داء الاستبداد

التوعي السياسية - داء الاستبداد

“إنك إذا لم تستطع أن تمسك بالثور من قَرنيْه؛ فلن تستطيع أن توقفه إذا أمسكت به من ذنَبه”،
بهذه الحكمة افتتح رسول حمزاتوف إحدى رواياته الشهيرة [1]، ليؤكد أن هناك أشياء إذا فاتت لم تدرك، وإذا ذهبت لم تُلحَق. ومع ظهور ووضوح هذه المُسلّمة التي ضمّنها حمزاتوف في مقالته السالفة، إلا أن جمهرة من المتزعمين والمتصدرين لا يزالون يكابرون مثل هذه الحقائق، ظانين أنهم بفطنتهم وذكائهم قادرون على استدراك ما فات وإصلاح ما فسد.

في رأي المؤرخ ابن خلدون: الدول – ويشابهها الجماعات والتنظيمات – مِثلُها مِثلُ أي كائن حي، يولد وينمو ثم يهرم ويفنى، لكن هناك ما يؤخر فناء مثل هذه الدول والتنظيمات برهة من الزمن، وهناك أيضا ما يعجّل بسقوطها وزوالها، وليس شيء أحرى بأن يكون العامل الأساس لسقوط وتهاوي الدول والجماعات من داء الاستبداد..

ووَفقًا للمفكر الحلبي عبد الرحمن الكواكبي، فإن أصل العلل وأسّ الأدواء هو الاستبداد السياسي، وقد تمحّص رأيه هذا بعد بحث امتدّ لثلاثين عاما، بحثا يقول عنه الكواكبي: “كاد يشمل كل ما يخطر على البال من سبب يتوهم فيه الباحث عند النظرة الأولى أنه ظفر بأصل الداء، ثم لا يلبث أن يكشف له التدقيق أنه لم يظفر بشيء، أو أن ذلك فرع لأصل، أو هو نتيجة لا وسيلة”.[2]

لهذا لم أستغرب مما ذهب إليه نَفَرٌ من أهل العلم المعاصرين في تقديمهم مبدأ الحرية على تطبيق الشريعة[3]، في فهمٍ عميقٍ لجوهر الإسلام، بعيدًا عن المظاهر الإسلامية ذات الحقيقة الطاغوتية؛ مما نراه ماثلًا أمامنا من أولئك الذين يَدفعون بشعاراتِ الحاكمية وتطبيق الشريعة مطالبَ الناسِ المُطالِبة بهدف الثورة الأمّ: “نحنا بدنا حرية”.
***

[1] رواية (بلدي)، دار الفارابي، ص٩
[2] طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد (ص٧)
[3] انظر: (الديمقراطية، الجذور وإشكالية التطبيق)، لمحمد الأحمري (ص١٤٠).

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *