كي لا تغرق السفينة
#خطبة_الجمعة
#الشيخ_محمد_أبو_النصر
كي لا تغرق السفينة
🕌 أحد مساجد ريف حلب المحرر.
⏱ المدة: 28 دقيقة.
التاريخ: 14/محرم/1441هـ
الموافق: 13/أيلول/2019م
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الأولى:
1️⃣ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ.
2️⃣ لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ.
3️⃣ الساكتون واحد من خمسة أصناف.
4️⃣ الشركاء المنتفِعون، المداهنون المنافقون، الجبناء، المستهترون الجاهلون بمعنى الأخوة الإيمانية، المتظاهرون بالحكمة.
5️⃣ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً.
6️⃣ جهاد الدفع مع البر والفاجر.
7️⃣ لا تُحمِّلوا المجاهدين المدافعين عنّا تبعة إجرام من يستثمر جهادهم.
8️⃣ سفَه من يستحقر تضحيات الناس ممن يزاوِد علينا بأبنائنا علينا!
9⃣ تعس عبد الدرهم والدينار.
🔴الأفكار الرئيسة في الخطبة الثانية:
🔟 دعاء
لتحميل الخطبة كتابيا بصيغة PDF
- ملاحظة: ما بين معكوفتين [ ] فهو شرح مُدرج في سياق ذِكرِ الدليل.
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعين به، ونستهديه ونستغفِره، ونعوذ بالله من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهدِ الله فهو المهتد ومن يُضلِل فلن تجد له وليًّا مُرشِدًا… وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمّدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وخليله، أرسله ربُّه بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهره على الدينِ كُلِّه ولو كرِه المشركون، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آل بيته الطيِّبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ المحجَّلين، ومن سار على دربهم واهتدى بهداهم إلى يوم الدين،
أمّا بعدُ إخوة الإيمان، يقول الله تعالى وهو أحكم القائلين: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران: 110]
أيُّها الأحبَّة الأفاضل أيّها السادة الأكارم، حديثنا اليوم عن أمرٍ ذكره الله تعالى في هذه الآية، وربطه بالإيمان به جلَّ وعلا، ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) الإيمان بالله مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمجتمع المسلم، فالمجتمع المؤمِن، فالدولة المُسلِمَةُ السليمة التي قامت على أركان ترضي الله تعالى لا يمكن أن تستمر ولا يمكن أن تقوم أصلا إذا لم يكن أهلها مُصلِحون، فالصلاح وحده لا يكفي،
((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) [هود: 117]
لم يقل أهلها صالحون قال وأهلها مصلِحون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ففي كُلِّ زمان ومكان هناك من يطغى، هناك من تستزلُّه الشياطين، هناك من توسوس له شياطين الإنس والجن، هناك من يتَّبِع هوى النفس فيطغى ويتجاوز الحد أو يظلِم الخلقَ، فيأتي الأمر بالمعروف ويأتي النهي عن المنكر ليكون علامةً فاصِلة في المجتمع المسلم، فالمجتمع المُسلِم مجتمعٌ قائمٌ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فالمجتمع المسلم فيه صالحون مصلحون لا يخافون في الله لومة لائم، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؛ فالمجتمع المُسلِم فيه أُمراءُ صالِحون يسمعون نصيحة الصالحين فيتَّعِظون، فيعتبرون ويقولون سمعنا وأطعنا، لا يتجبرون ولا يتكبَّرون ولا يطغون…
المجتمع المسلم -أيّها السادة- مجتمعٌ يعرف فيه كلُّ مسلمٍ بأنّا جميعًا مسؤولون عن سفينة الأمَّة، فإمَّا أن تغرق الأمّة بنا جميعًا وتغرق السفينة بنا جميعًا، وإمَّا أن ننجو جميعًا؛ ولا نجاة إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سِرًا وعلانية؛ يكون النصح مرّة تلو مرَّة، كرَّة تلو كرّة، شهرا وشهرين، سَنةً وسنتين، فإذا لم يرتدع المنصوح سِرًا يكون الجهر… والله تعالى قال وقوله الحق: ((لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)) [النساء: 148].
فصاحب المَظلمة، وصاحب الحق أعطاه الله تعالى -من فوق سبع سماوات- حقَّ أن يجهر بمظلَمَته وحقّ أن يطالب بمظلمته، له وللمسلمين، فالله تعالى أخذ العهد على أهل الدين وعلى أهل العلم في كلِّ الأمم مِن قبل أمَّة الإسلام حتّى: ((لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)) [آل عمران: 187] يُبيّنون حدودَ الله ويبينون الحقّ وينهَون عن المنكَر…
أيها السادة، في كل زمان ومكان نرى هناك من يسكت عن الأمر بالمعروف، ونرى من يسكت عن النهي عن المنكَر، ونرى أيضا من يشتم ويغمِز ويلمِز الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، نرى من يطعن ويخوِّن من يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكَر، وأولئك -أيَّها السادة- لا يخرجون عن أن يكونوا واحدًا من أربَع والخامِس فيهم نادر:
فأولهم: المداهنون المنافقون؛ المداهنون المنافقون أولئك همُّهم المُداهنة وهمُّهم النفاق لكي يحقِّقوا مصالحهم الشخصية، أولئك الذين لم يعرِفوا حديثَ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- الذي رواه الإمام البخاري فقال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: “مثَل المُدْهِنِ في حدود الله والواقع فيها […الواقع فيها الذي يقع في حدود الله ويرتكب الموبقات أمّا المُدهِن فهو الذي يُداهِنه وينافق له ولا يأمره بمعروف ولا ينهاه عن منكر…] يقول رسول الله:
” مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً [عملوا قرعة في السفينة] ، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا [ناس على ظهر السفينة العلوي وناس داخل العنبر الداخلي]، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلَاهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، […كلما احتاجوا ماء لداخل عنبر السفينة يطلعون على ظهر السفينة لكي يأخذوا من ماء البحر، لكي يغتسِلوا، لكي يأكلوا، لكي يستخدموه… فكانوا يرون أنهم يؤذون من في أعلاها..]، فَأَخَذَ فَأْسًا [أحد هؤلاء الذين في داخِلها…]، فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : مَا لَكَ ؟ قَالَ : تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَاءِ. [تأذيتم بي ولابد لي من الماء فقلت أخرق في السفينة خَرقًا وآخذ ماءً ولا تتضايقون مني..]، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ “.
هذا حال المداهنين أيُّها الأحبّة، هذا حال المنافقين أيّها الأحبّة، يسكتون عمَّن يخرِق السفينة وكأنّ من يخرِق السفينة سيغرق بها وحده، إذا أخذوا على يده أنجوه، هو أول شخص سينجو معهم ونجو جميعا، وإذا تركوه وسكتوا له وجاملوه ونافقوا له وزيَّنوا له عمله غرِق وغرِقوا معه جميعًا… فأوَّل الساكتين عن الحق هم المداهِنون المنافقون..
وثانيهم: -أيّها السادة- وهم كثير بين عموم الناس فهم الجبناء الخائفون، وهذا حال كثير من الشعوب المظلومة.
نحن في بلدنا خمسين سنة ساكتين على الظلم جُبنًا وخوفًا… تكلَّم بعض الناس في ثمانينيات القرن الماضي ونام الناس بعدها ثلاثين سنة حتى يجرؤوا بعدها أن ينطقوا مطالبين بحقوقهم، ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حدَّثنا عن أمراء السوء فقال: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يومَ القِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدَرِ غَدْرِهِ ، ألاَ وَلاَ غَادِرَ أعْظَمُ غَدْراً مِنْ أمِيرِ عَامَّةٍ». [رواه مسلم]. ثُمَّ توجَّه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالكلام لعموم المسلمين قائلًا: «ألا لا يمنّعَن رجُلًا مهابةُ الناس أن يتكلم بالحق إذا علمه، ألا إن أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر، أو عند أميرٍ جائر». [مسند أحمد].
رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يمدح أهل الإيمان الذين لا يخافون ولا يهابون في الله لومة لائم، أولئك الذين لا تمنعهم مهابة الناس عن أن يتكلموا بالحق إذا علموه، لماذا الله تعالى لما مدح الأمة المحمدية قال: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران: 110] ، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إيمانا حقيقيا بالله، يحتاج رجالا يعلمون حقًّا وصِدقًا ويقينًا قولَ رسولَ الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «واعلم : أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» [رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح].
فمن وقع في قلبه هذا الإيمان حقا لم يهَب ظالِمًا، ولم يخَف مِن أن يطالب بحقه ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إيمانا حقيقيَا، يحتاج إيمان من لا يخاف، ويحتاج إيمان من لا يستهتر بحق هذه الأمة…
فالصنف الثالث من الساكتين عن المنكر هم المستهترون الذين لا يبالون بواقع الأمة
[ أشو لي بوجعة الراس؟! أموري ماشية: مبسوط مع أهلي ومع عيالي، وعندي بيت، وعندي شغل وعبتكسَّب… وحتى الظَّلمة إذا فرضوا عليَّ بعضَ المكوس ما هي مشكلة بالأخير بتطلع من رقبة المواطن المسكين، يعني البضاعة كانت تكلفني ألف خليها تكلفني ألف ومئتين بالأخير طالعة من رقبة هالمسكين المواطن المستهلِك…. اشو المشكلة، ليش أوجع راسي…]هؤلاء المستهترون الذين لا يبالون، هؤلاء لم يفهموا حقيقة الإيمان لأن الله تعالى قال وقوله الحق: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة: 71].
من يرحمهم الله لابُدَّ أن يكونوا أولًا يرحمون بعضهم بعضًا… لذلك الله عز وجل في هذه الآية قبل الصلاة والزكاة ذكر لنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) لا يصح أن تقول أنا لا دخل لي، لو بدك تقولها ما كنت طلعت بهذه الثورة أصلا!! نحن وكثير من الإخوة المجاهدين كنا قبل الثورة أصحاب أعمال وأرزاق وأموال ووظائف وأغنى بكثير من وضعنا الآن… لو كل واحد يفكر بنفسه فقط فهذا ليس مؤمِنًا، الله عزَّ وجلّ يقول: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ)) [التوبة: 71].
لذلك أيها السادة الكرام، فالمستهتر اللامبالي هذا لم يعي معنى الأخوة الإيمانية، ولم يعرف معنى والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، لأن الظلم إذا وقع على أخوك فقد وقع عليك لأنك وليه لأنك واجب عليك أن تنصره لأن الله تعالى قال: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً)) [الأنفال: 25]
لأن عذاب الله لما يقع لا يقع بس على الظالم يعني نحن لما خسرنا 500 كيلو متر مربع بريف حماة بس الظلمة والمقصرين هم الذين تشرَّدوا؟!! والحقيقة أنَّ مئات آلاف البشر تشرَّدت الآن مئة ألف إنسان تحت الزيتون ونحن مقبلون على الشتاء ما عرفوا يأمنوا لهم خيم هل البلاء أصاب المقصرين فقط أصاب الظالمين فقط كلياتنا أصبنا الله عز وجل قال: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً))
إذا أيها السادة من يسكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قلنا واحد من أربع والخامس نادر قليل إذا أولهم شريك منتفع الشريك المنتفع لا يحكي المرتزق المنتفع من ذاك المجرم لا يحكي فإما شريك منتفع أو مداهن منافق أو جبان خائف أو مستهتر لا يبالي أما الخامسة النادرة لماذا نقول نادرة لأن كلهم يتسترون بها فمدعي الحكمة الذي يقول لك الوقت غير مناسب الوقت غير مناسب شهر وشهرين سنة وسنتين ومصيبة مصيبتين ومنطقة ومنطقتين متى يكون الوقت مناسبا متى يكون؟ كل يتدخلوا بهي الخامسة شريك منتفع أو مداهن منافق أو جبان خائف أو مستهتر لا يبالي وقلنا الخامس النادر مدعي الحكمة.
أيها السادة عندما نتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونتحدث عن عاقبة ذلك فلابدَّ أن أُحدِّثكم بالحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود إذ قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلّم-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ : يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ» وقرأ روحي فداه: (( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:78-79] إلى قوله ((فاسقون)) ثُمَّ قَالَ –صلّى الله عليه وسلّم- : «كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا».
[سُنن أبي داود].
هذا الذي يريد أن يُغرِق السفينة بكل المسلمين لتأطُرنَّه على الحق أطرا، يعني إذا ما فهم بالكلام بتفَهمُوه بغير الكلام، ولتقصرنه على الحق قَصْرا، هذا الظلم لا بد أن يَرتدع عنه فإمَّا بالنصيحة وإمّا بغيرها، وهذا كلام رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هذا كلام من وجَّه الأمّة لتكون أمّة الإصلاح، لتكون أمة التغيير لتكون أُمة تقديم منهج الحق فتُدخِل الناس في دين الله أفواجا، لا تكرِّهُ الناس بدين الله وتُخرِج الناس منهُ زُمرا… هذه الأُمَّة دليل ومعيار سلامتها وصحتها أن يبقى فيها من يقول للظالم يا ظالم، ولا يهاب إلّا الله.
ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «إِذَا رَأَيْتُ أُمَّتِي تَهَابُ فَلَا تَقُولُ لِلظَّالِمِ يَا ظَالِمُ فَقَدْ تُودِّعَ مِنْهُمْ» [أخرجه الحاكم وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي]
والحمد لله أن في هذه الأمة ما زال هناك من يقول للظالم يا ظالم، ومازال هناك من يريد أن يتدارك السفينة قبل أن تغرق، ومازال هناك من يريد أن يُصلح.
أيها السادة: شأن الأنبياء جميعا وشأن أتباع الأنبياء أن تكون دعواهم دعوة للإصلاح، وشأن الظلمة أن يُعادوا المصلحين الصالحين بدل أن يتعظوا ويرتدعوا!!
نحن يا إخواني بشرٌ، لسنا ملائكة أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، نُخطئ ونُصيب، ولكنَّ معيار الصلاح أنّك إذا سمعت المُصلِح أكرمته وسمعت منه، تسمع شكواه وتظهر حجَّتك ساعيًا في إصلاح الفساد، وأمَّا أن يكون الأمر خلاف ذلك، أمَّا أن يكون الحال إلجامَ المصلحين، ومحاربة الناصحين ومحاربَة الناطقين بالحق، فهذا والعياذ بالله شأنُ الظَّلّمة المفسدين…
أمّا شأن أتباع الحق في كل زمان ومكان هو شأن ومنهج الأنبياء… أيها السادة أخبرنا الله قصص الأنبياء لكي نسير على نهجها وهديها: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ * فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ)) [يونس: 71-73]
شأن المصلحين في كل زمان ومكان أن يتبرؤوا من حولهم وقوتهم إلى حول الله تعالى وقوته ((إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ)) [هود: 88]
إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فأجمعوا أمركم وشركاءكم وجنودَكم وأمنييكُم وعملاءَكم وأطفالكم الذين كانوا أول الثورة عمرهم 5 أو 6 سنين ثم اليوم تستخدمونهم لك تُلجِموا من يقول الحق… وانتظروا العاقبة أنتم وكل من يقول سيسكت على الظلم ((وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)) [هود: 117].
الله تعالى حذرنا وقال: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الأنفال: 25].
في هذه البلاد -أيها السادة والله أقولها لله وللتاريخ- كل المجاهدين المرابطين الآن في هذه البلاد كل الصادقين لا أحد منهم يرضى هذا الظلم… بعض الناس يأتي لكي يُحمِّل هذا المجاهد الصادق الذي يُضحي بنفسه وبماله ويذهب للرباط وممكن ببيته لا يوجد ثمن ربطة خبز، يأتي يقول له “قيادتك فعلت كذا وكذا…” يا إخواني والله هؤلاء المجاهدون الصادقون ابتلوا بهذه القيادات بكل الفصائل، ابتلاءٌ من الله عز وجل، وهؤلاء المجاهدون صادقون نسأل الله أن نكون جميعا منهم يمتثلون أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم- بأننا ونحن نجاهد جهاد دفع نجاهد مع البَرِّ والفاجر، لا نجاهد لأجل فلان ولا لأجل فلان، صحيحٌ بأنَّ هناك مظالم ولكنَّ حل المظالم لا يكون أبدا بترك الجهاد، معاذَ الله، ولا بترك الرباط، معاذ الله، ولا بترك الكفّار يَظهرون على عورات المسلمين، معاذ الله،…. نبقى نرابط ونجاهد ونحتسب في سبيل الله مع البر والفاجر، ولكننا في بيتنا الداخلي سنأمر بالمعروف وسننهى عن المنكر، وسنقول للظالم يا ظالم، وسنطالب بحق أولئك المجاهدين… [الي كل ما دق الكوس بالجرة يزاودون بهم علينا وكأنهم أولادهم وليسوا أولادنا!! أنت عبتطالب بالحقوق وبالمظالم تطعن بالمجاهدين؟!!!… لك يا أخي المجاهدين اتشقفوا في الجبهة وكثير من الأمور كانت ناقصة لهم، والناس صارت تجمع لهم تبرعات، نحن لا نتكلم عن المجاهدين الأبطال الذين بذلوا الغالي والرخيص والنفس والنفيس وضحوا بالدماء وأقبلوا على الله …. مئات من الشهداء في المعارك الأخيرة بذلوا أرواحهم في سبيل الله، لا في سبيل فلان ولا فلان، وكلهم أو جُلُّهم ما كانوا راضيين على ظلم فلان وظلم فلان، وأولئك جميعا حُجّة على الظالم، وحُجة لنا وليسوا حُجَّةً علينا، وهذه الأيام دول يداولها الله بين الناس…فكفى
يا راقـدَ الليل مسـروراً بأولـه *** إنّ الحوادثَ قد يطرقْنَ أسحارا
لا تفرحـنَّ بليـلٍ طـابَ أوَّلـهُ *** فـربَّ آخـرِ ليـلٍ أجَّجَ النّـَارا
أفنى القـرونَ التي كانتْ منعَّمـةً *** كَـرُّ الجديدين إقبـالاً وإدبـاراَ
كم قد أبادتْ صروفُ الدهرمن مَلِكٍ *** قد كان في الدهر نفَّاعاً وضرَّارا
يـا من يعانق دنيـا لابقاءَ لهـا *** يُمسي ويصبح في دنياه سفَّارا
احفظ لسانَـكَ عمـا لايليقُ بـه *** وارْعَ الأقاربَ والأهلِين والجارَا
واعلـم بأنَّك مـن طينٍ إذا جَمَحتْ *** للكبْرِ نفسُك كنْ للأصل ذكّارا
وأَحسـنِ الظـنَّ فيمن أنتَ تعرفـه *** وابحثْ عن الصدْقِ إنْ أوتيتَ أخبارَا
وارفقْ بنفسك منها لا تكنْ رجُـلاً *** يسير خلفَ هواه أينمــا سارَا
فإنْ حـباك إلـهُ الكـون مرْحمـةً *** فذلك الفوزُ لا كم نِلتَ دينارا
إنْ كنتَ تبغي جنانَ الخلد تسكنُهـا *** فينبغي لك أنْ لا تأمنَ النـارَا
[مِن شِعر منسوب للإمام الشافعي]
رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «قَالَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ تَعِسَ وَانْتَكَسَ وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ» [رواه البخاري]، المرحمة أيها السادة بالمؤمنين: فإنْ حـباك إلـه الكـون مرْحمـةً * * * فذلك الفوز لا كم نِلتَ دينارا
اللُّطفُ بالمؤمنين، حُسن الحديث معهم، ليس التكبر ولا التجبُّر على المسلمين، والله أيها السادة ما كنت لأقول هذا الكلام لولا كلام يُخرِج الإنسان عن طَوره، تخيَّلوا هذا الذي يُريد أن يُكلِّمه الناس سِرًا وأن ينصحوه سرًا يلتقي بأعيان ونخب الناس فبدل أن يرتدِع ويتعِظ ويقولَ: “حسبُنا الله ونِعم الوكيل سنتجاوز التقصير” تراه يقول: “ماذا قدّم الناس؟ ماذا قدّم الناس؟ الناس ما ضحّوا غير بخمسة بالمئة”!! هيك بالحرف “الناس ضحت بخمسة بالمئة”!!
اش بقي عندها الناس تقدم؟ أولادنا قتلت، أراضينا تركناها، نشتغل طول الشهر لنجمع آجار البيت لصاحب البيت الذي لا يرحمنا … ماذا بقي عندها الناس تقدمه؟!! بدل أن يتعِظ ويعتبِر ويقول: “حقكم على راسي ونحن قصَّرنا وسنصلِح في قادِم الأيام” يقول “الناس ما قدمت غير خمسة بالمئة!”… ليش خيو انت ايش قدمت؟ الناس ألوف مألَّفة تحت الزيتون في العراء…. الناس قدمت أولادها، هدول آلاف المجاهدين أولاد أبوك ولا أولادك؟ أولادك ما راح لك ولا ولد…
المجاهدين بيطلعوا بيرابطوا وببيتوهم ما عندهم مصروف، الناس محسبة المجاهد بيقبض 300 دولار بالشهر!! أحدهم بيروح وبيجي بقلي “شيخي هذا الأخ مع الإخوة”! لك يا أخي والله هذا الأخ مغلوب على أمره، لا تسبه لا تظلمه بجريرة غيره ممن أتوا له بسبة. وحسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس اللهم ولي علينا خيارنا ولا تسلط علينا شرارنا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.