ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألّا تعدلوا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد:الأخوة المجاهدون الكرام بارك الله جهادكم و نصركم على عدوكم نصراً عزيزاً، إن مما لا يجب أن يغفَل عنه الإنسان المجاهد في سبيل الله أن الله قد جعل للنصر أسباباً وشروطاً وللجهاد ضوابطاً وأحكاماً بيّنها في كتابه العزيز مُجملةً ومفصَّلة ولعل من أهمها قوله تعالى:

(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا. وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ. وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (المائدة 2)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ، شُهَداءَ بِالْقِسْطِ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (المائدة 8)

إخوة الإيمان والعقيدة: إن جهاد المجاهد لا يكون جهاداً في سبيل الله إلا إن كان استجابة لأمر الله وطاعة له في واجب أوجبه علينا دفعاً للظلم عن المظلومين وإقامةً لشرع ربّ العالمين نصرة لدينه وإفراداً له سبحانه وتعالى بالسلطان والحاكمية دون أي اعتبار آخر من اعتبارات النفس كحب الانتقام أو حب الظهور أو دفع الغيظ أو غير ذلك من الأمور التي تميل إليها الطباع البشرية. ومن كان جهاده لله وجب عليه امتثال أوامره ومِن هذا أن ليس للمجاهد أن يقتص من ظالم أو مجرم بما يمليه عليه هواه وبما تميل إليه نفسه فلا إيمان دونَ التسليم لأمر الله وشرعه قال تعالى (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء 65) وفي الآيات الكريمة السالفة الذكر نقرأ أمر الله تعالى للصحابة رضوان الله عليهم بألا يعتدوا حتى على الذين صدوهم عن المسجد الحرام في عام الحديبية وقبله من المشركين على الرغم مما أصاب الصحابة من أذاهم وما ترك ذلك في نفوسهم من جروحٍ بالغة وندوبٍ لم تزلها السنون، وعلى الرغم مما خلف ذلك في قلوب الصحابة من كره وبغض عظيم من هول ما فُعِل بهم من ظُلم وقتل وتشريد وغير ذلك ومع هذا أتى أمر الله لهم بالنهي عن الاعتداء وتجاوز الحدود مع أولئك المشركين (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا…..) ولتعلم يا أخي أن ما نزل بك من بلاء ليس بشيء أمام ما عاناه الصحابة رضوان الله عليهم ولتفهم أنّ ابتلاء الله لك وامتحانه لإيمانك بما نزل بك أمر، وواجبك كمجاهد تجاه هذه الأمة المسلمة أمرٌ آخر يتناسب مع نُبل عقيدة المسلم وقضيته، فانتصارك هو انتصار لله تعالى وحده لا انتصار لنفس أو هوى أو ثأر وهنا تظهر عقيدة المسلم في الانضباط بشرع الله وتظهر أخلاقه في قدرته على ضبط النفس وسماحة القلب وهذه دلالة الصدق التي تجعل الناس يؤمنون بنا وبصدق وعدالة قضيتنا وهذا ما يميز المسلم عمن سواه ويدفع الناس لتأييده والسير لنصرته لما يؤديه للإسلام من شهادة طيبة تجذب الناس إليه وإلى هدفه وتحببهم في هذه الثورة المباركة بعيدا عن أولئك الجهلة الحمقى الذين ينفّرون الناس من هذه الثورة ويدفعونهم للرضا بالظلم والظالم في مقابل ما يظهرونه من تصرفات تسيء للثورة و تحولها من حركة إصلاح وبناء في المجتمع إلى موجة انتقام للنفس وثأرٍ لها. ولا تظنّ أخي المسلم أنّ الله يكلف نفسك مالا تطيق فالشرع يعترف للنفس بأن من حقها أن تغضب، ومن حقها أن تكره ولكن ليس من حقها أن تعتدي في فورة الغضب وهيجان الكراهية في النفس. فبتقوى لله عزّ وجلّ والسعي لرضاه نستطيع كبت وضبط هذه المشاعر المستعرة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فا هو يَوْمَ أُحُدٍ ينظر إِلَى سيدنا حَمْزَة رضي الله عنه وهو أسد الله وأسد رسوله وَقَدْ قُتِلَ وَمُثِّلَ بِهِ، فَرَأَى النبي صلى الله عليه وسلم مَنْظَرًا لَمْ يَرَ مَنْظَرًا قَطُّ أَوْجَعَ لِقَلْبِهِ مِنْهُ وَلَا أَوْجَلَ فَقَالَ: “رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، قَدْ كُنْتَ وَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، وَلَوْلَا حَزْنٌ مِنْ بَعْدِكَ عَلَيْكَ لَسَرَّنِي أَنْ أَدَعَكَ حَتَّى تَجِيءَ مِنْ أَفْوَاهٍ شَتَّى”، ثُمَّ حَلَفَ وَهُوَ وَاقِفٌ مَكَانَهُ: “وَاللَّهِ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ مِنْهُمْ مَكَانَكَ” ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَبْرَحْ: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) ” (النحل 126) حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَكَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمْسَكَ عَمَّا أَرَادَ. رواه الحاكم في المستدرك

ولم يتوقف أمر الله للمؤمنين عند أن لا تحملهم كراهيتهم لقوم على أن يجرموا بهم أو أن يميلوا عن العدل في قوله “وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا” فما لبث أن عاد النداء تأكيداً منه سبحانه وتعالى بعد بضع آيات على أن هذا الفعل بعدم الاعتداء شطر أمرهِ تعالى في هذه المسألة والشطر الثاني هو أن إقامة العدل بضوابطه المعروفة شرعا وبيد من حددهم الشرع لذلك ولو كان القلب قد ملئ غيظاً وكرها وحقداً قال تعالى:”يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ، شُهَداءَ بِالْقِسْطِ، وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا. اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ”

فالشطر الثاني من أمره تعالى محكٌ إيماني واختبار شرعي لأنه إجراء إيجابي يحمل النفس على مباشرة العدل والقِسط مع المبغوضين! فهو يظهر حقيقة خروج المجاهد وصدق طاعته لله تعالى ومحبته له وطلبه لرضاه :”يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ … ” فإن النفس البشرية لا ترتقي هذا المرتقى قط، إلا حين تتعامل في هذا الأمر مباشرة مع الله وحين تقوم لله، متجردة عن كل ما عداه وهذا الأمر هو صميم جهادنا ولب ثورتنا بدحر الظلم وإقامة العدل ولنا في أصحاب رسول الله أسوة فهذا سيدنا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، لَمَّا بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُصُ – يقدر و يحزر – عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ ثِمَارَهُمْ وَزَرْعَهُمْ، فَأَرَادُوا أَنْ يُرْشُوه لِيَرْفُقَ بِهِمْ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ الْخَلْقِ إليَّ، وَلْأَنْتَمْ أَبْغَضُ إليَّ مِنْ أَعْدَادِكُمْ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَمَا يَحْمِلُنِي حُبي إِيَّاهُ وَبُغْضِي لَكُمْ عَلَى أَلَّا أَعْدِلَ فِيكُمْ. فَقَالُوا: “بِهَذَا قَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ”.(رواه أحمد و إسناده قوي على شرط مسلم) ونحن إن سلّمنا أمرنا لله ورضينا بحكمه فهو الكفيل بأن يذهب غيظنا ويشفي صدرنا إن اتبعنا أمره وأقمنا شرعه متمايزين عن أخلاق أعدائنا المجرمين قال تعالى :” قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” (التوبة 14-15)

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

0

تقييم المستخدمون: كن أول المصوتون !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *