تركيا والثورة وتحالف الضعفاء

الثورة السورية - تركيا والثورة

من الحكمة في عالم الصراع السياسي معرفة حجمك الحقيقي، وحجم شريكك، ومدى قوتكما في غابة التدافع الدولي الشرس.

ما نعانيه اليوم هو قصور تام في معرفة مدى قوتنا كثورة، ومقدار ما نملك للآن من أوراق رابحة، بمقابل تضخم موهوم في تقديرنا لقوة الشريك التركي وحضوره بين الكبار كروسيا وأميركا، وهذا ما يصعّب حركة الشريك التركي ويثقلها، ناهيك عن مشاكله الداخلية الخاصة والعراقيل التي توضع له بشكل مقصود.

غياب القيادات الواعية في الثورة صاحبة العقلية النفعية العامة، وشجاعة الإقدام، التي تحسن تنظيم الجماهير، واستغلال الكوادر والجهود المبعثرة، ومخاطبة العالم بما يفهمه، مع وضع رؤية تخطيطية شاملة بعيدة المدى هو ما نحتاجه، وهذا أمر ليس صعبا، ولدينا مقوماته، لكننا نفقد الثقة بأنفسنا لكثرة الشدائد والضغوط التي وضعنا بها.

إيهام الناس أن تركيا قوة دولية لها ثقل موازي لأميركا وروسيا تدليس كبير عليهم وإساءة مقصودة لها.

أيضا مقارنة تركيا المسالمة، التي لا تتحرك قبل ضمان الأضواء الخضراء من أميركا وروسيا بإيران العقائدية المشاكسة صاحبة البرنامج النووي، التي لها أذرع عسكرية مخلصة ومدربة في كل محيطها الإقليمي تلعب من خلالها، وتقرصن على الدول في مضيق هرمز وأسواق النفط ليس صائبا.

على تركيا أن تعي أن التقليل من خطورة النظام السوري على داخلها، والإصرار على تحييده واعتباره عدوا ثانويا قصور نظر كبير، لأن النظام السوري يملك أوراق ضغط خطيرة تهدد الأمن القومي التركي داخل تركيا، أكثر مما تملك تركيا داخله، فمثلا النظام السوري نظام طائفي بامتياز، واستطاع استمالة أبناء طائفته في المنطقة من غير السوريين في تركيا ولبنان، وشكل منهم جماعات ضاغطة لمصلحته ضمن مجتمعاتهم، مع عدم تناسينا وجود تيار سياسي تركي معارض لتوجه العدالة والتنمية، تزداد قوته يوما بعد يوم في الداخل التركي، ويرى النظام السوري جزء من حل المشكلة السورية وليس سببا لها، ولا ضير عنده من إعادة العلاقات معه، والنظام يعرف تماما كيف يستثمر به، ولن أتطرق لدور النظام السوري في صنع ودعم حزب ال pkk الخطر الأكبر على الأمن القومي التركي لأن الأمر أصبح مملا لكثرة تكراره.

داخليا علينا أن نحسن نظرتنا لأنفسنا وقد صمدنا ثمان سنوات ونحن شعب أعزل في وجه أعتى الهجمات العسكرية، وأشرس المجازر الوحشية، وكسرنا ثلاث أنظمة منافسة لتركيا ومعادية لها وقطعنا أذرعها الإجرامية بمعارك برية لا يوجد بها غطاء جوي يحمينا فيها، فكيف نظن أننا لسنا أهلا لنكون أصحاب كلمة في مستقبلنا ومصيرنا، وحصرا يجب أن نكون ذنبا لغيرنا؟؟
هذا قمة الإجحاف والمهزلة.

تركيا شريك استراتيجي مهم للثورة، علينا الوقوف معه للنهاية، وأهم خدمة نقدمها لها أن نعي أننا بتسليم أمرنا لغير الأكفاء سياسيا وعسكريا ومدنيا قد صرنا حملا كريها يثقلها، ثم علينا أن نعرف حجمها ومقدار قوتها بين باقي اللاعبين فلا نكلفها فوق طاقتها، ولا نرفع معها سقف توقعاتنا ومطالبنا.

تركيا تحتاج الثورة، كما الثورة تحتاجها بل وربما أكثر، وعلينا وعليها مراجعة تفاصيل الشراكة التي فرضتها التقاء مصالحنا وأمور أخرى، ومحاولة تصحيح صورة التعاون والتنسيق، وذلك لا يتم إلا بتغيير أغلب من اعتمدتهم تركيا في إدارة الملف السوري من سوريين وأتراك، مع الاستفادة من الأخطاء والدروس السابقة، فالاستحقاقات القادمة مثل #منبج و #شرق_الفرات، ليست ك #درع_الفرات و #غصن_الزيتون ، في ظل استمرار تهديدات #إدلب و #عفرين .

علينا أن نتذكر دائما أن ال تنظيم ال pkk الإرهابي عدو ثانوي لنا وللأتراك، بينما عداوتنا الرئيسية هي مع النظام الطائفي المجرم الذي صنعه وأحسن استغلاله، لذلك يجب أن ندخل بقوة بشرق الفرات مع أخذنا ضمانات ملموسة وقوية من الشريك التركي بعدم تكرار خطأ #عفرين وحماية أهلنا المدنيين من التجاوزات، وحماية #إدلب وتحرير أراضينا المغتصبة في #تل_رفعت وماحولها، و #منبج و #تادف لأهمية هذه المناطق بالنسبة للشمال المحرر.

لم يبقَ ورقة ضغط بيد تنظيم ال pkk الإرهابي سوى إطلاق الدواعش الأسرى لديه ليعيثوا فسادا بالمحرر، لذلك علينا من الآن الحذر من ذلك، علما أن الدواعش المحررين سيستغلون روابط العصبيات الجاهلية المناطقية والفصائلية والعشائرية، وضعاف النفوس المرتشين من القيادات، للحصول على غطاء يحميهم ويسهل عملهم.

معركة #نبع_السلام أفضل صيغة تقاطع مصالح لنا مع تركيا، علينا أن نناور بها ونضع كل جهدنا لتحصيل أكبر مكاسب سياسية وعسكرية ممكنة، والمنطقة الشرقية هي أهم منطقة بسوريا جيوسياسيا، لذلك تتنافس عليها الدول لتضع قدما فيها، وعلى #الجيش_الوطني أن يثبت لشعبه ثم للشريك التركي أنه أهل للثقة، وركيزة للاستقرار، فلا يزال كابوس المفسدين والمسيئين ينغّص حلم ثورتنا الوردي.

0

تقييم المستخدمون: 5 ( 1 أصوات)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *