فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون – أحكام السجن والسجناء في الإسلام

كتب سياسية - أحكام السجن ومعاملة المعتقلين

أحكام السجن والسجناء في الإسلام

 

فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون

(أحكام السجن والسجناء في الإسلام)*

تأليف: أ.د. حسن عبد الغني أبو غدة

عرض وتقديم: فضل الله ممتاز

 

*طبعة الكتاب الأولى كانت تحت عنوان: أحكام السجن والسجناء في الإسلام

يقول كاتب العَرض: عِشـت مع موضـوع هذا الكتاب الفقهي الطريف: “فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون”، الذي استقام شباباً ناضراً، وصرحاً ممرداً، ونتاجاً مثمراً، يزهو بأصوله الراسخة، وفروعه الباسقة، وثماره اليانعة، وأفكاره القيمة، ونتائجه المسلَّمة  وها هو بين يدي القُرّاء، بإشراقه المنير، وجماله الوضيء، وحسنه الرائع: قَطف دانٍ، وحَصيد نضيد، وأثرٌ بالغ، ينطق بجهود مكثفة، وأعمال متواصلة، ودأب لم يَنِ ولم يفتُر عبر سنين.

سِفرٌ مفتوح، تكاملت فصوله، وانتظمت بحوثه، وتسلسلت أفكاره، وسُجِّلت في سطور، كأنها الرياحين في البساتين، والزهور الباسمة في الروض النضير.

إنه كتاب، لكنه كتاب متميز، وكتاب فقه، لكنه فقـهٌ عملي واقعـي، ثابت قائـم، أيدته النصوص، وأرسته الأحداث، فلا مرية في حقائقه، ولا ارتياب في نتائجه.

إنه كتاب فاصل، وأثر علمي هائل، يستحق القراءة، ويستحق التبصُّر، ويستحق الثناء والتقدير.

طبعات الكتاب:

طبعته الأولى كانت تحت عنوان: “أحكام السجن والسجناء في الإسلام” (وهو النسخة الإلكترونية التي استطعنا توفيرها حاليًا) وأصله رسالة دكتوراه للمؤلف، أما طبعته الثانية بعنوانه الحالي: “فقه المعتقلات والسجون بين الشريعة والقانون”  ـ نشرتها مكتبة الرشد بالرياض، وطبعته الثالثة نشرتها دار كنوز إشبيليا بالرياض /1434هـ  وتقع في 727صفحة.

 

وقد قام الكتاب على مقدمة، وأربعة أقسام:

القسم الأول: في السَّجْن (مشروعيته وأنواعه وموجباته) .

القسم الثاني: في السجون.

القسم الثالث: في معاملة السجناء.

القسم الرابع: في إدارة السجون.

ووقع في أكثر من سبعمائة صفحة من القطع الكبير عدا صفحات المصادر والفهارس.

تناول المؤلف هذه الأقسام بجدية ظاهرة، وبحث معمق، وعرض شيق، وأسلوب رقيق متين، وعزْوٍ أمين إلى المصادر القديمة، والمراجع الحديثة؛ وأعطاها حقها من التأسيس والتشييد، والتأييد بالنصوص الشرعية والفقهية والقانونية، والوقائع المادية التاريخية؛ فجاء كتاباً قيماً، محققاً للهدف، منجزاً للوعد، موفياً بالغرض المنشود، كأحسن ما ينبغي أن يكون.

وقد سلك في كتابه السبل العلمية المؤدية بذاتها إلى الحقائق، وهي: طريقة الاستقراء، ورصد الأحداث، واستقصاء النصوص، والاستفادة من الواقع المشهود، في دنيا السجون. فاستقصى الألفاظ ذات الصلة بالسجن، وعرَّفها، وعقد الصلة فيما بينها، وكانت أربعة عشر مصطلحاً.

واستعرض ألوان الحبس في القديم والحديث: عند الفراعنة، واليونان، والهنود، وعند الروم، والفرس، وعند عرب الجاهلية وغيرهم؛ ثم في الإسلام حتى وصل إلى العصر الحديث: في أوربا وأمريكا واليابان والباستيل وغوانتنامو وأبي غريب…

ورسم ما تخلل الحبوس من مآسٍ ومعرَّات ومخازي، وقدَّم صوراً مُفزعة مخجلة مثيرة، لا إنسانية فيها، وقارنها بما كان من مآثر بعض حكام المسلمين المُصلحين، في القرون الأولى، حتى ظهرت الحركات الإصلاحية الأخيرة للسجون.

كما استقصى أوْ كاد، النصوص الشرعية والفقهية التي تقرر أن الغاية من السَّجن، هي: الزجر والاستصلاح والتقويم، لا الانتقام والتشفي والتعذيب، وقدَّم الأمثلة على ذلك، وأرجع مقاصد السجن في الإسلام، إلى حفظ مقاصد الشريعة الخمسة المقررة.

كما استعرض في استقصائه، تاريخ السجون قبل الإسلام وبعده، من عهد الخلفاء الراشدين، حتى وصل إلى عصور الأمويين والعباسيين ومَن بعدَهم، فعرض لسجون الشام والعراق والجزيرة، ومصر والمغرب والأندلس . وطرح فيما استقصاه صوراً وعبراً من التاريخ، وأنباء قيمة، وأحاديث ذات دلالات.

ومما زاد في قوَّة الكتاب زيارةُ المؤلف الفعلية لبعض السجون المعاصرة، واستفساراته عن بعض معاملات السجناء، واستفادته من الممارسات الواقعية فيها.

ثم وازن بين السجناء والأسرى في سجون المسلمين، وبين السجناء والأسرى في سجون الآشوريين والفراعنة والرومان والأوربيين. فيا للإنسانية المهدَرة عند الآخِرين! وواهاً للكرامة المنشودة الرفيعة عند الأولين!

 كما وازن بين سجن العلماء، الذي وقع لأمثال الأئمة: أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والبويطي، والسرَخْسي، وابن تيمية، حيث كان يُجرَى الماء لبعضهم، ويمكَّن من الكتابة، ومن اجتماع تلامذته به، وإملائه عليهم .. وبين سجن العلماء والمفكرين والفلاسفة عند الغربيين، وبخاصة في الباستيل.

كما وازن بين التصرفات الشاذة التي وقعت فعلاً في بعض سجون المسلمين، عند بعض الأمويين والعباسيين، وبين السجون الأوروبية، في القرن الثامن عشر، ونقل عن الباحثين الغربيين أن تلك على شـذوذها ـ عن الخط الإسلامي ـ لم تبلغ ما بلغته هذه من حيث العقوبات المروعة، والقسوة الغليظة والانتهاك لحقوق الإنسان وحرماته.

وكان من دأب المؤلف أن يلخِّص ـ في سطور ـ مواطن الخلاف وغيرها بعد بسطها. ومن ذلك ما يلي:

  1. ما فعله حين لخص خلاف الفقهاء في القصاص من الحاكم، وتضمينه الأضرار التي تلحق بالسجناء، وما تلِف بسبب عقوبته.
  2. وكما فعل في الحديث عن خروج السجين من السجن لأحوال خاصة، عددها: كحضوره المحاكم القضائية، وعند حاجته إلى الرعاية الصحية، وعند الجهاد حال النفير العام.
  3. وكتلخيصه ما ينبغي أن يُصنع للسجين قبيل وعند الإفراج عنه.

كما كان من دأبه، أن يرجح ـ في توفيق ـ بين الأقوال المختلفة. ومن أمثلة ذلك:

  1. أنه لما اختلفت المذاهب في حبس الوالد الممتنع من الإنفاق على ولده، رجح مذهب الحنفية، القائلين بالحبس، رفعاً للضرر عن الصبي، فربما مات جوعاً – كما قال مالك – وأضاف إليه: أنه إذا كان مالك رحمه الله قد أجاز ضرب الأب بديْن ابنه، رعاية لحق الله، فالظاهر جواز حبسه إذا امتنع من النفقة، لأن النفقة أخطر من الدَيْن، بل ربما تتعين سبباً لشراء احتياجات الابن وإنقاذه.
  2. كما رجح رأي القائلين بجواز اتخاذ أماكن للسجون، خلافاً لمن منع من ذلك، واستدل لذلك بعمل الخلفاء الراشدين وموافقة الصحابة.
  3. ورجح قول الجمهور، في أن السجين يُخرَج للعلاج، لا كما قال أبو يوسف رحمه الله: إنه يعالج في السجن ولو هلك، لأن الهلاك في السجن وغيره سواء، وسبب الترجيح عنده: أن في خارج السجن من العلاجات والأجهزة المتطورة، ما ليس في السجن .
  4. ورجح خروج السجين للجهاد، لأن أبا مِحْجَن، خرج من سجنه يوم القادسية، ولم ينكر عليه سعد بن أبي وقاص ذلك، وقد أبلى يومئذ بلاءً حسناً .
  5. ورجح كذلك قول الجمهور في إخراج المجنون من السجن، خلافاً للحنبلية وبعض الحنفية.
  6. ولم يستجز المؤلف حلق اللحية، في تأديب السجناء؛ لأنها من شعائر الإسلام؛ خلافاً لصنيع بعض الحاكمين المستهترين بشعائر الدين.
  7. ورجح قول الحنفية في عدم صحة إعطاء الأسير المسلم، الأمانَ للعدو، وذلك لوجاهة أدلتهم، ولمركزه الضعيف.
  8. كما رجح في مقدار ضرب السجين تأديباً، تفويضه للحاكم، مع مراعاة عدم الزيادة على ما يكفي للانزجار.
  9. واختار ضابط القرافي في تعداد موجبات الحبس، فعدَّدها، وأضاف إليها، وهو اختيار موفق، وزيادة مبتكرة.

كما أن للمؤلف آراء وتعليلات مقبولة معقولة، من ذلك:

  1. أنه يرى أن توبة السجين ـ ولو قبل انتهاء مدة محكوميته ـ هي الأولى في كثير من الأحيان، للإفراج عنه، وأنها السبيل الأجدى والأسرع في تأديب السجناء وإصلاح أحوالهم.
  2. ويرى أن الحبس بتهمة، إجراء احتياطي لابد منه؛ منعاً لهرب المظنون فيه، وضياع الحقوق، ولتضييق دائرة الجريمة .
  3. ويرى أن منع ضرب المسجونين مطلقا غير عملي، ولا ينفع في التدابير التأديبية مع المسجونين، وبخاصة المتمردين على النظام، والمدمنين على الفساد والجريمة.
  4. ويرى – إلحاقاً بمنع الحاكم من الحديث مع السجين تأديباً له- منعه من المراسلة، والاطلاع على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وذلك عند وجود مصلحة عامة.
  5. ويرى أنـه يجب تخصيص السـلطات القضائية والتنفيذيـة العليا ـ كالقاضي والوزير ـ بإيقاع العقوبات الشديدة بالسجين، وترك الخفيفة لمدير السجن ونحوه.
  6. ويرى أن حبس المتهم المعروف والمجهول الحال، حتى يظهر حاله، ينبغي أن يكون بغير تحديد مدة، وأن يترك للقاضي تقدير ذلك.
  7. كما يرى وجوب تعويض المحبوس بتهمة إذا ظهرت براءته، عما لحقه من أضرار مادية ومعنوية، ومعاقبة المقصِّر والمتسبب في إيذائه.
  8. ويرى تأصيل الحبس الاحترازي، وتمييزه عن الحبس بتهمة، وعن الحبس التعزيري، وهذا يدل على عمق نظر المؤلف، ودقته، وحسن تفهمه لطبيعة موضوعه.
  9. كما قام بتعليل بعض الأحكام، وذلك حين نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، ما ذكروه في حبس المتستر على المجرم، فعلَّله بأنه لإعاقته سير العدالة، ووقوفه في طريق استيفائها. ثم نقل في ذلك قضايا تاريخية مؤيدة عن سوار التميمي، وشريك النخعي.

وللمؤلف فوق ذلك اجتهادات سليمة بصيرة، تعتمد على الأدلة، وتُشير إلى سعة أفقه، وعمق نظره، ومن ذلك:

  1. أنه يرى أن إضراب السجين عن الطعام حرام، ولا يجوز، وأنه إذا مات فهو منتحر. ومع أنه لا نص في المسألة، لكنه استدل بالحديث: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا، عذب به يوم القيامة». وحديث: «قاتل نفسه في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً».
  2. كما اجتهد في الاستدلال لمسألة تحريم معاقبة السجين بالمحظورات التي تتفطر القلوب لسماعها، بحديث : «ظهر المؤمن حمى».
  3. وقد يلتحق بهذا ذهابه إلى أن المعارضين السياسيين كالبغاة، لا يحبسون ما لم يقوموا بمواجهات مسلحة. ونقل عن علي قوله، لما طعنه ابن ملجم: «أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولي دمي، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا به».
  • وللمؤلف مواقف في التعليل، والتوفيق، والتوجيه، والإلحاق، تنطق بشخصيته الفقهية المتميزة غير المتحيزة، وهذا مما يحمد له، فهو لا يتحيز لمذهب بعينه، ولا لأقوام بأعيانهم، من أهل الفقه أو الحديث أو السلف، بل يلزم الدليل الشرعي ولا يعرف التعصب المذهبي.
  • وتجدر الإشارة إلى أن للمؤلف مناقشات هامة، لبعض الآراء، ومن أهمها: الانتقادات الموجهة إلى مبدأ اتخاذ السجون، كتعطيل الإنتاج، وإرهاق خزانة الدولة، وإفساد المسجونين، وانعدام قوة الردع، وقتل الشعور بالمسؤولية، وازدياد الجرائم، واتساع سلطان المجرمين، والإضرار بأسر السجناء، والكآبة والغم والسقم والمهانة التي تلحق بالسجناء وبذويهم….. وقد فندها كلها وأرجعها – بحق – إلى التقنينات والأنظمة الوضعية، التي ازدادت فيها أهمية الحبس، في القرون الأخيرة، لأن الحبس فيها هو العقوبة الأولى، لكنه في الشريعة الإسلامية عقوبة احتياطية، وهي واحدة من خمس عشرة عقوبة تعزيرية .

كما أن الشريعة تقيم الحدود، ولا تجيز بحال تبديلها بالسجن، بخلاف القوانين الوضعية، التي لا تعرف الحدود، بل لا تعرف إلا السجون، فتزيد من أعدادها ومن أعداد المسجونين.

وضرب لذلك أمثلة كثيرة مثيرة، في أرقى بلاد الدنيا، من أهمها: الولايات المتحدة الأمريكية، إذ اعترف المجرم ( ستيفن جودي ) وعمره 24 سنة فقط، بارتكاب 13 عملية اغتصاب لفتيات، و 50 عملية سطو، و200 سرقة، وكان في كل مرة يُحوَّل من المصحة النفسية إلى السجن، ثم بعد الإفراج عنه سنة 1979م اغتصب امرأة سنها 21 سنة، ثم خنقها، وأغرق أطفالها الثلاثة؛ وعندئذ تحركت العدالة، لتنفيذ حكم الإعدام فيه وذلك في مارس سنة 1981م.

وقرر حيال ذلك أيضاً، أن وظيفة الدولة في الإسلام تقوم أساساً على القيم الدينية والأخلاقية، التي تهذب الطباع، وتغرس مراقبة الله في النفوس، وتأمر بالتحلي بالمكارم، وتحث على التزام الفضائل، وتقوي الترابط الأسري، وتهدف إلى تكوين نوازع ذاتية وقائية في نفس كل فرد…
أما الدولة في القانون الوضعي فلا تقوم على أساس القيم الدينية، ولا تهتم بمكارم الأخلاق، بل هي تتنكر لمبدأ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتعتبره تدخلاً في الشئون الخاصة، وتسن القوانين العلاجية على حساب الوقائية، وتسمح لوسائل الإعلام وغيرها بأن تفعل ما تشاء تحت اسم الحرية والتوعية. وليس من العجيب بعد ذلك، أن تزيد الجرائم، والمفاسد والأزمات… ولهذا زادت الجرائم، في الإحصائيات الحديثة، بشكل مخيف، في البلاد التي تستبعد شرعة الله تعالى، ففي إحصائيات علمية منشورة وموثقة، وجد أخيراً أن نسبة حدوث الجريمة لكل ألف من السكان كانت كما يلي:

في استراليا: 00,75

وفي الدنمرك : 52,60

وفي ألمانيا : 71,41

وفي تونس : 00,8

وفي المملكة العربية السعودية : 22,0 بالألف، وأرجع ذلك إلى سيادة الشريعة الإسلامية عموماً في مجتمع المملكة، إضافة إلى تطبيقها الحدود والتعازير الشرعية الرادعة بشكل عام ؛ مع من فيها من ملايين الأجانب المقيمين، والحجاج والمعتمرين، وغيرهم من الوافدين إليها في كثير من أيام السنة.

  • وبعد أن ناقش وفنَّد المؤلف، كل ما أثير من سلبيات ومآخذ على السجن، عطف على تبيان محاسن السجن، وفوائده، فأحسن وأجاد، وأيد كل ذلك بما نقله عن المسجونين، في القديم والحديث بما يطول ذكره، وعدَّ منها : الرشاد والتعقل، وإدراك السجين قيمة الحرية، والثبات على المبدأ واكتساب المهن المفيدة، والتفرغ للعبادة والصلاة وحفظ القرآن ومدارسة العلوم الشرعية وغيرها، كالذي كان من البويطي، والسرخسي، وابن تيمية – رحمهم الله تعالى – ومن محاسن السجن التي ذكروها تعود الصبر على المكاره، ومعرفة العدو من الصديق، واستبراء المتهم، وكف المجرم عن الإيذاء، وإصلاح المعتدين، وتأديب العصاة والمجرمين، ومنع شرهم عن المسلمين…

وبعد هذا كله، لا بد من الإشارة إلى أهم النتائج والتوصيات التي وصل إليها المؤلف ـ ولو باختصارـ ومن ذلك ما يلي:

  1. أن الحبس مشروع في الإسلام، وهو واحد من خمس عشرة عقوبة تعزيرية، غير الحدود
  2. عدم جواز تعطيل الحدود الشرعية.
  3. غاية الحبس الأولى، هي الردع والتأديب والإصلاح، إلا ما كان من الحبس للاستيثاق، فإن غايته الكشف عن حقيقة المتهم، أو التحفظ لمنع وقوع الضرر.
  4. جواز إيقاع الحبس مع عقوبة أخرى تعزيرية.
  5. أن تكون نهاية الحبس عند صلاح السجين وتوبته، ولو حصل ذلك قبل انتهاء مدة الحكم.
  6. الحبس كفارة لذنب المحبوس؛ لأن الله تعالى أكرم من أن يعاقب على الذنب مرتين.
  7. لا يجوز حبس المتهم إلا بقرائن قوية.
  8. يُعّوض المسجون بتهمة عن الأضرار التي لحقت به أثناء حبسه ظلماً، لأنه ناشئ من تقصير الدولة وموظفيها.
  9. أصل سلطة الحبس لولي الأمر، أو لمن ينيبه من أهل الاختصاص.
  10. للحبس موجبات وجرائم معلومة مدونة في المراجع الفقهية والقضائية، أحصى المؤلف منها 130 موجباً، ما بين منصوص عليه، ومجتَهد فيه.
  11. إحصاء جرائم الحبس التي عرفت في المجتمع المسلم، منذ عهد النبوة، ومقارنتها بالجرائم المعاصرة.
  12. إثبات أن النبي عمل بالحبس، واتخذ مكانا لحبس النساء، عند باب المسجد، وحبس الرجال في غير موضع دون أن يخصص لهم مكانا واحداً.
  13. إثبات أن عمر أول من اتخذ مكاناً خاصاً للحبس، وأن علياً أول من بنى مكاناً خاصاً للحبس.
  14. استعراض أحوال السجون القديمة، ومعاملة السجناء فيها.
  15. بيان أنه في أغلب العصور الإسلامية، كانت السجون واسعة مضيئة صحية، تتوفر فيها المرافق والخدمات.
  16. بيان اهتمام المسلمين بالسجون، وتصنيفها: تبعاً لجنس المحبوسين، وأعمارهم، وجرائمهم، ومكانتهم الاجتماعية ونحوها.
  17. الإقامة الجبرية مشروعة، وقد عمل بها المسلمون منذ قرون، قبل أن تفتخر بها الأنظمة الحديثة.
  18. إبراز سياسة علي في إنفاق الدولة على المسجونين، وإلزام المفسدين بالعمل في السجن، للإنفاق على أنفسهم وأسرهم.
  19. الأحوال الشاذة التي وقعت في سجون المسلمين، لا تمثل تعاليم الإسلام وتشريعاته، لأن بواعثها شخصية وفردية حاقدة، وقد كان للحكام في كافة العصور – بوجه عام – أثر في إصلاح السجون، والإحسان إلى المسجونين.
    وقد ذكرت الوثائق الغربية ذاتها أن الحالات الشاذة عند المسلمين، لم تبلغ ما بلغته السجون الأوربية في عصر النهضة، من قسوة مروعة، وتعذيب، وتنكيل، كل ذلك برعاية القانون وحمايته، بل وبمشاركة من سلطات الكنيسة.
  20. تمكين المسجونين في السجون الإسلامية من العلم ووسائله، وبيان أهمية ذلك في الإصلاح.
  21. جمع نصوص الفقهاء في أحكام عبادات المسجونين، مع ذكر صور من تعبد السجناء وتبتلهم داخل السجون.
  22. دراسة مشكلة إضراب السجين عن الطعام، ووضع حكم شرعي لها
  23. ترجيح جواز تشغيل المسجونين بالحِرَف والمهن التي يحتاج إليها المجتمع
  24. جمع ما ذكره الفقهاء في أحكام تصرفات السجناء، حتى السجين الذي يقدم للقتل، تنفيذاً لحكم الإعدام.
  25. عمل الإسلام على إبقاء صلات المسجونين بذويهم.
  26. ضبط موجبات تأديب السجين ومعاقبته، وما يجوز منها وما لا يجوز.
  27. حكم الإضرار بأبدان السجناء وأموالهم، وبيان ما يترتب على ذلك من ضمانات مالية وجزاءات عقابية.
  28. مشروعية خروج السجين من سجنه مؤقتاً ودائماً، وبيان حالات ذلك.
  29. مشروعية تهيئة السجين للخروج، والدعوة إلى تكريمه، وإلى إعانته مادياً، ورعايته معنوياً.
  30. حرص المسلمين على إسناد الولاية على السجون إلى الصالحين الأكْفاء.
  31. بيان أن الشريعة تدعو إلى تزويد السجون بالأطباء، والموجهين الدينيين، والمدرسين ومعلمي الحرف ونحوهم ممن يسهمون في تحقيق الأهداف من الحبس.
  32. بيان أن القضاء في الإسلام ـ أصلاً ـ هو المكلف بتفتيش السجون، والكشف عن المظلومين ومتابعة أساليب معاملة السجناء، وهو ما تنادي به النظريات العقابية المعاصرة.
  33. البيان من خلال الوثائق الثابتة: أن الفقه الإسلامي قد سبق إلى تقرير المعاني الإنسانية في السجون، وأكد على حقوق السجناء ووجوب رعايتهم، وتعتبر وثيقة الإمام أبي يوسف القاضي – تلميذ أبي حنيفة، وقاضي قضاة الرشيد – صورة تمثل أبرز المعاني المنشودة، في إصلاح السجون.

وليس ذلك فحسب كلُّ ما في هذه المؤلَّف النفيس، بل يضاف إلى ذلك أمر آخر، على جانب من الأهمية، وهو أن البحث في ذاته فقهي، ولا يخلو من الجفاف، لكن الباحث، بأسلوبه الرفيع، واطِّلاعه الواسع، على كتب الأدب والتاريخ، والتراجم، استطاع أن يطرِّي البحث ويلطِّفه، ويقلِّل من جفافه.

فعمد في كثيرـ وكثير جداً ـ من المواضع، إلى تذييلها بوقائع وشواهد إنسانية راقية من التاريخ الإسلامي، ومواقف الأعلام، وإجراءات الحكام الصالحين، من سلف هذه الأمة: من الخلفاء الراشدين، وبعض الخلفاء الأمويين والعباسيين وغيرهم .. فضلاً عن الأحاديث النبوية الشريفة، والتوجيهات الإسلامية، الواردة حيال الأسرى والمعتقلين والسجناء.

وإضافة إلى ذلك، فإن المؤلف ألبس الكتاب حلة قشيبة من الشِعْر الهادف، والنثْر البليغ، والحِكَم اللطيفة، مما يستحق أن يفرده المتخصصون، بالجمع والدراسة والبحث.

  • ومما تضمنه الكتاب أيضاً: أنه بعد أن قرر المؤلف مذهب مالك في استحباب إلزام مدمن الخمر السجن، استدل له : بأن عمر جلد أبا محجن الثقفي، عدة مرات، ثم أمر بحبسه، فأوثقه سعد بن أبي وقاص، ثم أطلقته زوجته، لمَّا سمعته يقول، وهو في السجن، حزيناً أن يكون حبيساً قاعداً عن المعركة الساخنة بين المسلمين والفرس:

كفـى حزَناً أن تَطْعـن الخيلُ بالقنا وأُتـرك مشـدوداً عليَّ وثاقيا

فللـه عهـدٌ لا أَخـيـس بعهــده لئن فرجت أنْ لا أزور الحَوانيا

فانطلق فقاتل، وأبلى بلاء حسناً، ثم عاد إلى سجنه، وما أنكر سعد ذلك عليه، بل إنه أطلقه لما تحقَّق من توبته من العودة إلى شرب الخمر.

  • ومما في الكتاب أيضاً، ما نص عليه الفقهاء، من حبس من يسب الناس، أو يهجوهم أو يذمهم، ولو في سكره. ومن تطبيقات ذلك: أنه لما هجا الحطيئةُ الزبرقانَ بن بدر، بقوله:

دع المكارم لا تـرحل لـبـغـيـتهـا واقعد فإنـك أنـت الـطاعم الكـاسي

شكاه إلى عمر فقال للحطيئة: لأشغلنك يا خبيث عن أعراض المسلمين! وأمر به فحُبِس.

وللحطيئة في سجنه، أبيات رقيقة، استعطف بها أمير المؤمنين، وهي:

مـاذا تـقـول لأفــراخ بـذي مــرخ زغـب الـحواصل لا مـاء ولا شـجـر

ألـقـيـت كـاسـبهـم في قـعر موحشة فـاغفر عـليـك سـلام الله يـا عـمـر

  • ومن ذلك ما قرره الفقهاء، من أن السجين في بيت مظلم، يلزمه الاجتهاد، إذا اشتبه عليه وقت الصلاة، فلو صلى بغير اجتهاد لزمه إعادة الصلاة… وروى المؤلف في هذه المناسبة، قول عاصم بن محمد الكاتب في سجنه، الذي حبسه فيه أحمد بن أبي دلف:

تـمضي الـليالي، ولا أذوق لـرقدة طعمـاً، وكيف يذوق مـن لا يـرقد؟

في مـطبق، فـيـه الـنهار مُشاكِل لـليـل، والـظـلمات فـيـه سـرمد

فـإلى متى هـذا الـشـقاء مـؤكد وإلى مــتـى هــذا الـبلاء مجـدَّد

  • كما روى المؤلف أن عبد الله بن حسن المطلبي وأهله، حبسـوا في سجن الهاشمية بالعراق سنة 144هـ ومكثوا ثلاث سنين، لا يسمعون أذاناً، ولا يعرفون وقت صلاة، إلا بالتلاوة، فقال في هذه الحال:

خـرجنا مـن الدنيا ونحن من أهلها فلـسنا مـن الأموات فيها ولا الأحياء

إذا جاءنا الـسجان يـومـاً لحاجـةٍ عجبنا وقلنـا : جاء هـذا من الـدنيا

وروى المؤلف الكثير من الشعر في محاسن السجن، وفي سلبياته التي انتُقد بها، فمن ذلك: ما رواه عن أبي فراس الحمداني، يشكو في السجن كآبته وغمه، بقوله:

وأسر أقـاسـيه، ولـيـل نـجومه أرى كل شـيء غـيـرهن يـزول

تطول بـنا الساعات، وهي قصيرة وفي كـل دهر لا يـسـرك طـول

ومنه أيضاً: ما رواه عن علي بن الجهم، الذي حبسه المتوكل لأفكاره السياسية، وقوله يتمدّح سجنَه الذي يثبِّـته على مبادئه، ويصقل نفسه:

قـالوا : حـبـست، فقلت : ليس بضائري حـبـسـي، وأي مهـنـد لا يـغمــد ؟

أو ما رأيـت الـليـث يـألـف غـيـله كـبراً، وأوبــاش الــسـبـاع تـردد ؟

والـنار فـي أحـجـارهـا مـخـبـوءة لا تـصـطلـي إن لم تـثرهـا الأزنــد

والحـبـس ما لـم تـغـشه لـدنـيـة شـنعـاء، نِعْم الـمـنـزل الـمـتـورد

بـيـت يـجـدد لـلـكريم كـرامـة ويـزار فيه ولا يـزور ويــحــفــد

لو لم يـكـن فـي الـحــبـس إلا أنـه لا يـسـتـذلـك بـالحـجاب الأعـبــد

بل إن المؤلف وصل إلى المُحْدَثين والمعاصرين من الشعراء، فهذا صافي النجفي، لما سجنه الإنجليز في بغداد، عام 1943م، لمواقفه الوطنية، قال في سجنه، ممتدحاً:

أهـلاً بـسجـنـي لـشـهر أو لأعوام فـإنمـا يـوم سـجنـي تـاج أيـامــي

قضيت حراً حقـوق الـنفـس كـاملـةً واليوم في الـسجن أقـضي حق أقـوامـي

إن يـسـجـنونـي فـجرمي يا له شرفاً أني أحـارب قــومــاً أهـل إجــرام

كما استشهد المؤلف بأن من محاسن السجن أنه يكشف العدو من الصديق، كما يقول أبو فراس أيضا:

تـنـاسـاني الأصـحـاب إلا عـصابةً سـتـلحـق بـالأخرى غداً وتـحــول

وإن الذي يبقى عـلى العـهـد مـنـهم وإن كـثــرت دعـواهــم لـقـلـيل

واستشهد بأن من مساوئ السجن أنه يورث الضعف والهزال، كما يقول أثير الدين، أحد الشعراء المسجونين في العراق في القرن السادس الهجري:

أفـادني الـسـجن مـنـه عــقــلاً لـعـقلــه سـمــى اعــتــقـالاً

لــكــنـه شَــفَّــنـي بــغــم غـادرني بـالــضـنــى خــيـالاً

يــضـيء لــلعـقـل كـل شـيء إذ صــرت مــن دقـتــي هــلالاً

إلى غير ذلك من الكثير الذي وشّى به المؤلف هذا الكتاب الفقهي، بالأدب المصفى، والشعر الرقيق، ويسَّر للقارئ الاسترسال في قراءته، دون أن يجد الملل إلى نفسه سبيلاً.

فإذا أضفت إلى ما تقدم صحة الحكم، وعمق الفكرة، وصواب النظرة، ورونق التعبير، وجمال البيان، وسلامة اللغة، حكمت – وأنت منصف في حكمك – بأن هذه الكتاب من المؤلفات التي ارتقت إلى المستوى الفذ، وأن على منواله، ينبغي أن يسير الباحثون والكاتبون.

 

ومع ما تقدم من محاسن وإيجابيات، فإن هناك بعض الملاحظات اليسيرة: الشكلية والموضوعية، أذكرها هنا؛ أداء للأمانة العلمية:

فمن الملاحظات الشكلية:

  1. أن المؤلف استشهد بنصٍ لبعض الكتاب المعاصرين على ثناء المؤتمرات الدولية، واعترافها بكفاءة وسمو الفقه الإسلامي، وأنه ينطوي على ثروة فقهية وقانونية أصيلة غير مستمدة ولا مأخوذة من غيرها…. وكان الأوْلى أن يرجع إلى نصوص تلك المؤتمرات الدولية، ويذكرها مباشرة دون واسطة في النقل عنها، كالقرارات الصادرة عن كلية الحقوق بجامعة باريس، ضمن أسبوع الفقه الإسلامي، ومن قبلها ما صدر عن مؤتمر لاهاي للقانون المقارن..
  2. وددت لو أن المؤلف تحدَّث عن حبس الممتنع من أداء الزكاة، مع حديثه عن حبس الممتنع من أداء الصلاة والصوم؛ لأن الرابط بين هذه القضايا الثلاثة، أنها جميعاً من الأمور التعبدية، وليس كما فعل المؤلف حين جعل القضية الأولى مع الحبس في قضايا المعاملات والشؤون المالية.
  3. أرى أنه كان من الأنسب أن يوالي المؤلف ولا يفصل بين ذكر: السَّجن ( القسم الأول ) ومعاملة السـجناء ( القسم الثالث )، وأن يوالي أيضاً ولا يفصل بين ذكـر: السجون ( القسم الثاني ) وإدارة السجون ( القسم الرابع )، وهكذا تكون الصورة الأكمل بالحديث عن السّجَن، ومعاملة السجناء ( أولاً، وثانياً )، ثم الحديث عن السجون، وإدارتها ( ثالثاً، ورابعاً ).

ومن الملاحظات الموضوعية:

  1. قال المؤلف وهو يستدل بقوله تعالى: ( وآخرين مقرَّنين في الأصفاد ): إن شرع من قبلنا شرع لنا إذا صح بطريق الوحي، ولم يصرح بنسخه. وهذا صحيح، ولكن ينبغي أن يضيف إليه أيضاً عبارة: إذا قصَّه الله تعالى علينا من غير إنكار.
  2. قرر المؤلف اصطلاحين للجناية: عام وخاص، وكان عليه أن يأتي لهما بتعريفين فقهيين من مثل ما ذكره الحَصكفي من الحنفية، أن الجناية بالمعنى الأعم هي: كل فعل محرَّم حلَّ بمال أو نفس. وهي بالمعنى الأخص: كل فعل محرَّم حلَّ بالنفس أو الأطراف.

وبعد: هذه أهم معالم هذا الكتاب وقراءتي له وملاحظاتي عليه، وهي لا تؤثر بإطلاق على قيمته العلمية، ولا تنال من شأنه وعظيم محتواه؛ وهو يعتبر فاتحة في موضوعه، وأصلاً في بابه، ولَبِنَة طيبة ملأت فراغاً واضحاً في المكتبة الفقهية المعاصرة، حتى إن ما كُتِب بعده كان عالة عليه بحسب ما ذكر المؤلف وبعض من قرظوا كتابه، وذلك لأنه تناول الموضوع بجدية ظاهرة، ودراسة معمقة، ومنهجية واضحة، وطريقة شاملة ماتعة تشفي الغليل، وتكشف عمَّا في الشريعة الإسلامية من كنوز ونفائس في هذا الصدد، على الصعيدين النظري والتطبيقي.

فجزى الله المؤلف على هذا الجهد خير الجزاء، ونفع بهذا الكتاب القراء الأفاضل…

والحمد لله رب العالمين.

0

تقييم المستخدمون: 4.28 ( 3 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *