ضده” بل هو بسبب هشاشته الفكرية والنفسية لمصادمته صحيح الفطرة والعقل، خاصة إذا كان يعيش بالغرب جنة الملحدين والشواذ جنسيا، وتحويل قضية انتحاره لجريمة يتحملها المجتمع المسلم الذي انسلخ عنه ما هو إلا للتغطية على فشل الإلحاد والشذوذ الجنسي في علاج مشاكل الإنسان خاصة العربي، وتحقيق ما يأمله من سعادة وراحة دنيوية، وأضف إلى ذلك أن تلك الفئة من الناس لا تمتلك رموزا شعبية جاذبة، ولا شخصيات مؤثرة تليق بأن يُسلّط الضوء عليها، تحديدا زمن الربيع العربي، لأن أغلب رموز هذا التيار كانوا من المتحالفين مع الأنظمة الاستبدادية، أو الثورات المضادة، ما يسقطهم شعبيا وقيميا، لأنه يظهر كذب شعارات الحرية، وحقوق الإنسان التي يدعونها، ولا يجعلهم يرتقون لمستوى الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، الذين ثبتتهم عقيدتهم في معركة الحرية، ودفعهم إيمانهم باليوم الآخر للإحسان للناس كل الناس مع تحمل أذاهم، وفرض عليهم إيمانهم أن يصدقوا في الشعارات التي يؤمنون بها رغم ما يلاقونه في الدنيا من عذابات.

ما سبق يدفعنا للتساؤل ما الذي يدفع الشباب العربي المسلم للإلحاد، والدفاع عن الشذوذ الجنسي، والمطالبة بتحييد الشريعة الإسلامية عن الحياة؟

هناك جملة من الأسباب لعل أهمها:
1) عصر الهزيمة:
عدم فهم المسلمين لسنن الله في الحضارة والعمران والتدافع، وتخلفهم حضاريا وماديا، مع ما تعانيه دولهم من كوارث، مقارنة بالرفاه النسبي والتقدم الحضاري الذي تعيشه الدول غير المسلمة، يجعل قسما منهم يعتقد أن المشكلة هي بالإسلام نفسه وليس في معرفتنا به وتطبيقنا له.

2) سطوة الثقافة الغالبة:
أخبرنا ابن خلدون أن المغلوب مولع بتقليد الغالب في زيه وشعاره، بل يصل الانهزام النفسي بالمغلوب لاعتناق أفكار الغالب وقيمه، والانقلاب ضد ثقافته الخاصة، ومجتمعه الأساسي، ولو تصفحنا التاريخ لوجدنا أن من أهم ركائز الاحتلال الغربي للدول المسلمة هو تلك الشخصيات التي درست في مدارسه، وتربت في مجتمعه، واعتنقت ثقافته، فصارت وكيلا له علينا، تنشر ما يشاءه من أفكار.

3) حكم القوي على الضعيف:
أفكار العلمانية والإلحاد والشذوذ التي يتم ترويجها في الدول المسلمة مصدرها دول أقوى منها، تعتبر الدول الإسلامية باحة خلفية منتهبة لها، وميدانا لترديد صدى الأفكار النابعة عنها، ويتم تسويق هذه الأفكار بستار من الشعارات البراقة، والذرائع التي تبدو محقة كحقوق الإنسان، والحرية الشخصية، علما أن هذه الشعارات تفقد فعاليتها لو تم استخدامها مثلا في الدفاع عن تعدد الزوجات، أو احترام خصوصية مجتمع ما يريد باختياره الطوعي أن يُحكَم بما يعتقده، ولا تسري أحكام هذه الشعارات نهائيا على انقلابات السيسي وحفتر، ولا على جرائم بشار وبن زايد، لأنها فقط تسير باتجاه واحد يحدده الأقوى.

4) الإعلام ووسائل التواصل:
تغوّل وسائل التواصل الموجودة خيوطها بيد الأقوياء، وتغلغلها في أدق تفاصيلنا، وتأثيرها الضخم علينا، ويؤكده ما نقرؤه ونراه كل فترة من دراسات وأخبار عما تتركه من آثار نفسية وتوجيهية على جمهورها أهّلها لتكون أفضل سياط لجلد عقول الناس، وإقناعهم بما يُراد لهم.

الأمر ليس تهويلا وهوس نظريات مؤامرة، بقدر ما هو خطر حقيقي تجند الدول له أجهزة استخباراتية قوية، ومؤسسات إعلامية عملاقة، وقدرات تقنية متقدمة، ولا أدل على ذلك من الأخبار التي نسمعها بشكل شبه يومي عن استخدام فيسبوك وتويتر في توجيه ملايين الناس لفكرة محددة، أو رأي مسبق، أو حذف يوتيوب لمقاطع تخالف معايير معينة تفرضها مؤسسات الأقوياء التي تمثلهم، من يخالفها يكون مصيره التهميش والنبذ، والتحول لشخص غير مقبول اجتماعيا.

5) نماذج دينية فاشلة:
ظهور تنظيمات وشخصيات دينية أساءت للإسلام وأحكامه، مع تسليط الضوء إعلاميا عليها وتضخيم أخطاءها وتسويقها، أدى لرسم صورة ذهنية عند الناس عن الإسلام وأحكامه أنه دين الخنق، والتقييد، والتخلف، والغرائز الإجرامية الدموية المكبوتة، أو دين الانحلال والضعف والنفاق، حيث يقتصر عمله على أفيون للشعوب تعطاه من مستبديها لتخديرها عن المطالبة بحقوقها.

تفجيرات القاعدة، وسكاكين داعش، وفتاوى الخميني، خطيرة تماما كخطورة نفاق المداخلة، وتدليس الجامية، وتمييع المنهزمين نفسيا من رجال الدين، جميع تلك التصرفات تطرف إما نحو إفراط أو تفريط، تبعد صاحبها عن وسطية الإسلام.

6) الاستبداد:
وهو مفتاح كل شر، ورأس كل رذيلة، ومنبع كل فساد، فما تمكنت تلك الأسباب وأنتجت أمراض الإلحاد، والشذوذ، وبغض الدين، إلا بجهود سلطة مستبدة غاشمة، ضيّقت على الناس معايشها، ولعبت بمقدسات الدين ورموزه فأفسدتها، فمشاكل المسلمين اليوم دينيا ودنيويا ما هي إلا نتاج سلطات مستبدة لا تتواصل مع شعوبها إلا في أفرع المخابرات، ولا تسمع منها إلا صرخات التأييد أو آهات التعذيب، أما آراء الانتقاد فمحرّمة كليا.

إذن ما الحل؟
كشاب عربي مسلم يعيش هذه المشكلات بشكل يومي، ويعرف عديد الناس الذين أصيبوا بهذه الآفات وبنسب متفاوتة أظن أن الحل الأمثل هو حث الجهود لاستكمال مسيرة الربيع العربي، وانتصار الشعوب بمعركة الحرية ضد الاستبداد، لذلك أظن أن الأولى عدم تضييع الجهود بمعارك جانبية، بل تركيزها بالمعركة المصيرية لانتزاع حرية اختيار الشعوب، فوجود سلطة منتخبة شعبيا، تحوز مفاتيح القوة وهي مستندة لشرعيتها، وتعرف كيف تدير الموارد، وتوجه القوى، وتستنهض الشعب لرسالة البناء، كفيل بأن يحوّل هذه الظواهر الموجهة خارجيا إلى حالات فردية ضعيفة الأثر بين الأفراد، وبالمجتمع.

لا أطالب بإعطاء الإسلام فرصة لأني لا أراه مدانا بقفص الاتهام يستجدي تعاطفنا، بل أطالب أن نعطي أنفسنا نحن فرصة ونتحرر ولو مؤقتا من الأسباب السابقة، وننظر لظواهر الإلحاد والشذوذ الجنسي ومطالب فصل الشريعة عن الحكم بالعقل والمنطق الذي يدعيه أرباب هذه الدعوات، ونتفكر بآثارها المجتمعية المستقبلية، ومنبعها، ودوافع من يعتنقها وينشرها، ومآلات تطبيقها على الأفراد والمجتمعات، وهل ستكون هي فعلا الحل لنا للازدهار والنور، أم أنها وسيلة تطويع أخرى للتماهي أكثر مع رغبات القوي الغالب ؟!

0

تقييم المستخدمون: 3.61 ( 4 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *